المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية - مجلة المنار - جـ ٢

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (2)

- ‌28 شوال - 1316ه

- ‌خطاب وعظي للإنسان

- ‌الإيثار

- ‌التربية والتعليم

- ‌الحوادث والأخبار التاريخية

- ‌6 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإيثار

- ‌الحبالى وتربية الأجنة(1)

- ‌التعليم بالعمل

- ‌ما قيل في الخال

- ‌الجامع الأزهر الشريف

- ‌الأخبار والآراء

- ‌13 ذو القعدة - 1316ه

- ‌تأثير العلم في العمل

- ‌أيها الفتى

- ‌أخبار الحجاج

- ‌اعتذار

- ‌20 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الاتحاد

- ‌اختيار المعلمين

- ‌الحدود بين القطر المصري والسودان

- ‌27 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌تأثير الوعظ والتذكير

- ‌عبرة لمن يعقل

- ‌إحصاء الأوقاف

- ‌تنازع الدول الأوربيةعلى الممالك الإسلامية

- ‌5 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌عداء وخداع

- ‌الجمعية الإسلامية الهندية في لاهور

- ‌19 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الأعياد

- ‌الساكت عن الحق شيطان أخرس

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌26 ذو الحجة - 1317ه

- ‌التعليم القضائي

- ‌المتكلمة بالقرآن

- ‌مقتطفات

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌3 محرم - 1317ه

- ‌الاعتماد على النفس

- ‌استنهاض همم(2)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌10 محرم - 1317ه

- ‌التصرف في الكون

- ‌استنهاض همم(3)

- ‌التربية النفسية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌17 محرم - 1317ه

- ‌حياة الإسلام في مصر

- ‌استنهاض همم(4)

- ‌الطاعون واتقاؤه

- ‌كتاب تحرير المرأة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌24 محرم - 1317ه

- ‌استنهاض همم(5)

- ‌التربية النفسية

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مسألة القضاء الحاضرة

- ‌2 صفر - 1317ه

- ‌العز والذل

- ‌استنهاض همم(6)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌9 صفر - 1317ه

- ‌فهم الدين

- ‌استنهاض همم(7)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار

- ‌16 صفر - 1317ه

- ‌كتاب الدروس الحكمية للناشئة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(8)

- ‌مراكش

- ‌ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ [[

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مقتطفات الأخبار

- ‌23 صفر - 1317ه

- ‌النهضة الإسلامية في مصر

- ‌استنهاض همم(9)

- ‌إزالة شبهة

- ‌اختبار علم كل عارفمن ألباء أرباب المعارف

- ‌وفاة

- ‌29 صفر - 1317ه

- ‌استنهاض همم(10)

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أرزاء وطنية

- ‌يستحيل إرضاء الناس

- ‌ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى [[

- ‌7 ربيع الأول - 1317ه

- ‌كان يا ما كان(2)

- ‌استنهاض همم(11)

- ‌الكتابان الجليلان

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الاحتفال بتذكارالمولد النبوي الشريف

- ‌14 ربيع الأول - 1317ه

- ‌المولد النبوي

- ‌كان يا ما كان(3)

- ‌استنهاض همم(12)

- ‌مَضَارُّ الْغِلْظَةِ فِي التَّرْبِيَة

- ‌تأييد عالم وتفنيد واهم

- ‌شعر في حب العلم

- ‌21 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الحياة المِلِّية

- ‌كان يا ما كان(4)

- ‌استنهاض همم(13)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مدرسة الجمعية الخلدونية

- ‌إحصاء عن عدد سكان أوربا

- ‌28 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الجنسية والدين الإسلامي

- ‌كان يا ما كان(5)

- ‌استنهاض همم(14)

- ‌تعليم النساء

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌5 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(15)

- ‌حقوق الجار ومدح المناربما يبديه من هدي الكبار

- ‌الإسلام في البرازيل

- ‌12 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الدين والدولةأو الخلافة والسلطنة

- ‌كان يا ما كان(6)

