الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: نقول من العلماء يتبين منها رأيهم في كتابة المصحف بغير الرسم العثماني:
إن الحديث عن كتابة المصحف بغير الرسم العثماني قديم فقد بحثه أئمة السلف قبل أكثر من ألف سنة وألف فيه علماء القراءة والرسم كتبا وحكموا فيه بما ظهر لهم من الكراهة أو التحريم، وقد جمع الجلال السيوطي نقولا عنهم في الموضوع يتبين منها ما حكموا به في ذلك فرأينا إثباتها فيما يلي:
قال الجلال السيوطي: (فصل) القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به والوقوف عليه وما مهد له النحاة أصولا وقواعد، وقد خالفها في بعض الحروف خط المصحف الإمام، وقال أشهب سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟
فقال: لا. إلا على الكتبة الأولى. رواه الداني في المقنع ثم قال ولا مخالف له من علماء الأمة.
وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك قال لا قال أبو عمرو يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ نحو أولو.
وقال الإمام أحمد يحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك.
وقال البيهقي في شعب الإيمان من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ولا يخالفهم فيه ولا يغير مما كتبوا شيئا فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم.
قلت وينحصر أمر الرسم في ست قواعد الحذف والزيادة والهمز والبدل والوصل والفصل وما فيه قراءتان فكتب على إحداهما.
القاعدة الأولى:
في الحذف تحذف الألف من ياء النداء نحو يا أيها الناس وهاء التنبيه نحو هؤلاء هأنتم ومن ذلك
وأولئك ولكن وتبارك وفروع الأربعة والله وإله كيف وقع والرحمن وسبحان كيف وقع إلا قل سبحان ربي.
وتحذف الياء من كل منقوص منون رفعا وجرا نحو باغ ولا عاد والمضاف لها إذا نودي إلا يا عبادي الذين أسرفوا يا عبادي الذين آمنوا في العنكبوت أولم يناد. إلا قل لعبادي أسر بعبادي في "طه" وحم فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ومع مثلها نحوان ولي والحوارين.
وتحذف الواو مع أخرى نحو لا يستون وإذا المؤدة (يؤسا) وتحذف اللام مدغمة في مثلها نحو الليل والذي إلا الله واللهم واللعنة وفروعه واللهو واللغو واللؤلؤ واللات واللهم واللعب واللطيف واللوامة. . وساق كثيرا من الأمثلة للحذف.
القاعدة الثانية:
في الزيادة زيدت ألف بعد الواو آخر اسم مجموع نحو بنو إسرائيل، ملاقوا ربهم أولو الألباب بخلاف المفرد لذو علم إلا الربا وإن امرؤ هلك. . . . . وساق أمثلة كثيرة في الهمزة.
القاعدة الثالثة:
في الهمزة يكتب الساكن بحرف حركة ما قبله أولا ووسطا وآخرا نحو ايذن واوتمن والبأساء واقرأ وجيناك وهىء والموتون وتسؤهم إلا فأدارأتم ورئيا والرياء وشطئه فحذف فيها وكذا أول الأمر بعد فاء نحو فأتوا أو واو نحو واشربوا والمتحرك إن كان أولا أو اتصل به حرف زائد بألف مطلقا أي سواء كان فتحا أو ضما أو كسرا نحو أيوب إذا أولو سأصرف فبأي سأنزل إلا مواضع أئنكم لتكفرون أئنا لمخرجون في النمل أئنا لتاركوا آلهتنا أئن لنا في الشعراء أئذا متنا أئن ذكرتم أئنا أئمة لئلا لئن يومئذ يفرح فيكتب فيها بالياء قل أؤنبئكم وهؤلاء فكتب بالواو وإن كان وسطا فبحرف حركته نحو سأل سئل نقرؤه إلا جزاؤه الثلاثة يوسف. . . وساق أمثلة كثيرة للهمزة.
