الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
أيها الفتى
ما هذا اللهو واللغو، والفرح والمرح؟ ! تميل كالغصن مع الهوى. وأنت
ريَّان من ماء الشباب والصبا. ولكنك لا تجد على نار الحوادث هدى. أتحسب أنك
خُلقت عبثًا. أو أنك تترك سدى؟ ! كلا، إن أمامك خطوبًا فادحة. ونصالاً جارحة.
وأثقالاً بَيْتية ووطنية. تنوء بالعصبة أولي القوة، ولكن سُكر الشباب يفعل ما لا
يفعله سكر الأكواب. فهو الذي جعل في أذنيك وقرًا وعلى عينيك غشاوة. وران
على قلبك ما تعمل من السيئات. وتجترح من الخطيئات. تصور أن هذه الفتاة
الهيفاء والغادة الحسناء التي تغازلها وتناغيها. وتسايرها وتجاريها - ستكون ربة
بيتك. ومربية ولدك. ومالكة زمام أمورك، سعادتك بيدها. وراحتك في راحتها.
وشرفك بشرفها. ومستقبل ذريتك بآدابها ومعارفها. أفتحسب أن هذه الغر التي تميل
مع كل ريح. وتلين لكل صبيح أهل لما يُطلب منها. وكفؤ لما يناط بها؟ !
أفتحسب أنها - بعد أن تتشرف بالاقتران بك تتغير طباعها. وتنقلب أوضاعها.
وتتبدل صفاتها. وتستحيل ملكاتها. أم ترضى بها قرينة على ما تشاهد من علَاّتها.
وتعلم من هفواتها وسيئاتها؟ ! كلا، إنك سادر [1] في غفلتك، ملتخ [2] في سكرتك،
لا تفكر في أنك تجني على نفسك، وعلى جميع أبناء جنسك بإفساد آداب الفتيات
بتعرُّضك لهن حتى في الطرقات. وستذوق مرارتها في بيتك. إن لم تقلع عنها من
وقتك (دقة بدقة، ولو زدنا لزاد السَّقَّا)[3] .
***
أيتها الفتاة
لقد طوى الزمان الذي كان قدرك فيه مجهولاً. وجنسك اللطيف عند أهله
مفضولاً أو مرذولاً. وجاء زمان تنبه فيه الفضلاء والعظماء لما للمرأة من الشأن
الكبير في الارتقاء. وأنتِ مستقبلة عصر الكمال. الذي فيه يظهر سر قول النبي:
(النساء شقائق الرجال) ولكن من سماء عقلك يُشرق بدره. ومن بين ثناياك اللامعة
يتنفس فجره؛ لأن والدتك - وأعيذك بفضلك - جاهلة. وعن مقامها في المجتمع
الإنساني غافلة. فاعذريها على جهلها. ولا ترضي بأن تكوني مثلها. أتدرين - يا
سيدتي - بماذا يرتفع قدرك في هذا الزمن. وتكونين عقد زينة في جيد الوطن؟ !
إذا سألت عمتك (الست هانم) عن هذا السؤال، تقول لك: إن الذي يرفع المقدار،
ويستلفت الأنظار إنما هو تجعيد الطرة وعقص الذوائب. وكحل العيون وتزجيج
الحواجب. وحسن الالتفات والتثني. وأساليب الدلال والتجني. واللطف في
الإشارة. والظرف في العبارة. وإن خفة الحركات هي زينة البنات. وما وراء ذلك
إلا الثياب الحريرية. والحلية الذهبية والجوهرية. ولكن عمتك غالطة كالسيدة
الوالدة؛ فإن هذه الأمور هي التي أضرت بالوطن من قبل؛ لأن المرأة التي تجعل
همها في هذه الأمور، وتحسب أنها كالرياحين والزهور - ما خُلقت إلا نزهة للناس.
وزينة للحواس. يدل حسبانها هذا على أنها رضيت بما دون رتبة الحيوان. (أي:
حيث رضيت أن تكون قيمتها قيمة الزهر وهو من النبات والحيوان أشرف منه) ،
فكيف يقبل حكمها في رفعة شأن الأوطان. وهي من خصائص الكاملين من نوع
الإنسان؟ !