- ‌خاتمة رسالةاستنهاض همم

- ‌تنبيه

- ‌دم أضاعه أهله

- ‌عناصر النمسا

- ‌19 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌كلمة في الحجاب

- ‌تهنئة الأستاذ المفتي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌26 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌تحريف الكلم عن مواضعه

- ‌الحديث الموضوع

- ‌الاحتفال بعيد الجلوس الهمايوني

- ‌كتاب من أحد الفضلاء في بتاوي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌3 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(3)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌10 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(4)

- ‌الوثنية في الإسلام

- ‌نجاح الجمعيات الإسلامية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌17 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌ماذا نعمل

- ‌المسلمون في روسيا

- ‌الأميرة الفاضلة صاحبة الدولةالبرنسس نازلي هانم أفندي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌24 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌2 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌رد على باحث في كتابسر تقدم الإنكليز السكسونيين

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌شذرات

- ‌9 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أخبار وآراء

- ‌16 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌فلسفة الحرب الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الشكوى من ظلم هولندا

- ‌وفاة والدة عبد الحليم أفندي حلمي

- ‌23 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌ذكرى لرؤساء الأمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌شكر

- ‌30 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌الفرصتان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌عودة الخديوي وأسرته

- ‌منع جريدة المشير

- ‌المدرسة العثمانية

- ‌إزالة وهم تاريخي

- ‌بعض التفصيل

- ‌6 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بدع رجب

- ‌14 رجب - 1317ه

- ‌مناشير المهدي السوداني

- ‌فائدة الانتقاد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌21 رجب - 1317ه

- ‌عزاء

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بضعة أيام في خدمةجمعية شمس الإسلام

- ‌إصلاح غلط

- ‌28 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الدولة العلية في أفريقية

- ‌مساجد الصعيد

- ‌6 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأسطول الفرنساوي

- ‌رزء وطني عظيم

- ‌كنسة الإمام

- ‌13 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المنار والمناظر

- ‌السيول الجارفة

- ‌الجغرافيا والحرب

- ‌20 شعبان - 1317ه

- ‌الشريعة والطبيعةوالحق والباطل

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌عيد المولد الهمايوني

- ‌العالم الإسلامي

- ‌الحرب الحاضرة

- ‌27 شعبان - 1317ه

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌5 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار والآراء

- ‌12 رمضان - 1317ه

- ‌اقتراح على السادة العلماءفي تقويم اعوجاج الوعّاظ والخطباء

- ‌الصيام والتمدن(2)

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌مأثرة لجمعية شمس الإسلام

- ‌19 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌26 رمضان - 1317ه

- ‌الزكاة والتمدن(2)

- ‌الاقتراح على المنار

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌ذم الهوى

- ‌الأخبار والآراء

- ‌المسجد الحسيني

- ‌10 شوال - 1317ه

- ‌طفولية الأمّةوما فيها من الحيرة والغمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الاجتماع العامفي جمعية شمس الإسلام

- ‌الأخبار والآراء

- ‌17 شوال - 1317ه

- ‌الحيرة والغمة ومناشئهما في الأمة

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌جمعية شمس الإسلامفي القاهرة

- ‌الأمراء والعلماء

- ‌أفكوهة غريبة

- ‌خاتمة السنة الثانية للمنار

الفصل: ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌القسم الثاني

من خطبتنا في التربية

وأما تربية الأطفال العملية فهي التربية النافعة الحقيقية، وبها تناط سعادة الأمة

والبلاد إذا هي سارت على نهج الحكمة والرشاد، لنا من نفوس هؤلاء الأطفال

ألواح صقيلة قابلة لكل نقش، ومن أدمغتهم قراطيس بيضاء نظيفة مستعدة لكل رسم،

فعلينا أن ننقش فيها آيات الحكمة والفضيلة، ونرسم فيها تعليم المبادئ التي تؤدي

إلى الغايات الجليلة، علينا أن نعوِّدهم على الصدق في القول والعمل، وعلو الهمة

وإطراح الإهمال والكسل، إلى غير ذلك من الأعمال النافعة والخصال الرافعة؛

لتنطبع في نفوسهم الملكات الشريفة على الوجه الذي بينّاه أولاً.

