المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحريف الكلم عن مواضعه - مجلة المنار - جـ ٢

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (2)

- ‌28 شوال - 1316ه

- ‌خطاب وعظي للإنسان

- ‌الإيثار

- ‌التربية والتعليم

- ‌الحوادث والأخبار التاريخية

- ‌6 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإيثار

- ‌الحبالى وتربية الأجنة(1)

- ‌التعليم بالعمل

- ‌ما قيل في الخال

- ‌الجامع الأزهر الشريف

- ‌الأخبار والآراء

- ‌13 ذو القعدة - 1316ه

- ‌تأثير العلم في العمل

- ‌أيها الفتى

- ‌أخبار الحجاج

- ‌اعتذار

- ‌20 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الاتحاد

- ‌اختيار المعلمين

- ‌الحدود بين القطر المصري والسودان

- ‌27 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌تأثير الوعظ والتذكير

- ‌عبرة لمن يعقل

- ‌إحصاء الأوقاف

- ‌تنازع الدول الأوربيةعلى الممالك الإسلامية

- ‌5 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌عداء وخداع

- ‌الجمعية الإسلامية الهندية في لاهور

- ‌19 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الأعياد

- ‌الساكت عن الحق شيطان أخرس

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌26 ذو الحجة - 1317ه

- ‌التعليم القضائي

- ‌المتكلمة بالقرآن

- ‌مقتطفات

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌3 محرم - 1317ه

- ‌الاعتماد على النفس

- ‌استنهاض همم(2)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌10 محرم - 1317ه

- ‌التصرف في الكون

- ‌استنهاض همم(3)

- ‌التربية النفسية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌17 محرم - 1317ه

- ‌حياة الإسلام في مصر

- ‌استنهاض همم(4)

- ‌الطاعون واتقاؤه

- ‌كتاب تحرير المرأة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌24 محرم - 1317ه

- ‌استنهاض همم(5)

- ‌التربية النفسية

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مسألة القضاء الحاضرة

- ‌2 صفر - 1317ه

- ‌العز والذل

- ‌استنهاض همم(6)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌9 صفر - 1317ه

- ‌فهم الدين

- ‌استنهاض همم(7)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار

- ‌16 صفر - 1317ه

- ‌كتاب الدروس الحكمية للناشئة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(8)

- ‌مراكش

- ‌ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ [[

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مقتطفات الأخبار

- ‌23 صفر - 1317ه

- ‌النهضة الإسلامية في مصر

- ‌استنهاض همم(9)

- ‌إزالة شبهة

- ‌اختبار علم كل عارفمن ألباء أرباب المعارف

- ‌وفاة

- ‌29 صفر - 1317ه

- ‌استنهاض همم(10)

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أرزاء وطنية

- ‌يستحيل إرضاء الناس

- ‌ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى [[

- ‌7 ربيع الأول - 1317ه

- ‌كان يا ما كان(2)

- ‌استنهاض همم(11)

- ‌الكتابان الجليلان

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الاحتفال بتذكارالمولد النبوي الشريف

- ‌14 ربيع الأول - 1317ه

- ‌المولد النبوي

- ‌كان يا ما كان(3)

- ‌استنهاض همم(12)

- ‌مَضَارُّ الْغِلْظَةِ فِي التَّرْبِيَة

- ‌تأييد عالم وتفنيد واهم

- ‌شعر في حب العلم

- ‌21 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الحياة المِلِّية

- ‌كان يا ما كان(4)

- ‌استنهاض همم(13)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مدرسة الجمعية الخلدونية

- ‌إحصاء عن عدد سكان أوربا

- ‌28 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الجنسية والدين الإسلامي

- ‌كان يا ما كان(5)

- ‌استنهاض همم(14)

- ‌تعليم النساء

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌5 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(15)

- ‌حقوق الجار ومدح المناربما يبديه من هدي الكبار

- ‌الإسلام في البرازيل

- ‌12 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الدين والدولةأو الخلافة والسلطنة

- ‌كان يا ما كان(6)

- ‌خاتمة رسالةاستنهاض همم

- ‌تنبيه

- ‌دم أضاعه أهله

- ‌عناصر النمسا

- ‌19 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌كلمة في الحجاب

- ‌تهنئة الأستاذ المفتي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌26 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌تحريف الكلم عن مواضعه