القاعدة الرابعة:
في البدل تكتب بالواو للتفخيم ألف الصلاة والزكاة والحياة والربا غير مضافات والغاء ومشكاة والنجاة ومناة (وبالياء) كل ألف منقلبة عنها نحو يتوفيكم في اسم أو فعل اتصل به ضمير أم لا بقي ساكنا أم لا ومنه يا حسرتا يا أسفا ألا تترى وكلتا وهداني وعصاني والأقصى (وأقصى المدينة وطغا الماء وسيماهم وإلا ما قبلها ياء كالدنيا والحوايا إلا يحيى اسما وفعلا ويكتب بها إلى وعلى وأنى بمعنى
كيف ومتى ويلى وحتى ولدى إلا لدا الباب (ويكتب) بالألف الثلاثي الواوي اسما (أو فعلا نحو الصفا وشفا وعفا الأضحى كيف وقع وما زكى منكم ودحاها وتلاها وطحاها وسجا. . .) وساق أمثلة كثيرة للبدل.
القاعدة الخامسة:
في الوصل والفصل توصل ألا بالفتح إلا عشرة أن لا أقول أن لا يقولوا في الأعراف أن لا ملجأ وفي هود أن لا إله أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف أن لا تشرك في الحج أن لا تعبدوا في يس أن لا تعلوا في الدخان أن لا يشركن في الممتحنة أن لا يدخلنها في ن (ومما) إلا من ما ملكت في النساء والروم ومن ما رزقناكم في المنافقين (وممن) مطلقا وعما إلا عن ما نهوا عنه وإما بالكسر إلا وإما نرينك في الرعد وأما بالفتح مطلقا وعمن إلا ويصرفه عن من يشاء في النور عن من تولى في النجم (وأمن) إلا أم من يكون في النساء أم من أسس أم من خلقنا في الصافات أم من يأتي آمنا (وإلم) بالكسرة إلا فإن لم يستجيبوا لك في القصص وفيما إلا أحد عشر في ما فعلن الثاني في البقرة ليبلوكم في ما في المائدة والأنعام قل لا أجد في ما أوحي في ما اشتهت في الأنبياء في ما أفضتم في ما ههنا في الشعراء في ما رزقناكم في الروم في ما هم فيه في ما كانوا فيه كلاهما في الزمر وننشئكم في ما لا تعلمون (وإنما) إلا إن ما توعدون لآت في الأنعام وأنما بالفتح إلا إن ما يوعدون في الحج ولقمان (وكلما) إلا كل ما ردوا إلى الفتنة من كل ما سألتموه وبئسما إلا مع اللام ونعما ومهما وربما وكأنما ويكأن وتقطع حيثما وإن لم بالفتح وإن لن إلا في الكهف والقيامة وأين ما إلا فأينما تولوا أينما يوجهه واختلف في أينما تكونوا يدرككم أينما كنتم تعبدون في الشعراء أينما تقفوا في الأحزاب ولكي لا إلا في آل عمران والحج والحديد والثاني في الأحزاب ويوم هم ونحو فمال ولات حين وابن أم إلا في طه فكتبت الهمزة حينئذ واوا وحذفت همزة ابن فصارت هكذا يبنؤم. .) وساق أمثلة كثيرة للوصل وللفصل.
القاعدة السادسة:
فيما فيه قراءتان فكتبت على إحداهما ومرادنا غير الشاذ من ذلك مالك يوم الدين يخادعون واعدنا والصاعقة والرياح وتفادوهم وتظاهرون ولا تقاتلوهم ونحوها ولولا دفاع فرهان طائرا في آل عمران والمائدة مضاعفة ونحوه عاقدت أيمانكم الأوليان لامستم. . . . (فائدة) كتبت فواتح السور على صورة الحروف أنفسها لا على صورة النطق بها اكتفاء بشهرتها وقطعت حم عسق دون المص وكهيعص طردا للأولى بأخواتها الستة). . . إلى أن قال وأخرج ابن اشتة عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أعماله
إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن (وأخرج) عن زيد بن ثابت أنه كان يكره أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم ليس لها سين "وأخرج" عن يزيد بن أبي حبيب أن كاتب عمرو بن العاص كتب إلى عمر فكتب بسم الله ولم يكتب لها سينا فضربه عمر فقيل له فيم ضربك أمير المؤمنين قال ضربني في سين " وأخرج" عن ابن سيرين أنه يكره أن تمد الياء إلى الميم حتى تكتب السين "وأخرج" ابن أبي داود في المصاحف عن ابن سيرين أنه كره أن يكتب المصحف مشقا قيل لم قال لأن فيه نقصا). . إلى أن قال " وأخرج أبو عبيدة عن عمر بن عبد العزيز قال لا تكتبوا القرآن حيث يوطأ وهل تجوز كتابته بقلم غير العربي قال الزركشي لم أر فيه كلاما لأحد من العلماء قال ويحتمل الجواز لأنه قد يحسنه من يقرأ بالعربية والأقرب المنع كما تحرم قراءته بغير لسان العرب ولقولهم القلم أحد اللسانين والعرب لا تعرف قلما غير العربي وقد قال تعالى بلسان عربي مبين اهـ.