تقرؤون في الجرائد الإسلامية، وتسمعون في المجامع الدينية أن نجاح

المسلمين لا يكون إلا بالرجوع إلى تعليم الدين، وأن المدارس الأميرية قد نسخت

الدين ومسخت العربية، والمدارس الأهلية تحذو حذوها وتقتفي أثرها، فماذا

نعمل؟ وكيف السبيل إلى بلوغ المأمل وهذه المدارس لا غناء عنها؛ لأن الموظفين لا

يكونون إلا منها؟

وتعليم الأزهر مقصور على كتب مخصوصة، قصاراها فهم أحكامها

المنصوصة، لا تجمع بين الدنيا والدين كما هو الواجب على المسلمين.

يسهل على الغني منا أن يتخذ لأولاده أستاذًا مخصوصًا يعلمهم الدين، ولكن

هل يكفي هذا لحصول الغرض الذي نبتغيه؟ كلا، لا بد من تعميم التعليم،

ولا بد من التربية بالعمل، أما تعميم التعليم على المنهاج الديني فلا بد له من تأليف

الجمعيات الإسلامية وها أنتم أولاء قد بدأتم بهذا العمل الشريف، فأنشئت فيكم

جمعيتان إحداهما هذه (مكارم الأخلاق) التي كنا نخطب فيها، والثانية جمعية (شمس

الإسلام) أما شمس الإسلام فقد شرعت بالتربية والتعليم بالفعل، وأما هذه الجمعية

فإنها تنتظر من حميتكم الملية، وغيرتكم القومية أن تمدوها بالمساعدة المالية للقيام

بتحصيل هذه الأمنية، وكأني بالدعاء وقد أجيب، وبالعمل قد ظهر عن قريب. وأما

التربية العملية فهي الركن الأول، وعليها الاعتماد والمعول، ولكن أنَّى لنا بمن

يحسنها ويقوم بها.

كتبت في مقالة أننا إذا نظرنا في ضعفنا وبحثنا في علاجه نرى أننا في حاجة

إلى أشياء كثيرة، وإذا ارتقينا في الأسباب ننتهي إلى شيء واحد إذا وجد أوجد كل

شيء ألا وهو الرجال العارفون بطرق المعالجة معرفة صحيحة تبعث على العمل،

إذا كنا نرى الأساتذة والمعلمين لا يحسنون التربية التي بها نرجو الحياة السعيدة فمن

عساه فينا يحسنها؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه، ولولا أن فينا بعض قوم من

العارفين نرجو أنْ يُزْهِقَ حقُّهم الأباطيلَ ويمحو نورُهم هذه الظلماتِ لغلب الخوف

على الرجاء، واستحوذ اليأس على الأمل.

ما لا يدرك كله لا يترك قِله، فعلينا أن نوجه العناية التامة إلى تربية أبنائنا

وبناتنا بكل ما في استطاعتنا. البحث في هذه التربية طويل الذيل، متدفق السيل،

وإنما وقفت لأبين بالاختصار ما يجب أن نتوجه إليه، ومتى صح القصد وصدق

العزم نهتدي إلى سواء السبيل، فالعمل يمد العلم، والعلم يقوّم العمل، ولكن لا بد من

تنبيه وجيز يسهل على كل أحد تعقله والأخذ به، أهم شيء أنبه إخواني عليه أن

التربية لا تكون بالقول بل بالمعاملة، لو كان الإنسان يتربى ببيان الرذائل له، وقولنا

