المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالثفي ذكر زهده في الدنيا وقناعته باليسير وبعده من الإسراف - مجموع رسائل ابن رجب - جـ ٢

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌البشارة العظمى للمؤمن بأن حظه من النار الحمى

- ‌فصل: [فيمن أراد بالنصيحة للعلماء النصح لله ورسوله ومن أراد التنقص والذم وإظهار العيب وكيفية معاملة كلٍّ منهما]

- ‌فصل: [في الفرق بين النصح بالعيوب للرجوع عنها والتوبيخ والتعيير بالذنب]

- ‌فصل: [في عقوبة من عير أخاه بالذنب]

- ‌فصل: [فيمن يظهر النصح ويبطن التعيير والأذى وأن ذلك من صفات المنافقين]

- ‌فصل: [فيمن أصابه أذى ومكر أن عليه أن يصبر وأن التمكين سيكون له بعد صبره]

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌الباب الأولفي ذكر عبادتِهِ واجتهادِهِ وتهجُّدِهِ وبكائِهِ وإخفائِهِ لذلك

- ‌الباب الثالثفي ذكرِ زُهدِهِ في الدُّنْيَا وقناعتِهِ باليسيرِ وبُعدِهِ من الإسراف

- ‌الباب الرابعفي ذكر حلمه وكظمِهِ الغَيْظَ

- ‌الباب الخامسفي ذكر كلامه في قِصَر الأمَل والمبادرةِ قبل هجومِ الموتِ بالعملِ

- ‌الباب السادسفي ذكر صلابتِهِ في الدين وقوتِهِ في تنفيذ الحق واجتهادِهِ عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواعظِهِ لأبيه في ذلك

- ‌الباب السابعفي ذكر هوان نفسه عليه في ذات الله ورضاه بكل ما يناله من الأذى في تنفيذ أوامر الله عز وجل

- ‌الباب الثامنفي ذكر شدةِ حذرهِ من الظلمِ وتنزهه من ذلك

- ‌الباب التاسعفي ذكر مرضِهِ ووفاتِهِ رضي الله عنه

- ‌الباب العاشرفي ذكر سنه ومقدار عمره

- ‌فصلوهذه نبذةٌ مختصرةٌ من سيرةِ والدِ عبد الملكِ أبي حفصٍ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ونَفَعَ بها

- ‌فائدة:

- ‌فصل: [في وصف حال المفقود الَّذِي يجوز أن تتزوج زوجته]

- ‌فصل: [متى يفرق بين الغائب وامرأته

- ‌إحداهما

- ‌الصورة الثانية

- ‌وفي ذلك قولان مشهوران للعلماء:

- ‌الزكاة للقرابة

- ‌فصل: [في أنواع الخاتم]

- ‌فصل: [في حكم اتخاذ خاتم الذهب والحديد والصفر النحاس]

- ‌[حكم خاتم العقيق]

- ‌ونحن نذكر أحاديث التختم بالعقيق ونبين حالها

- ‌فصل: [في فص الخاتم]

- ‌[نقوش خواتيم الأكابر والأعيان]

- ‌فصل [حكم نقش صورة الحيوان عَلَى الخاتم]

- ‌فصل [في جواز التختم في اليمين واليسار]

- ‌فصل: [في حكم التختم في السبابة والوسطى]

- ‌فصل [في جعل فص الخاتم مما يلي الكف]

- ‌فصل [في وزن خاتم الفضة المتخذ للتحلي]

- ‌فصل [في حكم دخول الخلاء بالخاتم المكتوب عليه ذكر الله]

- ‌فصل[هل يمس الخاتم الَّذِي عليه ذكر الله مع الحدث]

- ‌فصل[فيما يفعل المتوضئ أو المغتسل الَّذِي في يده خاتم]

- ‌فصل [فيما إذا أصاب الحاتم نجاسة]

- ‌فصل [في حكم الصلاة بالخاتم المحرَّم]

