المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية - مجلة المنار - جـ ٢

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (2)

- ‌28 شوال - 1316ه

- ‌خطاب وعظي للإنسان

- ‌الإيثار

- ‌التربية والتعليم

- ‌الحوادث والأخبار التاريخية

- ‌6 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإيثار

- ‌الحبالى وتربية الأجنة(1)

- ‌التعليم بالعمل

- ‌ما قيل في الخال

- ‌الجامع الأزهر الشريف

- ‌الأخبار والآراء

- ‌13 ذو القعدة - 1316ه

- ‌تأثير العلم في العمل

- ‌أيها الفتى

- ‌أخبار الحجاج

- ‌اعتذار

- ‌20 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الاتحاد

- ‌اختيار المعلمين

- ‌الحدود بين القطر المصري والسودان

- ‌27 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌تأثير الوعظ والتذكير

- ‌عبرة لمن يعقل

- ‌إحصاء الأوقاف

- ‌تنازع الدول الأوربيةعلى الممالك الإسلامية

- ‌5 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌عداء وخداع

- ‌الجمعية الإسلامية الهندية في لاهور

- ‌19 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الأعياد

- ‌الساكت عن الحق شيطان أخرس

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌26 ذو الحجة - 1317ه

- ‌التعليم القضائي

- ‌المتكلمة بالقرآن

- ‌مقتطفات

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌3 محرم - 1317ه

- ‌الاعتماد على النفس

- ‌استنهاض همم(2)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌10 محرم - 1317ه

- ‌التصرف في الكون

- ‌استنهاض همم(3)

- ‌التربية النفسية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌17 محرم - 1317ه

- ‌حياة الإسلام في مصر

- ‌استنهاض همم(4)

- ‌الطاعون واتقاؤه

- ‌كتاب تحرير المرأة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌24 محرم - 1317ه

- ‌استنهاض همم(5)

- ‌التربية النفسية

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مسألة القضاء الحاضرة

- ‌2 صفر - 1317ه

- ‌العز والذل

- ‌استنهاض همم(6)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌9 صفر - 1317ه

- ‌فهم الدين

- ‌استنهاض همم(7)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار

- ‌16 صفر - 1317ه

- ‌كتاب الدروس الحكمية للناشئة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(8)

- ‌مراكش

- ‌ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ [[

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مقتطفات الأخبار

- ‌23 صفر - 1317ه

- ‌النهضة الإسلامية في مصر

- ‌استنهاض همم(9)

- ‌إزالة شبهة

- ‌اختبار علم كل عارفمن ألباء أرباب المعارف

- ‌وفاة

- ‌29 صفر - 1317ه

- ‌استنهاض همم(10)

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أرزاء وطنية

- ‌يستحيل إرضاء الناس

- ‌ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى [[

- ‌7 ربيع الأول - 1317ه

- ‌كان يا ما كان(2)

- ‌استنهاض همم(11)

- ‌الكتابان الجليلان

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الاحتفال بتذكارالمولد النبوي الشريف

- ‌14 ربيع الأول - 1317ه

- ‌المولد النبوي

- ‌كان يا ما كان(3)

- ‌استنهاض همم(12)

- ‌مَضَارُّ الْغِلْظَةِ فِي التَّرْبِيَة

- ‌تأييد عالم وتفنيد واهم

- ‌شعر في حب العلم

- ‌21 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الحياة المِلِّية

- ‌كان يا ما كان(4)

- ‌استنهاض همم(13)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مدرسة الجمعية الخلدونية

- ‌إحصاء عن عدد سكان أوربا

- ‌28 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الجنسية والدين الإسلامي

- ‌كان يا ما كان(5)

- ‌استنهاض همم(14)

- ‌تعليم النساء

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌5 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(15)

- ‌حقوق الجار ومدح المناربما يبديه من هدي الكبار

- ‌الإسلام في البرازيل

- ‌12 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الدين والدولةأو الخلافة والسلطنة

- ‌كان يا ما كان(6)

- ‌خاتمة رسالةاستنهاض همم

- ‌تنبيه

- ‌دم أضاعه أهله

- ‌عناصر النمسا

- ‌19 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌كلمة في الحجاب

- ‌تهنئة الأستاذ المفتي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌26 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌تحريف الكلم عن مواضعه

- ‌الحديث الموضوع

- ‌الاحتفال بعيد الجلوس الهمايوني

- ‌كتاب من أحد الفضلاء في بتاوي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌3 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(3)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌10 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(4)