له: اتركها، وسرد الفضائل له وقولنا له: الزمها، لكان الأجدر بها العقلاء الكبار

دون الأطفال الصغار؛ لأن الكبير أوعى للقول وأفهم للخطاب، لا يكاد أحد من

الجماهير المجترحين للسيئات - لا سيما الكبائر - يجهل أنها محرمات، وما عساه

يوجد من جاهل بها، فحسبه أن يعلم معظمها في حضور مثل هذا الاجتماع، وإنما

التربية المثلى تكون بالمعاملة الحسنى، فإذا أردت أن يكون وليدك أو تلميذك صادقًا

مثلاً، فعامله بالصدق، وحُلْ بينه وبين الكاذبين لا سيما من أخدانه وأترابه؛ فإن

الصغير يقلد كل ما رآه، ويقتبس من كل من عاشره، وتتكيف نفسه بكل ما يرد

عليها من أي طريق جاء. سبحان الله ما أشد غفلتنا، يكذب أحدنا على ولده من

أول النشأة بالقول والفعل، ولا يمنعه من معاشرة الكذابين والمجرمين؛ فتنطبع في

نفسه ملكة الكذب حتى إذا ما شب ورأى والدُه مضرة ذلك ومعرّته فيه قال: يا بنيّ لا

تكذب؛ فإن الكذب حرام، فأنّى تمحو هذه الكلمة ما رسخ في نفسه بكرور السنين،

وصار صفة من صفاته؟ إن فشوّ وباء الرذائل جعل التربية عسيرة على العارف

بها والبصير بدقائقها، فكيف حال الغافل الجاهل؟ ربما يتيسر للغني حجب ولده عن

قرناء السوء من أترابه، وأن ينتقي له أصدقاء مهذبين، ويتخذ له ولهم في داره من

الألاعيب والألاهي ما فيه غنية عن الرياضة في خارج الدار، ولكن أنّى يتسنى

للفقير مثل ذلك، لا يزيل هذه العقاب والعواثير من طريق التربية إلا العزيمة

الصادقة المنبثقة عن العلم بأن بوجود هذه التربية حياتنا، وفقدها موتنا وهلاكنا.

جماع ما يؤخذ به في تربية الأولاد: (1) المنع عن قرناء السوء، فإن الولد

يستفيد من مثله أكثر مما يستفيد من أبيه وأمه؛ لأن أفكار تِرْبِه في درجة أفكاره،

ورغباته من جنس رغباته، وأعماله من قبيل أعماله (2) الحيلولة بينه وبين كل

ما يضره الاطلاع عليه أو التلبس به في جسده أو عقله ونفسه، ولكن من حيث لا

يشعر؛ إذ أحب شيء إلى الإنسان ما منع منه، والمحبوب مطلوب والنهي عنه إغراء

به، و (3) أن يحمل على كل ما يطلب منه بالعمل، وأن يكون الباعث له على

العمل التشبه والاقتداء، ولذلك كان بعض شيوخ الصوفية يرتاض مع مريديه حتى

كأنه سالك مثلهم، و (4) أن يرجح الترغيب على الترهيب. هذا ما يجب أن نأخذه

بقوة واجتهاد {مَا أُرِيكُمْ إِلَاّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَاّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر: 29) .

اهـ.

هذا ملخص الخطبة، وقد كتبت منها أكثر جملها وتركت بعضها عمدًا؛ لكونها

جاءت في (المنار) من قبل، أو لعدم فائدتها، وما كتبته فهو قريب مما قلته في

اللفظ والفحوى، ومن عادة الرئيس أن يتعقب كل خطيب بكلام يثني عليه به ويلم

بمعنى ما تكلم به إجمالاً، وقد جاء في تعقبه إياي بكلمات أبان فيها عن ارتياب في

كون الأولاد يقتبسون العادات والأخلاق من معاشريهم، وحصر ذلك في الآباء

مستدلاًّ بالقول المشهور (الولد سر أبيه) وصرح بأنه يكتفى في تربية الولد

التربية الصالحة أن يرى أباه يعمل الصالحات، وهذه غفلة من حضرة الأخ الفاضل

الشيخ زكي الدين عن الوجود؛ لأننا نرى أكثر أولاد الصالحين فساقًا لاشتغالهم

بأنفسهم عن تربية أولادهم، ومن الأمثال المشهورة في هذا (خبث الرجل الصالح

في منيه) وهو تعليل شعري، والعلة الصحيحة هي عدم التربية الصحيحة، أما

قول (الولد سر أبيه) فهو إشارة إلى الوراثة، وللوراثة أثر لا ينكر في الاستعداد

والقابلية، ولكنّ الاعتماد على التربية فهي التي لا يغلب سلطانها، وليست التربية

إلا العملية كما قلنا. وألمَّ أيضًا بما قلته من أن المرأة يثقل على طبعها أن يحملها

الرجل على ما يريده بالقوة والإلزام، وأن الأولى أن يأخذها بالرفق واللين، وسبق

إلى فهمه أن هذا منافٍ أو مناقض لقولي، ينبغي لمن يحاول تربية نفسه أن يستعين

على ذلك ببعض آخوانه وأصدقائه، بأن يجعله مسيطرًا عليه ومنتقدًا له، يذكّره إذا

نسي ما التزمه من ترك المنكر وعمل المعروف، ويعاتبه بل ويؤنبه إذا هو نقض

العهد عمدًا.