- ‌فصل [في عد الآي والركعات في الصلاة بالخاتم]

- ‌فصل [فيما إذا مات الرجل وفي يده خاتم هل ينزع]

- ‌فصل [في حكم زكاة الحلي]

- ‌فصل [في حكم رمي الجمرة بفص الخاتم]

- ‌فصل [في حكم بيع الخواتم]

- ‌فصل

- ‌فصل [في بيع الخواتم بالسَّلم]

- ‌فصل [استصناع الخواتم]

- ‌فصل [إذا ظهر في الخاتم عيب بعد شرائه]

- ‌فصل [في استئجار الخاتم للتحلي]

- ‌فصل [في وقف الحلي]

- ‌فصل [في إتلاف الخاتم]

- ‌ إحداهما:

- ‌الحالة الثانية:

- ‌فصل [الشفعة في شراء الخاتم]

- ‌فصل

- ‌فصل [حكم لُقطة الخاتم الذهب والفضة]

- ‌فصل [في سرقة الخاتم]

- ‌فصل [الهبة في الخاتم]

- ‌[شعر]

- ‌[شعر]

- ‌[شعر]

- ‌فصل في قوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: ‌الباب الثالثفي ذكر زهده في الدنيا وقناعته باليسير وبعده من الإسراف

‌الباب الثالث

في ذكرِ زُهدِهِ في الدُّنْيَا وقناعتِهِ باليسيرِ وبُعدِهِ من الإسراف

روى ابنُ المبارك في كتاب "الزهد"(1) له بإسناده عن ميمون بن مهران قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: أما دخلت عَلَى عبد الملك -يعني ابنه. قال: فأتيت الباب فَإِذَا وصيف، فقلت: استأذن لي عليه فَقَالَ: ادخل؛ فإن عنده الناس، أو أمير هو؟ فدخلت عليه، فَقَالَ: من أنت؟ فعرف. ثم حضر طعامُهُ فأُتى بقَلية مدنية -وهي عظام اللحم- ثم أتي {بثريدة} (2) قد {ملئت خبزًا} (3) وشحمًا، ثم أتي بزبد وتمر، فقلت: لو {كلمتَ أمير المؤمنين} (3) يخصُّكَ منه بخاصةٍ. فَقَالَ: إني {لأرجو أنه} (3) يكون أوفى حظًّا عند الله من ذلك. إني في ألفين {كان} (3) سليمان ألحقني فيهما، والله لو كان أبي في نفسه لما فعل، ولي غلة بالطائف إِنَّ سلمت لي أتاني غلَّة (4) ألفُ درهم، فما أصنع بأكثر من ذلك. فقلت في نفسي: أنتَ لأبيك.

وقد رُويت هذه القصة من وجهٍ آخر، وأن ميمون بن مهران قال: دخلت عَلَى عبد الملك وبين يديه قليلٌ من طعامٍ فما منعني من الأكلِ معه إلا الأبق عليه.

وروى الدورقي بإسناده عن ميمون بن مهران قال: قال عمر بن عبد العزيز: ابني عبد الملك قد أُعجبتُ به، فما أدري أهو كذلك أم حبُّ الوالِد للولد؟ فأنا أَحَبُّ أن تأتيَهُ فتسبر ما عنده، فإن كان عَلَى ما ظننتُ أخبرتني فحمدتُ الله عليه، وإن كان غير ذلك أدَّبتهُ؛ فإنما هو ابنُ أخيك.

(1)(ص310) رقم (888).

(2)

في "الأصل": بثرة، والمثبت من "الزهد" لابن المبارك.

(3)

طمس بالأصل، والمثبت من "الزهد".

(4)

الغَلَّة: الدخل من كراء دار، وأجر غلام، وفائدة أرض. "ترتيب القاموس"(3/ 363).

