المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أنكاح الناس اليوم - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الافتتاحية

- ‌كتابة المصحف

- ‌ أمثلة يتبين منها مدى التغيير الذي يحدث من كتابة المصحف حسب قواعد الإملاء

- ‌ثانيا: نقول من العلماء يتبين منها رأيهم في كتابة المصحف بغير الرسم العثماني:

- ‌ثالثا: الضرورة أو الحاجة التي دعت إلى العدول عن كتابة المصحف بالرسم العثماني

- ‌باب ذكر ما اختلفت فيه مصاحف أهل الأمصار بالإثبات والحذف

- ‌باب ذكر ما اختلفت فيه مصاحف أهل الحجاز والعراق والشام المنتسخة من الإمام بالزيادة والنقصان

- ‌رابعا: بيان ما يوجب بقاء كتابة المصاحف بالرسم العثماني، وما قد يترتب على العدول عنه

- ‌ثالثا: يخشى إذا وقع ذلك أن يصير كتاب الله - القرآن- ألعوبة بأيدي الناس

- ‌معنى التسعير

- ‌المسألة الثانية: من أراد أن يزيد عن سعر الناس أو ينقص

- ‌المسألة الرابعة: بيان ما يدخله التسعير من المبيعات

- ‌ التسعير يجري في كل ما أضر بالعامة:

- ‌تحديد أجور العقارات

- ‌ تنازع العلماء في التسعير

- ‌ يحد لأهل السوق حدا لا يتجاوزونه

- ‌ تمهيد

- ‌الصفة المشروعة في الذبح والنحر

- ‌ طعام الوثنيين ونكاح نسائهم

- ‌ مذهب الحنفية في ذبائح أهل الكتاب ومناكحتهم

- ‌ ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية

- ‌مذهب المالكية في طعام أهل الكتاب

- ‌ مذهب الشافعي في طعام أهل الكتاب

- ‌مذهب أحمد وأصحابه في طعام أهل الكتاب والتسمية على الذبيحة

- ‌صفوة الخلاف بين الفقهاء والمختار منه في طعام أهل الكتاب

- ‌ ذكر ما ورد إلى هذه الرئاسة عن كيفية تذكية الحيوانات المستوردة من بلاد الكفار

- ‌حل مشكلة اللحوم المستوردة

- ‌بطلان نكاح المتعةبمقتضى الدلائلمن الكتاب والسنة

- ‌أنكاح الناس اليوم

- ‌ عبد الله بن مسعود

- ‌ابن مسعود العالم:

- ‌ابن مسعود السياسي

- ‌رأي العلماء في ابن مسعود

- ‌إيثاره الحق:

- ‌بين عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود

- ‌مصير فقه ابن مسعود

- ‌علامة الكيمياءالجلدكي

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌الإسقاط المكي للعالم

- ‌مقدمة

- ‌ثانيا: الإسقاط المخروطي:

- ‌الإسقاط المخروطي المطابق:

- ‌الإسقاط المتعدد المخروطات:

- ‌ثالثا: الإسقاط القطبي:

- ‌الباب الثانيالإسقاط المكي للعالم

- ‌في العبادات

- ‌في الصلاة

- ‌في الصيام

- ‌النذر

- ‌المذاهب

- ‌في الحج

- ‌منع الحيض وقت الحج

- ‌في الدعاء

- ‌حقوق الجوار للكفار

- ‌حقيقة التوكل

- ‌في التصوير

- ‌التصوير في المناسبات

- ‌التصوير الفوتغرافي

- ‌في بناء المساجد

- ‌الذبائح

- ‌في الزواج

- ‌الرضاعة

- ‌ رضع من جدته لأمه وإخوانه لم يرضعوا منها

- ‌ رضعت من جدتي أم والدتي فهل يجوز لي الزواج من ابنة خالي أخي والدتي من الأم والأب

- ‌الرضاع الذي يحصل به التحريم

- ‌في الطلاق

- ‌في الربا

- ‌ العمل في بنوك تتعامل بالربا أو حراستها

- ‌الأوراق النقدية

- ‌الهبة

- ‌الزكاة

- ‌في الدين

- ‌ترجمة القرآن

- ‌أحاديث موضوعة

- ‌الزنا والهجرة للبلاد الأجنبية

- ‌في الرشوة

- ‌في القتل الخطأ

- ‌ يتعامل مع البنوك الحالية التي تعطي زيادة على رأس المال أو تزود المقترض

- ‌إيضاحات وتنبيهات

- ‌التعلق بالنجوم والأبراج والطالع

- ‌حرمة القرآن الكريم

- ‌التحذير من مكائد الأعداء

- ‌النهي عن سب القدر

- ‌خطر مشاركةالمرأة للرجل في ميدان عمله

- ‌إطلاق حرية العقارموافق للشرع والمصلحة العامة

- ‌التحذير من المعاملات الربوية

- ‌الرد على مزاعم هيئة الإذاعة البريطانيةتكذيب خبر

الفصل: ‌أنكاح الناس اليوم

يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل - والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع من جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما. فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك.

فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله.

ص: 189

‌أنكاح الناس اليوم

وبه يعلم أن نكاح المتعة هو من قبيل متخذات أخدان بحيث يختص بها واحد بدون مشارك في زمن محدد كما هو الواقع من فعل كثير من النساء الزواني اللاتي يراعين التستر وبذلك أنزل الله {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (1). من سورة النساء - فسمى الله الصداق أجرة وأجرا كما قال سبحانه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (2). وفي قصة موسى قول شعيب {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} (3). فتزوجها موسى برعاية غنم شعيب ثماني سنين ثم كملها عشرا فليس في الشريعة الإسلامية نكاح مباح إلا نكاح الزوجة أو إلا ملك اليمين فمن ابتغى نكاحا غيرهما فأولئك هم العادون- أي الذين يتطلبون نكاحا مؤقتا بيوم أو يومين فهم المعتدون لحدود الله والمستحلون لمحارمه.