وصرحت حضرته في التعقيب بأنه كيف يثقل على المرأة إشراف زوجها

عليها بالأمر والنهي من سماء السلطة، ولا يثقل على الرجل مثل ذلك من صديقه

وليس له عليه من السلطة مثلما للرجل على المرأة؟ والجواب عن هذا ظاهر من

وجوه (أحدها) أن ما يكون من الصديق لصديقه لا استعلاء فيه؛ لأنهما كفئان فلا

يثقل على النفس. (ثانيهما) أننا قلنا: إن ذلك ينبغي أن يكون بالمواطأة بينهما،

وأنه هو الذي يجعل صديقه رقيبًا عليه، ومهيمنًا على أعماله، ومن يثقل عليه هذا

لا يأتيه، وإذا وجدت امرأة عاقلة تواطأت مع زوجها على أن يؤنّبها إذا هي قصرت

بما يطلب منها، فيكون حكمها حكم الصديق. (ثالثها) إن النساء أسرع من الرجال

انفعالاً، وأقل منهم احتمالاً، ولذلك شبههن النبي صلى الله عليه وسلم بالقوارير،

ولو أنه ذاكرنا في المسألتين قبل أن ينتقد لانجلت الحقيقة، ويمكنه بعد ذلك إيضاحها

للجمهور، ولكنه تعجل في بيان ما اعتقده عملاً بأثر (خير البر عاجله) وحيث ألقى

الكلام للجمهور اضطررنا أن نبينه لهم بهذه الكلمات لئلا تكون الشبهة علقت ببعض

الأذهان فتصد أصحابها على العمل الذي حملناهم عليه، ولم نشأ أن نتعقبه بالقول

في محل رئاسته أدبًا معه، ولئلا نحفظ قلبه، فإن وداد مثله من الفضلاء نعده من

أعلاق الذخائر.

إذا تأمل هذا الذين لم يفهموا قولنا الذي نكرره دائمًا: (إن العلم اليقيني الذي

يمتزج بالنفس هو الذي يحملها على العمل جزمًا) يتجلى لهم السبب في عدم عمل

الناس بالنصائح التي يسمعونها، فإنها إذا كانت مجملة كاتحدوا واتفقوا، واتركوا

المحرمات وتمسكوا بالصالحات، لا ترشد سامعها إلى ما يجب أن يعمله، وإذا كانت

مفصلة يعرض للتفصيل مثل هذه الشَََُّبَه التي عرضت لرجل من أمثل وعاظنا، فما

بالك بالشُّبَه العامة التي ذهبت بالجزم على الوعيد من النفوس كقول بعض العلماء:

يجوز أن يخلف الله تعالى وعيده، وكالاعتقاد بالمكفرات والشفاعات إلخ ما بيناه في

مقالة (تأثير العلم بالعمل) وعسى أن يحمل حضرة الفاضل الشيخ زكي الدين

كلامنا على الإخلاص فيتلقاه بالقبول، فالحكمة ضالة المؤمن، والعصمة في تبليغ

الحق إنما هي للأنبياء دون سائر البشر، والسلام.

