المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أميل القرن التاسع عشر - مجلة المنار - جـ ٢

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (2)

- ‌28 شوال - 1316ه

- ‌خطاب وعظي للإنسان

- ‌الإيثار

- ‌التربية والتعليم

- ‌الحوادث والأخبار التاريخية

- ‌6 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإيثار

- ‌الحبالى وتربية الأجنة(1)

- ‌التعليم بالعمل

- ‌ما قيل في الخال

- ‌الجامع الأزهر الشريف

- ‌الأخبار والآراء

- ‌13 ذو القعدة - 1316ه

- ‌تأثير العلم في العمل

- ‌أيها الفتى

- ‌أخبار الحجاج

- ‌اعتذار

- ‌20 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الاتحاد

- ‌اختيار المعلمين

- ‌الحدود بين القطر المصري والسودان

- ‌27 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌تأثير الوعظ والتذكير

- ‌عبرة لمن يعقل

- ‌إحصاء الأوقاف

- ‌تنازع الدول الأوربيةعلى الممالك الإسلامية

- ‌5 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌عداء وخداع

- ‌الجمعية الإسلامية الهندية في لاهور

- ‌19 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الأعياد

- ‌الساكت عن الحق شيطان أخرس

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌26 ذو الحجة - 1317ه

- ‌التعليم القضائي

- ‌المتكلمة بالقرآن

- ‌مقتطفات

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌3 محرم - 1317ه

- ‌الاعتماد على النفس

- ‌استنهاض همم(2)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌10 محرم - 1317ه

- ‌التصرف في الكون

- ‌استنهاض همم(3)

- ‌التربية النفسية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌17 محرم - 1317ه

- ‌حياة الإسلام في مصر

- ‌استنهاض همم(4)

- ‌الطاعون واتقاؤه

- ‌كتاب تحرير المرأة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌24 محرم - 1317ه

- ‌استنهاض همم(5)

- ‌التربية النفسية

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مسألة القضاء الحاضرة

- ‌2 صفر - 1317ه

- ‌العز والذل

- ‌استنهاض همم(6)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌9 صفر - 1317ه

- ‌فهم الدين

- ‌استنهاض همم(7)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار

- ‌16 صفر - 1317ه

- ‌كتاب الدروس الحكمية للناشئة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(8)

- ‌مراكش

- ‌ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ [[

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مقتطفات الأخبار

- ‌23 صفر - 1317ه

- ‌النهضة الإسلامية في مصر

- ‌استنهاض همم(9)

- ‌إزالة شبهة

- ‌اختبار علم كل عارفمن ألباء أرباب المعارف

- ‌وفاة

- ‌29 صفر - 1317ه

- ‌استنهاض همم(10)

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أرزاء وطنية

- ‌يستحيل إرضاء الناس

- ‌ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى [[

- ‌7 ربيع الأول - 1317ه

- ‌كان يا ما كان(2)

- ‌استنهاض همم(11)

- ‌الكتابان الجليلان

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الاحتفال بتذكارالمولد النبوي الشريف

- ‌14 ربيع الأول - 1317ه

- ‌المولد النبوي

- ‌كان يا ما كان(3)

- ‌استنهاض همم(12)

- ‌مَضَارُّ الْغِلْظَةِ فِي التَّرْبِيَة

- ‌تأييد عالم وتفنيد واهم

- ‌شعر في حب العلم

- ‌21 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الحياة المِلِّية

- ‌كان يا ما كان(4)

- ‌استنهاض همم(13)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مدرسة الجمعية الخلدونية

- ‌إحصاء عن عدد سكان أوربا

- ‌28 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الجنسية والدين الإسلامي

- ‌كان يا ما كان(5)

- ‌استنهاض همم(14)

- ‌تعليم النساء

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌5 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(15)

- ‌حقوق الجار ومدح المناربما يبديه من هدي الكبار

- ‌الإسلام في البرازيل

- ‌12 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الدين والدولةأو الخلافة والسلطنة

