الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول
في ذكر عبادتِهِ واجتهادِهِ وتهجُّدِهِ وبكائِهِ وإخفائِهِ لذلك
روى الحافظ أبو نعيم {في} (1) كتاب "حلية الأولياء" بإسناده عن بعض مَشيخَةِ أهل الشام قال: كنا نرى أن عمَر بن عبد العزيز إِنَّمَا أدخَلَهُ في العبادةِ ما رأى من ابنِهِ عبد الملكِ رحمه الله.
وروى الإمام أبو عبيد القاسمُ بنُ سلامٍ في كتاب "فضائل القرآن" بإسناده عن عاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان وهو ابنُ أخي عمر بن عبد العزيز قال: وفدتُ إِلَى سليمانَ بن عبد الملك، ومعنا عمرُ بن عبد العزيز، فنزلتُ عَلَى ابنِهِ عبد الملك وهو عزب، فكنتُ معه في بيتٍ فصلينا العشاء، وأوى كل رجلٍ منا إِلَى فراشِهِ. ثم قام عبدُ الملك إِلَى المصباح فأطفأه، ثم قامَ يصلّي حتى ذهبَ بي النوم، فاستيقظتُ فإذا هو في هذه الآية:{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} (2). الآية. فيبكي، ثم يرجع إليها، فَإِذَا فَرغَ منها فعل مثل ذلك، حتى قلتُ: سيقتُلُهُ البُكاءُ، فلما رأيت ذلك قلت: لا إله إلا الله والحمد لله كالمستيقظ من النَّوم لأقطعَ ذلك عليه، فلما (3) سمعني سَكَتَ فلم أسمع له حسًّا -رحمه الله تعالى.
…
(1) طمس بالأصل والسياق يقتضيها.
(2)
الشعراء: 205 - 207.
(3)
في "الأصل": فلم.
الباب {الثاني} (1)
في ذكر علمِهِ وفقهِهِ وفهمِهِ
روى ابن أبي خيثمة في تاريخه، عن سليمان بن يسار قال: ركبت أنا وعمر بن عبد العزيز ومعنا عبدُ الملك بن عمر بن عبد العزيز بدير مرّان وفيها الوليد بن عبد الملك فَقَالَ عبد الملك بن عمر: أرأيت المرأة تطلق ثم تحيض الثالثة؟ فقلت: قد حلَّت فَقَالَ عبدُ الملك: فأين ما يُذكر عن ابن عباس؟ فَقَالَ: ذرنا منك بحديث عن زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان.
ومعنى هذه المسألة أن الأقراء الثلاثة التي تعتد بها المطلقة -إذا طلقت في أثناء طهر ثم حاضت حيضتين وطهرت طهرين ثم شرعت في الحيضة الثالثة- أنها تنقضي لمضي الأطهار الثلاثه عليها بذلك. وهو قول زيد بن ثابت وغيره من الصحابة. فعارضه عبد الملك بقول ابن عباس إِنَّ الأقراء هي الحيض فلا {تنقضي} (2) عدتُها حتى تطهر من الحيضة الثالثة.
وأكثر علماء الحجاز {عَلَى ما أفتى به} (2) سليمان بن يسار؛ فإن الأقراء هي الأطهار، وهو قول مالكٍ والشافعي. وأكثرُ علماء العراق عَلَى أن الأقراء هي الحيضُ، وهو قولُ أبي حنيفة، والمشهورُ عن الإمام أحمد. واختلفوا في انقضاء عدَّتها بانقطاع الدمِ من الحيضة الثالثة، أم لا تنقضي عدَّتُها حتى تغْتَسلَ، عَلَى قولين مشهورين لهم.
روى الدَّوْرَقي في كتاب "مناقب عمر بن عبد العزيز" بإسناده عن حفص ابن عمر: أن عمر بن عبد العزيز جمع الناس واستشارهم في رد مظالم الحجاج.
فكان كلما استشارَ رجلاً قال له: يا أميرَ المؤمنين، ذاكَ أمرٌ كانَ في غير سلطانِكَ ولا ولايتكَ. فكان كلما قال له رجل ذلك أقامه، حتى خلص بابنه
(1) ليست بالأصل وترتيب الأبواب يشير إليها.
(2)
طمس بالأصل والمثبت أنسب للسياق.
عبد الملك، فَقَالَ له ابنه عبد الملك: يا أبَهْ، ما من رجل استطاعَ أن يردَّ مظالمَ الحجاج، إِن لم يردها أن يشركه فيها. فَقَالَ عمر: لولا أنك ابني، لقلت إنك أفقهُ الناس. وهذا الَّذِي قاله عبدُ الملك، ومدحه عليه أبوه، هو الصواب فإن الإمام إذا قدر عَلَى رد مظالمِ من قَبْلَهُ من الولاة وجب عليه هو ذلك بحسب الاستطاعة.
وعلماء السَّلف كانوا يقسمون العُلَمَاء ثلاثةَ أقسامٍ:
قسم يعرفون الله ويخشونه ويحبونه ويتوكلون عليه، وهم العُلَمَاء بالله.
وقسمٌ يعرفون أمرَ اللهِ ونهيه وحلاله وحرَامهُ، وهم العُلَمَاءُ بأمرِ الله.
وقسمٌ يجمعون بين الأمرين، وهم أشرفُ العُلَمَاء، حيث جَمعوا بين العِلْمِ باللهِ والعلم بامر الله.
وكان عمر بن عبد العزيز وابنُهُ عبدُ الملك من هذا القسم. وكذلك أكثرُ السَّلفِ رضي الله عنهم يجمعون بين العِلْمِ بالله الَّذِي يقتضي خشيتهُ ومحبتهُ والتبتُّلَ إِلَيْهِ، وبين العِلْم باللهِ الَّذِي يقتضي معرفة الحلالِ والحرامِ والفتاوى والأحكام. ومنهم من كان متوسعًا في كلا العلمين كالحسن البصري، وسفيان، وأحمد بن حنبل. ومنهم من كان نصيبهُ من أحدهما أوفرَ من نصيبه من الآخر.
وأما المتأخرون فقلَّ فيهم من جمع بين العلمين الَّذِي كان عليه علماءُ المسلمين، وسلك كلا الطريقين. والله الموفق للخير والمعينُ عليه بمنِّهِ وكرمِهِ.
***