- ‌الوثنية في الإسلام

- ‌نجاح الجمعيات الإسلامية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌17 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌ماذا نعمل

- ‌المسلمون في روسيا

- ‌الأميرة الفاضلة صاحبة الدولةالبرنسس نازلي هانم أفندي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌24 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌2 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌رد على باحث في كتابسر تقدم الإنكليز السكسونيين

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌شذرات

- ‌9 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أخبار وآراء

- ‌16 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌فلسفة الحرب الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الشكوى من ظلم هولندا

- ‌وفاة والدة عبد الحليم أفندي حلمي

- ‌23 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌ذكرى لرؤساء الأمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌شكر

- ‌30 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌الفرصتان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌عودة الخديوي وأسرته

- ‌منع جريدة المشير

- ‌المدرسة العثمانية

- ‌إزالة وهم تاريخي

- ‌بعض التفصيل

- ‌6 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بدع رجب

- ‌14 رجب - 1317ه

- ‌مناشير المهدي السوداني

- ‌فائدة الانتقاد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌21 رجب - 1317ه

- ‌عزاء

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بضعة أيام في خدمةجمعية شمس الإسلام

- ‌إصلاح غلط

- ‌28 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الدولة العلية في أفريقية

- ‌مساجد الصعيد

- ‌6 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأسطول الفرنساوي

- ‌رزء وطني عظيم

- ‌كنسة الإمام

- ‌13 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المنار والمناظر

- ‌السيول الجارفة

- ‌الجغرافيا والحرب

- ‌20 شعبان - 1317ه

- ‌الشريعة والطبيعةوالحق والباطل

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌عيد المولد الهمايوني

- ‌العالم الإسلامي

- ‌الحرب الحاضرة

- ‌27 شعبان - 1317ه

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌5 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار والآراء

- ‌12 رمضان - 1317ه

- ‌اقتراح على السادة العلماءفي تقويم اعوجاج الوعّاظ والخطباء

- ‌الصيام والتمدن(2)

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌مأثرة لجمعية شمس الإسلام

- ‌19 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌26 رمضان - 1317ه

- ‌الزكاة والتمدن(2)

- ‌الاقتراح على المنار

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌ذم الهوى

- ‌الأخبار والآراء

- ‌المسجد الحسيني

- ‌10 شوال - 1317ه

- ‌طفولية الأمّةوما فيها من الحيرة والغمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الاجتماع العامفي جمعية شمس الإسلام

- ‌الأخبار والآراء

- ‌17 شوال - 1317ه

- ‌الحيرة والغمة ومناشئهما في الأمة

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌جمعية شمس الإسلامفي القاهرة

- ‌الأمراء والعلماء

- ‌أفكوهة غريبة

- ‌خاتمة السنة الثانية للمنار

الفصل: ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصرية

في إصلاح المحاكم الشرعية

نَوّهنا في عدد سابق بأننا شرَعنا في طبع هذا التقرير لما فيه من الفوائد

ولتشوّف الناس للاطلاع عليه، وكنا وعدنا بأن نطبع معه لائحة المحاكم الشرعية ثم

عدلنا عن ذلك لأن اللوائح كثيرة، وكلها مطبوعة ومنتشرة يسهل مراجعتها، وقد

صدرنا التقرير بمقدمة ننشرها هنا؛ لأنها من موضوع (المنار) وهي:

(بسم الله الرحمن الرحيم)

{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} (الحجرات:9)

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة: 220) .

إن من طبيعة الناس وعادهم الشكوى مما يتألمون منه لضياع مصالحهم

ومنافعهم ووقوع الحيف والظلم عليهم إذا وجدوا لذلك سبيلاً، وقد كثر في هذه السنين

الأخيرة الخوض في أمر المحاكم الشرعية في مصر وعمت منها الشكوى: الرعية

تشكو من ضياع حقوقها، والحكومة تشكو من القضاة، والقضاة تشكو من الحكومة

وقد أرادت نظارة الحقانية أن تشرع في إصلاح هذه المحاكم في هذه السنة،

فابتدأت بوضع المشروع المشهور، وهو انتداب قاضيين من قضاة محكمة الاستئناف

الأهلية ليكونا عضوين في محكمة مصر العليا، فقامت لهذا المشروع قيامة

المسلمين في مصر، ولم يرض به أحد من خاصتهم ولا عامتهم، وكثر الطعن في

الحكومة بسببه قولاً وكتابة في الجرائد، ثم انتهى الأمر بتوقف الجناب العالي

الخديوي - أعزه الله - عن تنفيذه، وبقيت الشكوى عامة من سوء حال هذه المحاكم

مجمعًا عليها حتى من قضاتها والموظفين فيها.