- ‌كان يا ما كان(6)

- ‌خاتمة رسالةاستنهاض همم

- ‌تنبيه

- ‌دم أضاعه أهله

- ‌عناصر النمسا

- ‌19 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌كلمة في الحجاب

- ‌تهنئة الأستاذ المفتي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌26 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌تحريف الكلم عن مواضعه

- ‌الحديث الموضوع

- ‌الاحتفال بعيد الجلوس الهمايوني

- ‌كتاب من أحد الفضلاء في بتاوي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌3 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(3)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌10 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(4)

- ‌الوثنية في الإسلام

- ‌نجاح الجمعيات الإسلامية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌17 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌ماذا نعمل

- ‌المسلمون في روسيا

- ‌الأميرة الفاضلة صاحبة الدولةالبرنسس نازلي هانم أفندي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌24 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌2 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌رد على باحث في كتابسر تقدم الإنكليز السكسونيين

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌شذرات

- ‌9 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أخبار وآراء

- ‌16 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌فلسفة الحرب الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الشكوى من ظلم هولندا

- ‌وفاة والدة عبد الحليم أفندي حلمي

- ‌23 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌ذكرى لرؤساء الأمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌شكر

- ‌30 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌الفرصتان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌عودة الخديوي وأسرته

- ‌منع جريدة المشير

- ‌المدرسة العثمانية

- ‌إزالة وهم تاريخي

- ‌بعض التفصيل

- ‌6 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بدع رجب

- ‌14 رجب - 1317ه

- ‌مناشير المهدي السوداني

- ‌فائدة الانتقاد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌21 رجب - 1317ه

- ‌عزاء

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بضعة أيام في خدمةجمعية شمس الإسلام

- ‌إصلاح غلط

- ‌28 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الدولة العلية في أفريقية

- ‌مساجد الصعيد

- ‌6 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأسطول الفرنساوي

- ‌رزء وطني عظيم

- ‌كنسة الإمام

- ‌13 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المنار والمناظر

- ‌السيول الجارفة

- ‌الجغرافيا والحرب

- ‌20 شعبان - 1317ه

- ‌الشريعة والطبيعةوالحق والباطل

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌عيد المولد الهمايوني

- ‌العالم الإسلامي

- ‌الحرب الحاضرة

- ‌27 شعبان - 1317ه

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌5 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار والآراء

- ‌12 رمضان - 1317ه

- ‌اقتراح على السادة العلماءفي تقويم اعوجاج الوعّاظ والخطباء

- ‌الصيام والتمدن(2)

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌مأثرة لجمعية شمس الإسلام

- ‌19 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌26 رمضان - 1317ه

- ‌الزكاة والتمدن(2)

- ‌الاقتراح على المنار

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌ذم الهوى

- ‌الأخبار والآراء

- ‌المسجد الحسيني

- ‌10 شوال - 1317ه

- ‌طفولية الأمّةوما فيها من الحيرة والغمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الاجتماع العامفي جمعية شمس الإسلام

- ‌الأخبار والآراء

- ‌17 شوال - 1317ه

- ‌الحيرة والغمة ومناشئهما في الأمة

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌جمعية شمس الإسلامفي القاهرة

- ‌الأمراء والعلماء

- ‌أفكوهة غريبة

- ‌خاتمة السنة الثانية للمنار

الفصل: ‌أميل القرن التاسع عشر

الكاتب: عبد العزيز محمد

‌أميل القرن التاسع عشر

(14)

من أراسم إلى هيلانة في 8 أبريل سنة - 185

تلقيت مكتوبك أيتها العزيزة هيلانة، فذهب به روعي، وثابت إليّ سكينتي

واطمأن به قلبي عليك كثيرًا لشفيفه لي عما فيك من الإقدام والسلطان على نفسك ،

فأنت حقًّا أشرف صاحبة عرفتها في حياتي، قدر عليّ السجن وعليك النفي،

فاحتملتِ نصيبك من المقدور شريفة النفس، عالية الهمة.