_________

ص: 470

الكاتب: محمد رشيد رضا

دروس جمعية شمس الإسلام

(3)

(أمالي دينية- الدرس الثالث)

(7)

الدين توحيد: بسم الله الرحمن الرحيم {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا

وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا

الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ

وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (الشورى: 13)

دين الله تعالى واحد يجب أن لا يكون فيه تفرق ولا اختلاف؛ لأنه إنما وضع

لإسعاد البشر، والسعادة إنما تكون في الاجتماع والتوحيد، لا في التفريق والتعديد

ومن فهم معنى الإنسان وشاهد تصرفه في الأكوان علم أنه خلق ليعيش مجتمِعًا لا

منفردًا، ومؤتلِفًا لا مختلِفًا، وهذا هو معنى الكلمة المشهورة:(الإنسان مدني الطبع)

فإذا جاء الدين على خلاف ما تقتضيه الفطرة كان شقاء لا سعادة، ومحنة لا

منحة، وأي جهول يجرؤ على أن يرمي دين الله بهذه النقيصة الكبرى والمَعَرَّة

الشنعاء؟

أول اجتماع بشري هو اجتماع الأسرة (العائلة) المؤلفة من أبينا آدم وأمنا

حواء عليهما السلام ومن أولادهما، وقد كان آدم نبيًّا يتلقى عن الله من الدين ما

يسوس به ذلك الاجتماع الصغير، وقد فسق بعض ولد آدم عن هدي والده فقتل أخاه

فكانت بذلك مخالفة الدين سُنَّة في الإنسان باقية إلى ما شاء الله، ثم اتسعت دائرة

الاجتماع فكانت الشعوب والقبائل والأقوام والأمم، وكان الله تعالى يرسل إلى كل

قوم نبيًّا {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَاّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} (فاطر: 24) يعلّم التوحيد ويدعو إلى

ما يتم به نظام الاجتماع من التهذيب والتأديب، وكانت آفة كل دين شرعه الله تعالى

لعباده اختلاف أهله فيه وتفرقهم إلى مذاهب متعددة يضلل أهل كل مذهب أتباع

المذهب الآخر، وينصرون مذهبهم ولو بالتأويل والتحريف، وينتهي ذلك

باضمحلال الدين وذهاب فائدته بالكلية، بصيرورته مشقيًا لذويه، مخزيًا لمجموع

متبعيه.

ولما استعد النوع الإنساني بمقتضى سُنة الارتقاء لاجتماع جميع أممه وشعوبه

واتصال بعضهم ببعض، وهبه الله تعالى الدين الأخير الذي ترشد تعاليمه إلى نظام

هذا الاجتماع الكبير، فجاء كتابه (القرآن) ينهى العالمين عن الاختلاف والتفرق

في الدين حيث كان ذلك هو الذي شتت شمل الغابرين، وجعلهم سلفًا ومثلاً للآخرين

سمعتم الآية الكريمة التي افتتحنا بها الدرس، وكيف صرحت بأن دين الله تعالى

على لسان جميع الأنبياء واحد لا ينبغي التفرق فيه، والمراد به أصول الدين

وقواعده العامة في الإيمان والتهذيب واجتماع الكلمة، وكون الأعمال الشخصية

دائرة على محور المنافع الشخصية، والمعاملات دائرة على محور المصالح

العمومية، وأما قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} (المائدة: 48)

فهو بيان للواقع، ومخصوص بفروع الأحكام التي تختلف باختلاف المصالح

والمنافع التي تتغير بحسب الأزمنة والأمكنة، بل مثل هذه الأحكام تتغير في

الشريعة الواحدة بمثل هذا التغير والاختلاف، ولذلك كان من أصول الشريعة

الإسلامية تحكيم العرف الذي تجري عليه الناس، ومثل هذا لا يعد اختلافًا وتفرقًا؛

لأنه تغيير في الصورة والعرَض لا في الحقيقة والجوهر، وفي المعنى اتفاق على

اجتناب المضار واجتلاب المنافع، وما هذا إلا لُباب الدين الذي تزداد به المحبة

وتنمو الألفة، ويكون أهله جسمًا واحدًا لا شيعًا مختلفة، وإنما نهى الله تعالى عن

التفرق الحقيقي الذي يجعل أهل الدين الواحد شيعًا مختلفة يتباغضون ويتحاسدون،

يتلاعنون ويتقاتلون، ويزعمون أنهم ينصرون بذلك الدين، ودين الله بريء منهم

أجمعين، بالغ القرآن في ذم هذا التفرق حتى قال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا

شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء} (الأنعام: 159) وحسبك تبرئة الله تعالى رسوله منهم

في كل شيء دليلاً على بعدهم عن دينه وتنائيهم عن مرضاته، وقال تعالى: {وَلَا

تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} (آل عمران: 105)

كان الخلفاء الراشدون وعلماء الصحابة وأكابر أئمة السلف يحافظون أشد

المحافظة على عِقد الدين أن يتناثر بالخلاف والشقاق، ويحذرون على وحدة الإسلام

أن تثلم بالتمذهب والافتراق، فما ظهر للبدعة نبت إلا حصدوه، ولا نَجَم في

رءوس الفتنة قرن إلا قلعوه، وناهيكم بما فعل سيدنا عمر بصبيغ التميمي، وما كان

الأئمة يجيبون به من يسأل عن المتشابه وتأويل القرآن من الزجر والنهر حتى رزئ

الإسلام بفتنة الخلافة التي كانت ينبوع الفتن وبركان الإحن.

فعمَّ البلاءُ الخلفاء والعلماء والملوك والأمراء، وانقسم المسلمون إلى مذاهب،

وظهر فيهم تأويل قوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْض} (الأنعام: 65) وغلا بعضهم حتى صاروا أبعد عن الدين من سائر المشركين،

واشتعلت بينهم نيران الحروب فكانوا عونًا لأعدائهم على امتصاص دمائهم وتمزيق

أشلائهم، وهدم بنياتهم وأضعاف سلطانهم، وأخص بالذكر الفرقتين العظيمتين أهل

السنة والشيعة اللتين لا ينظر في تاريخهما عارف بحقيقة الدين وغيور على

المسلمين إلا ويتفطر فؤاده من الغم، ويرسل الدمع ممزوجًا بدم؛ لأن مثار الخلاف

بينهما مسألة فرعية ذهب وقتها وذهبت فائدة ظهور الصواب فيها بحيث لا مبعث

للتنازع ولا مجال للتقاطع لو أنصف الفريقان وتعاملوا معاملة الإخوان التي يوجبها

عليهم القرآن الذي يذعن له الاثنان. اشتد كل فريق في مجادلة الآخر ومجالدته،

ومناهضته ومواثبته، ولو سلكوا طريق القرآن لوضح الحق واستبان.

أمر الله نبيه أن يحاج المشركين بمثل قوله: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَوَاتِ

وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * قُل لَاّ تُسْأَلُونَ عَمَّا

أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (سبأ: 24-25) أين هذا التلطف في الدعوة إلى

الحق الذي أسند به النبي - بأمر الله - الإجرام إلى نفسه والمؤمنين مجاراة

للمشركين وحكاية لألفاظهم، وسمى به شركهم عملاً، ولم يصفه بكلمة ذم لئلا ينفروا

من سماع الحق؟ أين هذا مما جرى عليه المسلمون مع إخوتهم في الدين حيث

يسمع أحدهم عن الآخر كلمة يريها إياها فهمه السقيم أو السليم خطأ فيملأ عليه

الدنيا تشنيعًا، ويؤلف الكتب في الرد عليه وتضليله أو تكفيره، فيضطره إلى مقابلته

بالمثل، ويعمى عن الحقيقة إن كان مبطلاً، وينتصر لكل منهما المنتصرون فتعظم

الفتنة وتعم المحنة؟ هذا ما كان وهذا ما هو كائن فالطف اللهم بنا فيما سيكون.

أمر الله تعالى نبيه أن يدعو أهل الكتاب بمثل قوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا

إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً

أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 64) وأن

يلاطفهم بمثل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ

بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا

هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: 62) بل ووعدهم بأنهم إذا دخلوا في الإسلام يؤتون أجرهم

مرتين، وإذا ظلوا على دينهم كان لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وندافع عنهم بما ندافع

عن أنفسنا.

