الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا:
* معرفة ضوابط الذبح الشرعي وما يشترط فيه من شروط.
* بتطبيق ذلك على ما عرف من واقع الذبائح يمكن الحكم عليها بحل أو حرمة.
لذا كان الحديث على هذه الأمور لزاما ليصدر الحكم عليها عن بينة وبصيرة.
ثانيا: ذكر طريقة الذبح الشرعية وما صدر من فتاوى في تلك الذبائح من علماء العصر.
صدر في ذلك بيان عن طريقة الذبح وفتاوى من علماء العصر مستقاة من فقه الشريعة الإسلامية فيما يحل وما يحرم من الذبائح المستوردة من بلاد الكفار نثبتها فيما يلي: -
الصفة المشروعة في الذبح والنحر
بين سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية سابقا صفة الذكاة الشرعية فقال:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الناصح الأمين وعلى آله وأصحابه الغر المحجلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. . أما بعد:
فإنه ورد إلى هذه الديار أسئلة عن الصفة المشروعة في الذبح والنحر ويذكر من سأل عن ذلك أنه شاهد وعلم ما لا يتفق مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونظرا إلى أن هذا يشترك فيه الخاص والعام رأينا أن تكون الإجابة خارجة مخرج التبليغ للعموم أداء للأمانة ونصحا للأمة فنقول:
اعلم وفقنا الله وإياك أن الذكاة المشروعة لها شروط وسنن ونقدم لذلك حديثا عاما ثم نذكر بعده الشروط ثم السنن.
أما الحديث فروى مسلم وأصحاب السنن عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته (1)» .
(1) صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، سنن الترمذي الديات (1409)، سنن النسائي الضحايا (4414)، سنن أبو داود الضحايا (2815)، سنن ابن ماجه الذبائح (3170)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 125)، سنن الدارمي الأضاحي (1970).
وأما الشروط فأربعة:
الأول: أهلية المذكي بأن يكون عاقلا ولو مميزا مسلما أو كتابيا أبواه كتابيان والأصل في هذا ما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (1)» الحديث وما ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع (2)» فكل من البالغ والمميز يوصف بالعقل ولهذا يصح من المميز قصد العبادة وقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (3) وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه أنه فسر طعامهم بذبحائهم.
الثاني: الآلة فتباح بكل ما أنهر الدم بحده إلا السن والظفر والأصل في هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله
(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1)، صحيح مسلم الإمارة (1907)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647)، سنن النسائي الطهارة (75)، سنن أبو داود الطلاق (2201)، سنن ابن ماجه الزهد (4227)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 43).
(2)
سنن أبو داود الصلاة (495)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 187).
(3)
سورة المائدة الآية 5
عليه فكل ليس السن والظفر (1)».
الثالث: قطع الحلقوم وهو مجرى النفس والمريء وهو مجرى الطعام والودجين، والأصل في هذا ما ثبت في سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن شرطة الشيطان وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفري الأوداج (2)» ومعلوم أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم في الأصل يقتضي التحريم وفي سنن سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إذا أهريق الدم وقطع الودج فكل» إسناده حسن. ومحل قطع ما ذكر الحلق واللبة وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ولا يجوز في غير ذلك بالإجماع، قال عمر النحر في اللبة والحلق وثبت في سنن الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «بعث النبي صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء يصيح في فجاج منى ألا إن الذكاة في الحلق واللبة» .
الرابع: التسمية فيقول الذابح عند حركة يده بالذبح بسم الله الأصل في هذا قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (3).
وقال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (4) فالله جل وعلا غاير بين الحالتين وفرق بين الحكمين لكن إن ترك التسمية نسيانا حلت ذبيحته لما رواه سعيد بن منصور في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد» . فإن اختل شرط من هذه الشروط فإن الذبيحة لا تحل.
(1) صحيح البخاري الذبائح والصيد (5509)، صحيح مسلم الأضاحي (1968)، سنن الترمذي الأحكام والفوائد (1491)، سنن النسائي الضحايا (4410)، سنن أبو داود الضحايا (2821)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 463)، سنن الدارمي الأضاحي (1977).
(2)
سنن أبو داود الضحايا (2826)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 289).
(3)
سورة الأنعام الآية 121
(4)
سورة الأنعام الآية 118
وأما السنن فهي ما يلي: 2، 1: أن تكون الآلة حادة وأن يحمل عليها بقوة لقوله صلى الله عليه وسلم: «وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته (1)» .
4، 3: حد الآلة والحيوان الذي يراد ذبحه لا يبصره، ومواراة الذبيحة عن البهائم وقت الذبح لما ثبت في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم (2)» وما ثبت في معجمي الطبراني الكبير والأوسط ورجاله رجال
(1) صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، سنن الترمذي الديات (1409)، سنن النسائي الضحايا (4411)، سنن أبو داود الضحايا (2815)، سنن ابن ماجه الذبائح (3170)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 125)، سنن الدارمي الأضاحي (1970).
(2)
سنن ابن ماجه الذبائح (3172)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 108).
الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها.
قال: أفلا قبل هذا أو تريد أن تميتها موتتين».