إن نصيحة صديقنا الدكتور وارنجتون إليك بسكنى القرى صادرة عن حكمة

وسداد، فإن الإقامة بالأرياف أولى لك الآن من السكنى في المدن؛ لكثرة ما في هذه

من الصخب والشغب؛ ولأن الاعتكاف والرجوع إلى المعيشة الفطرية هما اللذان

يتيسر لك بهما - ولا شك - استجماع قواك بعد ما لاقيته من تلك الصدمات النفسية

التي أخشى أن تكون زعزعت صحتك فأوهنتها.

اعلمي أن من المفروض عليك أن تكوني صحيحة الجسم، سليمة من الأدواء

لأنك مسئولة من الآن عن الوديعة التي استودعك الله إياها، ولا تستغربي مني

مخاطبتي إياك باصطلاح العلماء بوظائف الأعضاء، فإني ماتعلمت الطب عبثًا بل

تعلمته للانتفاع به.

كل كائن دخل في بداية الحياة عرضة للمرض والهلاك، ولذلك كان للجنين

أمراض حقيقية، فما هي أسباب هذه الأمراض والعلل الخفية؟ لا شك أن بعضها

يعجز العلم عن إدراك كنهه، ولكن لنا كل الحق في أن نعتقد أن للمرأة دخلاً في

بعض ما يولد به الطفل من التشوه، لا أخالك نسيت تلك السيدة د

التي فتنت

القلوب ببديع حسنها، فإنها لمَّا أصابها هوس المرقص، وبعثها على أن تقضي

فصل الشتاء كله رقصًا في قاعات باريس بل أداها إلى الاستمرار على ذلك حتى في

ساعة الوضع - قد وضعت بنتًا فيها شيء من الجمال إلا أنها حدباء.

إذا كان لأعمال المرأة تأثير في الجنين بما وصفنا، فهل يمكننا من جهة أخرى

أن نقف على علاقة بين انفعالاتها النفسية وبين أخلاق ذلك الجنين الذي يحيا بحياتها ،

ويشمله شخصها وتضمه أحشاؤها؟ نعم فقد كان الحكيم هوب [1] يعلل ما فيه من

خلق الخفر بما لاقته أمه من الأهوال أثناء حملها به حينما كانت العمارة الأسبانية

المسماة (أرماد) الشهيرة تهدد إنكلترا وتطوف حول سواحلها، وكان ما يتخيله

أهلها من صورة إغارة الأعداء عليهم يلقي الرعب في قلوبهم.

إنك قد طالعت وقائع (ينجل) فما أشد ما تجدينه فيها من مسكنة

الملك يعقوب الثاني المذكور فيها، فلشد ما كانت ترتعد فرائصه، ويصفرُّ لونه عند رؤيته السيفَ مجردًا من قرابه ألا إن جبن ذلك الملك يضحك الثكلى، على أنه قد

يجب أن يحرك في الإنسان عاطفة أخرى ، إذا صح أن ضعفه هذا ناتج من مشاهد

المصائب والرزايا التي كانت تحيط بأمه مريم استوارت في أثناء حملها به.

إلى أي درجة يتأثر الجنين بتزعزع الشجرة العصبية التي تظله في بطن أمه؟

هذا أمر يصعب الحكم به قطعًا في حالة العلم الحاضرة، ويكفي وجود الشك في

تأثره من أجل إلزام أمه باتقاء أسباب الانفعالات الشديدة، والنظر إلى الأماكن

المشئومة، والابتعاد عن المتاعب وعما يجره الإخلاص في الولاء من الشدائد

والمحن.