(فائدة) أخرج ابن أبي داود عن إبراهيم التيمي قال قال عبد الله لا يكتب المصاحف إلا مضري قال ابن أبي داود هذا من أجل اللغات.
(مسألة) اختلف في نقط المصحف وشكله ويقال أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلي بأمر عبد الملك بن مروان وقيل الحسن البصري ويحيى بن يعمر وقيل نصر بن عاصم الليثي وأول من وضع الهمزة والتشديد والروم والإشمام الخليل وقال قتادة بدءوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا وقال غيره أول ما أحدثوا النقط عند آخر الآي ثم الفواتح والخواتم وقال يحيى بن أبي كثير ما كانوا يعرفون شيئا مما أحدث في المصاحف إلا النقط الثلاث على رءوس الآي أخرجه ابن أبي دواد وقد أخرج أبو عبيد وغيره عن ابن مسعود قال جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء (وأخرج) عن النخعي أنه كره نقط المصاحف وعن ابن سيرين أنه كره النقط والفواتح والخواتم وعن ابن مسعود ومجاهد أنهما كرها التعشير (وأخرج) ابن أبي داود عن النخمي أنه كان يكره العواشر والفواتح وتصغير المصحف وأن يكتب فيه سورة كذا وكذا (وأخرج) عنه أنه أتى بمصحف مكتوب فيه سورة كذا وكذا آية فقال امح هذا فإن ابن مسعود كان يكرهه (وأخرج) عن أبي العالية أنه كان يكره الجمل في المصحف وفاتحة سورة كذا وخاتمة سورة كذا وقال مالك لا بأس بالنقط في المصاحف التي تتعلم فيها العلماء أما الأمهات فلا، وقال الحليمي تكره كتابة الأعشار والأخماس وأسماء السور وعدد الآيات فيه لقوله جردوا القرآن وأما النقط فيجوز لأنه ليس له صورة فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يظهر إثباتها لمن يحتاج إليها.
قال البيهقي: من آداب القرآن أن يفخم فيكتب مفرجا بأحسن خط فلا يصغر ولا يقرمط حروفه ولا يخط به ما ليس منه كعدد الآيات والسجدات والعشرات والوقوف واختلاف
القراءات ومعاني الآيات وقد أخرج ابن أبي داود عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا لا بأس بنقط المصاحف (وأخرج) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال لا بأس بشكله.
وقال النووي نقط المصحف وشكله مستحب لأنه صيانة له من اللحن والتحريف، وقال ابن مجاهد ينبغي أن لا يشكل إلا ما يشكل وقال إلا أني لا أستجيز النقط بالسواد لما فيه من التغيير لصورة الرسم ولا أستحيز جمع قراءات شتى في مصحف واحد بألوان مختلفة لأنه من أعظم التخليط والتغيير المرسوم وأرى أن تكون الحركات والتنوين والتشديد والسكون والمد بالحمرة والهمزات بالصفرة، وقال الجرجاني من أصحابنا في الشافي " من المذموم كتابة تفسير كلمات القرآن بين أسطره ".
(فائدة) كان الشكل في الصدر الأول نقطا فالفتحة نقطة على أول الحرف والضمة على آخره والكسرة تحت أوله وعليه مشى الداني والذي اشتهر الآن الضبط بالحركات المأخوذة من الحروف وهو الذي أخرجه الخليل وهو أكثر وأوضح وعليه العمل فالفتح شكله مستطيلة فوق الحرف والكسر كذلك تحته والضم واو صغرى فوقه والتنوين زيادة مثلها فإن كان مظهرا وذلك قبل حرف حلق ركبت فوقها وإلا جعلت بينهما وتكتب الألف المحذوفة والبدل منها في محلها حمراء والهمزة المحذوفة تكتب همزة بلا حرف حمراء أيضا وعلى النون والتنوين قبل الباء علامة الإقلاب حمراء وقبل الحلق سكون وتعرى عند الإدغام والإخفاء ويسكن كل مسكن ويعرى المدغم ويشدد ما بعده إلا الطاء قبل التاء فيكتب عليها السكون نحو فرطت ومطة الممدود لا تجاوزه.
