المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكاتب: أبو حامد الغزالي - مجلة المنار - جـ ٢

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (2)

- ‌28 شوال - 1316ه

- ‌خطاب وعظي للإنسان

- ‌الإيثار

- ‌التربية والتعليم

- ‌الحوادث والأخبار التاريخية

- ‌6 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإيثار

- ‌الحبالى وتربية الأجنة(1)

- ‌التعليم بالعمل

- ‌ما قيل في الخال

- ‌الجامع الأزهر الشريف

- ‌الأخبار والآراء

- ‌13 ذو القعدة - 1316ه

- ‌تأثير العلم في العمل

- ‌أيها الفتى

- ‌أخبار الحجاج

- ‌اعتذار

- ‌20 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الاتحاد

- ‌اختيار المعلمين

- ‌الحدود بين القطر المصري والسودان

- ‌27 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌تأثير الوعظ والتذكير

- ‌عبرة لمن يعقل

- ‌إحصاء الأوقاف

- ‌تنازع الدول الأوربيةعلى الممالك الإسلامية

- ‌5 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌عداء وخداع

- ‌الجمعية الإسلامية الهندية في لاهور

- ‌19 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الأعياد

- ‌الساكت عن الحق شيطان أخرس

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌26 ذو الحجة - 1317ه

- ‌التعليم القضائي

- ‌المتكلمة بالقرآن

- ‌مقتطفات

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌3 محرم - 1317ه

- ‌الاعتماد على النفس

- ‌استنهاض همم(2)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌10 محرم - 1317ه

- ‌التصرف في الكون

- ‌استنهاض همم(3)

- ‌التربية النفسية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌17 محرم - 1317ه

- ‌حياة الإسلام في مصر

- ‌استنهاض همم(4)

- ‌الطاعون واتقاؤه

- ‌كتاب تحرير المرأة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌24 محرم - 1317ه

- ‌استنهاض همم(5)

- ‌التربية النفسية

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مسألة القضاء الحاضرة

- ‌2 صفر - 1317ه

- ‌العز والذل

- ‌استنهاض همم(6)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌9 صفر - 1317ه

- ‌فهم الدين

- ‌استنهاض همم(7)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار

- ‌16 صفر - 1317ه

- ‌كتاب الدروس الحكمية للناشئة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(8)

- ‌مراكش

- ‌ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ [[

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مقتطفات الأخبار

- ‌23 صفر - 1317ه

- ‌النهضة الإسلامية في مصر

- ‌استنهاض همم(9)

- ‌إزالة شبهة

- ‌اختبار علم كل عارفمن ألباء أرباب المعارف

- ‌وفاة

- ‌29 صفر - 1317ه

- ‌استنهاض همم(10)

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أرزاء وطنية

- ‌يستحيل إرضاء الناس

- ‌ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى [[

- ‌7 ربيع الأول - 1317ه

- ‌كان يا ما كان(2)

- ‌استنهاض همم(11)

- ‌الكتابان الجليلان

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الاحتفال بتذكارالمولد النبوي الشريف

- ‌14 ربيع الأول - 1317ه

- ‌المولد النبوي

- ‌كان يا ما كان(3)

- ‌استنهاض همم(12)

- ‌مَضَارُّ الْغِلْظَةِ فِي التَّرْبِيَة

- ‌تأييد عالم وتفنيد واهم

- ‌شعر في حب العلم

- ‌21 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الحياة المِلِّية

- ‌كان يا ما كان(4)

- ‌استنهاض همم(13)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مدرسة الجمعية الخلدونية

- ‌إحصاء عن عدد سكان أوربا

- ‌28 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الجنسية والدين الإسلامي

- ‌كان يا ما كان(5)

- ‌استنهاض همم(14)

- ‌تعليم النساء

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌5 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(15)

- ‌حقوق الجار ومدح المناربما يبديه من هدي الكبار

- ‌الإسلام في البرازيل

- ‌12 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الدين والدولةأو الخلافة والسلطنة