ثم عهدت الحكومة إلى برجل من أكابر علماء الشرع الإسلامي، ومن واسعي

الاطلاع في القوانين الوضعية، والعارفين بأحوال الزمان ألا وهو الأستاذ العلامة

الشهير الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية لهذا العهد، بأن ينظر أدواء المحاكم

الشرعية ومزاجها، ويبين دواءها ويصف علاجها، ويضع في ذلك تقريرًا، فبقي

الناس في أمر مريج حتى ظهر التقرير، فإذا هو لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا

أحصاها، وبَيَّن مبداها ومنتهاها ووصف علاجها ودواها، وأظهر للملأ أن خلل هذه

المحاكم بعضه من تقصير الحكومة نفسها، وبعضه من تقصير القضاة والكتبة، وقد

أجمع المطلعون على التقرير من أهل العلم الشرعي وغيرهم على أنه جمع فأوعى،

وأرشد إلى الإصلاح الحقيقي وهدى، وأثنت عليه الجرائد كلها على اختلاف مشاربها

ومذاهبها، وتشوّفت نفوس سائر الناس للاطلاع عليه، وهذا ما حملنا على طبعه

قصد تعميم نفعه.

يقول بعض الناس: إن الحكومة لو لم تكن تقصد الإصلاح الحقيقي للمحاكم

الشرعية لما طلبت من هذا الأستاذ بيان الإصلاح، وهي تعلم أنه لا يحابيها؛ لأنه لا

تأخذه في الحق لومة لائم، والسواد الأعظم لم يزل سيئ الظن بالحكومة، معتقدين

أنها مدفوعة من القوة المحتلة إلى إلغاء هذه المحاكم؛ لأنها أكبر شعار مِليّ للأمة

الإسلامية، ويقولون: إنها لم تكن تتوقع من هذا الأستاذ بيان تقصيرها وحملها على

الإصلاح الحقيقي، وقوي عندهم هذا الظن بتأجيلها النظر فيه، ويتحدثون بأنها لابد

أن تغري بعض مَن يعنيهم الأمر حتى مِن رجال الشرع بالانتقاد على بعض ما

جاء فيه لتتخذ ذلك حجة أمام الأمة على عدم تنفيذه، وسيظهر لهم عن قريب

فساد الظنّة وخطأ التهمة، ويرون الحكومة إن شاء الله تعالى مجتهدة في تنفيذ ما

يسمح الوقت بتنفيذه منه، كما يجب عليها لدينها وأمتها، وأرجو أيضًا أن يروا من

المحتلين مساعدة لا معاندة، لا سيما فيما يطلب للمحاكم من المال، فإن التوسيع في

النفقة على محاكم هذا شأنها وهذه مكانتها من نفوس الأمة ، أولى من الإنفاق على

اختبار الأسماك وتأليف كتاب فيها، وهو ما سمحت له الحكومة بألف جنيه.

ولا يمكن أن توجد فرصة يبرهن فيها المحتلون لمسلمي مصر، بل وسائر

المصريين على احترام الدين الإسلامي وإرادة الإصلاح الحقيقي في مصر مثل هذه

الفرصة، وليس من الحكمة أن تضيع، ولا يغتنمها القوم الذين قاعدة سياستهم هذه

الكلمة: (نحن لا نوجد الفرص ولا نضيعها) .

إن الغيرة الدينية المتدفقة من روح واضع التقرير قد غمرت المحاكم الشرعية،

وفاض معينها على الأزهر الشريف وما يتبعه من معاهد العلم الشرعي، فكما أشار

بإصلاح أماكن المحاكم وأثاثها، والتوسعة على القضاة والكتبة في الرواتب،

واستقلالهم في الرأي، والعناية بتنفيذ أحكامها

إلخ إلخ، أشار أيضًا بحصر

موظفي المحاكم في المتعلمين في الأزهر وما يتبعه، وبإصلاح التعليم فيه بإنشاء

قسم للتعليم القضائي يتخرج منه القضاة (راجع صفحة 14) وآخر يتخرج منه

الكتَّاب (راجع صفحة 11) وبأن يكون مأذونو العقود من طلاب العلم في هذه

المعاهد أيضًا (راجع صفحة 80) .