المرأة هي قالب للنوع الإنساني يفرغ فيه، فيتشكل بشكله إلى حد محدود،

فيجب عليها لهذه الصفة رعاية صحتها والمحافظة عليها، فيلزمها في الحمل أن

تكون مستريحة الجسم والفكر، مستجمعة القوى، ولكن يندر أن يوجد بين ربات

الجمال من النساء من تصبر فيما جرى العرف بتسميته (الدنيا الكبرى) على ترك

اللذائذ ومجامع الأفراح ومراسح التمثيل لتنال شرف الإتيان بأولاد حسان، بل إن

من خسارة الصفقة لديهن أن يجدن أنفسهن عاجزات عن استئجار غيرهن لتأدية

وظائف الحبل كما يستأجرنهن للرضاعة، فإنهن لو وجدن لذلك سبيلاً لاستأجرت

المثريات منهن - من عهد بعيد - بطون نساء الطبقة السفلى لحمل أجنتهن.

أما هؤلاء، فإنهن لكدهن في وسائل المعيشة لا يجدن لهن من الزمن مايهتممن

فيه كثيرًا بأمر ذريتهن، فقد رأيت بعضهن، وقد أثقلن حتى كدن يشارفن الوضع

تلجئهن ضرورات المعيشة إلى غسل الملابس في نهر السين زمن الشتاء، فكن

يغمسن أذرعتهن في مائه المثلوج ، أو تضطرهن إلى دفع عجلات محملة لتمشيتها،

أو إلى حمل أثقال باهظة يرتاع لها الأشداء من حمالي الأسواق، بهذا تعلمين ماجرَّ

علينا ما في أخلاقنا من الأثرة وحب الاختصاص من رداءة النسل، كل ما يضعف

المرأة التي هي قرينة الرجل وصاحبته يضعف الذرية ويحط من شرف الجنس،

فإذا أراد المجتمع الإنساني أن يضمن لنفسه الحصول على أولاد حسان الخلق

يكونون في المستقبل رجالاً أشدّاء، فلا يتسنى له ذلك إلا بتحري العدل في تقسيم

ثمرات العمل، وبأن يعرف للمرأة ما تستحقه من الاحترام والإجلال. اهـ

(15)

