الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكنا من أهل الجنة، فقال عبد الله: صدقت، إن كانت مني لزلة (1) فنحن نرى كيف أن ابن مسعود سرعان ما رجع إلى الحق عندما لاح له نوره.
(1) ابن أبي شيبة 2/ 165ب.
بين عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود
كان عبد الله بن مسعود شديد الإعجاب بمنحى عمر بن الخطاب في التفكير، كثير الثناء عليه، فقد قال مرة:" إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم"(1). . . وقال في مرة ثانية: " لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع علم الأرض في كفة لرجح علم عمر (2)، وقال مرة ثالثة: " لو أن الناس سلكوا واديا وشعبا، وسلك عمر واديا وشعبا، لسلكت وادي عمر وشعبة (3).
وإنما كانت هذه الثقة وهذا الإعجاب لأمرين اثنين فيما أعتقد:
أولهما: شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب برجاحة العقل، وسداد الفكر، وصدق العزيمة على اتباع الحق حين قال عليه الصلاة والسلام:«إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه (4)» .
ثانيهما: اتفاق ابن مسعود وعمر بن الخطاب في طريقة التفكير، حتى عد وإياه من مدرسة فكرية واحدة، فقال الشعبي: ثلاثة يستفتي بعضهم من بعض عمر وعبد الله وزيد بن ثابت (5).
وقد اغتر البعض بما سمعوه من ثناء عبد الله بن مسعود على عمر بن الخطاب وعلمه وسعة تفكيره، وبما رأوه من اتفاق ابن مسعود مع عمر بن الخطاب في كثير من المسائل، فظنوا أن ابن مسعود لا يعدو أن يكون ظلا لعمر، يقول بقولهن ويقلده فيما يذهب إليه من اجتهاد حتى قال الإمام الشعبي:" كان عبد الله بن مسعود لا يقنت، ولو قنط عمر لقنط عبد الله بن مسعود"(6) كما اغتر بعضهم بقول الإمام محمد بن جرير الطبري " كان ابن مسعود يترك مذهبه وقوله لقول عمر، وكان لا
(1) إعلام الموقعين 1/ 22.
(2)
إعلام الموقعين 1/ 20.
(3)
ابن أبي شيبة 1/ 100 وإعلام الموقعين 1/ 20. .
(4)
أخرجه الترمذي في مناقب عمر بن الخطاب وأبو داود في الخراج والإمارة باب تدوين العطاء.
(5)
إعلام الموقعين 1/ 15 وانظر فجر الإسلام 3/ 295.
(6)
إعلام الموقعين 1/ 20.
يكاد يخالفه في شيء من مذهبه، ويرجع من قوله إلى قوله (1).
ونحن تجاه ذلك لا بد لنا من أن نقف وقفة نبين فيها موقع ابن مسعود من عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وموقع فقهه من فقهه من خلال استقرائنا لفقه كل من عمر بن الخطاب الذي بسطناه في كتابنا " موسوعة فقه عمر بن الخطاب " وفقه عبد الله بن مسعود الذي بسطناه في كتابنا هذا " موسوعة فقه عبد الله بن مسعود " نجد كثرة التوافق بين عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، ونحن لسنا مع الذين يردون هذا التوافق إلى تقليد ابن مسعود لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، بل إن هذا التوافق - في رأينا- يعود إلى أسباب عديدة.
أ - فهناك كثير من المسائل اتفق اجتهاد عبد الله بن مسعود مع اجتهاد عمر بن الخطاب فيها، وهذه المسائل هي أغلب ما اتفقا عليه.
ومن الطبيعي أن يتفقا طالما أن كلا منهما يعتمد على نفس المصادر التشريعية التي يعتمد عليها الآخر: ويتبع نفس منهج البحث الذي يتبعه الآخر، ويسلك نفس المدرسة الاجتهادية التي يتبعها الآخر، وهي فهم نصوص الشريعة من خلال مقاصدها دون الجمود على ألفاظها.
ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: ما رواه القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: أتى ابن مسعود برجل من قريش وجد مع امرأة في ملحفتها ولم تقم البينة على غير ذلك، فضربه عبد الله بن مسعود أربعين سوطا وأقامه الناس، فانطلق قومه إلى عمر بن الخطاب فقالوا له: فضح ابن مسعود رجلا منا؟ فقال عمر لعبد الله: بلغني أنك ضربت رجلا من قريش، قال: أجل، أتيت به وقد وجد مع امرأة في ملحفتها ولم تقم البينة على غير ذلك، فضربته أربعين وعرفته للناس. فقال عمر: أرأيت ذلك؟ قال ابن مسعود: نعم. قال عمر: نعم ما رأيت.