جرى صاحب التقرير في تفتيش المحاكم وإبداء رأيه في إصلاحها على مبدأ

حكيم، وهو كون الأحكام والنظام على وفق المصالح والمنافع الوجودية. إذ لا تقدر

الحكومة على تغيير شؤون الوجود بنظامها، كما أن الشريعة لم توضع لتحويل سنن

الكون بأحكامها: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الأحزاب: 62) فقصارى ما طلبه

من الحكومة أن تجعل عنايتها بالمحاكم الشرعية كعنايتها بالمحاكم الأهلية، وأن

توسع دائرة اختصاصها كما سنبينه، وقصارى ما طلبه من القضاة أن يفهموا أقوال

الفقهاء ومقاصدهم في الأحكام التي استخرجوها من الشريعة لوقاية مصالح الخلق

وحفظ حقوقهم ومنافعهم، لا أن يأخذوا بظواهر ألفاظهم ظانين أنهم متعبدون بها،

فإن القاعدة المتفق عليها في العقود والمعاملات هي: (إن العبرة بالمقاصد والمعاني

لا بالألفاظ والمباني) والفقه هو الفهم، فمن يأخذ بظواهر الألفاظ فهو ليس بفقيه،

ولا يجوز أن يكون غير الفقيه قاضيًا يحكم بين الناس، وليس عندنا كتاب نتعبد

بألفاظه إلا كتاب الله تعالى، ومع ذلك نرى جميع العلماء من المتكلمين والفقهاء

وغيرهم - رضي الله تعالى عنهم - قد أجروا فيه التفسير والتأويل، ولم يأخذوا

بظواهر ألفاظه مع أنها مُنَزّلة ومتواترة ومحفوظة من التحريف، فكيف نأخذ

بظواهر ألفاظ الفقهاء من غير فهم، وليس لها مزية من هذه المزايا، يتبرم من هذا

الطلب القضاة الذين لا فقه لهم، وإنما ألفوا ألفاظًا تعلمها أكثرهم من كتاب المحاكم،

ويتبرم منه بعض من يعلم منهم أنه الحق الذي لا تقوم للشرع قائمة إلا به، ولكنه

يغمطه حسدًا وكبرًا، ويحاربه هؤلاء بسلاح التمسك بظواهر ألفاظ بعض الفقهاء

على أنها متعبد بها لا يعقل معناها، فإن لهم في هذا غرائب، بيّن التقرير كثيرًا

منها كظنهم أن ذكر اسم الأب والجد في تعريف المدعي أو المدعى عليه مطلوبًا لذاته

(راجع باب المرافعة وما بعده من التقرير) وسمعت أن بعض القضاة أنكر أن

الشهادة مطلوبة للعلم بالمشهود به!

الشريعة الإسلامية شريعة عامة باقية إلى آخر الزمان، ومن لوازم ذلك أنها

تنطبق على مصالح الخلق في كل زمان ومكان مهما تغيرت أساليب العمران.

وشريعة هذا شأنها لا تنحصر جزئيات أحكامها؛ لأنها تتعلق بأحوال البشر ما وُجِدوا

ولا يحيط بذلك علمًا إلا عالم الغيب والشهادة، وهو الذي جعل أساسها حفظ الدين

والنفس والعقل والعرض والمال، إذ مصالح البشر في كل آن مبنية على حفظ هذه

الأشياء التي فيها السعادة في المعاش والمعاد، وقد استخرج الأئمة والفقهاء رضي الله

عنهم القواعد الكلية والأحكام الجزئية، وبنوها على أساس هذه الأصول الخمسة،

ومن القواعد المتفق عليها بينهم أن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ كما مر آنفًا، وأن

الضرورات تبيح المحظورات، وأن المشقة تجلب التيسير، وأن الأمر إذا ضاق

اتسع، وأن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام، والضرر الأشد يزال بالأخف

وأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة أو خاصة، وأن الأحكام تتغير بتغير

الأزمان، وأن التعيين بالعرف كالتعيين بالنص، ومن فهم كلام أئمة الفقه حق فهمه

ألفاه لا يتعدى هذه القواعد، فيجب على القضاة جعلها آلة لفهم كلامهم، والحكم به

لتحفظ الحقوق، على أن فضيلة صاحب التقرير على علم بعجز أكثر القضاة الحاليين

عن ذلك، ولذلك طلب ما تراه في الأمر الثاني والثالث الآتيين.