(فائدة) قال الحربي في غريب الحديث قول ابن مسعود جردوا القرآن يحتمل وجهين أحدهما جردوه في التلاوة ولا تخلطوا به غيره.
(والثاني) جردوه في الخط من النقط والتعشير، وقال البيهقي الأبين أنه أراد لا تخلطوا به غيره من الكتب لأن ما خلا القرآن من كتب الله إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى وليسوا بمأمونين عليها) اهـ. من الإتقان.
وسئل أبو العباس ابن تيمية رحمه الله عمن يقول عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: من كتب مصحفا على غير رسم المصحف العثماني فقد أثم، أو قال: كفر فهل هذا صحيح، وأكثر المصاحف اليوم على غير المصحف العثماني، فهل يحل لأحد كتابته على غير المصحف العثماني بشرط ألا يبدل لفظا ولا يغير معنى أو لا (1).
فأجاب أما هذا النقل عن مالك في تكفير من فعل ذلك فهو كذب على مالك سواء أريد منه رسم الخط أم رسم اللفظ، فإن مالكا كان يقول عن أهل الشورى: إن لكل منهم مصحفا يخالف رسم مصحف عثمان، وهم أجل من أن يقال فيهم مثل هذا الكلام، وهم علي بن أبي طالب
(1) ص420 ج13 من مجموع الفتاوى
والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف وعثمان رضي الله عنهم، وأيضا فلو قرأ رجل بحرف من حروفهم التي تخرج عن مصحف عثمان ففيه روايتان عن مالك وأحمد وأكثر العلماء يحتجون بما ثبت من ذلك عنهم، فكيف يكفر فاعل ذلك. وأما اتباع رسم الخط بحيث يكتبه بالكوفي فلا يجب عند أحد من المسلمين وكذلك اتباعه فيما كتبه بالواو والألف هو حسن لفظ رسم خط الصحابة (1).
وأما تكفير من كتب ألفاظ المصحف بالخط الذي اعتاده فلا أعلم أحدا قال بتكفير من فعل ذلك، لكن متابعة خطهم أحسن هكذا نقل عن مالك وغيره. . . والله أعلم.
وسئل أبو العباس بن تيمية أيضا رحمه الله عمن يقول: إن الشكل والنقط من كلام الله تعالى هل ذلك حق أو باطل. . الخ (2).
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، المصاحف التي كتبها الصحابة لم يشكلوا حروفها ولم ينقطوها فإنهم كانوا عربا لا يلحنون، ثم بعد ذلك في آخر عصر الصحابة لما نشأ اللحن صاروا ينقطون المصاحف ويشكلونها وذلك جائز عند أكثر العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وكرهه بعضهم، والصحيح أنه لا يكره، لأن الحاجة داعية إلى ذلك ولا نزاع بين العلماء أن حكم الشكل والنقط حكم الحروف المكتوبة فإن النقط تميز بين الحروف كما أن الشكل يبين الإعراب لأنه كلام من تمام الكلام ويروى عن أبي بكر وعمر أنهما قالا: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، فإذا قرأ القارئ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) كانت الضمة والفتحة والكسرة من تمام لفظ القرآن. . . " اهـ المقصود.
يتبين مما ذكر ما يأتي:
(1)
ضابط ما يحذف مما يزاد في رسم المصحف العثماني من الحروف وما يتسثنى من ذلك وما يبدل من غيره وما يرسم ألفا من ذلك وما يرسم ياء، ومنع التغيير فيما ثبت من الرسم العثماني.
(1) هكذا بالأصل المطبوع
(2)
ص 100 - 101 - 102 - 576 وغيرها
(3)
سورة الفاتحة الآية 2
(2)
نقط المصحف وشكله وكيفيته، وكراهة العلماء ذلك مطلقا أو جوازه في غير الأمهات، ثم ثبوت الإجماع على جوازه واستمرار العمل عليه إلى عصرنا.