(1) سورة النساء الآية 25

(2)

سورة المائدة الآية 5

(3)

سورة القصص الآية 27

ص: 189

ثم إن صاحب المقالة رد على من قال بجواز الاستمناء باليد يعني بذلك الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه " الحلال والحرام " حيث طرق موضوع هذه القضية ثم قال بجواز الاستمناء باليد عند الضرورة وليس رأيه هذا ببدع من القول والزور لجواز ارتكاب أدنى الضررين لدفع أعلاهما وهو عمل جائز في مذهب الحنابلة قال في الإقناع ولا يعزر يعني من استمنى بيده أي لقوة الخلاف وضعف القول بحرمته (1). وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن أبناء المهاجرين والأنصار في غزواتهم الطويلة كانوا يستريحون بالاستمناء باليد وهذا الاستمناء هو كاسمه حقيقة ومعنى ولا يسمى نكاحا فإخراج هذا المني إلى التراب أو إلى الفراش أيسر من وضعه في فرج حرام- وقال شيخ الإسلام في فتاواه: إن اضطر الشخص إلى الاستمناء بيده مثل أن يخاف الزنا إن لم يستمن أو يخاف المرض فهذا فيه قولان مشهوران وقد رخص في هذه الحال طوائف من السلف والخلف (2). .

هذا وإن أساطين الشيعة ورؤساءهم يتعففون عن هذا العمل فلا نسمع بغني ولا فقير أنه سلم ابنته لرجل باستئجاره لها يوما أو يومين أو أسبوعا أو شهرا باسم نكاح المتعة فهم يترفعون عن العمل بهذا وعدم السقوط فيه لدناءته فهو نكاح مفسدة وتنقل في اللذات وحتى إن جريمة الزنا قليلة فيما بينهم وليس فيه شيء من المصالح سوى قضاء وطر الشهوة بخلاف النكاح الدائم الشرعي فإنه يترتب عليه مصالح كثيرة منها الإحصان وكونه يحصن الزوج عن غير زوجته ويحصنها ومتى أشرك مع زوجته غيرها من الأخدان فإنه يفسد به نظام الزوجية الشرعية فيبغض زوجته وتبغضه.

ومنها أن الله سمى الزوجة سكنا فيسكن إليها الزوج وتسكن إليه ويأنس بها فقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (3). فالزوج سكن للمرأة يسكن إليها ويطمئن بها فتجلب إليه الأنس والسرور والغبطة والحبور وتقاسمه الهموم والغموم ويكون بوجودها بمثابة الملك المخدوم والسيد المحشوم- فمسكين مسكين رجل بلا زوجة- والعزاب هم أراذل الأحياء وشرار الأموات. . . كما أن الزوج كرامة ونعمة للزوجة يرفع مستوى ضعفها وينشر جناح وحدتها ويسعى عليها بكل ما تشتهي من الحاجات والنفقات ويجعلها سيدة بيت وسعيدة عشيرة وأم بنين وبنات.

ومنها أن الله سمى الزوجة حرثا الذي هو محل لإنشاء النسل المحبوب تكثيره عند الشرع ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تزوجوا الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة (4)» ولا توجد هذه الميزات

(1) انظر الإقناع- باب التعزير من كتاب الحدود- المجلد الثالث

(2)

المسألة 38 ص 62 من المجلد الأول- فتاوى ابن تيمية

(3)

سورة الروم الآية 21

(4)

سنن النسائي النكاح (3227)، سنن أبو داود النكاح (2050).

ص: 190

في نكاح المتعة الذي غايته قضاء وطر شهوة لا غير ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعلانه واشتهاره لشرفه فقال صلى الله عليه وسلم: «أعلنوا النكاح (1)» وقال: «فرق ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف (2)» . لكون النكاح الحرام يبالغ أهله في إخفائه وعدم بيانه فنكاح المتعة الذي غايته تفنن الذوق والتنقل في اللذات بدون رغبة منه ولا منها في اصطفاء البنين والبنات بل إنه من الأسباب التي ينقطع بها النسل؛ لأنه متى تعاقب الرجال على المرأة بحيث تكون عند أحدهم شهرا وعند الآخر الشهر الثاني فإنه بذلك يفسد نظام الحمل من أجل اختلاط المياه في الرحم إذ هي بهذه الصفة من قبيل المتخذات أخدان.

وفي مذهب الزيدية: أن النكاح مؤبد فلا يجوز عندهم نكاح المتعة أو النكاح المؤقت إلى أمد مجهول أو معلوم وغايته إلى خمسة وأربعين يوما أو أكثر من ذلك. فقد حدث زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنهم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة عام خيبر (3)» . وأخرج البخاري ومسلم والمؤيد بالله في شرح التجريد وغيرهم من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية (4)» .

وأخرج البيهقي عن طريق عبد الله بن لهيعة عن موسى بن أيوب عن إياس بن عامر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة فقال: إنما كانت لمن لم يجد فلما أنزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت» .

وأخرج البيهقي أيضا أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن المتعة فقال حرام. قال فإن فلانا يقول فيها. فقال والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين وهذا يدل على تحريم المتعة.

