الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: أحد أفاضل الأمراء والكتاب في الشام
الساكت عن الحق شيطان أخرس
لأحد أفاضل الأمراء والكتاب في الشام
عثرت - بطريق المصادفة والاتفاق - على مقالة في جريدة طرابلس في
العلاج الشافي من داء التأخر الملمّ بنا برّأ بها محررها ساحة العلماء من تبعة هذا
التأخر، وادعى أن العلاج الشافي هو عقد الشركات، وسكت عما سوى ذلك من الأمور المهمة مكتفيًا بالعَرَض عن الجوهر، فلم أشأ أن أسكت عن بيان الحق؛ لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس فأقول:
أما تبرئته ساحة العلماء فلا أراه مصيبًا فيه؛ لأن العلماء هم هداة الأمة
ومرشدوها وهم المطالبون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم إذًا المسئولون
بعد الأمراء الذين بيدهم الحل والعقد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ألا كلكم
راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) ، ولقوله أيضًا: (ما من عبد يسترعيه الله رعية
فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة) إلى غير ذلك من الآثار الكثيرة التي
نكتفي منها بما تقدَّم.
ووجه مسئولية العلماء هي لأنهم عدلوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إلى التزلف والتملق للأمراء وأصحاب الجاه واليسار، وعن الإرشاد الصحيح إلى
التضليل، وعن بث العلوم الصحيحة إلى التعلق بأهداب الخرافات والتُّرَّهَات، أما
الأول فهو ظاهر فيما نراه من إقبالهم على الأمراء وإطرائهم إياهم وتزيينهم لهم سوء
أعمالهم لرتبة ينالونها أو مال يصيبونه أو جاه يحصلون عليه؛ حتى إن واحدًا منهم
ألف كتابًا ضخمًا في مجلدين في إطراء أحد الظلمة الخونة. وأما الثاني فهو معلوم
من وعظهم وإرشادهم بحكايات يحكونها وروايات يروونها، ما أنزل الله بها من
سلطان؛ يُضلون بها العقول، ويفسدون الأفهام ويثبطون الهمم ويُقْعدون
العزائم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ألا ساء ما يعملون. وأما الثالث فلعدولهم
عن العلوم الصحيحة الحقة إلى السفاسف، ومزْجهم الحق بالباطل كما هو مثبت بتقاريرهم التي يلقونها في دروسهم المشحونة بالأقاصيص والحكايات، وبتآليفهم
السخيفة البعيدة عن التحقيق الحاوية ما تمجّه الأذواق وتأباه العقول السليمة.
نكتفي منها بإيراد ما يأتي من كتاب (الفواكه الجنوية في الملتقَطات النجوية
تأليف العالم العلامة البحر الفهامة مَن فضله في الأقطار ساري الأستاذ الشيخ عبد
الهادي نجا الإبياري أمد الله في حياته ونفع المسلمين بمؤلفاته، آمين) (كذا في
الأصل) ، فقد جاء في الصحيفة 145 من النسخة المطبوعة في القاهرة ما نصه
بالحرف الواحد:
(ومما جرب للقرينة وأخذناه عن بعض الأكابر أن يسقى الطفل لبن معزى
حمراء، ويدهن جسده كله من هذا اللبن، وأن يعلق عليه بندقى، وأن يحك عود
الصليب الهندي الأصلي في لبن البز، ويسقى له، وأن يؤخذ فراخ الحمام الصغار
وينتف ما على دبرها من الوبر ويوضع منفذ الدبر منها على منفذ دبر الصبي، فكل
حمامة ماتت توضع غيرها وهكذا. إلى أن يصيب الأخيرة شيء فيعلم أنها ذهبت،
ومما جربناه للقرينة أيضًا أن تحضر عجوز قد آيست من الحيض وتوضع وجه الطفل
أمام
…
وهو مفتوح، وتوضع إصبعها فتلطخه برطوبة
…
وتخط به (صليبًا!)