- ‌الحديث الموضوع

- ‌الاحتفال بعيد الجلوس الهمايوني

- ‌كتاب من أحد الفضلاء في بتاوي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌3 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(3)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌10 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(4)

- ‌الوثنية في الإسلام

- ‌نجاح الجمعيات الإسلامية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌17 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌ماذا نعمل

- ‌المسلمون في روسيا

- ‌الأميرة الفاضلة صاحبة الدولةالبرنسس نازلي هانم أفندي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌24 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌2 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌رد على باحث في كتابسر تقدم الإنكليز السكسونيين

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌شذرات

- ‌9 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أخبار وآراء

- ‌16 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌فلسفة الحرب الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الشكوى من ظلم هولندا

- ‌وفاة والدة عبد الحليم أفندي حلمي

- ‌23 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌ذكرى لرؤساء الأمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌شكر

- ‌30 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌الفرصتان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌عودة الخديوي وأسرته

- ‌منع جريدة المشير

- ‌المدرسة العثمانية

- ‌إزالة وهم تاريخي

- ‌بعض التفصيل

- ‌6 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بدع رجب

- ‌14 رجب - 1317ه

- ‌مناشير المهدي السوداني

- ‌فائدة الانتقاد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌21 رجب - 1317ه

- ‌عزاء

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بضعة أيام في خدمةجمعية شمس الإسلام

- ‌إصلاح غلط

- ‌28 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الدولة العلية في أفريقية

- ‌مساجد الصعيد

- ‌6 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأسطول الفرنساوي

- ‌رزء وطني عظيم

- ‌كنسة الإمام

- ‌13 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المنار والمناظر

- ‌السيول الجارفة

- ‌الجغرافيا والحرب

- ‌20 شعبان - 1317ه

- ‌الشريعة والطبيعةوالحق والباطل

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌عيد المولد الهمايوني

- ‌العالم الإسلامي

- ‌الحرب الحاضرة

- ‌27 شعبان - 1317ه

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌5 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار والآراء

- ‌12 رمضان - 1317ه

- ‌اقتراح على السادة العلماءفي تقويم اعوجاج الوعّاظ والخطباء

- ‌الصيام والتمدن(2)

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌مأثرة لجمعية شمس الإسلام

- ‌19 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌26 رمضان - 1317ه

- ‌الزكاة والتمدن(2)

- ‌الاقتراح على المنار

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌ذم الهوى

- ‌الأخبار والآراء

- ‌المسجد الحسيني

- ‌10 شوال - 1317ه

- ‌طفولية الأمّةوما فيها من الحيرة والغمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الاجتماع العامفي جمعية شمس الإسلام

- ‌الأخبار والآراء

- ‌17 شوال - 1317ه

- ‌الحيرة والغمة ومناشئهما في الأمة

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌جمعية شمس الإسلامفي القاهرة

- ‌الأمراء والعلماء

- ‌أفكوهة غريبة

- ‌خاتمة السنة الثانية للمنار

الفصل: ‌تحريف الكلم عن مواضعه

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌تحريف الكلم عن مواضعه

(رد على مسلم حر الأفكار)

يعلم القراء ما كان من خوض الجرائد في مسألة (الجامعة الإسلامية) وأن

بعض كتاب النصارى ارتأوا أن تَرقِّي المسلمين يتوقف على الفصل بين الدين

والدولة، والخلافة والسلطنة، كما هو مقتضى أصول دينهم، وخالفهم كتاب

المسلمين في هذا؛ لأنه مخالف لأصول الديانة الإسلامية وفروعها، ولكن نشر في

(المقطم) مقالتان طويلتان بإمضاء: (مسلم حر الأفكار) وافق فيهما صاحبهما

كتاب النصارى وجعل قاعدته فيها أن تكون وظيفة الدولة والحكومة (تأمين الناس

على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، وسن القوانين العادلة لهم) وهذا انحراف عن