5: توجيهها إلى القبلة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ذبح ذبيحة أو نحر هديا إلا وجهه إلى القبلة وتكون الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، والغنم والبقر على جنبها الأيسر.
6: تأخير كسر عنقه وسلخه حتى يبرد أي بعد خروج روحه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه «بعث النبي صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى بكلمات منها لا تعجلوا الأنفاس قبل أن تزهق» . رواه الدارقطني.
هذا ونسأل الله أن يرزق المسلمين التمسك بدينهم على الوجه الذي يرضاه حتى يلقوه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره آية {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (1).
بعد ذكر مناسبتها لما قبلها: وفسر الجمهور الطعام هنا بالذبائح أو اللحوم لأن غيرها حلال بقاعدة أصل الحل ولم تحرم من المشركين وإلا فالظاهر أنه عام يشملها ومذهب الشيعة أن المراد بالطعام الحبوب أو البر لأنه الغالب فيه، وقد سئلت عن هذا في مجلس كان أكثره منهم وذكرت الآية، فقلت: ليس هذا هو الغالب في لغة القرآن فقد قال الله تعالى في هذه السورة أي المائدة: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} (2) ولا يقول أحد إن الطعام من صيد البحر هو البر أو الحبوب.
(1) سورة المائدة الآية 5
(2)
سورة المائدة الآية 96
وقال: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} (1) من الآية 93 آل عمران ولم يقل أحد إن المراد بالطعام هنا البر أو الحب مطلقا إذ لم يحرم شيء منه على بني إسرائيل لا قبل التوراة ولا بعدها. فالطعام في الأصل كل ما يطعم، أي يذاق أو يؤكل قال تعالى في ماء النهر حكاية عن طالوت:{فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (2) وقال: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} (3) أي أكلتم وليس الحب مظنة التحليل والتحريم وإنما اللحم هو الذي يعرض له ذلك لوصف حسي كموت الحيوان حتف أنفه وما في معناه أو معنوي كالتقريب إلى غير الله عليه، ولذلك قال تعالى:{لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} (4)، وكله يتعلق بالحيوان، وهو نص في حصر التحريم فيما ذكر فتحريم ما عداه يحتاج إلى نص. وقد شدد الله فيما كان عليه مشركو العرب من أكل الميتة بأنواعها المتقدمة والذبح للأصنام لئلا يتساهل به المسلمون الأولون تبعا للعادة. وكان أهل الكتاب أبعد منهم عن أكل الميتة والذبح لغير الله، ولأنه كان من سياسة الدين التشديد في معاملة مشركي العرب حتى لا يبقى في الجزيرة منهم أحد إلا ويدخل في الإسلام. وخفف في معاملة أهل الكتاب استمالة لهم، حتى إن ابن جرير روى عن أبي الدرداء وابن زيد أنهما سئلا عما ذبحوه للكنائس فأفتيا بأكله قال ابن زيد: أحل الله طعامهم ولم يستثن منه شيئا، وأما أبو الدرداء فقد سئل عن كبش ذبح للكنيسة يقال لها جرجس أهدوه لها أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء للسائل: اللهم عفوا إنما هم أهل كتاب طعامهم حل لما وطعامنا حل لهم وأمره بأكله. وروى ابن جرير أيضا وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (5) قال: ذبائحهم وروى مثله عبد بن حميد عن مجاهد وعبد الرزاق عن إبراهيم النخعي. وقد أجمع الصحابة والتابعون على هذا وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة التي أهدتها إليه اليهودية ووضعت له السم في ذراعها. وكان الصحابة يأكلون من طعام النصارى في الشام بغير نكير ولم ينقل عن أحد منهم خلاف إلا في بني تغلب وهو بطن من العرب انتسبوا إلى النصارى ولم يعرفوا من دينهم شيئا فنقل عن علي -كرم الله وجهه- أنه لم يجز أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم معللا بأنهم لم يأخذوا من النصارى إلا شرب الخمر، يعني أنهم على شركهم لم يصيروا أهل الكتاب، واكتفى جمهور الصحابة بانتمائهم إلى النصرانية. روى ابن جرير عن
(1) سورة آل عمران الآية 93
(2)
سورة البقرة الآية 249
(3)
سورة الأحزاب الآية 53
(4)
سورة الأنعام الآية 145
(5)
سورة المائدة الآية 5
عكرمة قال: سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى بني تغلب فقرأ هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (1) وفي رواية له عنه أنه قال: كلوا من ذبائح بني تغلب وتزوجوا من نسائهم فإن الله تعالى قال وقرأ الآية - فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم، أي يكفي في كونهم منهم نصرهم لهم وتوليهم إياهم في الحرب.