- ‌كان يا ما كان(6)

- ‌خاتمة رسالةاستنهاض همم

- ‌تنبيه

- ‌دم أضاعه أهله

- ‌عناصر النمسا

- ‌19 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌كلمة في الحجاب

- ‌تهنئة الأستاذ المفتي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌26 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌تحريف الكلم عن مواضعه

- ‌الحديث الموضوع

- ‌الاحتفال بعيد الجلوس الهمايوني

- ‌كتاب من أحد الفضلاء في بتاوي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌3 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(3)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌10 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(4)

- ‌الوثنية في الإسلام

- ‌نجاح الجمعيات الإسلامية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌17 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌ماذا نعمل

- ‌المسلمون في روسيا

- ‌الأميرة الفاضلة صاحبة الدولةالبرنسس نازلي هانم أفندي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌24 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌2 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌رد على باحث في كتابسر تقدم الإنكليز السكسونيين

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌شذرات

- ‌9 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أخبار وآراء

- ‌16 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌فلسفة الحرب الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الشكوى من ظلم هولندا

- ‌وفاة والدة عبد الحليم أفندي حلمي

- ‌23 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌ذكرى لرؤساء الأمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌شكر

- ‌30 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌الفرصتان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌عودة الخديوي وأسرته

- ‌منع جريدة المشير

- ‌المدرسة العثمانية

- ‌إزالة وهم تاريخي

- ‌بعض التفصيل

- ‌6 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بدع رجب

- ‌14 رجب - 1317ه

- ‌مناشير المهدي السوداني

- ‌فائدة الانتقاد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌21 رجب - 1317ه

- ‌عزاء

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بضعة أيام في خدمةجمعية شمس الإسلام

- ‌إصلاح غلط

- ‌28 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الدولة العلية في أفريقية

- ‌مساجد الصعيد

- ‌6 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأسطول الفرنساوي

- ‌رزء وطني عظيم

- ‌كنسة الإمام

- ‌13 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المنار والمناظر

- ‌السيول الجارفة

- ‌الجغرافيا والحرب

- ‌20 شعبان - 1317ه

- ‌الشريعة والطبيعةوالحق والباطل

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌عيد المولد الهمايوني

- ‌العالم الإسلامي

- ‌الحرب الحاضرة

- ‌27 شعبان - 1317ه

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌5 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار والآراء

- ‌12 رمضان - 1317ه

- ‌اقتراح على السادة العلماءفي تقويم اعوجاج الوعّاظ والخطباء

- ‌الصيام والتمدن(2)

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌مأثرة لجمعية شمس الإسلام

- ‌19 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌26 رمضان - 1317ه

- ‌الزكاة والتمدن(2)

- ‌الاقتراح على المنار

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌ذم الهوى

- ‌الأخبار والآراء

- ‌المسجد الحسيني

- ‌10 شوال - 1317ه

- ‌طفولية الأمّةوما فيها من الحيرة والغمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الاجتماع العامفي جمعية شمس الإسلام

- ‌الأخبار والآراء

- ‌17 شوال - 1317ه

- ‌الحيرة والغمة ومناشئهما في الأمة

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌جمعية شمس الإسلامفي القاهرة

- ‌الأمراء والعلماء

- ‌أفكوهة غريبة

- ‌خاتمة السنة الثانية للمنار

الفصل: الكاتب: أبو حامد الغزالي

الكاتب: أبو حامد الغزالي

‌حقوق الأخوة

(3)

كنا شرعنا في بيان حقوق الأخوة والصداقة ملخصة من الإحياء، فذكرنا منها

حَقَّين، وهما المتعلقان بالنفس والمال، وحالت كثرة المواد دون شرح سائر الحقوق

(وهي ستة) فكففنا عنها ناوين الرجوع إليها عند سنوح الفرصة، وقد سنحت

الآن، فنقول:

(الحق الثالث) في اللسان بالسكوت مرة، وبالنطق أخرى، أما السكوت

فهو أن يسكت عن ذكر عيوبه في غيبته وحضرته، بل يتجاهل عنه ويسكت عن

الرد عليه فيما يتكلم به، وأن لا يماريه ولا يناقشه، وأن يسكت عن التجسس

والسؤال عن أحواله، وإذا رآه في طريق أو حاجة ولم يفاتحه بذكر غرضه من

مصدره ومورده لا يسأله عنه، فربما يثقل عليه ذكره، أو يحتاج إلى أن يكذب فيه

وليسكت عن أسراره التي بثها إليه، ولا يبثها إلى غيره ألبتة، ولا إلى أخص

أصدقائه، ولا يكشف شيئًًًا منها، ولو بعد القطيعة والوحشة؛ فإن ذلك من لؤم الطبع

وخبث الباطن، وأن يسكت عن القدح في أحبابه وأهله وولده، وأن يسكت عن

حكاية قدح غيره فيه، فإن الذي سَبَّك مَن بَلَّغَك، وقال أنس: كان صلى الله عليه

وسلم لا يواجه أحدًا بما يكرهه، والتأذي يحصل أولاً من المُبَلِّغ ثم من القائل، نعم

لا ينبغي أن يخفي ما يسمع من الثناء عليه، فإن السرور يحصل من المُبَلِّغ ثم من

القائل، وإخفاء ذلك من الحسد.

وبالجملة: فليسكت عن كل كلام يكرهه - جملة وتفصيلاً - إلا إذا وجب عليه

النطق بأمر بمعروف أو نهي عن منكر، ولم يجد رخصة في السكوت، فإذ ذاك لا

يبالي بكراهته، فإن ذلك إحسان إليه في التحقيق، وإن كان يظن أنه إساءة في

الظاهر، وأما ذكر مساويه وعيوبه ومساوي أهله فهو من الغيبة المحرمة، ويزجرك

عنه أمران (أحدهما) أن تطالع أحوال نفسك، فإن وجدت فيها شيئًا مذمومًا فهوِّن

على نفسك ما تراه من أخيك، وقَدِّر أنه عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة، كما

أنك عاجز عما أنت مُبتلى به، ولا تستثقله بخصلة واحدة مذمومة، فأي الرجال

المهذب، وكل ما لا تصادفه من نفسك في حق الله، فلا تنتظره من أخيك في حق

نفسك، فليس حقك عليه بأكثر من حق الله عليك، و (الأمر الثاني) إنك تعلم أنك

لو طلبت مُنَزَّهًا عن كل عيب اعتزلت عن الخلق كافة، ولن تجد من تصاحبه أصلاً،

فما من أحد من الناس إلا وله محاسن ومساوٍ، فإذا غلبت المحاسن على المساوي

فهو الغاية والمنتهى، فالمؤمن الكريم أبدًا يحضر في نفسه محاسن أخيه لينبعث من

قلبه التوقير والود والاحترام، وأما المنافق اللئيم، فإنه أبدًا يلاحظ المساوي

والعيوب، قال ابن المبارك: المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات،

وقال الفضيل: الفتوة العفو عن زلات الإخوان، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:

استعيذوا بالله من جار السوء الذي إن رأى خيرًا ستره، وإن رأى شرًّا أظهره، وما

من شخص إلا ويمكن تحسين حاله بخصال فيه، ويمكن تقبيحه أيضًا، روي أن

رجلاً أثنى على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان من الغد ذَمَّه،

فقال عليه السلام: أنت بالأمس تثني عليه واليوم تذمه؟ فقال: والله لقد صدقت

عليه بالأمس وما كذبت عليه اليوم، أرضاني بالأمس فقلت أحسن ما علمت فيه،

وأغضبني اليوم فقلت أقبح ما علمت فيه، فقال عليه السلام: إن من البيان لسحرًا [1]