من أراسم إلى هيلانة في 10 أبريل سنة - 185

ليست مكاتيبي إليك كغيرها مما يكتب الناس بعضهم إلى بعض، وإنما هي

أحاديث مسجون يناجي بها في عزلته أعظم شقيقة لنفسه وأحسن قسيمة لروحه،

لا بد أن يكون قد سبق إلى ذهنك ما أقصده منها ففطنت إليه ، إني أريد أن

أعمل بقدر استطاعتي، وأنا في مطارح النوى لتحصيل السعادة لذلك الذي بشّرنا الله

به، فإنه ليعرض لفكري أن هذا الطفل قد لا يعرفني ولا يراني أبدًا، وقد يتهمني يومًا

ما بأني أهملت ما فرضه الله عليَّ من الواجبات التي تحفظ حقوقه بالقيام بها،

فيحرج لذلك صدري وينقبض قلبي، ولكن هل أكون مستحقًّا لهذا اللوم إذا كنت على

ما أنا فيه من العجز عن حياطته بضروب الرعاية وصنوف الملاطفة أدفع له دَين

الأبوية من نقد آخر؟

إني بمكاتيبى إليك سأؤدي على بعدي من ولدي ما فرض له عليّ من حقوق

التربية لإعواز غيرها من الطرق المثلى لأداء هذا الفرض، فقد درست شيئًا من

أحوال الإنسان في تطوافي حول الأرض بوظيفة طبيب بحري، ورأيته في أقاليمها

المختلفة، وفي أعمار مجتمعاته المتباينة، ولذلك أرى أن في قدرتي أن أستنتج من

أفكاري ومما تحفظه ذاكرتي من الحوادث طريقة للتربية مؤسسة على نواميس

الكون وتاريخ دقائقه، فعلينا الآن أن نتبادل الأفكار في ذلك، فسأكتب إليك بما يبدو

لي، وتكتبين إليّ بما يعنّ لك حتى تتحد روحي وروحك في السهر على مهد هذا

الولد العزيز رعاية له وعناية بشأنه، سأراه في منامي يشب وينمو، وأنت

ستحدثيني عنة في مكاتيبك، وستخبرينه بوجودي، ولا موجب لاهتمامك بمستقبله،

فإن تربية الطفل الأولى هي من خصائص والدته، وأنت أهل للقيام بها وحدك بما

فيك من يقظة القلب وتوقد الذكاء، وسننظر بعد فيما يلزم من أمور التربية المستقبلة.

لكنا يجب علينا أن نعين الغاية التي يلزمنا أن نرمي إليها في مساعينا، إني لا

أعلم مطلقًا بوجود قالب يفرغ فيه الناس فيخرجون من النابغين، ولئن كان فليس

هو للتربية قطعًا، بل إنه يكون بين يدي الخالق سبحانه يهيئ به من يشاء لما يشاء

فإذا كان ولدنا ذكرًا كان غرضي من تربيته أن يكون رجلاً حرًّا، ولا أقصد بحال

من الأحوال أن يكون من كبار الرجال وعظمائهم 0 اهـ

(16)

من أراسم إلى هيلانة في 11 أبريل سنة - 185

أراك متطلعة إلى أخباري، راغبة إليّ في أن أوافيك بشيء منها، فها أنا ذا

أخبرك بأن السجن واحد في جميع البلاد، فليس بين المكان الذي تركته وبين هذا

الذي أسكنه الآن على رغمي كبير فرق، وإني من عهد وصولي إليه قد لجأت

إلى المطالعة، فإني وجدت الكتاب في غيبتك عني أحسن قرين لي، يؤنسني

ويُسرِّي عني الهم، ماذا أقول بعد ذلك؟ غاية ما أقول لك أني عائش راج الفرج

ثابت على حبك، والسلام.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

هو توماس هوب الحكيم الإنكليزي الشهير المولود في سنة 1588 م، المتوفى في سنة 1679 م وهو من أنصار مذهب الاستبداد في السياسة ومذهب الماديين في الحكمة.

ص: 598

الكاتب: محمد رشيد رضا

دروس جمعية شمس الإسلام

(7)

(أمالي دينية - الدرس السابع)

(24)

المحكم والمتشابه: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ

هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ

الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ

مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (آل عمران: 7) .

الكلام في أي لغة من اللغات منه نصوص واضحة المعنى لا إجمال فيها ولا

إبهام، يُعرف مراد المتكلم منها بمجرد إطلاقها، ومنه ما يجيء في لباس الإجمال أو

الإبهام، أو في طريق من طرق المجاز أو الكناية بحيث يخفى المعنى المراد منه

لاشتباهه بغيره، إلا على الراسخ في العلم الذي جاء الكلام المشتبه أو المتشابه فيه

وفي لغة ذلك: الكلام مفرداتها وتراكيبها وأساليبها، وما عساه يكون

للموضوع من الاصطلاحات الخاصة ليتسنى لذهنه رد الفروع إلى أصولها وإلحاق

الأبناء بأمهاتها التي تولدت منها، أضرب لكم مثل النحاة فإن معنى لفظ (الفعل)

عندهم (اللفظ الذي يدل على معنى مستقل بالفهم مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة) وقد

يجيء في كلامهم بمعناه اللغوي وهو الحدث، فمن لا يكون عارفًا باصطلاحاتهم

وباللغة يضل في فهم المراد من هذا اللفظ في هذه الحالة، والراسخ يصرف الكلام

إلى ما ينطبق على قواعد الفن العامة، فلا يضل ولا يجهل.