ثم إن الشيعة تمسكوا في استدلالهم على نكاح المتعة بقوله سبحانه: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (5). وهذا الاستدلال لا صحة له فإن هذه الآية سيقت في بيان ما يحل ويحرم من نكاح النساء كما يعلم من نظمها فيما قبلها وبعدها.

وأن يكون الغرض المقصود هو الإحصان وطلب النسل دون التمتع بسفح الماء والتنقل في اللذات. الذي يكون حظ الحيوان فيها أكثر من حظ الناس ثم إن السنة تفسر القرآن وتبين ما أشكل منه وقد فسرت السنة هذا الاستمتاع وإن المراد به النكاح الشرعي.

(1) سنن الترمذي النكاح (1089)، سنن ابن ماجه النكاح (1895).

(2)

عن محمد بن حاطب الجمحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح " - رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه

(3)

صحيح البخاري الذبائح والصيد (5523)، صحيح مسلم النكاح (1407)، سنن الترمذي النكاح (1121)، سنن النسائي النكاح (3365)، سنن ابن ماجه النكاح (1961)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 142)، سنن الدارمي النكاح (2197).

(4)

صحيح البخاري المغازي (4216)، صحيح مسلم النكاح (1407)، سنن الترمذي النكاح (1121)، سنن النسائي النكاح (3366)، سنن ابن ماجه النكاح (1961)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 142)، سنن الدارمي النكاح (2197).

(5)

سورة النساء الآية 24

ص: 191

فقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن استمتعت بها استمتعت وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها (1)» فدل الحديث على نفس ما دلت عليه الآية وأن المراد بقوله {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (2) أي بالنكاح الشرعي الذي يتخلله الطلاق عند عدم الوفاق كما قال: «وكسرها طلاقها (3)» ونكاح المتعة ليس فيه طلاق ولا نفقة ولا ميراث فيجوز عندهم أن يستأجرها بنكاح المتعة فهو يتمشى على طريقة السفاح بحيث إن الرجل يتفق مع المسافحة أسبوعا أو شهرا بأجر مسمى على سبيل الاختصاص بدون مشارك ثم يتفق الثاني معها كذلك إلا أنهم لا يذكرون فيه نكاح المتعة- ولهذا قال علي رضي الله عنه لا أوتي بمستمتعين إلا رجمتهما.

فقوله {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (4) أي تمتعتم والزوجة تسمى متاعا كما روى الإمام أحمد والدرامي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة التي إذا نظر إليها الزوج سرته وإن أمرها أطاعته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله (5)» .

ثم إن النكاح الشرعي المؤبد يخالف نكاح المتعة المقدر بيوم أو أسبوع أو شهر فإن نكاح المتعة ليس فيه سوى قضاء وطر الشهوة فقط بحيث يسفح ماءه في فرجها فهو يزيد في الولوع والشغف في التنقل في اللذات فكلما سفح ماءه في امرأة انصرف عنها إلى غيرها لكون الحب إذا نكح فسد ولكون المتمتع بنكاح المتعة لا يقصد الإحصان وإنما يقصد مجرد السفاح والتنقل في اللذات بين المشتهيات فتزداد به المرأة جنونا لا إحصانا بحيث تنصرف برغبتها عن النكاح الشرعي ومن شرط النكاح الشرعي هو أن يكون عن رغبة في استدامة بقائها لإحصانه بها وطلب النسل منها أما إذا تزوجها على عزم أن يطلقها بعد يوم أو يومين أو أسبوع أو على نية أن يبيحها لزوجها الأول فإن هذا نكاح باطل ولا ينعقد ولا تحل به المرأة لزوجها الأول ويسمى التيس المستعار وعن ابن مسعود قال «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل (6)» له رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

ومن صفة المؤمنين ما أخبر الله عنهم بقوله {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (7){إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (8){فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (9). أي المتجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم.

إن متعة النساء في استئجار المرأة لوطئها يوما أو أسبوعا أو شهرا كانت من عمل الجاهلية ثم بقيت على حالة الإباحة في أول الإسلام حيث كان الناس في شدة وحاجة فلما وسع الله عليهم بالمال

(1) سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن (3087)، سنن ابن ماجه كتاب النكاح (1851).

(2)

سورة النساء الآية 24

(3)

صحيح مسلم الرضاع (1468).

(4)

سورة النساء الآية 24

(5)

سنن ابن ماجه النكاح (1857).

(6)

مسند أحمد بن حنبل (1/ 448).

(7)

سورة المؤمنون الآية 5

(8)

سورة المؤمنون الآية 6

(9)

سورة المؤمنون الآية 7

ص: 192

يوم فتح خيبر أي عام ست من الهجرة فحرمها رسول الله عن الله تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة «وقال إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن عنده منهن شيئا فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا (1)» .

إنما أبيحت متعة النساء لهم في أول الإسلام كحالتهم في الجاهلية حيث كانوا مصابين بالفقر الشديد والفاقة وبالجوع والعراء حيث كانوا يتقاسمون في بعض أسفارهم التمرة الواحدة وحيث كان يوجد من بينهم سبعون رجلا ما منهم رجل عليه إزار ورداء بل إما إزار وإما رداء قد ربطوها في أعناقهم - وفي الصحيحين «أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي، فنظر إليها ثم صوب نظره فقام رجل فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال: هل عندك من شيء فقال لا والله فقال انظر ولو خاتما من حديد فقال والله ما عندي ولا خاتم من حديد ولكن هذا إزاري فلها نصفه وليس عليه سوى إزار فقال رسول الله ما تصنع بإزارك إن لبسته ولم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء ولكن هل معك شيء من القرآن فقال نعم معي سورة كذا وكذا فقال اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن (2)» مما يدل على أن متعة النساء قد أبيحت في زمان أبيحت فيه أكل الميتة وهذا معنى الفتوى التي قيل إن ابن عباس أفتى بها على أنه ليس بمعصوم وقد زجره الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ما أراك تاركا هنياتك أما علمت أن رسول الله قد حرمها.