على جبهة الطفل، ثم تأخذ قطعة شبه زفرة قدر البندقة وتخط بها (سبع) خطوط
على جبهته أيضًا، ثم تحرقها وتضعها في رغيف وترميه لكلب أسود يأكله، والشب
المذكور إذا وضع على رف في البيت بعد أن حك به جبهة الصبي مرارًا وأحرق
وكان بالصبي نظرة - فإنها تذهب ولا تعود) (انتهى) .
فهؤلاء هم العلماء والمرشدون في هذا العصر، وفي كل يوم نسمع منهم أشياء
كثيرة تماثل ذلك أو تزيد عليه ومن أنكر عليهم رموه بالزندقة وقالوا: إنه مارق من
الدين. ونفروا العامة منه، فعلى مثل هذا الجهل يؤاخَذ العلماء. أما ما ذهب إليه من
عقد الشركات فهو من الأمور الثانوية و (حاجتنا الكبرى) إنما هي إلى عمال
أمناء صادقين أكْفَاء عفيفين متهالكين متفانين في حب الدولة والوطن، يساعدون سيدنا ومولانا الخليفة الأعظم على إنفاذ رغائبه في تعميم الإصلاح بنشر ألوية
العدل والضرب على أيدي الظلمة الخونة؛ فإن الظلم مُؤْذِن بخراب العمران، كما
أثبت ذلك العلامة ابن خلدون في مقدمته. وهذا لا يتم إلا بتوسيد المناصب
إلى أهلها، وتعميم العلوم والمعارف بين طبقات الناس والسيطرة على الأعمال
ومكافأة الأمين الصادق ومجازاة الخائن المارق ونهضة العلماء لإرشاد الناس لما
فيه صلاح دينهم ودنياهم فعندها تتوفر الأموال وتتوطد الأمنية فتعقد الشركات وتحيا
الصنائع وتنمو الثروة..إلخ، فعلى الجرائد الصادقة أن ترمي إلى هذا الغرض
وتبوح بهذا السر وتكشف عن هذا المُعمى؛ فإن كتمان الداء يزيده عياءً، والناصح
الأمين لا يماحك ولا يوارب ولا يغش ولا يخادع. وبالله التوفيق.
(المنار)
طفقت الأمة تتنبه إلى عذل العلماء ولومهم على تقصيرهم في إرشادها إلى ما
تقوم به مصالحها المعاشية والمَعادية وفقًا لدينها القويم، فهذه رسالة من أحد بلاد
سوريا، وعندنا رسالة أخرى أشد عذلاً من هذه. تنبهت الأفكار في جميع الأقطار فإذا
لم يلتفت العلماء إلى النظر الدقيق في أحوال العصر وما تقتضيه مصلحة الأمة فيه،
ويقوموا بالإرشاد الصحيح الموصل للغاية يوشك أن لا يمر بضع سنين إلا والرأي
العام منحرف عنهم أشد الانحراف بل ينتظر ما هو أعظم من هذا.
نعم، إن هذا مما تتوقع مضرته وتخشى مغبته، ولكنه ليس بأضر من الخضوع
الأعمى لهم، وهم على ما هم من الشؤون التي تكلمنا عنها في مقالات كثيرة وسنزيدها
شرحًا وبيانًا، أليس من العار أن تكون كتب المشهورين بالنباهة منهم مملوءة
بالخرافات والهذيان والغش من غير نكير، وأن ينقل عن بعض أكابرهم القول بأن فن
تقويم البلدان - بل وسائل الفنون الرياضية والطبيعية - لا لزوم لها ألبتة؟ !
أليس من الفضيحة أن يقول بعضهم: إن الانتظام والترتيب مفسد للأزهر ومُذهب
لبركته؛ لأن في الخلل القديم سرًّا روحانيًّا؟!
كفى كفى؛ مَن كتم داءه قتله. ليأخذ من لم يعرف أحوال العصر برأي من
عرف. ليخضع من تقوم عليه الحجة لها، وليتفقوا جميعًا على العمل قبل أن يخرج
الأمر من يدهم. والسلام.