وكأنه كره ذلك، فشبهه بالسحر، ولذلك قال في خبر آخر: البذاء والبيان

شعبتان من النفاق، وفي حيث آخر:(إن الله يكره لكم البيان كل البيان)[2] ، ولذلك

قال الشافعي رحمه الله: ما أجد من المسلمين مَن يطيع الله عز وجل فلا

يعصيه، ولا أحد يعصي الله عز وجل فلا يطيعه، فمن كان طاعاته أغلب من

معاصيه فهو عدل، وإذا جعل مثل هذا عدلاً في حق الله، فلئن تراه عدلاً في حق

نفسك، ومقتضى أخوتك أولى، وكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساويه يجب

عليك السكوت بقلبك، وذلك بترك إساءة الظن، فسوء الظن غيبة بالقلب، وهو

منهي عنه أيضًا، وحَدّه أن لا تحمل فعله على وجه فاسد ما أمكن أن تحمله على

وجه حسن، فأما ما انكشف بيقين ومشاهدة، فلا يمكنك أن لا تعلمه، وعليك أن

تحمل ما تشاهد على سهو ونسيان إن أمكن وهذا الظن ينقسم إلى ما يسمى تفَرُّسًا،

وهو الذي يستند إلى علامة، فإن ذلك يحرك الظن تحريكًا ضروريًّا لا يقدر على

دفعه، وإلى ما منشؤه سوء اعتقادك فيه، حتى إذا صدر منه فعل له وجهان فيحملك

سوء الاعتقاد فيه أن تنزله على الوجه الأردأ من غير علامة تخصه بها، وذلك

جناية عليه بالباطن، وذلك حرام في حق كل مؤمن، إذ قال صلى الله عليه وسلم: إن

الله حرم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه، وأن يظن به ظن السوء

(هو في مسلم بلفظ آخر) وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن

أكذب الحديث، أي حديث النفس. وسوء الظن يدعو إلى التجسس والتحسس، وقال

صلى الله عليه وسلم في تتمة الحديث الذي ذُكِر آنفًا: ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا

تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا

يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك. رواه مالك وأحمد والشيخان

والترمذي، والتجسس يكون في تطلع الأخبار، وتعرف الأسرار بالواسطة،

والتحسس يكون بالمراقبة بالعين، واستراق السمع بالنفس لا بالواسطة، والتناجش

هو أن تستام السلعة بأكثر من ثمنها ليراك الآخر فيقع فيها، فستر العيوب

والتجاهل والتغافل عنها شيمة أهل الدين، وقد وُصف الله تعالى بالستر والتجاوز

والمَرضيّ عنده التخلق بأخلاقه، فإذا كنت تحب أن يرضى فيتجاوز عنك فتجاوز

أنت عمن هو مثلك أو فوقك، وما هو بكل حال عبدك ولا مملوكك. وقد روي أن

عيسى عليه السلام، قال للحواريين: كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائمًا، وقد

كشفت الريح ثوبه عنه، قالوا: نستره ونغطيه، قال: بل تكشفون عورته، قالوا:

سبحان الله! من يفعل هذا؟ فقال: أحدكم يسمع الكلمة في أخيه فيزيد عليها،

ويشيعها بأعظم منها.

واعلم أنه لا يتم إيمان المرء ما لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، كما ورد في

الصحيحين وغيرهما، وأقل درجات الأخوة أن يعامل أخاه بما يحب أن يعامله به

ولا شك أنه ينتظر منه ستر العورة والسكوت على المساوي والعيوب ولو ظهر منه

نقيض ما ينتظره اشتد عليه غيظه وغضبه، فما أبعده عن الإنصاف إذا كان ينتظر

منه ما لا يضمره له، ولا يعزم عليه لأجله، وويل له بنص كتاب الله تعالى حيث

قال: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوَهُمْ أَو

وَزَنُوَهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين: 1-3) وكل من يلتمس من الإنصاف أكثر مما