صراط الإسلام وتحول عنه، لا يقول به إلا مَن لا يعرف ما هو الإسلام، أو مَن

يرى أن نجاح المسلمين وترقيهم إنما يكونان بتركهم أصل دينهم والأخذ بأصل

النصرانية في هذه المسألة، وقد أسهب (المنار) في الرد على هذا الكاتب وبين

حكم الدين الإسلامي في المسألة، والفرق بينه وبين الدين المسيحي، وأثبت أن كل

بلاء حلَّ بالإسلام والمسلمين فمرجعه إلى ما طرأ على الخلافة والخلفاء، ففصل بين

السلطة الدينية والسياسية، وأنه لا يعود للإسلام كمال مجده إلا برجوع هذا الأمر

إلى نصابه، وإناطته بمن يقوم به حق القيام، فإذا سلَّمنا لحضرة الكاتب (أن الغاية

التي تسعى إليها الدولة في زماننا هذا دنيوية محضة) وهي ما مر عنه آنفًا من

التأمين وسن القوانين، فيجب علينا أن نطالبها بحفظ الدين والعمل بالشرع دون ما

يخالفه من القوانين لا أن نشايعها على تعدي حدوده وإبطال شعائره تقليدًا لديانة

أخرى تعتبر أن الدولة والدين أمران متبائنان يفترقان ولا يجتمعان، ويجب علينا

أيضًا أن نقف مع ذلك عند هذه الحدود العادلة، ونقوم بتلك الشعائر الشريفة ونربي

عليها أبناءنا وبناتنا إلى أن يكون للأمة رأي عام تقدر به على إلزام دولتها بالتزام

دينها وشريعتها.

ووجهة (المنار) في الدعوة إلى الإصلاح الإسلامي الأمة الإسلامية دون

حكوماتها؛ لأن بعض تلك الحكومات أجنبية لا كلام لنا معها، والأمراء

والسلاطين من المسلمين قلَّما يلتفتون لإرشاد جريدة، أو يجيبون مطلب رجل إنما

شأنه في لسانه وقلمه، فإذا خافوا تأثير كلامه في بلادهم منعوه دونها.

وبعد انتشار (المنار) - المشتمل على الرد - بأسبوع رأينا في (المقطم)

مقالة بإمضاء ذلك الكاتب (مسلم حر الأفكار) يرد فيها على (المنار) لكنه حرَّف

الكلم عن مواضعه، ونسب إلينا ما ليس لنا، فزعم أننا حملنا عليه حملة منكرة؛

لأنه نصح لأبناء ملته في (المقطم) أن يجعلوا اتكالهم على أنفسهم في تدبير

مصالحهم، ولا يلقوا كل اعتمادهم على الحكومة، وأن يراعوا دوران الزمان وتغير

الأحوال طبقًا لمقتضى العمران

إلخ، وأننا أنكرنا الخلافة العثمانية، والصواب أن

الحملة المنكرة إنما كانت لأجل المسألة المتقدمة التي زعم أن (المنار) موافق له

فيها، و (المنار) أول جريدة أنشئت في العربية تحث الأمة على الاعتماد بعد الله

على نفسها إلى آخر ما تقدم آنفًا، ولنا في هذا مقالات ونبذ كثيرة في المجلد الأول

وفي المجلد الثاني، وما وافقناه ولن نوافقه على جعل الفصل بين الدين والدولة،

وإقرار الدولة على ترك الشريعة السماوية وقيامها بتشريع جديد - من اعتماد الأمة

على نفسها المطلوب منها ولا على جعله إياه من الأمور التي يجب أن تراعي به

الأمة أحكام الزمان وتغيير الأحوال، فإننا نعتقد أن شريعتنا صالحة لكل زمان،

ويمكن اتباعها في كل حال بشرط أن لا تتقيد بقول مجتهد واحد من علمائها.

أما احتجاجه علينا بما شرحناه من سبب ضعف الخلافة واستبداد العمال

بسياسة الدنيا، وإهمال حراسة الدين، وقولنا في إثر ذلك: (فتمزق بهذا نسيج

الوحدة، وتفرق شمل (الجامعة الإسلامية) إلى قولنا: (وكان هذا أمرًا اقتضته

طبيعة العمران) فهو حجة عليه لا له، وظاهر في خلافه لا في وفاقه، وبيانه من

وجهين؛ أحدهما: إننا صرَّحنا بأن خروج السلطة الدنيوية من أيدي الخلفاء واستبداد

السلاطين فيها هو الذي مزق (الجامعة الإسلامية) كل ممزق، فكيف نعود فنقول

اليوم بأن ما كان سبب النقض والانفصام، يكون اليوم سبب الفتل والإبرام؟ وثانيها:

إن ما تقتضيه طبيعة العمران لا يكون ضربة لازب إلا إذا وجدت أسبابه ودامت

علله، ويدلنا علم الاجتماع على أن للقوة والترقي نواميس، وللضعف والتدلي

نواميس أخرى، وأن لكل أمة من الأمم شؤونًا مخصوصة في تقدمها وتأخرها،

وصعودها وهبوطها وأفادنا التاريخ - وهو مورد علم الاجتماع ومصدره - أن

الأمة الإسلامية ما بلغت ذلك السؤدد الرفيع وما أشرفت على العالم بالأمر والنهي

من شواهق العزة والسلطان، وما أشرقت على كرة الأرض بالعدل والإحسان من

سماء العلم والعرفان إلا بدينها من حيث أنه جمع بين السلطتين في رئيس واحد مقيد

بالشريعة العادلة التي يدين لها هوومرءوسوه سرًّا وجهرًا، ويرون اتباعها إيمانًا،

والإعراض عنها كفرًا، وأن ذلك السؤدد ما تداعى سوره، وزلزل عرشه

وسريره إلا بما ذكرنا من إهمال وظيفة الخلافة التي ضمت السيادة من قطريها،

وجمعت للسعادة بين طرفيها، وكل واحد من الأمرين اقتضته طبيعة العمران، ولم

تخرج فيه الأمة عن نواميس الأكوان، فكيف نظر (ناصحنا حر الأفكار) بإحدى

العينين، واختار لأمته أمرَّ الأمرين؟ هذا ملخص ما قلناه في المسألة من حيث هي

اجتماعية إسلامية، وجوابنا عن شبهته فيه، وهو صريح في أننا نحن وإياه على

خلاف لا على وفاق.

وما كان لنا أن نتكلم في مسألة اجتماعية من الوجه النظري من غير أن نبين

وجهتها من حيث الوجود والواقع؛ لئلا نغش الناس بإيهامهم أننا نطلب منهم ما ليس

في أيديهم، كإمكان توحيد السلطة الإسلامية في هذا العصر بالنسبة لما نحن فيه من

البحث، ولذلك بيَّنا في آخر تلك المقالة، مقالة (الدين والدولة والخلافة والسلطة)

أن السعي في إعادة مجد الإسلام متوقف على اتفاق المسلمين على إمام واحد يعتقدون

الخضوع له سرًّا وجهرًا، ليس من العبث (كما يدعي حر الأفكار) فإنهم إذا لم

يكونوا متفقين على خليفة واحد فهم متفقون على القرآن، وهو الإمام الأعظم

والمصلح الأول الداعي إلى كل هدى، والناهي عن جميع أسباب الردى، وقلنا:

إنه يجب على من يهمه ترقية شؤون المسلمين أن يدعوهم بالقرآن إلى العلم والعمل

والقيام بمصالح المعاش والمعاد مع مراعاة سنن الكون في السير، فحرَّف (حر

الأفكار) الكلم عن مواضعه، وزعم أنني أنكرت (أن للمسلمين اليوم خليفة حقيقيًّا)

و (أن سلاطين الدولة خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم والحق أنني إنما

أنكرت وجود إمام غير القرآن يخضع له جميع المسلمين سرًّا وجهرًا، وهذا لا

ينافي وجود خليفة حقيقي يخضع له البعض أو الأكثر دون الجميع، ومعلوم لكل أحد

أن مسلمي مراكش وإيران لا يخضعون لخلافة آل عثمان، فإذا كان الإخبار بهذا

يدل على الاعتقاد ببطلان خلافة سلاطين آل عثمان، فالإخبار بأن بعض الناس

ينكر وجود الله تبارك وتعالى يدل على اعتقاد المخبر عنهم بأنه ملحد مثلهم، والحق

أن حاكي الكفر ليس بكافر، وأنني ما تعرضت في مقالتي تلك للخلافة العثمانية بنفي

ولا إثبات، لا تصريحًا ولا تلويحًا وأن (حر الأفكار) حرَّف الكلم، ورماني بهذه

التهمة عن سوء قصد، لا عن سوء فهم فيما يظهر، والله أعلم بالسرائر.