ولما كان من شأن كثير من الناس التعمق في الأشياء وحب التشديد مع المخالفين استنبط بعض الفقهاء في هذا المقام مسألة جعلوها محل النظر والاجتهاد، وهي هل العبرة في حل طعام أهل الكتاب والتزوج منهم بمن كانوا يدينون بالكتاب (كالتوراة والإنجيل) كيفما كان كتابهم وكانت أحوالهم وأنسابهم، أم العبرة باتباع الكتاب قبل التحريف والتبديل وبأهله الأصليين كالإسرائيليين من اليهود. المتبادر من نص القرآن ومن السنة وعمل الصحابة أنه لا وجه لهذه المسألة ولا محل فالله تعالى قد أحل أكل طعام أهل الكتاب ونكاح نسائهم على الحال التي كانوا عليها في زمن التنزيل، وكان هذا من آخر ما نزل من القرآن، وكان أهل الكتاب من شعوب شتى وقد وصفهم بأنهم حرفوا كتبهم {وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} (2) في هذه السورة نفسها كما وصفهم بمثل ذلك فيما نزل قبلها، ولم يتغير يوم استنبط الفقهاء تلك المسألة شيء من ذلك. وقد تقدم في تفسير قوله تعالى:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (3) أن سبب نزولها محاولة بعض الأنصار إكراه أولاد لهم كانوا تهودوا على الرجوع إلى الإسلام فلما نزلت أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتخييرهم، ولا شك أنه كان في يهود المدينة وغيرهم كثير من العرب الخلص ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين بينهم في حكم من الأحكام.
واستنبط بعضهم علة أخرى لتحريم طعام أهل الكتاب والتزوج منهم وهي إسناد الشرك إليهم في سورة التوبة بقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (4) مع قوله في سورة البقرة: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (5) وهذا هو عمدة الشيعة في هذه المسألة، وأجيب عنه (أولا) بأن الشرك المطلق في القرآن إذا كان وصفا أو عد أهله صنفا من أصناف الناس لا يدخل فيه أهل الكتاب بل يعدون صنفا آخر مغايرا لهذا الصنف كما قال تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} (6)
(1) سورة المائدة الآية 51
(2)
سورة المائدة الآية 13
(3)
سورة البقرة الآية 256
(4)
سورة التوبة الآية 31
(5)
سورة البقرة الآية 221
(6)
سورة البينة الآية 1
وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (1) الآية. (وثانيا) بأننا إذا فرضنا أن المشركين في آية البقرة عام، فلا مندوحة لنا عن القول بأن هذه الآية قد خصصته أو نسخته لتأخرها بالاتفاق ولجريان العمل عليها، ومنه أن حذيفة بن اليمان من أكبر علماء الصحابة قد تزوج بيهودية ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
ثم قال: مجمل معنى الآية: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (2) من الطعام فلا بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام، {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (3) بمقتضى الأصل لم يحرمه الله عليكم قط، وطعامكم حل لهم كذلك أيضا، فلكم أن تأكلوا من اللحوم التي ذكوا حيوانها أو صادوه كيفما كانت تذكيته وصيده عندهم، وأن تطعموهم مما تذكون وتصطادون، ويدخل في ذلك لحم الأضحية خلافا لمن منعه، ولا يخرج منه إلا ما كان خاصا بقوم لا يشملهم وصفهم كالمنذور على أناس معينين بالذاوت أو بالوصف. والمحصنات من المؤمنات ومن الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، حل لكم كذلك بمقتضى الأصل وما قرره في آية النساء {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (4) لم يحرمهن الله عليكم إذا أعطيتموهن مهورهن التي تفرضونها لهن عند العقد- وإلا وجب لهن مهر المثل- بشرط أن تكونوا قاصدين بالزواج إحصان أنفسكم وأنفسهن لا الفجور المراد به سفح الماء جهرا ولا سرا وسيأتي بيان ما هو الاحتياط وبحث اختلاف الزمان في المسألة، والتعبير بقوله {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (5) إنشاء لحلها العام الدائم كما تقدم، ولكنه لم يقل مثل ذلك فيما بعده بل قال:{حِلٌّ لَكُمْ} (6) وهو خبر مقرر للأصل في المسألتين - مسألة مؤاكلة أهل الكتاب، ومسألة نكاح نسائهم - فلم يكن شيء منها محرما من قبل وأحل في ذلك اليوم لا بتحريم من الله ولا بتحريم من الناس على أنفسهم كما حرموا بعض الطيبات فهذا ما ظهر لنا من نكتة اختلاف التعبير وسكت عنه الباحثون في نكت البلاغة الذين اطلعنا على كلامهم.
وحكمة النص على هذا الحل قطع الطريق على الغلاة أن يحرموا باجتهادهم أو أهوائهم، على أن منهم من حرمه مع النص الصريح ونص على أن طعامنا حل لهم دون نسائنا فليس لنا أن نزوجهم منا، لأن كمال الإسلام وسماحته لا يظهران من المرأة لسلطان الرجل عليها، هذا هو المتبادر لمن يفهم العبارة مجردا من تقاليد المذاهب، فمن فهم مثل فهمنا ففهمه حاكم عليه ولا نجيز لأحد أن يقلدنا فيه تقليدا.
(1) سورة الحج الآية 17
(2)
سورة المائدة الآية 5
(3)
سورة المائدة الآية 5
(4)
سورة النساء الآية 24
(5)
سورة المائدة الآية 5
(6)
سورة المائدة الآية 5