(3)
تخميس القرآن وتعشيره وكتابة أسماء السور وعدد الآيات ورسم علامة بين كل آية وما بعدها وعلامات الوقف وخلاف العلماء في كراهة ذلك وجوازه ثم ثبوت الإجماع على جوازه بعد استمرار العمل به إلى عصرنا.
(4)
تحريم كتابته بغير اللغة العربية كما يحرم قراءته بغير لسان العرب ولقولهم القلم أحد اللسانين، والعرب لا تعرف قلما غير العربي، (1) وقد قال تعالى {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (2) ".
(1) من كلام الزركشي في ص 7 من الاعداد
(2)
سورة الشعراء الآية 195
وكتب رئيس اللجنة المتشكلة لتفتيش رسم المصاحف المطبوعة ببلدة قزان ملا صادق الايمانقولي القزاني إلى الشيخ محمد رشيد رضا ما يأتي:
(بسم الله الرحمن الرحيم. حضرة الأستاذ الفاضل السيد رشيد رضا حفظه الله ومتعنا وسائر المسلمين بعلومه الشريفة.
أما بعد، فإن من المسائل التي تدور بيننا الآن مسألة رسم المصاحف المطبوعة في بلدة قزان حيث إن العلماء صرحوا بأن رسم المصاحف يجب فيه الاتباع لرسم المصاحف التي كتبت بأمر سيدنا عثمان رضي الله عنه، وفي رسم المصاحف القزانية مخالفة كثيرة لرسم تلك المصاحف. فتشكلت بقزان لجنة من العلماء والقراء لتفتيش رسم هذه المصاحف ونصوص العلماء فيه وتكلموا في وجوب الاتباع وعدمه فذهب كثير منهم إلى أنه ينبغي اتباع رسم المصاحف العثمانية وأن الرسم سنة متبعة، على ما نص عليه أبو عمرو الداني والشاطبي وابن الجزري والسيوطي والزمخشري وغيرهم. وبعضهم قالوا إنه لا يجب اتباع الرسم محتجين بقول شيخ الإسلام العز بن عبد السلام حيث قال: " أما الآن فلا يجوز كتابة المصحف على المرسوم الأول خشية الالتباس ولئلا يوقع في تغيير من الجهال،
ويجيب الفريق الأول عن هذا بأن المواضع التي يتوهم فيها الالتباس يمكن التخلص منها بالنقط والأشكال. ثم فتشوا المصاحف المطبوعة في الديار الإسلامية من الأستانة ومصر والهند وغيرها فوجدوا فيها أيضا مخالفة كثيرة لرسم المصاحف العثمانية فما ندري ما سبب عدم اعتنائهم في هذا الباب؟
أأهملوا في رسم كتابنا المقدس، أم لا يقولون بلزوم الاتباع؟.
وإذا كان الاتباع واجبا كما يقول به أكثر الأئمة فما ينبغي أن نصنع لنقرأ برواية حفص المعروفة في بلادنا في مثل كلمة آتان في سورة النمل آية 36، فإنه كتب في مصاحف سيدنا عثمان رضي الله عنه كلها بغير "ياء" بعد "النون" في مثل هذه المواضع تخلصا من الالتباس والتلفيق في القراءة.
