الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بعض السلف: ليس لأحد أعظم منة على أخيه من موسى عليه السلام على أخيه هارون عليهما السلام، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيا ورسولا معه إلى فرعون وملئه، ولهذا قال ربه في حقه:{وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} (1) وقال في مقام آخر: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} (2).
(1) سورة الأحزاب الآية 69
(2)
سورة مريم الآية 53
الإخلاص:
الحديث عن الإخلاص كثير وواسع، وكتب العلماء رحمهم الله المتقدمين منهم والمتأخرين قد ملئت وشحنت بذكر فضله وعظم أثره والحث عليه ومراقبة النفس فيه.
وخلاصة القول فيه أن الحديث عنه كثير، والدعوة إليه بين الناس عامتهم وعلمائهم ودعاتهم كثيرة ومستمرة، ولكن العمل والتطبيق عزيز وعزيز جدا.
والذي ينصب فيه الحديث هنا أثر الإخلاص في تحقيق التعاون، وعليه فليعلم رجل الدعوة أنه إن كان يضيق ذرعا بمساعدة إخوانه ومبادراتهم ومناصحتهم وتوجيههم وفتح الميادين الواسعة أمامهم إن كان يضيق بذلك فليتهم نفسه وليراجع إخلاصه.
إن عليه - إن كان مخلصا - أن يبادر بفسح المجال للكفء الأمين بالإسهام في ميادين الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويكفي نبراسا وقدوة تضرع موسى عليه السلام إلى ربه في أخيه هارون عليه السلام: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} (1)، مع أن مقام النبوة عظيم قد لا يخطر في البال أن ذلك مما تمكن المشاركة فيه، ولكن موسى أحب لأخيه ما أحب لنفسه.
ولعل فيما مضى من إشارة في الكلام على عقد الأخوة يكمل بيان مراد ما نحن بصدده ويزيد إيضاحه.
إن رجل الدعوة المخلص سوف يكون مسرورا ممتنا إذا ما ظفر بمسلم ذي مقدرة وكفاءة وأمانة يسهم معه في ميدانه ويعينه في شأنه.
أيها الدعاة: إن هناك علاقة بينة بل تنازع جلي بين بذل التعاون والرغبات الشخصية. فالصدق في التعاون وبذله يستلزم تنازلا عن الرغبات الشخصية والأهواء الذاتية.
ومن قام بالتعاون على وجهه، ووفى أعباءه ومتطلباته، إنما يغلب هواه، ويتجرد في إخلاصه؛ بل إنما يقدم المصالح العليا، والحاجات الكبرى، على المصالح الخاصة.
ومنه يدرك الناظر أثر التعاون الحقيقي في بناء الوحدة وكبح شر التشرذم، ومن هنا تتجلى التراجحات بين التعاون والمنافع الذاتية. إنها قضية أساسية يجب أن تحتل مكانة أرفع لدى الدعاة والمفكرين في ميادين الدعوة.
(1) سورة طه الآية 32