وما رواه ابن حزم وغيره أنه رفع إلى عمر رجل قتل رجلا متعمدا فجاء أولياء المقتول وقد عفا أحدهم، فقال عمر لابن مسعود. ما تقول؟ قال: كانت النفس لهم جميعا، فلما عفا هذا أحيا النفس. فلا يستطيع أحد أن يأخذ حقه حتى يأخذ غيره، قال عمر: فما ترى؟ قال: تجعل الدية في ماله، وترفع حصة الذي عفا، فقال عمر: وأنا أرى ذلك (2).
ومثل هذا كثير.
وهناك مسائل قصر عنها علم ابن مسعود، أو اجتهد فيها فلم يترجح لديه مذهب: فهو
(1) إعلام الموقعين 1/ 20.
(2)
المحلى 10/ 478 وكشف الغمة عن الأئمة 2/ 123.
يتابع فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه دون غيره من الصحابة، لما ثبت عنده من علم عمر، وسداد فكره، وفي هذا النوع من المسائل يقول عبد الله بن مسعود: " لو أن الناس سلكوا واديا وشعبا وسلك عمر واديا وشعبا لسلكت وادي عمر وشعبة (1).
وهذه مسائل قليلة لا تعدو أربع مسائل كما ذكر ابن القيم (2).
ج- وهناك مسائل كان على ابن مسعود أن يتبع فيها ما يرسمه عمر بن الخطاب باعتبار عمر أميرا للمؤمنين، وعبد الله بن مسعود لا يعدو أن يكون واليا من ولاته، وما كان لوال أن يخالف ما يرسمه أمير المؤمنين من أنظمة وأحكام طالما هي نابعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أفصح عن هذا ابن مسعود تمام الإفصاح عندما قال " إنما نقضي بقضاء أئمتنا "(3) وفي هذه المسائل قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى " كان ابن مسعود يترك مذهبه وقوله لقول عمر، وكان لا يكاد يخالفه في شيء من مذهبه ويرجع من قوله إلى قوله "(4).
وهذه المسائل هي جميع الأحكام المتعلقة بالنظام العام في الدولة.
ومن ذلك- قضاؤه في مقاسمة الجد مع الإخوة في الميراث، فقد كان ابن مسعود يقضي في الجد مع الإخوة أن الجد يقاسم الإخوة إلى السدس، ثم قضى بمقاسمته إياهم إلى الثلث اتباعا لما رسمه عمر بن الخطاب فعن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس قال: كان ابن مسعود يشرك الجد مع الإخوة، فإذا كثروا وفاه السدس، فرجعت من عنده وأنا حائر، فمررت بعبيدة بن نضلة فقال: ما لي أراك حائرا؟ قلت: كيف لا أكون حائرا، فحدثته بما سمعت، فقال: صدقاك كلاهما، قلت: لله أبوك، وكيف صدقاني كلاهما؟ قال: كان رأي عبد الله وقسمته أن يشركه مع الإخوة، فإذا كثروا وفاه السدس، ثم وفد على عمر فوجده يشركه مع الإخوة، فإن كثروا وفاه الثلث، فترك رأيه وتابع عمر (5).
وفي رواية: أن عمر بن الخطاب هو الذي كتب إلى ابن مسعود يأمره بالعدول عن السدس إلى الثلث وقال في كتابه " ما أرى إلا أنا أجحفنا الجد، فإذا أتاك كتابي هذا فقاسم به مع الإخوة ما بينه وبين أن يكون الثلث خيرا له من مقاسمتهم (6)
(1) ابن أبي شيبة 1/ 100 وإعلام الموقعين 1/ 20. .
(2)
إعلام الموقعين 2/ 218.
(3)
المحلى 9/ 283و286. .
(4)
إعلام الموقعين 1/ 20.
(5)
مصنف ابن أبي شيبة 2/ 183 والمحلى 9/ 285.
(6)
ابن أبي شيبة 2/ 183 وسنن البيهقي 6/ 249 وكنز العمال 30637. .
- ومن ذلك أيضا: أن عمر بن الخطاب، كان لا يبيح بيع الأراضي الزراعية، ولا بيع حق الانتفاع بها، وكان يتشدد بذلك، وهذا يعني أن وجوب الخراج يبقى مستمرا على الأرض، فإذا انتقل حق استثمارها سرا إلى مسلم كان عليه أن يدفع الخراج وكان ابن مسعود ينفذ تعليمات عمر بذلك ويقول:" من أقر بالطسق -أي بالخراج- فقد أقر بالذل والصغار"، ولكن لما آلت الخلافة إلى عثمان بن عفان، أباح عثمان لمن في يده أرض خراج أن يبيع حق الانتفاع بها، وما كان لابن مسعود أن يخالف ما ترسمه الدولة من أنظمة، ولذلك تحول ابن مسعود عن متابعة عمر إلى متابعة عثمان (1) بل وقد اشترى هو نفسه من دهقان أرضا على أن يكفيه ابن مسعود جزيتها (2) - أي: خراجها- ومثل هذا كثير.