فتبين للبيب مما بسطناه أن صاحب (المنار) ما وافق ولن يوافق ذلك الملقّب

بـ (مسلم حر الأفكار) وأغرب من زعمه الموافقة وأعجب أن كتابته تشيد عليه

إحدى الغميزتين: عدم فهم الإسلام، أو اعتقاد أن تركه سعادة للأنام، وهو مع ذلك

ينفي التهمة عن نفسه بالاعتزاز بالأوربيين، والتبجح بالانتماء إليهم، والأخذ

بتعاليمهم، وإنكار إطلاق لفظ الكفار عليهم، أو الحمل على هذا، حيث قال بعد ما زعم أنني موافق له على ما اتهمته فيه بالغدر والمروق ما نصه: وأغرب من ذلك

وأعجب أن صاحب (المنار) يعيرني بقوله عني (يصف نفسه بأنه مسلم حر

الأفكار، وما جاءت حريته إلا من رق الكفار، فمن هم الكفار الذين يعنيهم؟

الأوروبيون الذين يعيبني على الدرس في مدارسهم أم الإنكليز المحتلون لهذه

الديار) اهـ.

وأقول في الجواب: (أولاً) إنني ما عبته على الدرس في مدارس

الأوربيين؛ بل لا أعرف أين دَرَس، ولا أعرف شخصه الكريم أيضًا. (ثانيًا) إن

احتلال المحتلين لهذه البلاد أمر سياسي عسكري لا علاقة له بالكفر والإيمان، ولا نعلم

عن الإنكليز أنهم أكرهوا أحدًا على ترك دينه، اللهم إلا أن يُظهر مارق كفره

الذي أشربه من قبل، اعتزازًا بهم، واعتمادًا على منعهم قومه من إيذائه أو امتهانه.

(ثالثًا) إن الدين الذي ينتسب إليه ويتكلم في ترقي أهله يسمي كل من لم يكن مسلمًا

بالكافر، وهذا الاستعمال مستفيض في الكتاب والسنة وكتب الأئمة، وهو اصطلاح

شرعي لم يقصد به الذم والإهانة، كما بيّنتُ ذلك في العدد الأول من (المنار) معززًا

بالشواهد من كتب الدين واللغة. (رابعًا) إنني أنا قد ذكرت في ذلك العدد أيضًا أن

لفظ الكفر صار من أقبح ألفاظ السب والشتم؛ لأنه يطلق في اصطلاح كُتَّاب العصر

على من لا دين له، أو على من ينكر وجود الباري تعالى، وأنه ينبغي لذلك أن

يخصص في الكتابات العصرية بهذا المعنى، وذكرت هناك صورة فتوى شرعية

بعدم جواز مخاطبة الذمي بـ (يا كافر) إذا كان يستاء من ذلك، ولكن الاصطلاحات

الشرعية لا تتغير، ومثل هذه المسألة إنما خصصت بالحكم الشرعي المقرر

بالإجماع، وهو عدم جواز إهانة الذمي ونحوه، كالمعاهد والمستأمن (خامسًا) إن

الذي أملى على الفكر كلمة (رق الكفار) هو النكتة البديعية، فإن في العبارة

الطباق بين الرق والحرية، والجناس المطلق بين الأفكار والكفار، وأعني بالكفار

الذين يتعلمون العلوم الحديثة وهم ليسوا على شيء من الدين غير ما يتلقونه بالتقليد

الناقص وما يرونه بالمشاهدة ممن يعيشون معهم فيخرجون على غير دين بالكلية، لا

سيما إذا كانوا مسلمين وتعلموا في مدارس أجنبية، وذلك أن التلميذ المسلم لا

يتعلم في المدارس الأجنبية الديانة النصرانية فيكون نصرانيًّا، ولا يعرف الإسلام

فيكون مسلمًا وهؤلاء هم أضر على المسلمين من جميع العالمين، ويصدق

على المارقين منهم لفظ الكفر بمعنييه الشرعي والاصطلاحي.

هذا وإنني أختم كلامي بالنصيحة لحضرة الكاتب، كما ختم كلامه بالنصيحة

لي، وأحب كما يحب أن أعيش معه ومع جميع الناس بحب وسلام، فأقول: إذا

كنت تحب أن تتكلم في الشؤون الإسلامية، فيجب عليك أولاً أن تقف على علوم

الشريعة من عقائدها، وأصولها وفروعها، وتفسيرها وحديثها، وفقهها وآدابها؛

لتكون على بصيرة من أمرك وأمر ما تدعوإليه، كما هو شأن المسلم، بمقتضى قوله

تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف:

108) وإلا فالزم شأنك مكتفيًا بعلومك الأوروبية، والسلام على من اتبع الهدى.

_________

ص: 385