وجاء سعيد بن جبير إليه فقال ما هذه الفتوى التي سمعت الناس يتحدثون بها فقال: ما يقولون؟ قال: يقولون إنك أبحت متعة النساء وقد سمعت ركاب الإبل يتغنون بها، فقال: ما يقولون؟ قلت يقولون:

أقول للشيخ لما طال مجلسه

يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس

هل لك في خصرة الأطراف آنسة

تكون مثواك حتى مصدر الناس

فقال والله ما قلت إلا أنها محرمة كحرمة الميتة ولحم الخنزير وليس تأخير تحريم متعة الناس إلى زمن خيبر ببدع من القول للحكمة والمصلحة فإن الله يحدث من أمره ما يشاء وكانت الشرائع من الأمر والنهي والحلال والحرام تنزل على النبي شيئا بعد شيء كما كان بعضهم يكلم بعضا في نفس الصلاة فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث من أمره أن لا تتكلموا في الصلاة يقول الله سبحانه: (4)» . فقد أبيح للناس شرب الخمر في أول الإسلام فكان أول آية نزلت في التمهيد للتحريم هو قوله سبحانه {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (5). .

(1) صحيح مسلم النكاح (1406)، سنن النسائي النكاح (3368)، سنن أبو داود النكاح (2072)، سنن ابن ماجه النكاح (1962)، سنن الدارمي النكاح (2195).

(2)

صحيح البخاري النكاح (5087)، صحيح مسلم النكاح (1425)، سنن الترمذي النكاح (1114)، سنن النسائي النكاح (3280)، سنن أبو داود النكاح (2111)، سنن ابن ماجه النكاح (1889)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 336)، موطأ مالك النكاح (1118)، سنن الدارمي النكاح (2201).

(3)

صحيح البخاري المناقب (3875)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (538)، سنن النسائي السهو (1221)، سنن أبو داود الصلاة (924)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1019)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 415).

(4)

سورة البقرة الآية 106 (3){مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}

(5)

سورة البقرة الآية 219

ص: 193

ثم أنزل الله بعدها {لا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (1). ومتى كان الشيء إثمه أكبر من نفعه وجب اجتنابه ثم أنزل الله قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2). .

وهذه من سورة المائدة التي هي من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها وهذا تحريم مؤبد ويكفر مستحله حتى إن الصحابة ندموا على من قتل شهيدا وهي في بطنه فأنزل الله {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (3). لكون الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها لقوله سبحانه {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (4). ومثله صلاة الصحابة إلى جهة بيت المقدس وهي قبلة اليهود والنصارى حتى أنزل الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (5). وأتى رجل إلى بني عبد الأشهل وهم يصلون الفجر مستقبلين بيت المقدس فقال أشهد بالله لقد أنزل الله على رسوله قرآنا وأمر أن يستقبل القبلة فاستداروا وهم في صلاتهم إلى جهة القبلة.

إن الله سبحانه لا يحرم شيئا من المحرمات كالخمر والميسر ومتعة النساء إلا ومضرته واضحة ومفسدته راجحة ولهذا أوجب العلماء إقامة الحد على من يستحل متعة النساء لإجماع الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين على تحريمها إلى يوم القيامة ولا عبرة بشذوذ الشيعة في هذا وما نسبوه إلى أحد الصحابة كأبي وابن مسعود من أنهما فعلا المتعة زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه على فرض صحته محمول على فعله قبل تحريمه. وإلا فحاشا وكلا أن يستبيح فعلها بعد تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها وانعقاد إجماع الصحابة على تحريمها بالنصوص الصحيحة الصريحة. ومثله ما نسبوه عن علي من قوله لولا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلا شقي فإن هذا من الكذب المفترى صريحا على علي وعلى عمر بشهادة علي ذلك فإن له في البخاري حديثين فيهما «أن رسول الله حرم المتعة والحمر الأهلية عام خيبر (6)» ولم يحرمها عمر من تلقاء نفسه كما يقول (أعداؤه) فقد أخرج البيهقي عن طريق عبد الله بن لهيعة عن موسى بن أيوب عن إياس بن عامر عن علي رضي الله عنه قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة» قال وإنما كانت لمن لم

(1) سورة النساء الآية 43

(2)

سورة المائدة الآية 90

(3)

سورة المائدة الآية 93

(4)

سورة الإسراء الآية 15

(5)

سورة البقرة الآية 144

(6)

صحيح البخاري الذبائح والصيد (5523)، صحيح مسلم النكاح (1407)، سنن الترمذي النكاح (1121)، سنن النسائي النكاح (3365)، سنن ابن ماجه النكاح (1961)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 142)، سنن الدارمي النكاح (2197).

ص: 194

يجد فلما أنزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت. وأما احتجاج الشيعة بما روى مسلم عن جابر بن عبد الله «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنها عمر (1)» فدعوى إسناد إنشاء التحريم من عمر هو باطل قطعا فما كان نهي عمر إلا بمثابة التبليغ والتنفيذ لحكم رسول الله في تحريمها إذ هو من واجبه والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «فليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع (2)» .