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
تربية الأطفال
أول خدمة يخدم بها الطفل بعد فصله من أمه - غسله ودهنه وإلباسه ما يقي
بدنه من البرد وإرضاعه، وأما الغسل فينبغي أن يكون بماء فاتر مساوٍ لحرارة البدن
أو قريب منها، وأن لا تطول مدته، وأن يلف جسم الطفل كله بمنشقة ويدلك دلكًا
لطيفًا بغاية الرفق، ثم يدهن بزيت الزيتون ويلبَس ثيابًا واسعة لا تضغط جسمه،
ويحسن أن تكون في أيام الشتاء دافئة ولو بالعرض على النار، وأن تكون جافة؛
فالثياب الرطبة تضر الأطفال بل والكبار أيضًا، وبلغنا أن الإفرنج يمسحون في كل يوم أجساد أطفالهم بماء فاتر وماء بارد على التعاقب مرة من هذا ومرة من
ذاك ويقولون: إن تعويد الطفل على هذا يمنع سرعة تأثره بالتغيرات الجوية
كالانتقال الفجائي من الحرارة إلى البرودة ومن الجفاف إلى الرطوبة وبالعكس،
وقريب من هذا ما يؤثر في كتب الأدب العربية من أن رجلاً رأى أعرابية تغطس
طفلها في النهر في أيام الشتاء فسألها عن السبب في ذلك فقالت: أريد أن أجعله كله
وجهًا. تعني أن الوجه إنما لا يضره البرد لما اعتيد من تعريضه له من الصغر
فإذا عُود الجسم كله على برد الماء والهواء يصير يحتمله كما يحتمله الوجه.
ولكن هذا القول لا يؤخذ على إطلاقه؛ فالذين اعتادوا الترف والتنعم
والاحتراس من البرد وتوارثوا ذلك خلفاً عن سلف إذا عرض أحدهم طفله للبرد
الشديد وحاول جعله وجهًا بالتعويد يوشك أن لا يتم له ما يريد فيولد الماء البارد في
ولده الالتهابات التي ربما تنتهي بالممات! وقياس مترفي الحضر على الأعراب
قياس مع الفارق.
أما المسح بالماء الفاتر فالبارد بإسفنجة في نحو بضع دقائق ثم تنشيف البدن
ودلكه، فلعله ينفع ولا يضر حتى المترفين أصحاب الأجسام النحيفة الضاوية، ولا
بأس أن يغطس الطفل في الماء البارد فالسخن على التوالي والتعاقب بعد أن يكون قد
اعتاد جسمه على ذلك المسح، وبعد طور الرضاعة يكتفى بمسح الوجه والرقبة
والصدر بما ذكر؛ فهو يغني عن مسح البدن كله أو تغطيسه.
أكثر الأمراض التي تفتك الأطفال في سن الطفولية تكون من التغيرات الجوية؛
لأن الجسم فيه يكون سريع التأثر لا يقوى على الحر والبرد والرطوبة فضلاً عن
مقاومة مكروبات الأمراض العفنة الوبائية كالنزلة الوافدة أو الصدرية. وهذا العمل
يقولون: إنه يقي من هذه النزلة ومن التهابات الرئتين والشعب وأنواع الزكام وسائر
الأمراض الصدرية والمتولدة من التغيرات الجوية حتى قالوا: إنه يُذهب بالاستعداد
للسل. وحسبك هذا.
