الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أمر الله.
وسمي الوزير وزيرا لأنه يحمل عن الخليفة والملك ثقله ويعينه برأيه ويحتمل ما أسند إليه من تدبير الملك والمسؤولية (1).
أما الردء فمأخوذ من أردأه أي: أعانه. قال صاحب اللسان: فلان ردء لفلان أي ينصره ويشد ظهره، فالردء هو العون والناصر (2).
(1) لسان العرب ج (5) ص (282، 283)، ج (12) ص (298)، تفسير الماوردي ج (3) ص (13، 14).
(2)
لسان العرب ج (1) ص (84، 85).
التعاون ضرورة إنسانية:
خلق الله الإنسان مدنيا بطبعه، فركبه على صورة لا تستقيم حياته، ولا يدوم بقاؤه، إلا بمعاونة غيره له من بني جنسه. فقد سخر الله الناس بعضهم لبعض في الغذاء والكساء والتصنيع والحماية بما لا يستطيع أحد منهم أن يستقل بنفسه البتة. ويظهر ذلك جليا حين يقارن الإنسان بالحيوان. فالحيوان لا يحتاج إلى معاونة أحد في تحصيل أسباب بقائه ومعايشه، فعنده من سهولة تحصيل الغذاء والقوة في الحماية ما لا يحتاج معه إلى أحد، بينما الإنسان بقوته الذاتية الفردية لا يستطيع مقاومة كثير من الحيوانات لا سيما الكبيرة منها والمفترسة، فهو عاجز عن المدافعة ما لم يكن معه جمع من جنسه أو آلات قد صنعها بنفسه أو بغيره تقاوم شراسة الحيوان. بل إن قدرته المنفردة لا تفي بتوفير احتياجاته
ولا تستقل بتصنيع آلاته، فهو بحاجة إلى معاونة إخوانه ليحصل على قوت ويحتمي من حر ويتقي من قر ويدفع العدو والصائل.
إذن فالاجتماع والتعاون والتضامن ضروري لنوع الإنسان؛ لتتحقق الحياة على وجهها، ويهنأ له العيش، ويتمكن من القيام بمهمة الاستخلاف وعمارة الأرض بمقتضى قوله سبحانه وتعالى:{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (1)، وقوله سبحانه:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} (2)، وقوله سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} (3)(4).
ولا مانع من الإشارة في هذا المقام إلى ما قد وضع الله في بعض مخلوقاته من غير بني آدم مما يشير إلى تعاون قد فطرت عليه، فقد أعطى ربنا كل شيء خلقه ثم هدى. مخلوقات جعل الله في فطرتها نوع تعاون إما لتأمين غذائها أو الدفاع عن نفسها وجماعتها، ويظهر ذلك في جنسي النمل والنحل.
فقد شوهد أن النمل إذا عثر على عسل في وعاء، ولم يتمكن من الوصول إليه مباشرة؛ لوجود ماء أو سائل يحول بينه وبين هذا العسل، فإنه يتعاون بطريقة فدائية انتحارية؛ فتتقدم فرق
(1) سورة هود الآية 61
(2)
سورة الزخرف الآية 32
(3)
سورة الأنعام الآية 165
(4)
راجع في هذا المعنى: (مقدمة ابن خلدون) ص (41 - 43).
بعد أخرى فتلتصق بالسائب وتموت، وتتقدم غيرها مثلها حتى تتكون قنطرة من جثث النمل الميت يعبر عليها الأحياء الباقون، فيدخلون الوعاء ويصلون إلى العسل ويبلغون مأربهم. هذا في حال اليسر والغذاء.
أما في حال العسر والتعرض للمخاطر فإن مجاميع النمل إذا تعرضت لتيار مائي داهم - مثلا - فإن بعضها يمسك ببعض - ثم تكون كتلة كروية متماسكة تتحمل اندفاع التيار، ثم تعمل حركتين في آن واحد، إحداهما: تتحرك فيها الأرجل كالمجاديف في اتجاه واحد نحو أقرب شاطئ، والثانية: حركة دائرية من أعلى إلى أسفل ليتم تقاسم التنفس بين الجميع، فإذا ما تنفس من في الأعلى حصل انقلاب ليرتفع من في جهة القاع، فيأخذ حظه من النفس، وهكذا في حركة دائرية حتى يبلغوا شاطئ الأمان.
فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. وسبحان من وهب الإنسان العقل المفكر ليتأسى ويعتبر ويكتشف ويرقى بفكره - بعد هداية الله وتوفيقه - ليكون خيرا من الأنعام.
أما النحل فنظامه في تكوين مملكته وإنتاج عسله وترتيب الأعمال بين أفراد خليته فعجب عجاب في التعاون والتناوب ولله في خلقه شؤون (1).
(1) يراجع للمزيد مفتاح دار السعادة ج (1) ص (242 - 249)، تفسير القاسمي 10/ 129.