المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكاتب: محمد رشيد رضا - مجلة المنار - جـ ٢

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (2)

- ‌28 شوال - 1316ه

- ‌خطاب وعظي للإنسان

- ‌الإيثار

- ‌التربية والتعليم

- ‌الحوادث والأخبار التاريخية

- ‌6 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإيثار

- ‌الحبالى وتربية الأجنة(1)

- ‌التعليم بالعمل

- ‌ما قيل في الخال

- ‌الجامع الأزهر الشريف

- ‌الأخبار والآراء

- ‌13 ذو القعدة - 1316ه

- ‌تأثير العلم في العمل

- ‌أيها الفتى

- ‌أخبار الحجاج

- ‌اعتذار

- ‌20 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الاتحاد

- ‌اختيار المعلمين

- ‌الحدود بين القطر المصري والسودان

- ‌27 ذو القعدة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌تأثير الوعظ والتذكير

- ‌عبرة لمن يعقل

- ‌إحصاء الأوقاف

- ‌تنازع الدول الأوربيةعلى الممالك الإسلامية

- ‌5 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الإصلاح الإسلامي

- ‌عداء وخداع

- ‌الجمعية الإسلامية الهندية في لاهور

- ‌19 ذو الحجة - 1316ه

- ‌الأعياد

- ‌الساكت عن الحق شيطان أخرس

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌26 ذو الحجة - 1317ه

- ‌التعليم القضائي

- ‌المتكلمة بالقرآن

- ‌مقتطفات

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌3 محرم - 1317ه

- ‌الاعتماد على النفس

- ‌استنهاض همم(2)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌10 محرم - 1317ه

- ‌التصرف في الكون

- ‌استنهاض همم(3)

- ‌التربية النفسية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌17 محرم - 1317ه

- ‌حياة الإسلام في مصر

- ‌استنهاض همم(4)

- ‌الطاعون واتقاؤه

- ‌كتاب تحرير المرأة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌24 محرم - 1317ه

- ‌استنهاض همم(5)

- ‌التربية النفسية

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مسألة القضاء الحاضرة

- ‌2 صفر - 1317ه

- ‌العز والذل

- ‌استنهاض همم(6)

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌9 صفر - 1317ه

- ‌فهم الدين

- ‌استنهاض همم(7)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار

- ‌16 صفر - 1317ه

- ‌كتاب الدروس الحكمية للناشئة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(8)

- ‌مراكش

- ‌ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ [[

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مقتطفات الأخبار

- ‌23 صفر - 1317ه

- ‌النهضة الإسلامية في مصر

- ‌استنهاض همم(9)

- ‌إزالة شبهة

- ‌اختبار علم كل عارفمن ألباء أرباب المعارف

- ‌وفاة

- ‌29 صفر - 1317ه

- ‌استنهاض همم(10)

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أرزاء وطنية

- ‌يستحيل إرضاء الناس

- ‌ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى [[

- ‌7 ربيع الأول - 1317ه

- ‌كان يا ما كان(2)

- ‌استنهاض همم(11)

- ‌الكتابان الجليلان

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الاحتفال بتذكارالمولد النبوي الشريف

- ‌14 ربيع الأول - 1317ه

- ‌المولد النبوي

- ‌كان يا ما كان(3)

- ‌استنهاض همم(12)

- ‌مَضَارُّ الْغِلْظَةِ فِي التَّرْبِيَة

- ‌تأييد عالم وتفنيد واهم

- ‌شعر في حب العلم

- ‌21 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الحياة المِلِّية

- ‌كان يا ما كان(4)

- ‌استنهاض همم(13)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌مدرسة الجمعية الخلدونية

- ‌إحصاء عن عدد سكان أوربا

- ‌28 ربيع الأول - 1317ه

- ‌الجنسية والدين الإسلامي

- ‌كان يا ما كان(5)

- ‌استنهاض همم(14)

- ‌تعليم النساء

- ‌الشعر العصري

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌5 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌استنهاض همم(15)

- ‌حقوق الجار ومدح المناربما يبديه من هدي الكبار

- ‌الإسلام في البرازيل

- ‌12 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌الدين والدولةأو الخلافة والسلطنة