وهل يجوز مخالفة الرسم لأجل الضرورة في مثل تلك الضرورة؟
وما نصنع في الكلمات التي حذفت فيها الألفات في بعض المصاحف المطبوعة والمكتوبة القديمة مثل كلمة الأعلام والأحلام والأقلام والأزلام والأولاد، وتلك الكلمات كتبت في بعض المصاحف " الأعلم والأحلم والأقلم، بحذف "الألف" بعد "اللام" والحال أن قاعدة الخط العربي تقتضي إثبات الألف في مثلها: وليس فيها نص صريح من علماء الرسم في حق الحذف أو الإثبات هل ينبغي فيها اتباع قاعدة رسم الخط العربي وإثبات الألفات أم نقول: " كانوا يعتبرون الظهور وعدم الالتباس ولهذا كانوا يحذفون الألفات فيما ظهر المراد (منه) مثل الكلمات المذكورة " فنحذف الألفات فيهن. ورسم المصاحف المطبوعة هنا ليس على نسق واحد، وفي بعضها يحذف الألفات. وأن المصحف الذي
يحفظ في بلدة بترسبورغ عاصمة الروسية في المكتبة الإمبراطورية ويظن كونه واحدا من مصاحف سيدنا عثمان رضي الله عنه قد حذف فيه الألفات في مثل هذه المواضع. والعلامة شهاب الدين المرجاني القزاني الذي أفنى عمره في خدمة العلم، وصنف كتابا مفيدا في رسم المصحف وكان مأمورا بتصحيح المصاحف المطبوعة من جهة الحكومة قد حذف الألفات قصدا في مثل هذه الكلمات ولزيادة الاطمئنان ولكون المسألة عامة مهمة ومتعلقة بعموم أهل الإسلام اتفقنا على المراجعة إلى جنابكم المحترم بالاستفسار في تلك المسألة رجاء أن تتفضلوا بإبداء ملاحظاتكم العالية في صفحات المنار. والسلام والإكرام. .
فأجاب: إن ديننا يمتاز على جميع الأديان بحفظ أصله منذ الصدر الأول، فالذين تلقوا القرآن عمن جاء به من عند الله صلى الله عليه وسلم حفظوه وكتبوه وتلقاه عنهم الألوف من المؤمنين، وتسلسل ذلك جيلا بعد جيل. وقد أحسن التابعون وتابعوهم وأئمة العلم في اتباع الصحابة في رسم المصحف وعدم تجويز كتابته بما استحدث الناس من فن الرسم، وإن كان أرقى مما كان عليه الصحابة - رضوان الله عليهم -، لأنه صنعة ترتقي بارتقاء المدنية، إذ لو فعلوا لجاز أن يحدث اشتباه في بعض الكلمات باختلاف رسمها وجهل أصلها. فالاتباع في رسم المصحف يفيد مزيد ثقة واطمئنان في حفظه كما هو يبعد الشبهات أن تحوم حوله، وفيه فائدة أخرى وهي حفظ شئ من تاريخ الملة وسلف الأمة كما هو.
نعم إن تغير الرسم واختلاف الإملاء يجعل قراءة المصحف على وجه الصواب خاصة بمن تلقاه عن القراء ولذلك أحدثوا فيه النقط والشكل وهي زيادة لا تمنع معرفة الأصل على ما كان عليه في عهد الصحابة. ثم إنه يجعل تعليم الصغار عسرا ولذلك أفتى الإمام مالك بجواز كتابة الألواح ومصاحف التعليم بالرسم المعتاد كما نقل.
قال علم الدين السخاوي في شرحه لعقيلة الشاطبي: قال أشهب رحمه الله: سئل مالك رضي الله عنه أرأيت من استكتبته مصحفا أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم؟
فقال: لا أرى ذلك ولكن يكتب على الكتبة الأولى. قال مالك: ولا يزال الإنسان يسألني عن نقط القرآن، فأقول له: أما الإمام من المصاحف فلا أرى أن ينقط ولا يزاد في المصاحف ما لم يكن فيها، وأما المصاحف الصغار التي يتعلم فيها الصبيان والألواح فلا أرى بأسا. ثم قال:" أشهب " والذي ذهب إليه مالك هو الحق إذ فيه بقاء الحال الأولى إلى أن يعلمها الآخر، وفي خلاف ذلك تجهيل
الناس بأوليتهم.
وقال أبو عمرو الداني (في كتابه المسمى الحكم في النقط) عقيب قول مالك هذا: ولا مخالف لمالك في ذلك من علماء الأمة، ا. هـ.
فالذي أراه هو أن تطبع المصاحف التي تتخذ لأجل التلاوة برسم المصحف الإمام الذي كتبه الصحابة عليهم الرضوان حفظا لهذا الأثر التاريخي العظيم الذي هو أصل ديننا كما هو، لكن مع النقط والشكل للضبط. ولو كان لمثل الأمة الإنكليزية هذا الأثر، لما استبدلت به ملك كسرى وقيصر، ولا أسطول الألمان الجديد الذي هو شغلها الشاغل اليوم. وأما الألواح والأجزاء وكذا المصاحف التي تطبع لأجل تعليم الصغار بها في الكتاتيب، فلتطبع بالرسم المصطلح عليه اليوم من كل وجه تسهيلا للتعليم، ومتى كبر الصغير وكان متعلما للقرآن بالرسم المشهور لا يغلط إذا هو قرأ في المصاحف المطبوعة برسم الصحابة مع زيادة النقط والشكل. وكذلك يكتب القرآن في أثناء كتب التفسير وغيرها بالرسم الاصطلاحي ليقرأه كل أحد على وجه الصواب. وبهذا تجمع بين حفظ أهم شيء في تاريخ ديننا، وبين تسهيل التعليم وعدم اشتباه القارئين.