فهل يصح لأهل هذا الدين أن يجادل بعضهم بعضًا بالتي هي أسوأ، والله

تعالى يقول لهم: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (العنكبوت:46)

أما وسر الحق لو أن قومنا ساروا على منهج القرآن في مقارعة البدع لما اتسع

الخرق على الراقع، وقد كان شأن قومنا في ذلك كما قال أستاذنا الأكبر في رسالة

التوحيد وهو: بقيت علينا جولة نظر في تلك المقالات الحمقى التي اختبط فيها القوم

اختباط إخوة تفرقت بهم الطرق في السير، إلى مقصد واحد، حتى إذا التقوا في غسق

الليل صاح كل فريق بالآخر صيحة المستخبر، فظن كل أن الآخر عدو

يريد مقارعته على ما بيده، فاستحرَّ بينهم القتال، ولا زالوا يتجالدون حتى تساقط

جلهم دون المطلب، ولما أسفر الصبح وتعارفت الوجوه رجع الرشد إلى من بقي

وهم الناجون، ولو تعارفوا من قبل لتعاونوا جميعًا على بلوغ ما أمَّلوا، ولوافتهم

الغاية إخوانًا بنور الحق مهتدين.

كتب الأستاذ هذا بالنسبة لمسألة واحدة وهي تصدق علينا في كل مسألة مما

اختلفنا فيه، فكنا به شيعًا ومذاهب، وإلى الآن لم نتعارف ولم نطلب الأخوة

الإيمانية الصحيحة، وإنما يكون ذلك بتعميم التعليم الذي نريده، وهو مبني على أن

الإسلام ضد التمذهب؛ لأنه جاء لجمع الملل وتوحيدها، والتمذهب إنما كان لتفريق

الملة الواحدة وتعديدها، فالاعتقاد الذي نعلمه هو ما أجمع عليه الذين يعتد بإسلامهم

وكل ما اختلفوا فيه لا يتوقف الإسلام عليه ويجب أن يكون الاختلاف فيه كالاختلاف

في سائر المسائل العلمية لا يثير شغبًا ولا يحدث مذهبًا، مثلاً: إن المسلمين مجمعون

على أن الله عالم لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء، ومختلفون

في ذلك العلم هل هو صفة وجودية زائدة على الذات، أو هي عين الذات، أو لا

عين ولا غير، ولا شك أن هذا البحث أقرب إلى الفلسفة منه إلى الدين، وهو لم

يذكر في القرآن ولا في السنة، ولا ورد في آثار السلف الصالح، وكذلك مسألة

الخلافة التي كانت علة العلل لجميع الانحراف والزلل، فإنها ليست من أركان الدين

وأصوله كما قلنا آنفًا.

لا أذكر في دروسي هذه من مسائل الخلاف إلا ما عساه يتوقف عليه فهم

المتفق عليه، ولا أخوض في شُبَه المبتدعة لئلا يعلق منها شيء في الأذهان

الضعيفة فيفسدها ويميتها، فقد علمنا ما فعل ذلك بمن قبلنا ممن كانوا خيرًا منا علمًا

وعملاً بحيث لا تقاس علماؤنا في الغالب بعامتهم، فضلاً عن أن نقيس دهمائنا

بدهمائهم، ونسائنا بنسائهم، بل لا يجوز لأحد سرد تلك الأقاويل المفرقة والشُّبَه

المضللة على العامة، من أحب الوقوف على مسائل الخلاف فعليه أن يتبع قوة

الدليل إن كان من أهل النظر، وإلا فليقلد الجمهورالأكبر، ولا يكفرن من خالفه فيما

اعتقده، ولا يجعلن الخلاف مانعًا من أخوته الإيمانية، وإذا ذاكره أو كاتبه في ذلك

فليسلك معه مسالك الإخوة في مذاكرتهم بمصالحهم ومنافعهم.

السنيّ والشيعي والمعتزلي والوهابي إلخ كلهم مسلمون، وإمامهم القرآن،

ونبيهم محمد عليه السلام فيجب أن يكونوا إخوة، فمن شذ عن هذه الأخوة

يجب أن نتلطف بجذبه إليها لا أن نعاديه وننفر منه، هذا هو صراط المؤمنين إذا

سلكناه نجونا، وإلا ازددنا هلاكًا ودمارًا، ولا نجد لنا من دون الله أنصارًا.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 475