ثم قوله «كنا نتمتع على عهد رسول الله وأبي بكر (3)» فإن هذا مخالف للأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري ومسلم عن علي وعن سلمة بن الأكوع وعن ابن عمر ولا يبعد أن يكون حديث جابر مكذوبا عليه أو أنه دخل فيه شيء من زيادة بعض الرواة والصحيح هو ما رواه مسلم عن ربيع بن صبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني كنت أذنت لكم الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده شيء منها فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا (4)» فهذا الحديث فيه ذكر الناسخ والمنسوخ وكون التحريم صدر عن رسول الله عن الله ولم يقع لعمر ابتداء إلا على سبيل التبليغ والتنفيذ عن الله ومثله الحديث الذي احتج به صاحب المقالة عن ابن مسعود وهو في الصحيحين «عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء فقلنا يا رسول الله ألا نختصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ ابن مسعود (6)» .

إن من عادة صاحب المقالة أن يحتج بالمنسوخ الذي زال حكمه وبطل العمل به ويترك الناسخ المحكم الذي يجب العمل به والحكم بموجبه.

ونحن لا ننكر إباحة متعة النساء في أول الإسلام على حسب حالتهم في الجاهلية وكونهم يستأجرون المرأة في أسفارهم الطويلة بالثوب وبالقبضة من التمر وبالقبضة من الدقيق فابن مسعود وجابر على فرض صحة حديثيهما يتحدثان عن حالتيهما في الجاهلية قبل تحريمها كما يتحدث الصحابة عن شربهم الخمر قبل أن تحرم عليهم وكما يتحدثون عن صلاتهم إلى المشرق قبل أن يحولوا إلى جهة الكعبة وكما يتحدثون عن كون أحدهم يكلم صاحبه لحاجته وهو في صلاته زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (7) أي ساكتين. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث من أمره أن لا تتكلموا في الصلاة (8)» لكون أحكام الشرائع من الفرائض والمحرمات تنزل شيئا بعد

(1) صحيح مسلم النكاح (1405).

(2)

صحيح البخاري الحج (1741)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1679)، سنن ابن ماجه المقدمة (233)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 49)، سنن الدارمي المناسك (1916).

(3)

صحيح مسلم الحج (1217)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 304).

(4)

صحيح مسلم النكاح (1406)، سنن النسائي النكاح (3368)، سنن ابن ماجه النكاح (1962)، سنن الدارمي النكاح (2195).

(5)

صحيح البخاري النكاح (5076)، صحيح مسلم النكاح (1404)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 420).

(6)

سورة المائدة الآية 87 (5){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}

(7)

سورة البقرة الآية 238

(8)

صحيح البخاري المناقب (3875)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (538)، سنن النسائي السهو (1221)، سنن أبو داود الصلاة (924)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1019)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 415).

ص: 195

شيء وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحكامه وملاك الأمر خواتمه وكل الصحابة مجمعون على تحريمها كالزنا سوى ما نسب عن ابن عباس للمضطر وقد تحامل عليه الإمام رضي الله عنه باللوم والتعنيف وقال لهم إنك امرؤ تائه فرجع ابن عباس عن فتواه والصحابة كغيرهم يخطئ أحدهم في فتواه ويصيب.

ثم رأينا صاحب المقالة يحتج بصحة ما قاله بأنه قول العلامة ابن القيم في زاد المعاد وهو كذب منه فإن العلامة يجزم بتحريمها.

لكنه في بحثه في فتح مكة طرق موضوع تحريم متعة النساء فقال من العلماء من قال إنها حرمت يوم خيبر وعليه يدل أحاديث علي في البخاري.

ومنهم من قال إنها حرمت عام فتح مكة ورجع هذا القول لما روى مسلم عن سلمة بن الأكوع «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء عام أوطاس (1)» أي يوم حنين وهو عام فتح مكة.

ثم طرق موضوع الخلاف وهل تحريمها كتحريم الميتة ولحم الخنزير أو هو تحريم مؤبد في الحضر والسفر وهذا هو الصحيح لحديث ربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة (2)» ، ثم قال العلامة ابن القيم: إن رسول الله رخص فيها أي في ذلك الزمان للضرورة والحاجة في الغزو فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء وإمكان النكاح الشرعي المعتاد فقد اعتدى والله لا يحب المعتدين.

وبه يعلم أن النصوص الصريحة ترد على من ادعى أن بدء تحريم متعة النساء وقع من عمر اجتهادا منه واستجاب الصحابة له من أجل هيبته وهذا كله من الكذب على الله ورسوله وعلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ولم نر لهذا القول سندا صحيحا ولا حسنا بل هو نوع من الكذب المفترى على عمر لكون الشيعة يبغضون عمر أشد البغض ولهذا شددوا في الإنكار على من يقول بتحريم المتعة مع ظواهر النصوص الصريحة المؤيدة للتحريم ومع الإجماع العام ولا عبرة بشذوذ المخالفين أما نهي عمر عن متعة الحج فإن له أصلا من الصحة في الصحاح وهو رأي رآه. والرأي يخطئ ويصيب وليس الصحابي بمعصوم فقد رأى أن يفرد الحج بسفرة وتفرد العمرة بسفرة فخالفه الصحابة على ذلك «وأن رسول الله تمتع بالعمرة إلى الحج في حجة الوداع ولم ينسخها شيء وبقي العمل بها إلى الآن (3)» وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة متمتعا بها إلى الحج. فإذا طاف طواف العمرة وسعى سعي العمرة قصر من شعره ثم يلبس ثيابه ويتمتع بما هو مباح له من الطيب والنساء وغير ذلك من المحظورات كحالته قبل الإحرام وإذا كان يوم الثامن يحرم بالحج فهذه هي التي قال فيها ابن عباس حين نهى عمر عن التمتع فقال يوشك أن تنزل

(1) مسند أحمد بن حنبل (4/ 55).