أما الرضاعة فيراعى فيها أمور، أهمها: أن ترضع الطفل أمه إن لم يكن
مانع من نحو مرض معدٍ أو هزال وضعف يضر المرضع أو الرضيع، فإن
أرضعته امرأة أخرى فينبغي أن تكون في سن الشباب سليمة من الأمراض المعدية
جيدة الصحة حسنة الخُلق والخَلق. وحسن الأخلاق من أهم شروط المرضع؛ لأن
اللبن كما يؤثر في انتقال المرض بالوراثة يؤثر في الأخلاق وإذا قلنا: إنه لا يؤثر في
الأخلاق. فمعاملة الفاسدة الأخلاق للطفل تكون غير منتظمة وقد قلنا من قبل إن
المعاملة التي تعامل بها الأطفال يكون لها تأثير كبير في عاداتهم وسجاياهم. يحكى
أن إمام الحرمين أرضعته مرة امرأة كافرة فاسدة الأخلاق فعلم والده بذلك فأقاءه
(جعله يقيء) ما رضعه، ثم إن الإمام بعدما كبر وصار علاّمة عصره كان إذا عسر
عليه حلّ مشكلة علمية أو بدرت منه بادرة غير مُرضية قال: إن هذا من آثار تلك
الرضعة. وقد ورد في الحديث الشريف: (لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء؛ فإن
اللبن يعدي) ويحسن أن يكون سن ولد المرضع مساويًا لسن الرضيع، وأن يكون قد
سبق لها إرضاع اختبرت به التربية.
وإذا لم يتيسر وجود مرضع بهذه الصفات فالأولى أن يغذَّى الولد بلبن
الحيوانات كالمعز والبقر بواسطة الآلة المعروفة؛ فإنه أسلم، ولكن لبن الأنعام أغلظ
من لبن البشر وربما اشتمل على مكروبات مرضية، فينبغي أن يضاف إليه قليل من
الماء والسكر بحسب تقدير الطبيب، وأن يسخن بحيث تموت مكروباته، ويكفي في
تسخينه حرارة 70 درجة بميزان سنتغراد. واللبن المغليّ أعسر هضمًا فلا يغلي لبن
الإرضاع غليانًا. ويجب أن تكون الآلة جديدة صالحة فإن كانت مما استعمل في
الإرضاع يجب تنظيفها وتطهيرها مما عساه يكون بها من التعفن ومكروبات
الأمراض.
هذا ما يراعَى في المرضع واللبن بالاختصار، أما الإرضاع نفسه فينبغي أن
يكون موقتًا بأوقات منتظمة لا يقل الزمن بين الرضعة والأخرى عن ساعتين في
أول الأمر، ثم تزيد المدة بينهما تدريجًا؛ لأن الطفل يأخذ في أول الأمر قليلاً من
اللبن وكلما كبر زاد مقدار ما يرضعه،والزيادة تقتضي زيادة المدة لأجل الهضم، وإن
كانت القوة تزيد معها أيضًا. وأكثر النساء لجهلهن لا يقصرن الإرضاع على التغذية
بل يجعلنه وسيلة للترضية، فكلما بكى الطفل يلقمنه الثدي، وربما يتوهمن أنه لا
يبكي إلا لطلب الرضاع أو أن كل بكاء يسكته الرضاع فهو لأجله، وإلا فهو عن
مرض. والصواب أن الطفل يبكي لأقل سبب كابتلال لفائفه وتألم بدنه ولو
من عقدة خيط في ثوبه.
وإذا حاول الطفل الحركة التي تقتضيها طبيعته فحال دون ذلك شد القماط عليه
يبكي، فليتجنب الإرضاع في غير وقته لأجل البكاء، وليعلم أن أكثر قيء الأطفال
من الإرضاع قبل الهضم، وناهيك به بلاءً على الأمهات والأطفال جميعًا.
أما مدة الرضاع فأكملها حولان تامان وأقلها واحد وعشرون شهرًا؛ أخذ ذلك
العلماء من قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن
يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة: 233)، وقوله عز وجل: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ
شَهْراً} (الأحقاف: 15) وذلك بطرح مدة الحمل الغالبة (9 أشهر) من مدة
الحمل والفصال (أي: الفطام) معًا، كما استنبطوا من الآيتين أن أقل مدة لحملٍ ستة
أشهر، وسيأتي الكلام على إطعام الأطفال وتقريمهم إن شاء الله تعالى.
((يتبع بمقال تالٍ))
_________