الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسقاط المكي للعالم
حسين كمال الدين أحمد (1).
مقدمة
هذا النوع من إسقاط الخرائط، هو نوع جديد من جميع الوجوه، ولا يرتبط بنوع ما من أنواع الإسقاطات الأخرى للخرائط المعروفة بين علماء المساحة أو الجغرافية. والغرض من كتابة هذا البحث هو شرح هذا الإسقاط الجديد بطريقة سهلة ومبسطة، لعامة الناس، حتى يستأنسوا بمعرفة موقع مكة المكرمة من القارات المستقرة على سطح الكرة الأرضية، دون الدخول في التفاصيل العلمية.
والمقصود عموما من إسقاط الخرائط هو كيفية تمثيل السطح الكروي للأرض على الخرائط المستوية للسطح، ولقد أصبح من البديهي الآن أن الأرض جسم كروي، وعلى ذلك فإننا إذا أخذنا في الاعتبار مساحة كبيرة جدا على هذا السطح، فإن تأثير كروية سطح الأرض يظهر فيه تماما، بينما كان هذا التأثير يختفي عنا في المساحات المحددة منه. ومن هنا نشأ التفكير في دراسة علم إسقاط الخرائط حتى نستطيع أن نربط بين السطح الكروي للكرة الأرضية، وبين السطح المستوى للخرائط المساحية والجغرافية.
(1) د. حسين كمال الدين أحمد - أستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ولما كان من الواجب على الخريطة أن تمثل سطح الأرض كأنها صورة منها، إذا أصبح من الضروري أن يكون بين الأصل والصورة تشابه تام في كل شيء. بمعنى أن الشكل المسقط يكون مشابها للأصل، وأن مساحته تكون متكافئة بنسبة مقياس الرسم، وأن الاتجاهات بين أجزائه تكون صحيحة مثلما كانت على سطح الأرض. وهذا يعبر عنه في علم إسقاط الخرائط بالمحافظة على التشابه والتكافؤ والانحرافات.
ولقد وجد أن المحافظة على هذه الواجبات الثلاثة مجتمعة، من المحال ما دامت الخريطة مستوية، ولذلك روعيت الأغراض المطلوب صنع الخريطة من أجلها عند اختيار عملية الإسقاط المناسبة. فمثلا الخرائط المستعملة في البحرية والطيران، أهم أغراضها المحافظة على الاتجاهات بين الأماكن، والخرائط التعليمية مثل الخرائط الجغرافية يفضل فيها وجود التشابه، والخرائط الزراعية يراعي فيها التكافؤ، وهكذا. . . ولقد وجد أنه من الممكن الاحتفاظ بواحدة من هذه الخواص الثلاثة المذكورة سابقا، أو باثنين منها فقط، أما الثلاثة معا فلا.
وفي الحالات العامة يمكننا دون حدوث أي خطأ محسوس اعتبار أن الأرض كروية السطح تماما وإذا أردنا الدقة أكثر من ذلك فهي شبه كروية مفرطحة القطبين، والفرق بين طول القطر الاستوائي والقطر القطبي حوالي (42) كيلو مترا، وهذا الفرق صغير جدا إذا قورن بقطر الكرة الأرضية المتوسطة وقدره (12700) كيلو متر.
ونظرا لكروية سطح الأرض، فإن أية نقطة من سطحها لا تتميز عن غيرها من النقط السطحية بدليل ما. ولذلك لجأنا إلى تصور وجود خطوط وهمية مرسومة على سطح الكرة الأرضية بنظام متعامد خاص، يرتبط بنقطتين ثابتتين هما القطب الأرضي الشمالي والقطب الأرضي الجنوبي.
وإذا تصورنا أن الكرة الأرضية تدور حول نفسها دورة منتظمة فإن ذلك يستوجب فرض محور ثابت داخل هذه الكرة ينسب إليه هذا الدوران تقابل طرفي هذا المحور مع سطح الكرة الأرضية يحدد هاتين النقطتين القطب الشمالي والقطب الجنوبي.
