الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما بسط موسى عليه السلام حاجته، وكشف عن ضعفه، طالبا العون والتيسير، متوسلا بالاتصال والذكر الكثير، جاء الجواب من العلي الأعلى:{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} (1).
(1) سورة طه الآية 36
أقسام الناس في التعاون:
يقسم الماوردي رحمه الله الناس باعتبار ما يقدمونه من معاونة وما يحققونه من معاني الأخوة والتعاون إلى أقسام أربعة:
الأول: من يعين ويستعين.
الثاني: من لا يعين ولا يستعين.
الثالث: من يستعين ولا يعين.
الرابع: من يعين ولا يستعين.
ثم قال: فأما المعين والمستعين فهو معارض منصف، يؤدي ما عليه ويستوفي ما له، فهو كالمقرض يسعف عند الحاجة ويسترد عند الاستغناء، وهو مشكور في معونته ومعذور في استعانته، فهذا أعدل الإخوان.
وأما من لا يعين ولا يستعين فهو متروك، قد منع خيره، وقمع شره، فهو لا صديق يرجى ولا عدو يخشى، وإذا كان الأمر كذلك فهو كالصورة الممثلة، يروقك حسنها ويخونك نفعها، فلا هو مذموم لقمع شره ولا مشكور لمنع خيره، وإن كان باللوم أجدر.
وأما من يستعين ولا يعين فهو لئيم كل ومعان مستذل، قد قطع عنه الرغبة وبسط فيه الرهبة، فلا خيره يرجى ولا شره يؤمن، وحسبك مهانة من رجل مستثقل عند إقلاله، ويستقل عند استقلاله،
فليس لمثله في الإخاء حظ، ولا في الوداد نصيب.
وأما من يعين ولا يستعين فهو كريم الطبع، مشكور الصنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء، فلا يرى ثقيلا في نائبة، ولا يقعد عن نهضة في معونة، فهذا أشرف الإخوان نفسا، وأكرمهم طبعا، فينبغي لمن أوجد له الزمان مثله - وقل أن يكون له مثل لأنه البر الكريم والدر اليتيم - أن يثني عليه خنصره ويعض عليه بناجذه، ويكون به أشد ضنا منه بنفائس أمواله، وسنى ذخائره؛ لأن نفع الإخوان عام، ونفع المال خاص، ومن كان أعم نفعا فهو بالادخار أحق، ثم لا ينبغي أن يزهد فيه لخلق أو خلقين ينكرهما منه إذا رضي سائر أخلاقه، وحمد أكثر شيمه؛ لأن اليسير معفو والكمال معوز (1).
تعليق:
هذا تقسيم من الماوردي رحمه الله أشبه بالحصر العقلي. وهو تقسيم جميل لتصوير النفوس وأحوال الناس والشخوص. ولكن واقع الناس، وما قضت به سنة الله في هذه الحياة، من بناء الدنيا واستقامة المعاش على المشاركة والمعاونة واتخاذ الناس بعضهم بعضا سخريا، كما سبق في مقدمة البحث يشوش على ما قرره الماوردي، فلا يتصور في الواقع من أحد - فيما نحن بصدده - أن يحقق مبتغاه إلا بتعاضد أطراف من الناس. هذا جانب. ومن جانب آخر، فإن البذل من طرف واحد - على نحو
(1) أدب الدنيا والدين ص (211 - 213).