ولكن إذا سألت (المدام) فلانة أو تربك (المدموازيل) عن هذا
السؤال نفسه تسمعين جوابًا عجيبًا؛ لأنها تقول لك: إن قدر الفتاة إنما يكون رفيعًا
بعلومها وآدابها وفضائلها، وباستعدادها لمساعدة الرجل على إسعاد منزله وأهله
وإسعاد وطنه وأمته، فإذا كانت غير متخلقة بالأخلاق الفاضلة كيف يمكنها أن
تغرس فَسِيل الفضائل في نفوس أبناء الوطن الذين يعهد إليها بتربيتهم من يوم
يوجدون بحكم الطبيعة والشريعة معًا؟ وإذا كانت لا تعرف قيمة العلوم والفنون
والآداب التي تسعد بها البلاد فهل يخطر في بالها أن ترغِّب أولادها في ذلك وتسلك
بهم في هذه المسالك؟ ! بل ربما قالت لك حضرة المدموازيل: إن الفتاة كالفتى،
والمرأة كالرجل والوطن يطالبهما بحقوقه مطالبة واحدة؛ فيجب أن ترشح الفتاة نفسها
لأي عمل من الأعمال العظيمة النافعة التي يقوم بها الرجال حتى الأعمال
الحربية والسياسية. لكن هذا الأخير إفراط عظيم يقابله ما ترين عندنا من التفريط
والإهمال. والصواب أن البيت مثال المملكة الجمهورية؛ فالرجل هو الرئيس وناظر
الخارجية (أي: ما هو خارج البيت) ووظيفة المرأة نظارة الداخلية. والممالك
العظيمة إنما تتألف من هذه البيوت، فمتى كانت الحياة فيها سعيدة سعدت بذلك المملكة
كلها.
هذه إشارة لطيفة إلى مقامك السامي - أيتها الفتاة - وأفضل ما تستعدين له هو
تربية الأولاد، بل هو أفضل الأعمال كلها، والاستعداد له إنما يكون بمعرفة عقائد
الدين الصحيحة والتخلق بأخلاقه الفاضلة والتأدب بآدابه الكاملة ثم معرفة مبادئ
الفنون لا سيما حفظ الصحة وتدبير المنزل والحساب والتاريخ، فإذا التفت إلى هذه
الأشياء ووفيتها حقها من العناية؛ عرف لك الوطن العزيز حقك، ورقاك فضلاؤه إلى
الأوج الذي تستحقين ولا يغرنك هؤلاء الشبان الأغرار الذين يختالون في الشوارع
والمهايع ويرمون بأبصارهم إلى الكُوَى والنوافذ يفتنون الفتيات الغافلات،
ويستهوون السيدات المصونات. فليس تحت طرابيشهم المائلة إلا أحلام (عقول)
سفهة وأخلاق سافلة. وسيذهب فساد طباعهم وقبح أعمالهم. بما بقي لهم من
دثورهم وأموالهم. فويل لمَن اتصل بهم وقرب منهم، وهنيئًا لمَن إذا عرفهم قلاهم
وبعُد عنهم.
_________
(1)
السادر: المتحير والذي لا يبالي بما صنع؛ ومن معانيه الذاهب عن الشيء ترفُّعًا عنه، والسادر ثوبه؛ أي: السادل له.
(2)
يقال: سكران ملتخ؛ أي: طافح مختلط لا يفهم شيئًا لاختلاط عقله.
(3)
يُحكى أن شيخًا عفيفًا صادف في الطريق امرأة فقبَّلت يده، فغمزها بيدها الناعمة، ولما بلغ منزله وجد السَّقَّاء يغمز يد امرأته؛ فقاله، فسار مثلاً.