- ‌كان يا ما كان(6)

- ‌خاتمة رسالةاستنهاض همم

- ‌تنبيه

- ‌دم أضاعه أهله

- ‌عناصر النمسا

- ‌19 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌كلمة في الحجاب

- ‌تهنئة الأستاذ المفتي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌26 ربيع الثاني - 1317ه

- ‌تحريف الكلم عن مواضعه

- ‌الحديث الموضوع

- ‌الاحتفال بعيد الجلوس الهمايوني

- ‌كتاب من أحد الفضلاء في بتاوي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌3 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(3)

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌10 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌حقوق الأخوة(4)

- ‌الوثنية في الإسلام

- ‌نجاح الجمعيات الإسلامية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌17 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌ماذا نعمل

- ‌المسلمون في روسيا

- ‌الأميرة الفاضلة صاحبة الدولةالبرنسس نازلي هانم أفندي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌24 جمادى الأولى - 1317ه

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌2 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌رد على باحث في كتابسر تقدم الإنكليز السكسونيين

- ‌القسم الثانيمن خطبتنا في التربية

- ‌شذرات

- ‌9 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أخبار وآراء

- ‌16 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌فلسفة الحرب الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الشكوى من ظلم هولندا

- ‌وفاة والدة عبد الحليم أفندي حلمي

- ‌23 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌ذكرى لرؤساء الأمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌شكر

- ‌30 جمادى الآخرة - 1317ه

- ‌الفرصتان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أهم أخبار الحرب

- ‌عودة الخديوي وأسرته

- ‌منع جريدة المشير

- ‌المدرسة العثمانية

- ‌إزالة وهم تاريخي

- ‌بعض التفصيل

- ‌6 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بدع رجب

- ‌14 رجب - 1317ه

- ‌مناشير المهدي السوداني

- ‌فائدة الانتقاد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌21 رجب - 1317ه

- ‌عزاء

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌بضعة أيام في خدمةجمعية شمس الإسلام

- ‌إصلاح غلط

- ‌28 رجب - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الدولة العلية في أفريقية

- ‌مساجد الصعيد

- ‌6 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأسطول الفرنساوي

- ‌رزء وطني عظيم

- ‌كنسة الإمام

- ‌13 شعبان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المنار والمناظر

- ‌السيول الجارفة

- ‌الجغرافيا والحرب

- ‌20 شعبان - 1317ه

- ‌الشريعة والطبيعةوالحق والباطل

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌عيد المولد الهمايوني

- ‌العالم الإسلامي

- ‌الحرب الحاضرة

- ‌27 شعبان - 1317ه

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌5 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار والآراء

- ‌12 رمضان - 1317ه

- ‌اقتراح على السادة العلماءفي تقويم اعوجاج الوعّاظ والخطباء

- ‌الصيام والتمدن(2)

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌مأثرة لجمعية شمس الإسلام

- ‌19 رمضان - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌26 رمضان - 1317ه

- ‌الزكاة والتمدن(2)

- ‌الاقتراح على المنار

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌ذم الهوى

- ‌الأخبار والآراء

- ‌المسجد الحسيني

- ‌10 شوال - 1317ه

- ‌طفولية الأمّةوما فيها من الحيرة والغمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الاجتماع العامفي جمعية شمس الإسلام

- ‌الأخبار والآراء

- ‌17 شوال - 1317ه

- ‌الحيرة والغمة ومناشئهما في الأمة

- ‌تقرير فضيلة مفتي الديار المصريةفي إصلاح المحاكم الشرعية

- ‌جمعية شمس الإسلامفي القاهرة

- ‌الأمراء والعلماء

- ‌أفكوهة غريبة

- ‌خاتمة السنة الثانية للمنار

الفصل: الكاتب: محمد رشيد رضا

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌التعليم القضائي

بينا في نبذة سابقة أن مُثْلَى طرائق التعليم هي التعليم بالعمل، وذلك إجمال لو

فُصل ببيان كيفياته بالنسبة إلى كل علم وفن - لاحتاج إلى مجلدات كثيرة، ولكن

العالِم بفن من الفنون تكفيه الإشارة؛ لأنه مهما كان جاهلاً بطريقة التعليم وغير

عامل بعلمه فلا بد أن يكون عالمًا بكيفية العمل وما عليه في تحصيل المَلَكَة إلا أن

يزاول العمل مرة بعد أخرى، وكلما مضى فيه سهل عليه حتى يصير بغير تكلف.