أما ما احتج به العز بن عبد السلام على رأيه فليس بشيء، لأن الاتباع إذا لم يكن واجبا من الأصل، فإن فرق بين الآن الذي قال فيه ما قال، وبين ما قبله وما بعده، بل يكتب الناس القرآن في كل زمن بما يتعارفون عليه من الرسم، وإذا كان واجبا في الأصل وهو ما لا ينكره فترك الناس له لا يجعله حراما أو غير جائز، لما ذكره من الالتباس بل لا يزال هذا الالتباس في أنه لا يسلم له.
وأما ما طبعه المسلمون من المصاحف في الأستانة وقزان ومصر وغيرها من البلاد غير متبعين فيه رسم المصحف الإمام في كل الكلمات، فسببه التهاون والجهل والاعتماد على بعض المصاحف الخطية التي كتبت قبل عهد الطباعة، فرسم فيها بالرسم المعتاد الكلمات التي يظن أنه يقع الاشتباه فيها إذا هم كتبوها كما كتبها الصحابة كلفظ " الكتاب" بالألف بعد التاء، وهو في المصحف الإمام بغير ألف ليوافق في بعض الآيات قراءة الجمع فكتبوه بالألف. ولم أر مصحفا كتب أو طبع كله بالرسم المعتاد.
ونحمد الله تعالى أن وفق بعض الناس إلى طبع ألوف من المصاحف برسم الصحابة المتبع، وأحسن المصاحف التي طبعت في أيامنا هذه ضبطا وموافقة للمصحف الإمام المتبع هو المصحف المطبوع في مطبعة محمد أبي زيد بمصر سنة 1308 إذ وقف على تصحيحه وضبطه الشيخ رضوان بن محمد المخللاتي أحد علماء هذا الشأن وصاحب المصنفات فيه. وقد وضع له مقدمة بين فيها ما يحتاج إليه في ذلك. فالذي أراه أنه ينبغي للجنة القرآنية أن تراجع هذا المصحف، فإنها تجد فيه حل
عقد المشكلات كلها إن شاء الله تعالى ككلمة الأقلام وأمثالها وهي بغير ألف وكلمة آتاني التي رسمت في المصحف الإمام آتن فيرون أن هذا المصحف وضع فوق "النون""ياء" صغيرة مفتوحة هي من قبيل الشكل، لتوافق قراءة حفص فهي فيه هكذا آتن.
وجملة القول أننا نرى أن الصواب الذي ينبغي أن يتبع ولا يعدل عنه، هو أن تطبع الأجزاء والمصاحف التي يعلم فيها المبتدئون بالرسم الاصطلاحي لتسهيل التعليم، وهو ما جرت عليه الجمعية الخيرية الإسلامية هنا بإذن الأستاذ الإمام - رحمه الله تعالى -، فهي تطبع أجزاء القرآن كل جزء على حدته بالرسم الاصطلاحي وتوزعها على التلاميذ في مدارسها. وأما سائر المصاحف فيتبع في طبعها رسم المصحف الإمام كالمصحف الذي ذكرناه آنفا. وإذا جرى المسلمون على هذا في الأستانة ومصر وقزان والقريم وسائر البلاد الإسلامية، فلا يمضي جيل أو جيلان إلا وتنقرض المصاحف التي طبع بعض كلماتها بالرسم الاصطلاحي وبعضها برسم الصحابة. ولا ضرر من وجودها الآن إذ هي مضبوطة بالشكل كغيرها، فالاشتباه والخطأ مأمونان في جميع المصاحف ولله الحمد. (1)
(1) ص 2514 من المجلد 6
وسئل أيضا: هل هناك مانع شرعا من طبع المصحف الشريف بالكيفية الآتية:
1 -
أن يكون بالهجاء الحديث المتبع بالأزهر الشريف وفروعه وجميع معاهد العلم بالديار المصرية وبغيرها من البلاد العربية وغير العربية.