نطقت الآية التي صدَّرنا بها الكلام بأن في القرآن آيات محكمات لا يشتبه

العقل في فهمهن هن أم الكتاب وأصل الدين ، ترجع إليهن وتحمل عليهن سائر

الآيات التي سماها متشابهات، ومن هذه المحكمات قوله تعالى في تنزيه ذاته العلية:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11) وقوله عزّ من قائل: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ

العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الصافات: 180) ومن الآيات التي جمعت بين المحكم

والمتشابه قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ

وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر: 67)

ومن المتشابهات قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ

أَيْدِيهِمْ} (الفتح: 10) وقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (المائدة: 64) وقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ} (النحل: 50) وقوله

تعالى جده: {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (الأنعام: 18) وقوله جل ثناؤه:

{الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) فأمثال هذه الآيات كانت مضلة لأهل

الزيغ والتأويل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ويضلون الناس

بأهوائهم بغير علم، فذهب منهم قوم إلى التجسيم وقوم إلى الحلول؛ افتراء على

الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت

تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (البقرة:16) ومن المتشابه بعض ما أخبر الله تعالى به

من علم الغيب، كقوله تعالى في جهنم:{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (المدثر: 30)

وقوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ} (الدخان: 43-45) ومن العلماء مَن يقول: إن جميع ماجاء في القرآن عن عالم

الغيب من المتشابه كالجنة وما فيها، والنار وما فيها، وسائر أمور القيامة كالملائكة

والجن والشياطين، وكون السماوات سبعًا، والعرش والكرسي، فإن هذه الأشياء

أمثالها لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى، وربما يعلم تأويلها الراسخون في العلم، ولقد

افتتن بها خلق كثير، وفتنوا الناس بتأوبلها حتى يكاد يكون الضالون في فهمها أكثر

من الضالين بآيات الصفات، ومن وقف على تاريخ الباطنية ، لا سيما دعاة العبيديين

في مصر ودعاة البابيين والبهائيين في هذا العصر يتبين له تفصيل ما أجملنا.

(25)

مذهب السلف والخلف في المتشابه: عُلم مما ذكرنا آنفًا أن المتشابه

على ضربين: أحدهما ما أطلق على الله تعالى من الصفات التي أطلقت على البشر

وما عزي إليه من الأشياء والشؤون التي تعزى إليهم، وثانيها ماذكر من أحوال

عالم الغيب المخلوق له تعالى مما له نظير في عالم الشهادة، ومما لا نظير له،

والإيمان بمثل هذه الأشياء هو الإيمان بالغيب، وهو دعامة كل دين وأساسه، ومعيار

اليقين فيه وقسطاسه، ويشترط في الديانة الإسلامية أن يكون الإيمان خاضعًا لحكم

العقل، فلا يكلف أحد أن يؤمن بما يحكم العقل باستحالته، بل تأويل ما عساه يوجد

مخالفًا للعقل من ظواهر الشريعة وتطبيقه عليه - واجب، وأجمع المسلمون

الذين يُعتد بإسلامهم على أن أصول الدين وأسسه مؤيدة بالبراهين العقلية وإليها يرد

سائر ماجاء فيه.

أما المتشابه من آيات الصفات وأحاديثها، فقد اشتهر على ألسنة أهل التوحيد،

وفي كتبهم أن للمسلمين فيها مذهبين: مذهب السلف وهو الإيمان بها على ظاهرها

مع تنزيه الله تعالى عما يوهمه الظاهر من التشبيه المحال عقلاً، ويقولون: الله

أعلم بمراده باليد واليمين والاستواء على العرش وما ماثل هذا، ويسمون هذا

المذهب مذهب التفويض، ويقولون: إنه أسلم، ومذهب الخلف هو تأويل هذه

الكلمات وتخريجها على وجه ينطبق على قواعد التنزيه بما تقتضيه أساليب اللغة من

ضروب التجوز والكناية، ويسمونه مذهب التأويل، ويقولون إنه أعلم وأحكم،

والصواب أن الأقوال في هذا المقام ستة، استوفينا الكلام عليها في كتابنا (الحكمة

الشرعية) .