وهو ما يعبر عنه بالملكة.

ونريد الآن أن نقول كلمة في التعليم القضائي بالعمل وهي: يعلم القراء أن

الحكومة المصرية تحاول في هذه الأيام إصلاح المحاكم الشرعية بناءً على ما جاء

في (تقرير المستشار القضائي) الإنكليزي من نسبة الخلل إليها، وتريد أن تبتدئ هذا

الإصلاح بتعيين قاضيين من قضاة محكمة الاستئناف الأهلية النظامية في المحكمة

الشرعية، يحضران الدعاوي المهمة. ويعلمون أن مجلس شورى القوانين رفض

هذا الاقتراح بناءً على فتوى شرعية صدرت من جانب سماحة قاضي القضاة

وفضيلة مفتي الديار المصرية وشيخ الأزهر، ملخصها: أنه ليس للحكومة المصرية

ولا لأمير البلاد الحق في نصب قاضٍ شرعي؛ لأن هذا خاص بالخليفة ونائبه الذي

هو في مصر قاضي القضاة، لا سمو الخديو، وأن القاضي الشرعي يجب أن

يحكم بالصحيح والراجح من المذهب النعماني، وأن يكون عالمًا بهما، وأن يكون قد

مارس المرافعات الشرعية والحكم فيها. وبناءً على اعتبار هذا الأمر الأخير في

القضاة - سواء أكان واجبًا وشرطًا كما يفهم مما مرّ أَمْ (لا) - نقول:

لا يجوز أن يراد بممارسة المرافعات ما يكون بالقضاء الحقيقي؛ لأنه يلزم منه

الدور، ولكن الممارسة تكون بأحد أمرين: أحدهما حضور المرافعات في

المحاكم وهو لا يتيسر لجميع المتعلمين الذين يترشحون للقضاء، ويلزم له زمن

طويل يصرف بعد طلب العلم في المحكمة. وثانيهما (التعليم القضائي) الوضعي

الذي نريده ونقترحه على فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ومجلس

إدارته؛ لأنه أسهل الطرق للتحقق بما جاء في الفتوى.

هذا النوع من التعليم يُختار له الكتب التي تذكر الأحكام في ضمن الوقائع

وأكثر كتب المتقدمين - لا سيما قبل المئة الخامسة - كذلك؛ لأنهم كانوا يتعلمون

الفقه للعمل، وأول عمل ضاع به الفقه كغيره من العلوم والفنون الإسلامية - تأليف

المتون الوجيزة المختصرة، والعمل الثاني للضياع: اختيار هذه المتون للتدريس

والاستعانة على ذلك بشرحها، والعمل الثالث - وهو الذي تم به الضياع - هو

وضع الحواشي ثم التقارير عليها والخروج بذلك كله عن كون العلم مبينًا للعمل

شارحًا للوقائع إلى البحث في الألفاظ والأساليب وخلط الفنون بعضها ببعض. ولم

يكن وضع المختصرات في أول الأمر لأجل التعليم والتعلم، وإنما كان الغرض منها

تذكرة المنتهي لا سيما في السفر الذي يعسر فيه حمل الأسفار الكبيرة سيما في تلك

الأزمنة.

ومما يوجب لأسلافنا الفخر ويُظهر أننا شر خلف لهم أن الباحثين في فن

التعليم اهتدوا بعد العناء الطويل إلى أن خير طرق التعليم وأقربها هو (التعليم

بالعمل) وبيان المسائل في ضمن الأمثلة والأحكام الشرعية في صور الواقعات، وهو

ما كان عليه سلفنا من قبل ألف سنة، وإنما يكمل هذا النوع من التعليم بتأليف هيئة

للمحاكمات الوضعية كهيئة المحكمة الحقيقية - رئيس وقضاة (أعضاء) ومدَّعٍ

ومدعَى عليه أو وكلاء (محامون) وبينات وتحقيق وحكم.