(2)

صحيح مسلم النكاح (1406)، سنن النسائي النكاح (3368)، سنن ابن ماجه النكاح (1962)، سنن الدارمي النكاح (2195).

(3)

صحيح البخاري الحج (1692)، صحيح مسلم الحج (1227)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2732)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1805).

ص: 196

عليكم حجارة من السماء. أقول- قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر - أما القول بالنهي عن متعة النساء فإنما ذكره على فرض صحته إبلاغا للسنة واشتهارا لها ليبلغ الشاهد الغائب.

ومن الكذب أيضا ما نسبوه عن علي من قوله: لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي (1). فهذا مما لا صحة له وينزه الإمام علي عنه فقد ثبت عنه في الصحيحين من طريقين أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن متعة النساء عام خيبر (2)» وعن سلمة بن الأكوع قال «رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنه (3)» . رواه مسلم - وعن علي رضي الله عنه قال «نهى رسول الله عن المتعة عام خيبر (4)» . متفق عليه - وعنه رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء وعن الحمر الأهلية يوم خيبر (5)» . رواه البخاري ومسلم - والنسائي والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وابن حبان - وعن ربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا (6)» - رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وابن حبان في صحيحه - قال أبو محمد بن حزم في المحلى- الجزء الحادي عشر ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل وكان حلالا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نسخها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نسخا باتا إلى يوم القيامة.

ثم قال بعد ذكره للخلاف بين الصحابة في بداية تحريمها فقال ونقتصر من الحجة في تحريمها على خبر ثابت وهو ما رويناه عن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبره الجهني عن أبيه قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب ويقول: من كان تزوج امرأة إلى أجل فليعطها ما سمى لها ولا يسترجع مما أعطاها شيئا ويفارقها فإن الله قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة (7)» . قال أبو محمد: ما حرم إلى يوم القيامة فقد أمنا نسخه.

فهذه النصوص الصحيحة الصريحة تكذب ما نسبوه عن علي من قوله لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي.

وإن من حكمة الله في شرعه وخلقه أنه لا يسد عن النفوس باب ممنوعها إلا ويفتح لها باب مشروعها لأن من ترك شيئا لله عوضه الله ما هو خير منه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (8){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (9). {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (10). .

(1) كتاب جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للشيخ محمد حسن بن محمد باقر النجفي

(2)

صحيح البخاري المغازي (4216)، صحيح مسلم النكاح (1407)، سنن الترمذي النكاح (1121)، سنن النسائي النكاح (3366)، سنن ابن ماجه النكاح (1961)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 142)، سنن الدارمي النكاح (2197).

(3)

صحيح مسلم النكاح (1405).

(4)

صحيح البخاري الذبائح والصيد (5523)، صحيح مسلم النكاح (1407)، سنن الترمذي النكاح (1121)، سنن النسائي النكاح (3365)، سنن ابن ماجه النكاح (1961)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 142)، سنن الدارمي النكاح (2197).

(5)

صحيح البخاري المغازي (4216)، صحيح مسلم النكاح (1407)، سنن الترمذي النكاح (1121)، سنن النسائي النكاح (3366)، سنن ابن ماجه النكاح (1961)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 142)، سنن الدارمي النكاح (2197).

(6)

صحيح مسلم النكاح (1406)، سنن النسائي النكاح (3368)، سنن ابن ماجه النكاح (1962)، سنن الدارمي النكاح (2195).

(7)

سنن النسائي النكاح (3368)، سنن ابن ماجه النكاح (1962)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 405)، سنن الدارمي النكاح (2195).

(8)

سورة الطلاق الآية 2

(9)

سورة الطلاق الآية 3

(10)

سورة الطلاق الآية 4

ص: 197

لهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على النكاح الشرعي وكونه من أسباب الغنى لقوله سبحانه:. {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (1) فكم من فقير عاد بعد الزواج غنيا.

ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على فتح أبوابه وتسهيل طرقه وأسبابه، فقال:«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج (2)» ولم يقل ومن لم يستطع فعليه بنكاح المتعة.

وقال: «خير النكاح أيسره وخير النكاح أقله كلفة (3)» وقد أجاز نكاح امرأة بنعلين وبوزن نواة من ذهب وبتعليم سورة أو سورتين من القرآن وكذلك تخفيف مؤنة من وليمة العرس وغيرها فقال: «أولم ولو بشاة (4)» وقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير ولم يتزوج أحدا من نسائه ولا زوج أحدا من بناته بأكثر من خمسمائة درهم وهو قدر يقل عن مائة ريال فلا يزني مع هذه التسهيلات إلا شقي ولا يكلف الخاطب الزيادة في الصداق إلا بخيل (5). .

ثم إن الشيعة يستدلون عن رأيهم بما هو معلوم البطلان ليضللوا العوام وضعفة العقول والأفهام فهم يوردون لتأييد رأيهم ما دب ودرج من الأحاديث الموضوعة والأخبار المنكرة المكذوبة ومن ذلك قولهم: قلت لأبي جعفر رضي الله عنه للتمتع ثواب؟ قال إن كان يريد بذلك وجه الله تعالى وخلافا على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلا كتب الله بها حسنة، ولم يمد يده إليها إلا كتب الله له حسنة فإذا دنا منه غفر الله له بذلك ذنبا- فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره قلت بعدد الشعر؟ قال بعدد الشعر.

وقولهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لما أسري بي إلى السماء لحقني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى يقول: إني قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء» .

لكن يوجد في أعقاب هذه الأقوال من ينكر متعة النساء من علماء الشيعة وينهون عنها أشد النهي من ذلك أن تحريم المتعة نقل نقلا صحيحا عن الإمامين أبي جعفر محمد الباقر وأبي عبد الله جعفر الصادق وهما إمامان من أئمة الإمامية: فقد رووا أن بساما الصيرفي سأل أبا عبد الله جعفرا الصادق عن المتعة ووصفها له فقال رضي الله عنه: ذلك هو الزنا وإنها من المخادنة التي نهى الله تعالى عنها في كثير من آيات القرآن مثل قوله {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} (6) وقوله تعالى

(1) سورة النور الآية 32

(2)

صحيح البخاري النكاح (5065)، صحيح مسلم النكاح (1400)، سنن الترمذي النكاح (1081)، سنن النسائي النكاح (3211)، سنن أبو داود النكاح (2046)، سنن ابن ماجه النكاح (1845)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 378)، سنن الدارمي النكاح (2165).

(3)

سنن أبو داود النكاح (2117).

(4)

صحيح البخاري البيوع (2048).

(5)

ولنا رسالة في استحباب تخفيف الصداق وجواز تحديده فلتراجع

(6)

سورة المائدة الآية 5

ص: 198

{مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (1). ولقد جاء في الكافي عن الحسن بن يحيى بن زيد فقيه العراق أنه قال: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كراهية المتعة والنهي عنها.

والكراهية مع النهي يقتضي التحريم.

ورأس الأئمة بالإجماع عندهم هو علي كرم الله وجهه قد نهى عن المتعة نهيا مؤكدا فقال رضي الله عنه لا أوتى بمستمتعين إلا رجمتهما.

وقد نقل الكافي وهو أحد المصادر الأربعة لفقههم إجماعهم على النهي عنها وقد وجدنا في كتب الزيدية عن أئمة آل البيت عامة وعن الإمام جعفر الصادق خاصة ما يثبت أنه يرى المتعة من الزنا- كما نسب هذا لقائل القول بإباحة المتعة عن البخاري ومسلم وعن ابن القيم في زاد المعاد وعن ابن كثير في النهاية وغيرها من الكتب فيوهم الناس أن هؤلاء يقولون بإباحتها إلى يوم القيامة وهو كذب صريح عليهم فإنهم مجمعون كغيرهم على تحريمها إلى يوم القيامة.

والحاصل: أن المتعة ليست إلا من قبيل اتخاذ الأخدان الذي هو معروف من عادات الجاهلية وسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام عفوا حتى يجيء الوقت المعين لإعلان التحريم - وقد حان وقت تحريمه زمن خيبر أي عام ست من الهجرة - وقيل عام الفتح وأنه بلا ريب لا تتفق المتعة مع مقاصد الإسلام من العلاقة بين الرجل والمرأة التي أحلها الله سبحانه وتعالى بكلمته ولا يمكن أن يحل الله تعالى بكلمته اتخاذ الأخدان.

ثم إن هذا القرآن الكريم النازل على محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما يحتاج إليه الناس إلا جاء بما يقطع النزاع ويعيد الخلاف إلى مواقع الإجماع في شأن هذه القضية وغيرها.

فقد حكى القرآن الكريم عن الرجل المعدم الفقير الذي يشتهي النساء بشدة ولا يستطيع صداق المحصنات الحرائر فماذا يصنع أيحل له أن يستأجر امرأة بأجرة زهيدة إلى أجل مسمى ليتمتع بها أم لا وهي عين القضية التي نحن بصددها قال سبحانه: ومن {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (2). .

(1) سورة النساء الآية 25

(2)

سورة النساء الآية 25

ص: 199

ولم يقل ومن لم يستطع منكم طولا أي صداقا والطول هو الغنى بالصداق فليتمتع بامرأة بأجر معلوم إلى أجل مسمى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (1) فلو كان حلالا لما سكت عنه القرآن ولو كانت المتعة تباح بحال لأبيحت لهذا المضطر الذي لم يجد صداقا للمحصنات ولكون المقام مقام ضرورة والمقال جرى على حالة المخرج من هذه الضرورة فأباح الله له أن ينكح الجارية المملوكة مع علمه باسترقاق أولاده فيها تبعا لأمهم أما إذا كان غنيا يجد صداق الحرة المحصنة فإنه لا يجوز له أن ينكح أمة مملوكة لكونه يذل نفسه باسترقاق أولاده، إلا إذا كانت ملكا له وقد نزلت هذه الآية في زمان كان الأرقاء فيه كثيرين فنكاح الأمة في مثل حالة هذا المقل هو نكاح شرعي يترتب عليه لوازم النكاح الشرعي فحصرت هذه الآية النكاح في أربعة أمور اثنان حلالان واثنان حرامان فإن الحلال هو نكاح الرغبة الشرعي الدائم ومنه زواج الفقير بالمرأة المملوكة.

والثاني النكاح بملك اليمين.

وأما النكاح الحرام فمنه نكاح المسافحات اللاتي يزني بهن كل أحد.

