الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل فئة حسب طبيعتها ووظيفتها، والناس ينقسمون إلى عامة وغير عامة. فالعامة هم من ليسوا في موقع السلطة والمسئولية، من الأهل والأقارب والجيران وأهل الحي والقرية والبلدة وألوان المعارف والارتباطات والصداقات. وغير العامة كل ذي مسئولية مخاطب حسب مسؤوليته - صغيرة كانت أو كبيرة - من ولاة الأمر والمربين والعلماء والمعلمين وأصحاب الوظائف العامة والخاصة والمواقع الاجتماعية المؤثرة.
وإذا كان الأمر كذلك فعلى رجل الدعوة قبل أن ينتظر معاونة الناس واستجابتهم أن ينظر في نفسه وأخلاقه ومؤهلاته.
وهذا استعراض لأهم الصفات التي يؤثر تحقيقها واستجلاؤها في التعاون تحقيقا واستمرارا.
عقد الأخوة الإيمانية:
إن من أهم صفات رجل الدعوة استشعار عقد الأخوة في الله، الأخوة الحقة، أخوة من أجل نصرة دين الله، إنه العقد الذي يشعر فيه المسلم بعامة ورجل الدعوة بخاصة أنه ليس وحيدا ولا فردا.
وعليه فإن من أولى واجبات الداعية تجنب ما يعكر هذا الصفو، من هنات وهزات تورث نفرة القلوب ووحشة النفوس، يتجنب في هذا الباب كثرة العتاب والمراء والجدل، وبخاصة إذا شابه رائحة استعلاء وحب تميز وظهور. والتعريض في العتاب مقدم على التصريح مع حفظ الغيبة والثبات على الوفاء وترك
الكلف بعيدا عن الأنانية وضيق الأفق والتعلق بصغائر الأمور والانشغال بها.
وللسلف رحمهم الله في هذا أقوال محفوظة وعبارات مسبوكة تنتصب دلائل ومنائر على ما نحن بصدده.
يقول الحسن رحمه الله: " المؤمن مرآة أخيه إن رأى فيه ما لا يعجبه سدده وقومه وحاطه وحفظه في السر والعلانية، فثقوا بالأصحاب والإخوان والمجالس "(1). ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه. وكفى بالمرء عيبا أن يجد على الناس فيما يأتي أو يبدو لهم منه ما يخفى عليه من نفسه وأن يؤذيه في المجلس بما لا يعنيه "(2).
ومن أقوال بعض الحكماء: " من جاد لك بمودته فقد جعلك عديل نفسه، فأول حقوقه اعتقاد مودته، ثم إيناسه والانبساط إليه في غير محرم، ثم نصحه في السر والعلانية، ثم تخفيف الأثقال عنه، ثم معاونته فيما ينوبه من حادثة أو يناله من نكبة، فإن مراقبته في الظاهر نفاق، وتركه في الشدة لؤم "(3).
ويقول عطاء بن أبي رباح رحمه الله: " تفقدوا إخوانكم بعد
(1) الإخوان لابن أبي الدنيا ص (131).
(2)
الجامع لأبي زيد القيرواني ص (199).
(3)
أدب الدنيا والدين، ص (216).
ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو نسوا فذكروهم " (1).
ويقول أبو جعفر بن صهبان رحمه الله: " كان يقال: أول المودة طلاقة الوجه، والثانية: المودة، والثالثة: قضاء حوائج الناس "(2).
وهي كما ترى إشارات عابرة لما ينبغي أن يكون عليه رجل الدعوة من مبادرات ومحاسبة للنفس قبل محاسبة الآخرين أو انتظار عونهم.
بل مهما تأملت وتعمقت فلن تجد في عقد الأخوة وصدق المودة كما صار بين موسى وأخيه في ميدان الدعوة والنبوة.
أورد ابن أبي حاتم بسنده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: أنها خرجت فيما كانت تعتمر، فنزلت ببعض الأعراب فسمعت رجلا يقول: أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه؟ قالوا: لا ندري. قال: أنا والله أدري. قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت في نفسي في حلفه لا يستثني: إنه يعلم أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه. قال الأعرابي: موسى حين سأل لأخيه النبوة. فقلت صدق والله.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ومن هذا قال الله تعالى في الثناء على موسى عليه السلام: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} (3).
(1) إحياء علوم الدين، 2/ 176.
(2)
الإخوان لابن أبي الدنيا، 194.
(3)
سورة الأحزاب الآية 69