والذي يجب أن لا يختلف فيه هو أن هذه الآيات ما أنزلت عبثًا، وأنها ليست

فوق عقول البشر، بل جاءت على أساليب كلام العرب، وحسبكم من فائدتها أنها

تفيض على الأرواح من خشية الله وقوة الإيمان بعظمته وسلطانه ما يطهرها من

الرجس، ويجذبها إلى عالم القدس ويبغض إليها الرذائل، ويحبب إليها الفضائل

تقربًا إلى الله تعالى وطلبًا لما عنده، ومن كان ذا سليقة عربية وعقيدة صحيحة

مرضية، وتلا أو تُلي عليه قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا

قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ} (الزمر: 67) الآية، يشعر بأن الهيبة والجلال قد ملآ أركان

قلبه، وملكا عليه أمر وجدانه سواء كان يعتقد بأن لله يدًا لا كالأيدي، ويمينًا لا

كالأيمان، وأن القبض على الأرض، وطيّ السماوات هو من وظيفة اليد واليمين

الإلهية من غير تشبيه ولا تمثيل، أو يعتقد أن الكلام تمثيل لعظمة سلطان الله تعالى

وانفراده في ذلك اليوم بشؤون العوالم العلوية والسفلية بحيث لا يكون لغيره فعل ولا

كسب، ولا أمر ولا نهي ولا ضر ولا نفع، وهذه الآية هي بمعنى قوله تعالى في

الآية المحكمة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (الفاتحة: 4) ، ولا ينكر أحد من نفسه أن

المعنى الواحد تختلف آثاره في الوجدان باختلاف العبارات التي يتجلى بلباسها، وأن

التمثيل أبلغ ضروب الكلام تأثيرًا، وأكثرها ضياء ونورًا، وأي ذوق عربي يطوف

به من قراءة هذه الآية تشبيه الله تعالى بخلقه، وهو يعهد مثل هذا التعبير في اللغة

حتى من الصبيان، يقولون: إن هذه البلاد أو تلك القبيلة في قبضة فلان، وإن زيدًا

في أصبع عمرو كالخاتم، على أن الآية يحيط بها التنزيه من طرفيها كما ترى، مَن

علم أن جميع ما جاء في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة من هذا النوع من المتشابه

يُراد به تقرير العقائد الثابتة بالعقل والنصوص المحكمة وكبح النفوس - بذكر

صفات الجلال والعظمة - عن الشرور، وجذبها بصفات الجمال إلى معاهد الضياء

والنور، ليكون المؤمن بالأولى من الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وبالأخرى

من الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب؟ مَن عَلِم هذا

ولاحظه لا يشتبه عليه متشابه، سواء فَوَّض أو أَوَّل، وصرح غير واحد من

المحققين بأن جميع ما أطلق على الله تعالى من الصفات الثبوتية من المتشابه لا أنه

مخصوص بما لا يعرف إلا بالسمع، وصرَّح الإمام الغزالي بأن لفظ القدرة

مستعار للصفة الإلهية التي يوجِد بها ويُعِدم، وأن معنى هذه الصفة هو أجلّ وأرفع

من أن تلمحه أعين واضعي اللغات، فيضعون له لفظًا يدل عليه حقيقة، وحقًّا قال

فإن هذا اللفظ وضع لمعنى في الإنسان لا يصدر عنه إيجاد ولا إعدام، والحكماء

والعقلاء متفقون على أن قدر البشر إنما تتصرف في الموجود فحسب.

وأما المتشابه بالمعنى الآخر، فقد كلفنا بالإيمان به على ظاهره إذا لم يكن

مخالفًا لأحكام العقل والأصول المقررة بالشرع، وكانت النصوص به قطعية،

وسيأتي تفصيل القول به في السمعيات إن شاء الله تعالى.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 603