من أهم ما طلب في التقرير أمران يتعلقان بمحاكم مصر أشد التعلق، وأمر

يعتبر إصلاحًا إسلاميًّا عامًّا (الأمر الأول) توسيع دائرة اختصاص المحاكم

الشرعية ، وفي هذا مخرج للحكومة من كثرة شكوى المحاكم الأهلية الجزئية من

كثرة القضايا حتى إن الحكومة اضطرت إلى تخويل عُمَد البلاد الحكم في بعض

القضايا المدنية، ولما رأت أن سيرهم ومعارفهم لا تمكنهم من إقامة العدل فيها عدلت

عن تعميم هذا المشروع إلى انتخاب بعض منهم للتجربة، والعارفون بحال البلاد

يعلمون أن الحكومة لا تنجح في هذا، ولا سبيل لخروج الحكومة من هذه الحيرة

إلا بتخويل المحاكم الشرعية الحكم في كثير من القضايا المدنية، ولا يوجد مانع

للحكومة من ذلك إلا تمسك بعض المتنطعين ممن ينتسبون إلى الشرع - ويجهلون

مقاصده - بعوائد وألفاظ في المرافعات الشرعية ليست من الشرع في شيء، وبها

يجعلون الحكم بالشرع متعذرًا، وهذا أعظم جناية عليه.

(الأمر الثاني) عدم حصر منصب القضاء الشرعي في الحنفية لما بيّنه في

صفحة 15، وليس هذا قولاً بالحكم بغير مذهب الحنفية، فقد صرح هناك بأن فقه

المذاهب الأربعة متقارب، والاختلاف في الفروع مذكور في أغلب كتب الفريقين،

فيمكن لمن برع في فقه الشافعية مثلاً أن يفهم فقه الحنفية بسهولة، وقالت جريدة

(المؤيد) الغرّاء أن هذا وقع بالفعل، فإن فضيلة الأستاذ صاحب التقرير يُعد في

مقدمة القضاة الحنفية، وهو مالكي المذهب، والأستاذ الشيخ عبد الكريم سلمان أحد

قضاة المحكمة الشرعية العليا من أمهر القضاة، وهو شافعي المذهب، بل نقول:

إن العلماء كانوا يقولون أن من برع في علم من العلوم يمكن أن يهتدي به إلى سائرها

ولهم في هذا آثار مشهورة، وقد رأيت في فاتحة كتاب (أقضية الرسول) صلى الله

عليه وسلم للعلامة أبي عبد الله محمد بن فرج المالكي ما نصه: (واتفق مالك

والشافعي وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى على أنه لا يجوز لحاكم أن يحكم بين الناس

حتى يكون عالمًا بالحديث والفقه معًا مع عقل وورع، وكان مالك رحمه الله يقول في

الخصال التي لا يصلح القاضي إلا بها: لا أراها اليوم تجتمع في أحد، فإذا اجتمعت

في الرجل خصلتان رأيت أن يولّى العلم والورع، قال عبد الملك بن حبيب: فإن لم

يكن، فعقل وورع، فبالعقل يسأل، وبه تصلح خصال الخير كلها، وبالورع يعف،

وإن طلب العلم وجده، وإن طلب العقل إذا لم يكن فيه لم يجده) اهـ. وهو حجة

للأستاذ صاحب التقرير في تحتيمه اختبار جميع موظفي المحاكم في سيرتهم وأخلاقهم

لا في الفقه فقط بالنسبة للقضاة ، والكتابة فحسب بالنسبة للكتاب، وقد صرح في

كتاب (الأحكام السلطانية) بأنه: (يجوز لمن اعتقد مذهب الشافعي رحمه الله

أن يقلد القضاء من اعتقد مذهب أبي حنيفة) إلخ، وقد طلب أهل السليمانية، وكلهم

شافعية من مولانا السلطان عبد الحميد خان أن يولي عليهم قاضيًا من أهل مذهبهم،

ففعل.

(الأمر الثالث) أن تؤلف لجنة من العلماء لاستخراج كتاب في أحكام

المعاملات الشرعية ينطبق على مصالح الناس في هذا العصر، لا سيما الأحكام التي

هي من خصائص المحاكم الشرعية يكون سهل العبارة لا خلاف فيه كما عملت الدولة

العلية في مجلة (الأحكام العدلية) ولا يكون هذا الكتاب وافيًا بالغرض واقيًا

للمصالح إلا إذا أخذت الأحكام من جميع المذاهب الإسلامية المعتبرة؛ ليكون اختلافهم

رحمة للأمة، ولا يلزم من هذا التلفيق الذي يقول الجمهور ببطلانه كما لا يخفى.