2 -
أن توضع علامات الترقيم الحديثة بين الكلمات، بدلا من وضعها فوق الكتابة بحروف وكلمات غير مفهومة لكثير من البعيدين عن تعليم الأزهر وملحقاته وكثير ما هم.
3 -
أن يوجد بهامش هذا المصحف تفسير عصري مختصر مفيد بمعرفة لجنة من كبار العلماء وكل هذا يراد به فائدة من يطلع على هذا المصحف من عامة الناس وخاصتهم. ومنعهم من الخطأ في التلاوة بسبب تعقيد الكتابة طبقا لقواعد مضى عليها كثير من القرون، وأصبحت غير معمول بها في جميع الأحوال. ولصون الناس عامة من الفهم الخطأ لما يتلونه من آيات الذكر الحكيم.
وذلك تنفيذا لقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (1)} .
(1) سورة القمر الآية 17
هذا ولا يخفى على فضيلتكم أن هذا القرآن إنما هو رسالة الله إلى الناس كافة.
ونرجو نشر الرد بمجلتكم الغراء والإفادة ولكم الشكر من المخلص.
فأجاب بقوله: - من المسائل المتفق عليها بين العلماء أو الإجماعية أن خط المصحف الشريف (أي رسمه) سماعي توقيفي يجب فيه اتباع الكتبة الأولى (بالكسر أي هيئة الكتابة) التي أجمع عليها الصحابة رضي الله عنهم ونشروها بالمصاحف الرسمية التي يعبر عن أصلها (بالمصحف الإمام)، ولهذا الاتباع فوائد ودلائل مبسوطة في محلها أولها أن كتاب الله عندنا منقول بالتواتر بلفظه وقراءاته ولهجاته ورسم خطه، وأنه بهذا كله حفظ من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان. حتى إن حروفه قد عدت بهذا الرسم ودون عددها في الكتب ومن فروع ذلك أن لأكثر ما خالف به رسمه الرسم العرفي أسبابا تتعلق بقراءاته ويدخل في هذا ترك نقطه، وشرح ذلك كله يطول.
وكان المسلمون يعتمدون في تعلم القرآن وتلاوته على التلقين والرواية والحفظ من الألواح التي يكتبونها ثم يمحونها بعد حفظ ما فيها ليكتبوا غيره فيها، ثم رأوا أن التلاوة في المصاحف غير المنقوطة يكثر فيها الخطأ لغير الحافظ فاستحدثوا النقط لمنع ذلك، ثم استحدثوا الشكل لضبط الإعراب وصحة النقط، ثم وضعوا علامات وقف للحاجة إليها وكون معرفة ما يحسن الوقف عليه منوطا بالفهم، وما كل قارئ يفهم، وجعلوا لهذه العلامات أشكالا بحسب درجاتها، ثم وضعوا لضبط التلاوة وتجويدها فنا وللوقف والابتداء فنا أفردوا كلا منهما بالتدوين، وجروا عليهما في التلقين وفي كتابة المصاحف، فالغرض من كل هذه المستحدثات ضبط تلاوة القرآن واتقاء الخطأ فيها.
ولكن لا يزال فيه كلام كثير يخطئ في النطق به من لم يلقنه بالحفظ من زيادة حروف ونقص أخرى، وقد صرنا في زمان يقل فيه من القارئين من يتلقى التجويد وعلامات الوقف على حفاظ المقرئين، فكثر الخطأ في القراءة وفي الوقف والابتداء، واشتهر في الخط وصناعة الطبع ترقيم جديد فيه علامات للوقف وللاستفهام والتعجب ألفها الناس بدون حاجة إلى التلقين، فاستغنى بها عن علامات الوقف الكثيرة في المصاحف من الحروف المفردة والمركبة التي صارت منتقدة لعدم فهم الجمهور لها، ولاستغناء الحفاظ عنها، ولأن منها كلمات قد يظن الجاهلون بالقرآن أنها منه ككلمتي صلى وقلى فإنني أستنكر وضعهما في المصاحف أشد الاستنكار.