وإذا فرضنا أن كلا من هذين القطبين هو نقطة أساس، فإن الكرة الأرضية تنقسم إلى نصفين متكافئين، وأن الخط الدائري المشترك بين هذين النصفين يسمى خط الاستواء، وهو دائرة عظمى من الدوائر الأرضية (1). ثم تقسم هذه الدائرة إلى (360) درجة، وكل درجة تقسم إلى (60)
(1) الدائرة العظمى هي التي يمر مستواها بمركز الكرة الأرضية، أي أنها تقسم الكرة إلى نصفين متساويين.
دقيقة وكل دقيقة تقسم إلى (60) ثانية. وإذا وصلنا بين نقطة تقسيم دائرة الاستواء وبين القطبين الأرضيين فإننا نحصل على أنصاف دوائر عظمى متعامدة على دائرة الاستواء، وتسمى هذه الدوائر بخطوط الزوال (1) ومن الممكن ترقيم هذه الدوائر حتى نميزها بترقيمها عن بعضها البعض، ولقد اعتبر خط الصفر، هو خط الزوال المار بمرصد جرينتش في إنجلترا، ثم استمر الترقيم شرقا وغربا بالنسبة إلى هذا الخط من صفر إلى 180 درجة.
وإذا أخذنا أية دائرة من دوائر خطوط الطول، نجد أنها أنصاف دوائر عظمي، وأن خط الاستواء يقسمها إلى نصفين متساويين، كل قسم منها يحصر زاوية قدرها (90) درجة عند مركز الكرة الأرضية. وتسمى بأرباع الدوائر العظمى، ويبدأ تقسيم هذه الأرباع من عند دائرة الاستواء بالمقدار (صفر) درجة ثم ينتهي عند القطب الأرضي بالمقدار (90) درجة شمالا وجنوبا.
وإذا رسمنا من عند نقط تقسيم هذه الأرباع مستويات عمودية على محور دوران الأرض- أي أنها تكون موازية لمستوى دائرة الاستواء- فان هذه المستويات تقابل سطح الكرة الأرضية في دوائر متوازية مع بعضها ومع دائرة الاستواء ولكنها ليست دوائر عظمى. وتسمى هذه الدوائر بالمتوازيات أو دوائر خطوط العرض الأرضية - ويكون خط الاستواء هو خط العرض صفر، والقطب هو خط العرض (90) درجة شمالا أو جنوبا. كما يسمى خط الطول المار بجرينتش بخط الأساس لخطوط الطول.
ويلاحظ أن أقطار دوائر خطوط العرض تقل كلما ابتعدنا عن دائرة الاستواء الأرضي حتى تصل إلى الصفر عند القطبين.
لو تصورنا وجود خطوط الطول وخطوط العرض السابقة ذكرها على سطح الكرة الأرضية فإننا عند ذلك نستطيع أن نرسم حدود القارات والبحار والأنهار والدول عليها، وأن نعين كل بلد من البلاد أو مكان من الأمكنة بخطي الطول والعرض المارين بها. ولو أن هذه الخطوط وهمية إلا أننا نستطيع بطريق الرصد الفلكي أن نعين مقدارها في أي موضع من سطح الكرة الأرضية بالدقائق أو الثواني أو حتى بأجزاء الثواني حسب المطلوب. ومن ذلك نجد أنه يمكننا الربط الكامل بين الحدود بأي شكل منها وبين خطوط الطول والعرض الأرضية.
ولقد سبق أن ذكرنا أن سطح الأرض كروي وبذلك تكون هذه الخطوط أيضا أقواسا من دوائر وليست خطوط مستقيمة، بينما الخرائط المطلوب الرسم عليها هي أوراق متساوية وهنا يتدخل علم إسقاط الخرائط.
(1) خطوط الزوال هي خطوط الطول في الاصطلاح الجغرافي.
ومن هذا نعلم أن علم إسقاط الخرائط هو الواسطة في عملية النقل من السطح الكروي إلى الأرض إلى السطح المستوي للخريطة.
الباب الأول
ذكرنا في المقدمة أنه من الواجب عند رسم الخريطة المساحية، أن نراعي ثلاثة أساسيات وهي:
1 -
التشابه التام بين الشكل في الطبيعة والشكل الذي نمثله به على الخريطة.