وينبغي أن تكون المرافعة علنية وأن يتناوب طلاب العلم القضاء فيها وأن

تكون العناية بالدعاوى التي يحكم فيها بالشرع في هذه الأيام أشد من العناية بغيرها.

يقول قائل: أي حاجة للعناية بالأحكام التي لا يعمل بها؛ لأن أمراء المسلمين

نسخوها بالقوانين الوضعية؟

والجواب: أن عدم التعليم القضائي جعل الشريعة السماوية الواسعة ضيقة لا

تفي بحاجة العصر، والأمراء والحكام يرون أنفسهم مضطرين إلى مجاراة العصر في

شؤونه العامة، ويجب أن تكون الأحكام مطابقة لحاجات الناس في كل عصر بحسبه

لا أن تقاوم الطبيعة، وتغير أساليب العمران؛ لتوافق ما يفهمه العلماء على تقصيرهم

من الكتب الشرعية القديمة؛ لأن هذا غير ممكن للناس. فإذا حسنت حال التعليم

ووجد في الأمة علماء يعرفون حال العصر ويستنبطون من قواعد الشريعة العامة

التي نفتخر بها بأنها تنطبق على أحوال كل زمان ومكان ما يوافق مصلحة الناس

بحسب زمنهم هذا؛ فلا شك أن الأمراء والحكام المسلمين يحكمون بها مهما وَهَى بناء دينهم وسحلت مرائر يقينهم، لعلمهم بأنها أقرب لصلاح الناس لخضوع السواد

الأعظم لها ظاهرًا وباطنًا، اللهم إلا إذا غلبوا على أمرهم بالسلطة الأجنبية. ولا

نقصد مما ذكرنا تبرئة الأمراء من تبعة ذنب الانحراف عن الشريعة وحصره

بالعلماء! !

كلا ثم كلا، وإنما غرضنا بيان السبب، وقد بلغنا أن إسماعيل باشا الخديوي

الأسبق طلب من علماء الأزهر أن يؤلفوا له كتابًا شرعيًّا في الحقوق والجنايات سهل

العبارة مرتبًا على ترتيب كتب القوانين وموافقًا لحال العصر (كمجلة الأحكام

الشرعية التي يُعمل بها في محاكم ولايات الدولة العلية) فأبوا عليه ذلك وسمعت أن

إحجامهم كان خوفًا من طعن العامة في دينهم إذا هم وضعوا الأحكام الشرعية في

أسلوب كتب القوانين. ومهما كان من السبب فالتبعة الكبرى فيه على العلماء

كما هو ظاهر.

يقول المعترض إن الحكومة المصرية مغلوبة على أمرها للأجانب فكيف نرجو

تحويل المحاكم الأهلية شرعية ونحن نرى الحكومة تحاول إلغاء المحاكم الشرعية

والاكتفاء بالمحاكم الأهلية؟ وإذا لم يكن لنا أمل في الحكم بالشرع فعَلامَ العناية وإِلامَ

احتمال العناء في تعلمه تعلمًا قضائيًّا أو غير قضائي؟ !

ونقول في الجواب:

أولاً - أن التعليم موجود في الأزهر بالفعل، ونحن إنما نطلب تحسينه، وقد

ورد في الحديث الشريف أن الله تعالى يحب إذا عمل أحدنا عملاً أن يتقنه وما

ذكر قد يمنع من أصل التعليم ولكنه لا يمكن أن يمنع من تحسينه مع وجوده.

ثانيًا - أن الأزهريين يشتغلون جميعًا فيما لا يتعلق به عمل في هذا العصر

كأحكام الرقيق بأنواعها بناءً على أن مرادهم حفظ هذه العلوم وإن لم تكن تستعمل؛

ولذلك تبرم شيوخهم من زيادة بعض الفنون في الأزهر، لئلا تشغلهم عنها. وتعلمها

بالكيفية التي نريدها أقرب لتحصيلها ولحفظها.