د- وهناك مسائل خالف فيها عبد الله بن مسعود عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، لأنه اعتقد أن ما أداه إليه اجتهاده هو الحق. فلا تحل له متابعة عمر فيما يقول، وهذه المسائل هي ما عدا ما ذكرناه في الحالات الثلاث الأولى.
وقد ذكر ابن القيم أن هذه المسائل التي خالف فيها ابن مسعود عمر بن الخطاب تبلغ نحو مائة مسألة، ولكنه لم يذكر منها إلا أربع مسائل، وقد استقرأت فقه ابن مسعود وفقه عمر بن الخطاب فأحصيت من المسائل التي خالف فيها ابن مسعود عمر بن الخطاب ثلاثا وأربعين: فأنا أذكرها هنا مبينا مكانها في موسوعة فقه عبد الله بن مسعود (3).
1 -
إباحة الانتباذ في الجرة الخضراء (ر: آنية).
2 -
إرث المكاتب (ر: ار ث / 4 ب3).
3 -
ولابن مسعود في ميراث الجد تفصيلات لم تنقل عن عمر بن الخطاب (ر: إرث / 5ب).
4 -
حرمان الإخوة لأم من الميراث بالجد (ر: إرث / 5 ج3).
5 -
ميراث بنات الابن مع البنات الصلبيات إن كن أكثر من واحدة وإن كان مع بنات الابن أخ ذكر (ر: إرث / 5 ز5).
6 -
ميراث الأخوات لأب إذا كن مع الأختين الشقيقتين وكان مع الأخوات لأب أخ لهن (ر: إرث / 5 ط4).
7 -
ميراث الأخوات لأم إذا كن مع الأخت الشقيقة الواحدة، وكان مع الأخوات لأب أخ لهن (ر: إرث / 5 ط3).
(1) الأموال ص78 وسنن البيهقي 9/ 140.
(2)
الأموال ص78 والمغني 2/ 720.
(3)
إعلام الموقعين 2/ 218.
8 -
ترتيب استحقاق بيت مال المسلمين مال من توفي ولا وإرث له (ر: إرث / 10).
9 -
بيع حق الانتفاع بالأرض الخراجية حيث قال ابن مسعود آخرا بما قال به عثمان (ر: أرض / 1ج1).
10 -
وقوع الطلاق في الإيلاء بمضي المدة (ر: إيلاء / 3).
11 -
لزوم التبرعات بالعقد دون قبض (ر: تبرع / 4) و (هبة / 2).
12 -
رفع الجنابة بالتيمم لمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله (ر: تيمم / 4).
13 -
كيفية التيمم (ر: تيمم / 6).
14 -
قتل السيد بعبده إذا قتله عمدا (ر: جناية / 4آ).
15 -
حد الضمان الذي تتساوى فيه المرأة مع الرجل في الجراح والجناية على الأطراف (ر: جناية / 4ح).
16 -
ضمان سريان القصاص (ر: جناية / 361).
17 -
حل عقد النكاح للمحرم دون الدخول (ر: حج / 6د3).
18 -
هل توجب الخلوة المهر كاملا (ر: خلوة / 2).
19 -
حل أكل الذبيحة إذا ذبحت بالحجر والقصب (ر: ذبح / 4).
20 -
أقل الرضاع الذي يثبت به التحريم (ر: رضاع / 2ب).
21 -
النسبة التي إذا أداها المكاتب أصبح حرا، هل هي نسبة إلى بدل الكتابة، أم هي نسبة إلى قيمة المكاتب (ر: رق / 5 ح4).
22 -
جواز نكاح الزاني المرأة التي زنى بها- على ما فسره ابن القيم من رأي ابن مسعود (ر: زنا / 3ب1).
23 -
طلاق الأمة المتزوجة ببيعها (ر: رق / 8ب (و (طلاق: / 312).
24 -
عتق أم الولد من حصة ابنها من الإرث (ر: رق / 6ب).
25 -
عدم اشتراط الحول للمال المستفاد (ر: زكاة / 4ج).
26 -
وجوب حد الزنا على من وطئ جارية امرأته (ر: زنا / 2).
27 -
إفطار المسافر في رمضان (ر: سفر / 4د).
28 -
صلاة النوافل وسنن الرواتب في السفر (ر: سفر / 4و).
29 -
وقت صلاة الجمعة (ر: صلاة / 5د) و (صلاة: / 15ج).
30 -
وقت صلاة الوتر (ر: صلاة / 5ح).