الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تبلغ روحه حلقومه.
وإذا كان الأمر كذلك فيطيب لي أن أعرض معاني التوبة التي جاءت في كتاب الله تعالى عن طريق الإيجاز غير المخل، أو التطويل غير الممل، وبالله التوفيق.
معاني التوبة في القرآن الكريم:
يرى صاحب البصائر أن التوبة جاءت في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه:
الأول: بمعنى التجاوز والعفو، وهذا مقيد بـ (على) (1) قال تعالى:{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (2)، وقال تعالى:{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} (3) إلى {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (4). قاتلوهم يجعلكم الله ستار قدرته، وأداة مشيئته، فيعذبهم بأيديكم ويخزهم بالهزيمة، وينصركم عليهم، ويشف صدور جماعة من المؤمنين ممن آذاهم وشردهم المشركون، يشفها بهزيمة الباطل، وتشريد المبطلين.
(1) بصائر ذوي التمييز، 2/ 308
(2)
سورة البقرة الآية 54
(3)
سورة التوبة الآية 14
(4)
سورة التوبة الآية 15
فانتصار المسلمين قد يرد بعض المشركين إلى الإيمان، ويفتح بصيرتهم على الهدى، حين يرون المسلمين ينصرون، ويحسون أن قوة غير قوة البشر تؤيدهم، ويرون آثار الإيمان في مواقفهم، وهذا ما كان فعلا، وعندئذ يناله المسلمون المجاهدون أجر جهادهم، وأجر هداية الضالين، وينال الإسلام قوة جديدة تضاف إلى قوته بهؤلاء المهتدين التائبين (1).
الثاني: بمعنى الرجوع، والإنابة، وهذا مقيد بـ (إلى) قال الله تعالى:{وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (2). وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (3).
قال ابن عباس: تبت إليك: رجعت عن الأمر الذي كنت عليه، وذلك شأن الرجل المؤمن صاحب الفطرة السليمة المستقيمة مع ربه، والذي عاد ورجع إليه تائبا مستغفرا، وأما شأن ربه معه فقد ذكره القرآن الكريم بقوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} (4).
وفي الآية الأخرى: تذكر التوبة النصوحة، وهي التوبة عن
(1) راجع في ظلال القرآن لسيد قطب، 4/ 157
(2)
سورة الأحقاف الآية 15
(3)
سورة التحريم الآية 8
(4)
سورة الأحقاف الآية 16
الذنب والمعصية، تبدأ بالندم على ما كان، وتنتهي بالعمل الصالح والطاعة، فهي من هذا المنطلق تنصح القلب فتخلصه من رواسب المعاصي، وتدفعه إلى العمل الصالح، ثم تظل تذكر القلب فلا يعود إلى الذنوب، ولا يفكر في المعصية، ولا يقترب منها، ولا يكون للشيطان عليه من سلطان، قال تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} (1).
الثالث: بمعنى الندامة على الزلة، وهذا غير مقيد لا بـ (إلى) ولا بـ (على) قال الله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (2).
هؤلاء يفتح القرآن لهم هذه النافذة المضيئة -نافذة التوبة- يفتحها فتنسم نسمة الأمل في الصدور، وتقود القلوب إلى مصدر النور فلا تيأس من رحمة الله، وكيف يحدث هذا والله سبحانه وتعالى يقول:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (3). وكيف يخالجها قنوط والله تعالى يقول: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} (4) السيئات جميعها جليلها وحقيرها، عظيمها وكبيرها، وكيف لا يكون كذلك والله قد أعلن في كتابه عن ذلك بقوله:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (5)
(1) سورة الإسراء الآية 65
(2)
سورة البقرة الآية 160
(3)
سورة الزمر الآية 53
(4)
سورة الشورى الآية 25
(5)
سورة الأنعام الآية 54