تسمح به نفسه، فهو داخل تحت مقتضى هذه الآية، ومنشأ التقصير في ستر العورة

أو السعي في كشفها الداء الدفين في الباطن، وهو الحقد والحسد؛ فإن الحقود

الحسود يملأ بطنه بالخبث، ولكن يحبسه في باطنه ويخفيه ولا يبديه مهما لم يجد له

مجالاً، وإذا وجد فرصة انحلت الرابطة وارتفع الحياء، ويترشح الباطن بخبثه

الدفين، ومهما انطوى الباطن على حقد وحسد فالانقطاع أولى، قال بعض الحكماء:

(ظَاهِرُ العِتَاب خَيْرٌ مِنْ مَكْنُونِ الحِقْدِ، ولا يزيد لُطف الحقود إلا وحشة منه،

ومَنْ في قلبه سخيمة على أخيه فإيمانه ضعيف، وأمره مخطر، وقلبه خبيث لا

يصلح للقاء الله تعالى) اهـ بتصرف

(له بقية)

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

الحديث عند أحمد والبخاري وأبي داود والترمذي، وسببه أنه لما جاء وفد تميم كان فيهم الزبرقان وعمرو بن الأهتم، فخطبا ببلاغة وفصاحة، ثم قال الزبرقان: يا رسول الله، أنا سيد بني تميم، والمطاع فيهم، والمجاب لديهم، أمنعهم من الظلم، وآخذ بحقوقهم، وهذا يعلم ذاك، فقال عمرو: إنه شديد المعارضة، مانع لجانبه، مطاع في أذينه، فقال الزبرقان: والله لقد علم مني أكثر مما قال، وما منعه أن يتكلم إلا الحسد، فقال عمرو: أنا أحسدك؟ فوالله إنه للئيم الحال، حديث المال، ضعيف الطعن، أحمق الولد، والله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولاً، وما كذبت فيما قلت أخرًا، ولكني رجل إن أُرضيت قلت أحسن ما علمت، وإن أغضبت قلت أقبح ما وجدت، ولقد صدقت في الأولى والأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحرًا.

(2)

هذا الحديث رواه ابن السني وهو ضعيف، والذي قبله رواه الترمذي وحسنه، والمراد بالبيان المذموم: بيان الخلابة الذي يُري الحق باطلاً والباطل حقًّا، فينخدع به الناس.

ص: 407

الكاتب: محمد رشيد رضا

تقريظ وانتقاد

(التاريخ الأثري من القرآن الشريف)