والثاني المتخذات أخدان أي التي تزني مع خليل واحد لا يشاركه فيها أحد وقد جعل العلماء نكاح المتعة من قبيل المتخذات أخدان- وهذه الآية تشبه قوله سبحانه {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (2){إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (3). والمستأجرة يوما أو أسبوعا في سبيل نكاح المتعة لا تسمى زوجة لا لغة ولا عرفا ولا ينطبق عليها أحكام الزوجة الشرعية من الولي والإشهاد والنفقة والطلاق والميراث.

ويدل لهذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (4)» أي يكسر من حدة شهوتهم، ولم يقل: ومن لم يستطع فليتمتع بامرأة بأجر معلوم إلى أجل مسمى، فلو كان جائزا لوجب بيانه، ولما ساغ كتمانه لكونه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه؛ إذ الأمر بنكاح المتعة أيسر من الصوم الذي لا يطيقه أكثر الناس، وخاصة الشباب مما يدل على عدم إباحة المتعة.

ومثله إباحة نكاح الفقير للأمة المملوكة فإن هذه الأمة لا توجد في كل زمان ومكان وخاصة في هذا الزمان الذي تم فيه إبطال الرق العام وصار الناس كلهم أحرارا.

ومما ينبغي أن يعلم أن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيه لا يحرم شيئا من المحرمات كالربا والزنا وشرب الخمر ونكاح المتعة إلا ومضرته واضحة ومفسدته راجحة.

(1) سورة مريم الآية 64

(2)

سورة المؤمنون الآية 5

(3)

سورة المؤمنون الآية 6

(4)

صحيح البخاري النكاح (5065)، صحيح مسلم النكاح (1400)، سنن الترمذي النكاح (1081)، سنن النسائي النكاح (3211)، سنن أبو داود النكاح (2046)، سنن ابن ماجه النكاح (1845)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 378)، سنن الدارمي النكاح (2165).

ص: 200

وأنه لو انفتح للشباب والشابات إباحة نكاح المتعة الذي هو سهل وميسر لكل أحد بحيث يستأجر المرأة بنقد يسير في زمن قصير كيوم أو أسبوع يتمتع بها زمنه ويقضي بها حاجاته فإنه يفضل هذا على الزواج وتحمل تبعته وتكاليفه.

فلو فتح لهم إباحة هذا لانصرفوا برغبتهم عن النكاح الشرعي وتؤثر المرأة أن تبقى خالية من الأزواج وبريئة من الحمل وأعباء مشقته وتكاليفه لكون المسافحة لا ترغب أن تحمل ولا رغبة لها في الزواج الشرعي الدائم لكونها مسحورة بالتنقل في اللذات وكذا الرجل يفضل التنقل من واحدة إلى أخرى وبذلك يقل النسل أو ينقطع وقد لعن رسول الله الذواقين من الرجال والذواقات من النساء ويوجد في هذا من المضار ما يوجد في السفاح من قلة النسل واختلاط الأنساب والعداوة بين الأغيار.

ولهذا رأينا من عرفنا من الشيعة أنهم أبعد الناس عن هذا العمل وأشدهم بغضا له فلا نسمع بغني ولا فقير ولا شريف ولا حقير أنه أجر ابنته أو موليته رجلا يتمتع بنكاحها أسبوعا أو شهرا بأجرة معلومة فهم يترفعون بشرفهم واحترام محارمهم عن السقوط في هذه المهانة حتى كانت جريمة الزنا نادرة الوجود فيما بينهم ولهذا ختم الله هذه الآية بقوله {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (1){وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} (2) والله أعلم.

(1) سورة النساء الآية 26

(2)

سورة النساء الآية 27

ص: 201

عن منذر الثوري عن الحسن بن محمد قال: «حدثتني امرأة من الأنصار هي حية اليوم إن شئت أدخلتك عليها.

قلت: لا حدثني.

قال: قالت: دخلت على أم سلمة فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه غضبان فاستترت منه بكم درعي فتكلم بكلام لم أفهمه.

فقلت: يا أم المؤمنين كأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل وهو غضبان.

فقالت: نعم أوما سمعت ما قال؟ قالت: قال: إن الشر إذا فشا في الأرض فلم يتناه عنه أرسل الله عز وجل بأسه على أهل الأرض.

قالت: قلت: يا رسول الله وفيهم الصالحون.

قال: نعم وفيهم الصالحون يصيبهم ما أصاب الناس ثم يقبضهم الله عز وجل إلى مغفرته ورضوانه أو إلى رضوانه ومغفرته (1)».

(1) مسند أحمد بن حنبل (6/ 295).

ص: 202

بين فقيهين / محمد رواس قلعجي (1).

ميزة العصر الحاضرة:

امتاز التفكير الديني عموما والفقهي خصوصا في عصرنا الحاضر بميزتين لم تكونا موجودتين في العصور السابقة.

الأولى: العودة بالتفكير الديني إلى الفجر الأول للإسلام، إلى عصر السلف عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة والتابعين.

وهذه العودة تعني: العودة بالدين عموما، وبالمفاهيم الفقهية خصوصا إلى المعين الأول الذي نبعت منه، والعودة بترجمتها وشرحها إلى الذين نهلوا من هذا المعين، وشاهدوا أنوار النبوة، فإنهم أقدر على فهم هذا الدين والسير به نحو أهدافه ممن يأتي بعدهم.

وقد كان كبار الصحابة حريصين على ألا يفارق من بعدهم محجتهم ولا ينحرف عن طريقهم فهذا عمر بن الخطاب - يكتب لشريح: إذا أتاك أمر في كتاب الله فاقض به ولا يفتنك الرجال عنه،

(1) دكتور محمد رواس قلعجي: خبير بالموسوعة الفقهية بالكويت.

ص: 203