الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتأول أيضاً رواية بكر بن محمد، عَلَى أن وقف اللجام والسرج المفضض لا يصح.
فلذلك (*) أجاز أن يشتري به ما يُباحُ الانتفاعُ به، فيوقفُ عَلَى تلكَ الجهة.
وحُكي عن الآمديِّ أنَّه قال: أجاز أحمد وقف هذه الفضة تبعًا للفرس، لأن كان لا يجوزُ وقفُها مفردًا.
فَقَالَ صاحب "المغني" وغيرهُ: روايةُ بكر تدُلُّ عَلَى صحة وقف السرج واللجام المفضض بناءً عَلَى جواز تحلية خيل الجهاد بذلك، كما يباحُ محليةُ لباس الجهاد من الخُوذة والجَوشن وحمائلِ السيف. وإنَّما أباح بيعه وصرفَ ثمنه في سرجٍ ولجامٍ؛ لأنّه لا منفعة فيه.
وهؤلاء أقروا رواية حنبل والأثرم عَلَى ظاهرها، وجعلوا في صحة الحلي روايتين، والأولون يصححونه روايةً واحدةً، وهي طريقة ابن عقيل أيضًا وغيره.
وجمهورُ الأصحاب عَلَى صحة وقف الحُلي المباح. وهو قول القاضي وأصحابه؛ لأنّه عينٌ مباحةٌ منتفعٌ بها فجاز وقفُها كغيره، وروايةُ المنع إِنَّمَا تتجه عَلَى القول بمنعِ وقف المنقول.
فصل [في إتلاف الخاتم]
ولو أتلف له خاتمًا فله حالتان:
إحداهما:
أن يكون مباحًا كخاتم الفضة للرجل: فعليه ضمانُهُ، كما لو أتلف ثوبَهُ، ثم هل يضمَنُه بقيمته أو مثله؟
فيه وجهان:
احدهما: بالقيمة، قاله القاضي وصاحب المغني؛ لأنّ الصناعة تؤثِّر في قيمته، وهي مختلفةٍ فالقيمةُ فيه أحصر.
(*) فكذلك: "نسخة".
والثاني: بالمثل، وهو اختيار السامري وظاهرُ كلام أحمد. قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد فيمن كسر ذهبًا أو فضة، قال: يصلحه أحبُّ إليّ إِن كان خلخالاً، وإن كان دينارًا أعطاه دينارًا آخر مثله.
ونقل مُهنا عنه فيمن رَهَن إبريق فضةٍ فانهشَم أو انكسَرَ يصوغُه كما كان.
فقِيلَ لَهُ: كيف يصوغُه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن آنيةِ الذهب والفضة؟ فسكت، كذا ساقه ابن عقيل، رواه مُهنا في "الرهن"، وقال: هي سهو؛ لأن الصياغة متقومة. وساقها أبو الخطاب عليه قيمة مصوغه، وقد حملَ القاضي هذا على التراضي.
وذكر ابن عقيل في كتاب "الرهن" أن رواية مُهنا وقع فيها الخطأ من وجهين:
من جهة تضمنه (الصياغة)(*) بمثلها وهي متقومة.
ومن جهة تضمنه صناعة الأواني وهي محرمة، وهذا باطل.
وقد رجع في كتاب "الغصب" ورد تأويل شيخه وقال: لا وجه لصرف كلام أحمد عن ظاهره، بل صناعة الآدمي يمكن احتذاء مثلها أو شكلها، فإذا عرفت الصورة كان إعادتها جزاءً للحق.
وقد وافق القاضي عَلَى أن من هدم جدارًا أو نقض بابًا فعليه إعادته، وهذا مثله.
فأما تضمين أحمد صناعة الأواني: فقد ذكر طائفة من الأصحاب عن أحمد أخذًا من هذا النص، وابن عقيل نفسه في باب الغصب خالف في ذلك، وذكر أن هذا رجوع عن ذلك لما نبه عَلَى تحريم هذه (الصياغة) (*) بدليل السنة. قال: ومن أحق منه بمراجعة الصواب وترك الرأي للسنة.
وكذلك اختلف الأصحاب في كل مسألة يُعترضُ عَلَى أحمد فيها فيسكت هل يكون رجوعًا أم لا؟
(*) الصناعة: "نسخة".
فَقَالَ ابن حامد: هو رجوع.
وقال غيره: ليس برجوع.
والمقصود هنا: أن أحمد لما حكم بالمثل في الصناعة وجب ضمان الحلي بمثله؛ لأنّ مادته مثلية بلا نزاع.
وقد نص عَلَى أن صورته وتأليفه مثلي فوجب ضمانه عند التلف بالمثل، وعلى الوجه الأول يضمنه بقيمته، فإذا كانت أكثر من وزنه فهل يجوز ضمانه من جنسه بأكثر منه وزنًا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأنّه ربا.
وفي مسائل "البرزاطي" سئل أحمد عن صَيرفيٍّ دُفع إِلَيْهِ دينارٌ محكك لينقده فنقضه وحكه.
قال: قد أحسن، ولا شيء عليه.
قِيلَ لَهُ: فإن كسرَهُ؟
قال: يغرم ما بين قيمته صحيحًا ومكسورًا فضة. وهو اختيار أبي الخطاب، وصاحبي المغني والمحرر ومذهب الثوري وأبي حنيفة وبعض الشافعية.
والثاني: يجوز، وهو اختيار القاضي، وابن عقيل، والصحيح من مذهب الشافعي؛ لأنّ الربا إِنَّمَا يجري في المعاوضات، لا في الغرامات، فإن الغرامة استدراك ظُلامة، ولهذا يجب الأرش في الكسر لتفويت الصناعة ولا يؤخذ عنها العوض في البيع، وسلم القاضي وابن عقيل أن ما لا صناعة فيه كالنقرة إذا خالفت قيمتها النقد لم يجز ضمانها من جنسها متفاضلاً، وفرَّقا بأن الصناعة فيها مالية زائدة، فلذلك ضمنت ولا صناعة في النقرة.
وهذا الوجه يَقربُ مما ذكره صاحب المغني في ردِّ أرش العيب الحادث عند المشتري كما تقدم.