كُتَيّب ألفه حديثًا الكاتب الأديب مصطفى أفندي الدمياطي المشهور فضله بما له

من الآثار القلمية في الجرائد، ويدل اسمه على أنه جمع ما جاء في القرآن الكريم

من قصص الأنبياء وأحوال الأمم، وبيَّنها بما لا يخرج عن معنى القرآن، وذكر في

فاتحة الكتاب أن الذي حمله على هذا التأليف هو مساعدة أهل النهضة العلمية

الحديثة على التربية الدينية، فقد قال فيها بعد تعظيم شأن الدين ما نصه: (فضلاً

عن ذلك، فقد قص المولى سبحانه وتعالى قصصًا شتى في الكتاب العزيز تكفي

لتربية العقول وتأصيل الاعتقاد به وبصفاته الكمالية، فكم في قصص الأنبياء عليهم

الصلاة والسلام من مرشد إلى حسن أخلاقهم وقوة جأشهم، وسعيهم في هداية الخلق

وتعليمهم أساليب التوحيد بما يحث على التمسك بالفضائل، ويحض على الكمالات

ذلك هو السبب الذي حملني على جمع هذا الكتاب بمثل هذا الأسلوب النافع، لعلي

أقوم ببعض الواجب علىّ نحو وطني العزيز) اهـ

وهذا الغرض كما ترى من أشرف الأغراض لو وفَّاه الكُتاب حقه، وأذكر أنني

ما قرأت القرآن من بضع سنين إلا وتمنيت لو كان له تفسير يجمع الآيات المنزلة

في كل مقصد على حدتها ويفسرها؛ فيكون للتوحيد والعقائد باب، وللأخلاق

والمواعظ باب، وللأحكام باب، وللقصص باب، ويذكر في كل قصة جميع ما جاء

فيها، ويبين الحكمة في تكرار المكرر إلخ ما لا محل هنا لشرحه، ولقد كنت عندما

تناولت هذا المؤلف الجديد حسبت أنه وفَّى ببعض مطلبي، ولما تصفحته ألفيته على

خلاف الحسبان، بل وجدت أن اسمه لم ينطبق على مسماه، وأنه ما وفَّى بالغرض

الذي أشار إليه في فاتحته، فإن الآيات التي أوردها لم يفسرها ويبين بعض ما فيها

من الحكم ووجوه الاعتبار، إلا أنه فسر بعض المفردات في ذيول الصحائف، وما

كان في الكتاب من كلام المؤلف فأكثره مأخوذ من الإسرائيليات وكتب القصص التي

لا يعول عليها عند المسلمين، وقد عاب العلماء المحققون كتب التفسير التي تشتمل

على هذه القصص، وحظروا قراءتها وكتابتها، وقد حوى هذا الكتاب على

اختصاره جميع ضروب الخطأ التي في تلك الكتب المطولة، فمن ذلك:

...

(1)

تحديده تاريخ الخليقة والأنبياء، وزعمه تبعًا للإسرائيليات أن تاريخ

الخليقة يبتدئ من سنة 4963 قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وهذا الزعم يكذبه

القرآن بمثل قوله: {مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} (الكهف: 51) ويكذبه علم الجيولوجيا الذي يدل على أن العالم وجد منذ ملايين

كثيرة من السنين، ويكذبه علم الآثار القديمة أيضًا، ومنه:

(2)

ما ينافي العقيدة الدينية، كقوله في الصفحة 48: (وأمات الله أولاد

أيوب عن آخرهم، وابتلاه بالمرض، إلى أن انتثر لحمه، وامتلأ جسده دودًا،

وجفاه الناس، وأخرجه أهل القرية إلى الخلاء، ولم يطق أحد شم ريحه إلا زوجته

فصبر وشكر) اهـ

والذي عليه المسلمون، لا سيما أهل السنة منهم، أن الله تعالى حفظ الأنبياء

من العاهات المنفرة للطباع؛ لأنها منافية لحكمة التبليغ، وقالوا: (إن هذا من

أصول الإيمان الواجب اعتقادها وتكذيب من خالفها) ومنه:

(3)

قوله في صفحة 78: (وعلم يونس بالأمر، فذهب مغاضبًا ربه)

والصواب أنه غاضَب قومه، لا ربه، ومنه:

(4)

إيراد ما لا يصح في السنة كحديث إن هذا أخي ووصيي وخليفتي

فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، يعني عليًّا رضي الله عنه، انظر صفحة 92.

وفي الكتاب خطأ وغلط وراء ما ذكرنا، وغير الأخبار التاريخية التي لا دليل

عليها من القرآن ولا من السنة، وهذه الأخبار كثيرة ربما تناهز المائة، كقوله في

صفحة 31 في إسماعيل عليه السلام: (تزوج بامرأة من جُرهم، وأولادها

أولاده الذين كانت منهم العرب) والصواب أن العرب أمة قديمة كانت قبل

إسماعيل، ويقال لأولاد إسماعيل منهم العرب المستعربة.