2 -
المكافأة في المساحة السطحية بين كل موجود في الطبيعة، وبين كل مرسوم يناظره على الخريطة مع اعتبار مقياس الرسم المذكور على الخريطة.
3 -
المحافظة على الاتجاهات بين جميع الأماكن على سطح الأرض، وبين نظائرها المرسومة على الخريطة. وهذه الأساسيات الثلاثة تجعلنا نستطيع دراسة سطح الأرض دراسة تفصيلية صحيحة من الخريطة، فنستطيع تقدير المسافات طولا وعرضا، ومعرفة الارتفاعات، وحساب المسطحات وقياس الاتجاهات، وتصور الأشكال للأنهار والبحيرات والمحيطات والقارات تماما كما نراها وهي في الطبيعة.
ولكن من سوء الحظ وجدنا أن هذه الأساسيات الثلاثة لا نستطيع أن نجمع بينها على خريطة متساوية واحدة لمساحة كبيرة من سطح الكرة الأرضية. ولذلك أصبح من اللازم أن نختار واحدة من هذه الأساسيات الثلاثة.
ونلتزم بها عند رسم الخريطة، ونتهاون بعض الشيء في الأساسيتين الأخريين. وأصبح هذا التمييز يرتبط بالغرض المقصود من أجله عمل هذه الخرائط، كما سبق ذكره مختصرا في المقدمة.
ولذلك تعددت أيضا الطرق المستعملة في إسقاط الخرائط ورسمها على الورق لكي تتماشى مع الأهداف المرغوب فيها.
والخطوة التالية بعد ذلك هي أن نفرد السطح الكروي ونحوله على سطح مستو. ولا يتم ذلك إلا بإحدى الطريقتين. كلاهما أسوأ من الأخرى، وهي إما أن ندع الأحرف الخارجية تتمزق لكي تتسع فيما بينها، وإما أن نجعل الجزء الداخلي من هذا السطح ينبعج بمقادير مختلفة حتى يضيق ويسمح بتحويل السطح الكروي إلى سطح مستوي، ولما كان كل من هذين الحلين غير مقبول، ولذلك كان من الواجب البحث عن حل ثالث.
والحل الجديد هو اختيار جسم آخر يكون واسطة انتقال بين سطح الكرة الأرضية وبين الخريطة المساحية. بحيث ننقل أولا التفاصيل من السطح الكروي إلى سطح هذا الجسم الجديد، ثم بعد ذلك نفرد سطح هذا الجسم ونحوله إلى مستوى الخريطة.
ومن هذا نلاحظ أن الأجسام التي تقوم بعمل الوسيطة، يجب أن تكون الأسطح الخاصة بها قابلة للفرد أو النشر، وأن تصلح كذلك لاستيفاء بعض الشروط الأساسية الثلاثة السابق بيانها.
ولقد وجد أن أصلح الأجسام الهندسية التي تؤدي هذا العمل هي الأسطوانة أو المخروط ولذلك نجد أن معظم الإسقاطات المشهورة للخرائط الجغرافية مشتقة من هذين الجسمين. وسوف نوضح بعض هذه الطرق المشهورة بضرب بعض الأمثلة عليها.
أولا فيما يتعلق بالأسطوانة:
لقد استعملت طريقتان مشهورتان في هذه الحالة وهما طريقة الإسقاط الإشعاعي وطريقة الإسقاط المتساوي.
وفي هاتين الطريقتين تظهر خطوط الطول متوازية مع بعضها، وكذلك تظهر خطوط العرض متوازية مع بعضها، بينما يتعامد كلا منهما مع الآخر تماما. لذلك نتصور وضع الكرة الأرضية بداخل أسطوانة عظيمة كما هو مبين في الشكل رقم (1)، وبحيث يكون محور الكرة منطبقا مع محور الأسطوانة، وأن تمس الكرة الأرضية هذه الأسطوانة على طول دائرة الاستواء.