ثالثًا - أن الأمل لم ينقطع من العمل بها ولا ينقطع إلا إذا بقي تعلمها على

حاله أو رجع القهقرى كما هو الشأن في أمتنا منذ قرون.

فإذا نفضنا عن رؤوسنا غبار الخمول والكسل واجتهدنا في تحصيل العلوم على

الوجه الذي يؤدي إلى إتقان العمل فلا يمضي زمن قليل إلا ونكون أمة من الأمم،

لها قول يُسمع ورأي يُحترم، وعند ذلك نحكم بما نريد ونرغب؛ لأن قوة الشعب قوة

إلهية لا تُغلب، فمن عمل لهذا الرجاء فأولئك هم المفلحون.

{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضَّالُّونَ} (الحجر: 56)

_________

ص: 117

الكاتب: محمد رشيد رضا

تربية الأطفال

تكلمنا في العدد الماضي عن طور الرضاعة ووظائفه، ووعدنا بأن نتكلم عن

إطعام الأطفال وتقريمهم (تعليمهم الأكل)، فنقول: لا هادي إلى تربية الطفل

كالطبيعة والفطرة، فعلى المربي أن يسترشد بها؛ لأنها هداية إلهية ممنوحة للجميع.

قلنا في بحث الرضاع: ينبغي أن ترضع الطفلَ أمُّه، وإلا فمرضع يكون ولدها

الرضيع في سنه والحكمة في ذلك أن الله تعالى جعل اللبن في الأم موافقًا لسن ولدها،

ففي أول الأمر يكون سهل الهضم جدًّا وكلما تقدم في السن وقويت معدته على

الهضم تزيد المواد المغذية في اللبن.

أما الأكل فيرشد إليه من الطبيعة ظهور الأسنان فمتى أسنَّ الطفل (نبتت

أسنانه) وصار قادرًا على المضغ يُطعَم، ولكن يبتدأ في إطعامه بما كان سهل الهضم

كلبن الحيوانات والأرروط والنشا، ولا يكون هذا إلا بعد بلوغه بضعة أشهر حتى إذا

ما كملت مواضغه (أضراسه) يطعم من سائر أنواع الطعام، ويراعَى فيه سنة الفطرة

بالتدريج؛ لأن آلات الأكل تظهر فيها تدريجًا. وإطعام الأطفال الأطعمة النشوية

والسكرية في سن اللبان يولد فيهم الأمراض ويكثر فيهم الموتان. ويحسب الأمهات

الجاهلات أن معالجة الطعام وتلويقه (جعْله لينًا) ، بحيث لا يحتاج إلى مضغ يسهل

هضمه على الوليد ويغتررن بواحد من عشرات ومئات يطعم فيسمن، ولا يعتبرن

بالعشرات والمئات الذين يمرضون ويموتون؛ وذلك لأنهن لا يعرفن سبب مرضهم

وموتهم، وهو في الغالب من المآكل الغليظة العسرة الهضم، لا سيما مع عدم الوقاية

من البرد.

ولا بد من التوقيت والانتظام في تقريم الأطفال، فيطعمون أربع مرات في

اليوم - بعد القيام من النوم وعند الظهر وعند العصر وبعد المغرب - فطعام الصباح

والعصر: اللبن والبيض والخبز وشيء من الحلوى، وطعام الظهر: اللحم والبقول

والفاكهة، وطعام المساء: الشوربا والبقول ولو باللحم والرز، أما مقدار ما يأكله

الطفل فليس بمحدود، بل يُترك وشأنه، يأكل ما شاء، لا يلزم بالزيادة، ولا يمنع

من الاستزادة، إلا إن كان شرهًا يأكل فوق طاقته، وقلما يكون الشره إلا من سوء

التربية. ويمنع الأطفال الإكثار من الفاكهة والحلوى، ويمنعون من شرب الشاي

والقهوة فضلاً عن المسكرات والأشربة الروحية التي هي سموم قاتلة، لا يقل فتكها

بالكبار عن فتك سائر الأمراض الخبيثة.

_________

ص: 121