الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذا الموضوع كلام عرض فيه حكم التسعير إذا كان يتضمن العدل، وحكمه إذا كان يتضمن جورا، وذكر نظائر لهذه المسألة ثم تكلم على مسألتين:
الأولى: إذا كان للناس سعر غالب فأراد بعضهم أن يبيع بأغلى من ذلك.
الثانية: هل يحد لأهل السوق حد لا يتجاوزونه مع قيامهم بالواجب. وكذلك لابن القيم كلام في ذلك يتفق من حيث الجملة مع كلام شيخ الإسلام، ثم لسماحة مفتي الديار السعودية رحمه الله كتابة في الموضوع رأت اللجنة ذكر جميع ذلك وبالله التوفيق.
معنى التسعير
نذكر فيما يلي معنى التسعير، ثم نذكر المسائل الخمس ثم الكلام المذكور:
معنى التسعير لغة واصطلاحا
أما معناه لغة: فقد قال فيه ابن منظور: التسعير الذي يقوم عليه الثمن وجمعه أسعار وقد سعروا ومسعروا بمعنى واحد اتفقوا على سعر. . . . والتسعير التقدير (1).
وأما معناه اصطلاحا فقد قال فيه الشوكاني هو أن يأمر السلطان ونوابه أو كل من ولي من
(1) لسان العرب / 6/ 30
أمور المسلمين أمرا أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا فيمنعوا من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة (1).
(1) نيل الأوطار / 5/ 233
المسألة الأولى
أن يحد لأهل السوق حد لا يتجاوزونه
اختلف أهل العلم في ذلك فمنعه قوم وجوزه آخرون، وفيه من قال بجوازه إذا تعدى أرباب الطعام، ومن أهل العلم من قال بجوازه عام الغلاء.
أما المانعون فبعض الحنفية وقال به مالك ومن وافقه من أصحابه، وهو أحد الأقوال في مذهب الشافعية وهو المقدم عند الحنابلة.
جاء في بداية المبتدي: ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس (1).
وقال محمد بن الحسن الشيباني بعد سياقه لأثر عمر مع حاطب بن أبي بلتعه قال: وبهذا نأخذ لا ينبغي أن يسعر على المسلمين، فيقال لهم بيعوا كذا وكذا بكذا أو يجبرون على ذلك وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا (2).
وجاء في المنتقى شرح الموطأ بعد ذكره لصورة المسألة قال: فهذا منع منه مالك وبه قال ابن عمر وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد (3).
وجاء في المهذب: لا يحل للسلطان التسعير (4).
وقال عبد الرحمن بن قدامة: وهذا مذهب الشافعي (5).
وقال الرملي ويحرم على الإمام أو نائبه ولو قاضيا التسعير في قوت أو غيره انتهى (6).
وقال النووي ومنها - أي المناهي- التسعير وهو حرام في كل وقت على الصحيح (7).
(1) البداية ومعها الهداية / 4/ 93
(2)
الموطأ رواية محمد بن الحسن / 341 / طبعة هندية
(3)
المنتقى شرح الموطأ / 5/ 18
(4)
المهذب وشرحه / 13/ 29
(5)
الشرح الكبير ومعه المغني / 4/ 44
(6)
نهاية المحتاج / 3/ 473
(7)
روضة الطالبين / 411 - 412
وقال عبد الرحمن بن قدامة: وليس للإمام أن يسعر على الناس بل يبيع الناس أموالهم بما يختارون (1).
وقال في الإنصاف: ويحرم التسعير ويكره الشراء به على الصحيح من المذهب (2).
وقال محمد بن الحسن الفراء: ولا يجوز أن يسعر على الناس بالأقوات ولا غيرها في رخص ولا غلاء / انتهى (3).
واستدل لهذا القول بالسنة والمعنى.
أما السنة فما رواه الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى في مسانيدهم وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه في سننهم عن أنس رضي الله عنه قال: «قال الناس يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحدكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال (4)» .
قال ابن حجر وإسناده على شرط مسلم وصححه أيضا ابن حبان وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود قال: «جاء رجل فقال يا رسول الله سعر فقال بل ادعو الله ثم جاء آخر فقال: يا رسول الله سعر فقل: بل الله يخفض ويرفع (5)»
قال الحافظ وإسناده حسن وعن أبي سعيد عن ابن ماجه والبزار والطبراني نحو حديث أنس ورجاله رجال الصحيح وحسنه الحافظ وعن علي رضي الله عنه عند البزار نحوه وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير وعن أبي جحيفة عنده في الكبير انتهى.
(1) الشرح الكبير ومعه المغني 4/ 51
(2)
الأحكام السلطانية
(3)
نيل الأوطار / 5/ 232 - 233 ويرجع أيضا إلى الدراية في تخريج أحاديث الهداية / 2/ 224 - 225
(4)
سنن الترمذي البيوع (1314)، سنن أبو داود البيوع (3451)، سنن ابن ماجه التجارات (2200)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 286)، سنن الدارمي البيوع (2545).
(5)
سنن أبو داود البيوع (3450)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 337).
وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم لم يسعر وقد سألوه ذلك ولو جاز لأجابهم إليه. وأنه علل ذلك بكونه مظلمة والظلم حرام ذكره عبد الرحمن بن قدامة (1) وبسط الشوكاني هذا الوجه الثاني فقال الناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم والإمام برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} (2)(3).
وقال الشوكاني أيضا وظاهر الأحاديث أنه لا فرق بين حالة الغلاء وحالة الرخص ولا فرق بين المجلوب وغيره وإلى ذلك مال الجمهور. . وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتا للآدمي ولغيره من الحيوانات وبين ما كان من غير ذلك من الإدامات وسائر الأمتعة (4).