وكإدخاله في آية قرآنية ما ليس منها حيث كتب في صفحة 76 ما صورته

(وأذن سليمان بإحضار العرش، فلما رآه مستقرًّا عنده قال: هذا من فضل ربي

ليبلوني أأشكر إذ آتاني به قبل أن يرتد إليّ طرفي) اهـ

فما بعد لفظ (أأشكر) ليس من الآية، وكأنه كان يكتب الآيات من كتاب

تفسير امتزج عند هذه الآية فيه الأصل بالتفسير، أو نسي أن يضع شبه الضمتين

عند انتهاء كلمات القرآن، وكإيهامه بأن الصرح هو الذي اشتبه على ملكة سبأ

بعرشها، حيث قال بعد العبارة المذكورة آنفًا في أول صفحة 77 في ابتداء كلام ما

نصه: وأمر سليمان ببناء صرح للملكة، فبنوه من قوارير {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا

عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو} (النمل: 42) ثم قال بعد هذا في ابتداء كلام: (وأذن

لها بدخول الصرح) إلخ، وكان ينبغي أن يقدم آية (فلما جاءت..) على قوله:

وأمر سليمان ببناء صرح إلخ لينتفي اللبس من الكلام.

هذا وإننا لم نقرأ الكتاب كله بالتدقيق، ولم نحاول إحصاء كل ما ينتقد فيه،

وإنما توسعنا بعض التوسع في انتقاده لأمرين، أحدهما: أن مثل هذه الكتب التي

من شأنها أن تقرأ وينتفع بها إذا كانت نافعة يجب أن تنقح وتمحص، وآلة

التمحيص هي الانتقاد دون سواه، ثانيهما: أننا نعلم أن حضرة المؤلف من الرجال

المهذبين الذين يقدرون الانتقاد حق قدره، فيكون باعثًا لهم على زيادة الكمال،

والمنتظر من عاقل مثله أن يعد انتقادنا من العناية بكتابه، وأن يكون باعثًا له على

تهذيبه وتشذيبه، وما يتذكر إلا أولو الألباب.

***

قصيدة من مديح الأستاذ صفوة المحققين ونابغة اللغويين، الشيخ محمد محمود

التركزي الشنقيطي من نظم الأديب محمود أفندي خاطر أحد موظفي نظارة المالية:

مثلت بالعرب جدًّا

ونلت بالجد جدًّا

وما عرفناك إلا

إمام علم مبدّى

وما سمعنا لسانًا

يقول قولك قصدًا

وما رأينا صحاحًا

بغير إذنك تهدى

ولا قرأنا عبابًا

يمد مثلك مدًّا

وأن نعمة ربي

لصفوة الخلق تسدى

وقد سرى لك منها

جمع به صرت فردًا

لا في العراق نظير

تراه يومًا تبدى

ولا ببغداد، كَلاّ

يلتمس الناس ندًّا

وليس يأوي ببصرى

وليس يسكن نجدًا

أهل الحجاز جميعًا

فاهوا بحمدك جدًّا

أمير مكة فخرًا

قد عد علمك مجدًا

أيام لم يجدن فيها

لك في العلم بدًّا

أيام أبرزت علمًا

على ذوي الجهل ردًّا

في كل قطر ومصر

يفوح مدحك ندًّا

بالحق ما أنت إلا

جسم من العلم يندى

أرسل علومك تبغي

من الأماجد جندًا

يأتوك طلاب علم

ولن يخافوا مردًّا

ومن تصدى لعلم

أفنى الليالي كدًّا

يستسهل الصعب حتى

ينال بالسعي سعدًا

وشيخنا التركزي قد

مهد للعلم مهدًا

فلا يصغِّر خلاًّ

ولا يُصَعِّر خدًّا

ولا يحقر قولاً

ولا يصدن صدًّا

فما علمنا عليه

شيئًا لذلك ضدًا

وقد سردنا قليلاً

من مكرماتك سردًا

أما الكثير فشيء

كالنمل والرمل عدًّا

وأنت في البر بحر

لم نستبن لك حدًّا

_________

ص: 410