وقد أشير في صفحتي 38 و 40 من التقرير إلى عدم التقيد بالمذهب الحنفي،

وتوهم بعض الناس أن هذا يمس حقوق مولانا الخليفة، وأن الأحكام بغير مذهب

الحنفية لا تصح، ولا تنفذ لهذا، ونجيب عنه بأمور:

(1)

جاء في كتاب (الأحكام السلطانية) ما نصه: (فلو شرط المولّي،

وهو حنفي أو شافعي على من ولاه القضاء أن لا يحكم إلا بمذهب الشافعي أو أبي

حنيفة، فهذا على ضربين عمومًا، أحدهما: أن يشترط ذلك في جميع الأحكام،

فهذا شرط باطل سواء كان موافقًا لمذهب المولي أو مخالفًا له، وأما صحة

الولاية، فإن لم يجعله شرطًا فيها وأخرجه مخرج الأمر أو مخرج النهي، وقال:

قد قلدتك القضاء فاحكم بمذهب الشافعي رحمه الله، على وجه الأمر، أو: لا تحكم

بمذهب أبي حنيفة، على وجه النهي - كانت صحيحة، والشرط فاسدًا سواء تضمن

أمرًا أو نهيًا، ويجوز أن يحكم بما أداه إليها اجتهاده سواء وافق شرطه أو خالفه

ويكون اشتراط المولي لذلك قدحًا فيه إن علم أنه اشترط ما لا يحوز، ولا يكون قدحًا

إن جهل، لكن لا يصح مع الجهل أن يكون موليًا لا واليًا، فإن أخرج ذلك مخرج

الشرط في عقد الولاية، فقال: قد قلدتك القضاء على أن لا تحكم فيه إلا بمذهب

الشافعي، أو بقول أبي حنيفة - كانت الولاية باطلة؛ لأنه عقدها على شرط فاسد ،

وقال أهل العراق: تصح الولاية ويبطل الشرط) اهـ المراد منه.

(2)

لا يعدل عن مذهب الحنيفة إلا في الأحكام التي لا تنطبق على مصلحة

الناس في هذا العصر إذا حكم فيها بمذهبهم، وهذه حالة ضرورية أو حاجة

تنزل منزلة الضرورة، وبهذا الاعتبار تكون من مذهبهم؛ لأن الحكم الذي تمس إليه

الحاجة أو يضطر إليه يصير متفقًا عليه.

(3)

إن مذهب الحنيفة واسع متشعب جدًّا، بمعنى أن فيه كثيرًا من الأقوال

في كل مسألة حتى قال كثير من فقهائه: إنه لا يوجد قول لمجتهد في مسألة إلا

وهو موجود في مذهبنا لأحد أئمتنا أو مشايخنا، ولو ضعيفًا، ومن المقرر عندهم

أيضًا أن القول الضعيف يقوى بأمر الإمام بالعمل به، وقد ألفت لجنة من العلماء

مجلة (الأحكام العدلية) وأخذوا فيها ببعض الأحكام التي لا تصح في مذهب الإمام

أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - ولكنها صحت في مذهب غيره، وقالوا: إنها

وافقت أقوالاً ضعيفا لعلماء الحنفية تقوّت بأمر السلطان، ووجب الحكم بها.

وإذا ألف علماء الأزهر الكتاب الذي اقترحه فضيلة مفتي الديار المصرية في

هذا التقرير، ولم يجدوا الوجهين اللذين قبل هذا كافيين لجواز الحكم بموجبه، فيمكن

طلب صدور الأمر به من السلطان أو نائبه إذا كان له هذا الحق، ولا يمكن أن مولانا

السلطان عبد الحميد أو سموّ عزيز مصر الحالي يتوقفان في أمر رأى أكابر علماء

الأزهر أن فيه صيانة مصالح المسلمين وحفظ حقوقهم.

هذا ما أردت التنبيه عليه في هذه المقدمة، وأسأل الله تعالى أن يوفق رؤساءنا

من الحكام والعلماء إلى ما فيه خير الأمة، إنه سميع مجيب.

_________

ص: 758