ويمكن أن يجيب المجيزون عن الاستدلال بهذه الأحاديث بوجهين: -
الأول: يحتمل أن يكون هذا من تصرفاته صلى الله عليه وسلم بمقتضى الأمانة وأنه عليه الصلاة والسلام راعى المصلحة التي كانت تدعو إليها تلك الظروف ويمكن أن يدفع ذلك بأن القاعدة العامة في الشريعة أن النصوص عامة في التشريع من حيث الزمان والمكان والأشخاص والأحوال وأنها وحي من الله عز وجل وحملها على صورة معينة يكون بها الدليل خاصا بزمان ومكان وشخص وحال خلاف الأصل فيحتاج إلى دليل وكذلك حمل الأحاديث على أنها من تصرفاته الاجتهادية عليه الصلاة والسلام.
وثانيا: قوله صلى الله عليه وسلم «إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال (5)» - دليل صريح على أن علة ما قرره في أمر التسعير هو مراعاة أن لا يظلم أحدا من الناس سواء كان بائعا أو مشتريا وهو يكون بالمحافظة على ميزان العدالة بينهم وذلك كما يكون بحماية البائع من إلزام المشتري إياه بسعر دون الذي يريد كذلك يكون بحماية المشتري من إلزام البائع إياه بالغبن الفاحش واستغلال ضرورته لإيقاع المظلمة به ولا ريب أنه صلى الله عليه وسلم لو رأى من الباعة ميلا إلى هذا الظلم لأخذ على أيديهم وألزمهم بحد لا يتجاوزونه وذلك بمقتضى قوله «إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال (6)» وبمقتضى حديث «لا ضرر ولا ضرار (7)» .
وأما المعنى فإنه مال فلم يجز منعه من بيعه بما تراضى عليه المتبايعان كما لو اتفق الجماعة عليه
(1) الشرح الكبير 4/ 44
(2)
سورة النساء الآية 29
(3)
نيل الأوطار / 5/ 233
(4)
نيل الأوطار / 5/ 233 ويرجع إلى فتح العلام / 2/ 20
(5)
سنن الترمذي البيوع (1314)، سنن أبو داود البيوع (3451)، سنن ابن ماجه التجارات (2200)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 286)، سنن الدارمي البيوع (2545).
(6)
سنن الترمذي البيوع (1314)، سنن أبو داود البيوع (3451)، سنن ابن ماجه التجارات (2200)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 286)، سنن الدارمي البيوع (2545).
(7)
سنن ابن ماجه الأحكام (2340)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 327).
والظاهر أنه سبب الغلاء لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعتهم على بلد يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون. ومن عنده البضاعة يمتنع من بيعها ويكتمها ويطلبها المحتاج ولا يجدها إلا قليلا فيرفع في ثمنها ليحصلها فتغلو الأسعار ويحصل الإضرار بالجانبين جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه فيكون حراما انتهى ذكر ذلك ابن قدامة (1).
القول الثاني: أنه يجوز التسعير وهذا القول رواه أشهب عن مالك. قال الباجي: وروى أشهب عن مالك في العتبية في صاحب السوق يسعر على الجزارين لحم الضأن ثلث رطل ولحم الإبل نصف رطل وإلا أخرجوا من السوق قال إذا سعر عليهم قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس به ولكن أخاف أن يقوموا من السوق (2).
ووجه هذا القول ما يجب من النظر في مصالح العامة والمنع من إغلاء السعر عليهم والإفساد عليهم وليس يجبر الناس على البيع وإنما يمنعون من البيع بغير السعر الذي يحده الإمام على حسب ما يرى من المصلحة فيه للبائع والمبتاع ولا يمنع البائع ربحا ولا يسوغ له منه ما يضر بالناس انتهى (3).
القول الثالث: إنه يجوز إذا تعدى أرباب الطعام تعديا فاحشا وبهذا قال بعض الحنفية ومن وافقهم من أهل العلم جاء في كنز الدقائق وشرحه تبيين الحقائق: ولا يسعر السلطان إلا أن يتعدى أرباب الطعام عن القيمة تعديا فاحشا انتهى (4) وفي إتحاف ذوي الأبصار والبصائر: بتبويب كتاب الأشباه والنظائر: وقال في التنبيه يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام وعليه فروع: منها التسعير عند تعدي أرباب الطعام في بيعه بغبن فاحش (5).
وجاء في توجيه ذلك أن الثمن حق البائع فكان إليه تقديره فلا ينبغي للإمام أن يتعرض لحقه إلا إذا كان أرباب الطعام يتحكمون على المسلمين ويتعدون تعديا فاحشا وعجز السلطان عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير فلا بأس به بمشورة أهل الرأي والنظر (6). انتهى.
ويمكن أن يستدل لذلك أيضا بنهيه صلى الله عليه وسلم عن الاحتكار وعلة النهي ظلم الناس بمنعهم عن الوصول إلى ما يحتاجونه من أقوات وشبهها وهل علة منصوصة في هذا الباب فيقاس التسعير على الاحتكار بجامع هذه العلة وهي رفع الأسعار دون موجب.
(1) الشرح الكبير 4/ 44
(2)
المنتقى شرح الموطأ / 5/ 18
(3)
المنتقى شرح الموطأ / 5/ 18
(4)
كنز الدقائق وشرحه / 1/ 28 ويرجع إلى الدار المنتقى / 2/ 48.
(5)
الاتحاف / 466
(6)
كنز الدقائق وشرحه تبيين الحقائق / 6/ 28