الكاتب: محمد رشيد رضا
تقاريظ
(الوشاح في شرح عروض المِفتاح)
أهدانا نسخة من هذا الكتاب مؤلفه حديثًا العالم الفاضل القاضي ظفر الدين
أحمد أستاذ الكلية الشرقية بلاهور، الهند ولما تتسنى لنا مطالعته فقصارى ما نقول
في هذا المقام: إن إحياء كتب فرسان البلاغة وجهابذة علوم اللسان (كالعلامة السكاكي
صاحب المفتاح) بالشرح والدرس - عمل شريف تحيا به اللغة العربية إن شاء الله
تعالى.
ثم نشكر لحضرة الأستاذ فضله. ونثني عليه كما أثنى علينا بما هو أهله، ومن
الله نسأل تحقيق ما أمله في خدمتنا (المنارية) من جمع كلمة الأمة الإسلامية.
ولا غرو؛ فقوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (التوبة: 33) وعد لمَّا
يتحقق كما قال بعض المحققين الأجلة. ولا بد من تحقيقه بفضل الله تعالى.
***
(الجامعة العثمانية)
ظهر العدد الأول منها يتدفق بالمباحث المفيدة لا سيما مباحث التربية والتعليم
التي نحن أحوج إليها من كل شيء، وأحسن تقريظ لها أن ننقل نبذة من أنفع نبذها
وأفيدها، فإليكها نموذجًا حسنًا، قال الكاتب:
(إن المدارس الأجنبية في بلاد الدولة العثمانية قد صنعت خيرًا عظيمًا، ولكنها
قد صنعت شرًّا عظيمًا أيضًا. فعلينا أن نجد دواءً لهذا الداء، قد أنشأ الغرب للشرق
مدارس يعلم فيها أبناء الشرق الميل عن دولتهم إلى دولة غريبة عنهم، فلتنشئنَّ - أيها
العثمانيون - بإزاء تلك المدارس مدارس جديدة، يكون أساس تعليمها حب الوطن
والأمة، وتعليم ما هو الوطن وما هي الأمة. لنؤسس مدارس جديدة نُدخل إليها طرق
التعليم الحديثة ووسائل التربية الحديثة، وندخل إليها قبل ذلك عناصر الأمة كلها،
فنربيها فيها على مقاعد واحدة ونلقنها دروسًا واحدة ومبادئ واحدة؛ حتى تكون بعد
خروجها من حياة المدرسة إلى الرجولية بقلوب واحدة وأفكار واحدة، فإن هذا هو
السبيل إلى تقوية جدار الوطنية العثمانية ووقايته من الثلم أو الهدم) .
فشكرًا لك - أيها الكاتب الفاضل - ونجَّح الله تعالى الجامعة العثمانية بمبادئك
الصحيحة.
***
(أنين مظلوم)
جريدة ظهرت في القاهرة تشكو من ظلم رجال الدولة لا سيما في ولاية بيروت،
وتستصرخ مولانا السلطان الأعظم طالبة تفويض الأعمال إلى الأَكْفَاء الصادقين.
وعسى أن يكون كلام صاحبها صادرًا عن غيرة صحيحة وتألم حقيقي، فعهدنا
بالذين ينشئون الجرائد للطعن بالحكام والشكوى منهم أنهم طلاب رزق ووظيفة أو
رتب ووسامات، كما ثبت ذلك للدولة العلية بالاختبار؛ ولهذا ارتفعت الثقة بكلام
أمثال هذه الجرائد من الدولة والأمة، فاشتبه الحق بالباطل والإخلاص بالنفاق، ولا
علاج لهذا إلا أن تقرر الدولة حرمان أصحاب الجرائد عمومًا من الرتب والرواتب
والأعمال والوظائف؛ لينقطع أملهم مما وراء عملهم وثمراته الذاتية، فمن أحسن
ونجح في عمله فحسبه إحسانه شرفًا وكسبًا، ومن ساء فعليه ما يلاقيه من الجزاء،
وما دامت الدولة تغدق النعم على السفهاء منعًا لسفههم؛ فإنها تغري بذلك غيرهم،
فتضيع الأجور ويكثر الفجور ومحاولةُ إرضاء جميع الناس غرورٌ.
_________