بعد ذلك نفصل بين الطريقتين بعض الشيء وفي حالة الإسقاط الإشعاعي نتصور امتداد خطوط مستقيمة تشع من مركز الكرة الأرضية وتصل إلى سطحها عند تقابل خطوط الطول والعرض مع بعضها، ثم تستمر في السير على استقامتها حتى تصل إلى سطح الأسطوانة المذكورة. ومعنى ذلك أننا نقلنا فقط تقاطع خطوط الطول والعرض الأرضية من سطح الكرة إلى سطح الأسطوانة. وإذا فردنا بعد ذلك سطح الأسطوانة نجد أن خط الاستواء يحتفظ بطوله الحقيقي، أي أن القياسات التي تؤخذ
عليها من الخريطة تكون أطوالها صحيحة.
أما باقي خطوط العرض الشمالية والجنوبية فإن أطوالها تزداد عن حقيقتها، وكلما ابتعدنا عن خط الاستواء كلما كبرت هذه الزيادة، ولكنها تظل محتفظة بخاصية الموازاة بينها وبين بعضها البعض. وأما خطوط الطول فإنها تكون متعامدة مع خط الاستواء وتحتفظ بالمسافات المتساوية بينها كما هي عند هذا الخط، بينما تفقد خاصية تقابلها عند القطبين الأرضيين، وتصبح متوازية تماما. ونلاحظ في هذا الإسقاط أن المسافات بين خطوط العرض وبعضها لا تكون متساوية بل تزداد كلما اتجهنا شمالا أو جنوبا بالنسبة إلى خط الاستواء. كما إنه يتيسر إسقاط المناطق القريبة من القطب لأنها تحتاج إلى أبعاد كبيرة جدا وأن نقطة القطب نفسها يكون مسقطها في ما لا نهاية. ونلاحظ من ذلك كله أن منطقة الإسقاط الحقيقي هي المنطقة القريبة من خط الاستواء، بينما سائر الأجزاء الأخرى يحدث بها تضخم يزداد أثره كلما بعدنا عن خط الاستواء. ويستعمل هذا النوع في رسم الخرائط والمصورات الإيضاحية للعالم لأغراض الدراسات الجغرافية والتعليم.
أما في الحالة الثانية، وهي حالة الإسقاط المتساوي، فهناك بعض الشبه مع الطريقة الأولى وهي أننا نتصور وضع الكرة الأرضية بداخل أسطوانة عظيمة تمس سطحها عند دائرة خط الاستواء كما سبق تماما، وكذلك نرسم الخطوط المشعة من مركز الكرة إلى سطحها عند تقابل خطوط الطول والعرض مع بعضها. وبعد ذلك يقف امتداد خطوط الإشعاع على استقامتها، ولكنها تسير في شكل أقواس حتى تصل إلى سطح الأسطوانة كما في الشكل (2). وتكون المسافات بين هذه الأقواس وبعضها متساوية تمام للمسافات بين خطوط العرض المقاسة على سطح الكرة الأرضية. وفي هذه الحالة نجد أن خطوط الطول تظل كما هي في الحالة السابقة متوازية مع بعضها وعمودية على خط الاستواء الأرضي وتفصل بينها نفس المسافات السابقة كذلك.
ولكن بالنسبة إلى خطوط العرض فإن المسافات التي تفصل بينها تكون هي نفس المسافات التي كانت تفصل بينها على سطح الكرة الأرضية، ومعنى ذلك أن يكون ارتفاع الأسطوانة مساويا في الطول لنصف محيط الكرة الأرضية تماما، وأن جميع سطح الكرة الأرضية يمكن تصويره على سطح هذه الأسطوانة حتى نقطتي القطبي. وعلى ذلك فإنه من الممكن بيان سطح الكرة الأرضية جميعه على خريطة واحدة، أو عدة خرائط منفصلة. أما في حالة الإسقاط الإشعاعي فإنه يتعذر ذلك، حيث إن المناطق القطبية لا يسهل بيان بعضها على أسطوانة الإسقاط، كما يستحيل بيان بعضها الآخر.
والإسقاط الأسطواني عموما يصلح للأعمال الدراسية حيث إنه يحافظ على الاتجاهات بقدر الإمكان، وبذلك يكون التشابه فيه قريبا من الحقيقة، ولو أن الخريطة الواحدة تحتفظ بمقاييس رسم