ص: 482

قال ميمون بن مهران فانتهيتُ إِلَيْهِ فاستأذَنتُ فدخلتُ عليه، وإذا تحته مِسحٌ (1) خلق وشاذكونة خلقة ومرفقة (2) قد ترفق بها، فوسَّع لي لأجلس معه، فجلست مقابله، فقلت: ما ها هنا أحبُّ إلي وإذا بين يديه مائدةٌ عليها ثلاثةُ أرغفةٍ وقصعة فيها خَل وزيتٌ. فقلت: هذا طعامُك في كل يوم؛ فَقَالَ: إِنَّ أمير المؤمنين صيَّر الدهر أثلاثًا: فيومٌ خبزٌ ولحم، ويومٌ لبن، ويومٌ خبزٌ وزيت. فبينا أنا كذلك إذ جاء غلام له فَقَالَ: قد فَرَّغناها. فأعرض عنه فعاود، فقلت: ما هذا الَّذِي فرغ؟ قال: الحمام. قلت: هل الحمامُ لك؟ قال: لا. قلت: فلأحد من إخوانك؟ قال: لا. قلت: فلأحدٍ من أهل بيتك؟ قال: لا. قلت: فلأمير المؤمنين؟ قال: لا. قلت: فبم استحللتَ أن تفرغَ حمامَ المسلمين فلَعلَّ إذا رجل يجيء من أقصى المدينةِ فيحالُ بينه وبين الحمام، أو تعطيه بقدر شغل حمامه؛ فهذه نفقةٌ باطلة، هذا أريد أن أُنهيَهُ (3) إلي أمير المؤمنين. قال: أوتسترُ علي يا عم، واللهِ ما يسرني أنه وَجَدَ عليَّ ساعة من نهار، ثم أتاني عنه الرضا، ولا أنَّ ليَ الدُّنْيَا وما فيها، ولك عليَّ ألا أدخل الحمام إلا ليلاً ومع ضعفةِ الناسِ. قال: قلت له: افعل. فخرجت من عنده، فما رأيت أفضل من عمر بن عبد العزيز، ولا ابنًا أفضل من عبد الملك رضي الله عنهما.

وقد رُويته هذه القصة من وجه آخر، وفيه: أن عبد الملك قال: لولا برد بلادنا ما دخلته -يعني: الحمام- ليلاً ولا نهارًا.

وأنه إِنَّمَا كان امتناعه من دخوله مع الناس، خشية أن يرى فيه منكرًا، {فيؤدب} (4) فاعله، فربما خشي أن يجاوز حدَّ الأدب {أو أن يُنسَبَ} (4) إِلَى شيء من الظلم في ذلك، وسيأتي {ذكر} (4) ذلك فيما بعد -إِنَّ شاء الله تعالى.

(1) المسح: الكساء من الشعر. "لسان العرب"(2/ 596).

(2)

المرفقة: المتكأ والمخدة.

(3)

أنهيه. أنهي الشيء أي أبلغه

(4)

طمس بالأصل، والسياق يقتضيها.

ص: 483

هذا مع أن طائفة من أعيان العُلَمَاء رأوا خلاء الحمام وزيادة صاحبِهِ كذلك لما في مثل ذلك من السلامةِ من رؤيةِ المنكراتِ مثل كشفه للعورة وغيرها.

وممن رأى ذلك عروة بن الزبير وأبو جعفر بن علي الباقر وسفيان الثوري رحمهم الله.

وأما ميمون بن مهران فقد كرِه ذلك؛ وعلَّلَ بأنه قد يأتي الرجلُ الضعيفُ من مكان بعيدٍ فيُمتنعُ من دخوله حينئذ لإخلائه، وعلَّلهُ أيضاً في رواية أخرى بأن هذه نفقةُ كبر وسرَفٍ، ولكن هذا إذا كان المقصودُ بإخلائه مجرد التكبر والتعاظُمِ دونَ السلامةِ من رؤيةِ المنكراتِ، والله أعلم.

***

ص: 484