المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلوهذه نبذة مختصرة من سيرة والد عبد الملك أبي حفص عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ونفع بها - مجموع رسائل ابن رجب - جـ ٢

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌البشارة العظمى للمؤمن بأن حظه من النار الحمى

- ‌فصل: [فيمن أراد بالنصيحة للعلماء النصح لله ورسوله ومن أراد التنقص والذم وإظهار العيب وكيفية معاملة كلٍّ منهما]

- ‌فصل: [في الفرق بين النصح بالعيوب للرجوع عنها والتوبيخ والتعيير بالذنب]

- ‌فصل: [في عقوبة من عير أخاه بالذنب]

- ‌فصل: [فيمن يظهر النصح ويبطن التعيير والأذى وأن ذلك من صفات المنافقين]

- ‌فصل: [فيمن أصابه أذى ومكر أن عليه أن يصبر وأن التمكين سيكون له بعد صبره]

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌الباب الأولفي ذكر عبادتِهِ واجتهادِهِ وتهجُّدِهِ وبكائِهِ وإخفائِهِ لذلك

- ‌الباب الثالثفي ذكرِ زُهدِهِ في الدُّنْيَا وقناعتِهِ باليسيرِ وبُعدِهِ من الإسراف

- ‌الباب الرابعفي ذكر حلمه وكظمِهِ الغَيْظَ

- ‌الباب الخامسفي ذكر كلامه في قِصَر الأمَل والمبادرةِ قبل هجومِ الموتِ بالعملِ

- ‌الباب السادسفي ذكر صلابتِهِ في الدين وقوتِهِ في تنفيذ الحق واجتهادِهِ عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواعظِهِ لأبيه في ذلك

- ‌الباب السابعفي ذكر هوان نفسه عليه في ذات الله ورضاه بكل ما يناله من الأذى في تنفيذ أوامر الله عز وجل

- ‌الباب الثامنفي ذكر شدةِ حذرهِ من الظلمِ وتنزهه من ذلك

- ‌الباب التاسعفي ذكر مرضِهِ ووفاتِهِ رضي الله عنه

- ‌الباب العاشرفي ذكر سنه ومقدار عمره

- ‌فصلوهذه نبذةٌ مختصرةٌ من سيرةِ والدِ عبد الملكِ أبي حفصٍ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ونَفَعَ بها

- ‌فائدة:

- ‌فصل: [في وصف حال المفقود الَّذِي يجوز أن تتزوج زوجته]

- ‌فصل: [متى يفرق بين الغائب وامرأته

- ‌إحداهما

- ‌الصورة الثانية

- ‌وفي ذلك قولان مشهوران للعلماء:

- ‌الزكاة للقرابة

- ‌فصل: [في أنواع الخاتم]

- ‌فصل: [في حكم اتخاذ خاتم الذهب والحديد والصفر النحاس]

- ‌[حكم خاتم العقيق]

- ‌ونحن نذكر أحاديث التختم بالعقيق ونبين حالها

- ‌فصل: [في فص الخاتم]

- ‌[نقوش خواتيم الأكابر والأعيان]

- ‌فصل [حكم نقش صورة الحيوان عَلَى الخاتم]

- ‌فصل [في جواز التختم في اليمين واليسار]

- ‌فصل: [في حكم التختم في السبابة والوسطى]

- ‌فصل [في جعل فص الخاتم مما يلي الكف]

- ‌فصل [في وزن خاتم الفضة المتخذ للتحلي]

- ‌فصل [في حكم دخول الخلاء بالخاتم المكتوب عليه ذكر الله]

- ‌فصل[هل يمس الخاتم الَّذِي عليه ذكر الله مع الحدث]

- ‌فصل[فيما يفعل المتوضئ أو المغتسل الَّذِي في يده خاتم]

- ‌فصل [فيما إذا أصاب الحاتم نجاسة]

- ‌فصل [في حكم الصلاة بالخاتم المحرَّم]

- ‌فصل [في عد الآي والركعات في الصلاة بالخاتم]

- ‌فصل [فيما إذا مات الرجل وفي يده خاتم هل ينزع]

- ‌فصل [في حكم زكاة الحلي]

- ‌فصل [في حكم رمي الجمرة بفص الخاتم]

- ‌فصل [في حكم بيع الخواتم]

- ‌فصل

- ‌فصل [في بيع الخواتم بالسَّلم]

- ‌فصل [استصناع الخواتم]

- ‌فصل [إذا ظهر في الخاتم عيب بعد شرائه]

- ‌فصل [في استئجار الخاتم للتحلي]

- ‌فصل [في وقف الحلي]

- ‌فصل [في إتلاف الخاتم]

- ‌ إحداهما:

- ‌الحالة الثانية:

- ‌فصل [الشفعة في شراء الخاتم]

- ‌فصل

- ‌فصل [حكم لُقطة الخاتم الذهب والفضة]

- ‌فصل [في سرقة الخاتم]

- ‌فصل [الهبة في الخاتم]

- ‌[شعر]

- ‌[شعر]

- ‌[شعر]

- ‌فصل في قوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: ‌فصلوهذه نبذة مختصرة من سيرة والد عبد الملك أبي حفص عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ونفع بها

‌فصل

وهذه نبذةٌ مختصرةٌ من سيرةِ والدِ عبد الملكِ أبي حفصٍ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ونَفَعَ بها

قال عمر بن عبد العزيز لصاحب حرسِهِ عمرو بن مهاجر. إذا رأيتني قد مِلْتُ عن الحق فضع يدك في تِلْبابي (1) ثم هُزَّني ثم قل لي: يا عمر، ما تَصْنَعُ؟ وكتب عمر إِلَى المسلمين كتابًا يُقرأ عليهم بالموسم بمكة:

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَأَبْرَأُ إِلَيْهِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَيوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ ظَلَمَكُمْ، وَعُدْوَانِ مِنَ عَادَاكُمْ، أَنْ أَكُونَ أَمَرْتُ بِذَلِكَ أَوْ رَضِيتُ بِهِ أَوْ تَعَمَّدْتُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَهْمًا مِنِّي، أَوْ أَمْرًا خَفِيَ عَلَيَّ لَمْ أَتَعَمَّدْهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَوْضُوعًا عَنِّي مَغْفُورًا لِي، إِذَا عَلِمَ مِنِّي الْحِرْصَ وَالِاجْتِهَادَ، ألا وَإِنَّهُ لا { .... } (2) عَلَى المَظْلُوم دُونِي، وَأَنَا مِعْوَلُ المَظْلُومٍ، ألا وَأَيُّ عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِي رَغِبَ عَنِ الْحَقِّ وَلَمْ يَعْمَلْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلا طَاعَةَ لَهُ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ صَيَّرْتُ أَمَرَهُ إِلَيْكُمْ، حَتَّى يُرَاجِعَ الْحَقَّ وَهُوَ ذَمِيمٌ، ألا وَإِنَّهُ لا دَوْلَةَ بَيْنَ أَغْنِيَائِكُمْ وَلا أَثَرَةَ عَلَى فُقَرَائِكُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ فَيْئِكُمْ. ألا وَأَيُّمَا وَارِدٍ وَرَدَ فِي أَمْرٍ يُصْلِحُ اللهُ بِهِ خَاصًّا أَوْ عَامًّا مِنْ هَذَا الدِّينِ، فَلَهُ مَا بَيْنَ مِائَةِ دِينَارٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، عَلَى قَدْرِ مَا نَوَى مِنَ الْحَسَنَةِ وَتَجَشَّمَ الْمَشَقَّةِ، فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً لَمْ يَتَعَاظَمْهُ سَفَرٌ يُحْيِي اللهُ بِهِ حَقًّا لِمَنْ وَرَاءَهُ، وَلَوْلا أَنْ أَشْغَلَكُمْ عَنْ مَنَاسِكِكُمْ، لَرَسَمْتُ لَكُمْ أُمُورًا مِنَ الْحَقِّ أَحْيَاهَا اللهُ لَكُمْ، وَأُمُورًا مِنَ الْبَاطِلِ أَمَاتَهَا اللهُ عَنْكُمْ، وَكَانَ اللهُ هُوَ الْمُتَوَحِّدُ بِذَلِكَ؛ فَلَا تَحْمَدُوا غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَنِي إِلَى نَفْسِي كُنْتُ كَغَيْرِي، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ.

(1) قيل لبيت فلانًا، إذا جمعت ثيابه عند صدره ونحره، ثم جررته "لسان العرب"(1/ 733).

(2)

كلمة غير واضحة بالأصل، وفي "المطبوع" إذن.

(3)

في "الأصل" برئيًا.

ص: 501

وكتب بعضُ عمال عمر بن عبد العزير إِلَيْهِ أما بعد، فإن مدينتنا قد خربَتْ فإن رأى أميرُ المؤمنين أن يقطع لنا مالاً نُعمرها به، فعل فكتب إِلَيْهِ. أما بعدُ، فقد فهمتُ كتابك وما ذكرتَ أن مدينتكم قد خربتْ، فَإِذَا قرأت كتابي هذا فأحصنها بالعدلِ، ونقِّ طرقها من الظلمِ، فإنه مرضها والسلام.

وكتب إِلَيْهِ بعض عماله أيضاً:

إِنَّ ناسًا من العمال قد اقتطعوا من مالِ الله مالاً عظيمًا، لستُ أقدر عَلَى إخراجه منهم، إلا أن يمسَّهم شيءٌ من العذاب؛ فإن رأى أميرُ المؤمنين أن ياذن لي في شيء من ذلك.

فكتب إِلَيْهِ عمر:

«أَمَّا بَعْدُ فَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ اسْتِئْذَانُكَ إِيَّايَ فِي عَذَابِ بَشَرِ، كَأَنِّي لَكَ جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عز وجل وَكَأَنَّ رِضَائِي عَنْكُمْ مُنْجِيكُمْ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، فانظر من قامْت عليه البينةُ فخذه بما قامت عليه، ومن أقر لك بشيءٍ فخذهُ بما أقر به، ومن أنكر فاستحلفْه بالله -تعالى- وخلِّ سبيله، فوالله لأنّ يلقوا الله بجناياتهم أَحَبّ إلي من أن ألقى الله بدمائِهم.

وبلغ عمر بن عبد العزيز أنَّ أحد أولاده اشترى فصًّا بألف درهم ليختم به، فكتب إِلَيْهِ عمر: عزيمة مني عليك يا بُني لما بعتَ الفَصَّ الَّذِي اشتريت بألف درهم، وتصدقت بثمنه، واشتريت فصَّا بدرهم ونقشت عليه: رحم الله امرأ عرف قدر نفسه والسلام.

وشكا مزاحم إِلَى عمر حاجةَ أهلِ عمر وقلةَ ما بأيديهم، فَقَالَ عمر: إِنَّ لي نفسًا توَّاقةً، لقد رأيتُني وأنا بالمدينة غلامٌ من الغلمان، ثم تاقت نفسي إلي العِلْم والعربية والشعرِ فأخذت منه حاجتي. ثم تاقت نفسي إِلَى السلطان فاستُعملتُ عَلَى المدينة. ثم تاقت نفسي وأنا في السلطان إِلَى اللبسِ والعيشِ الطيب، فما علمتُ أن أحدًا من أهل بيتي ولا غيرهم كان فيما كنتُ فيه، ثم

ص: 502

تاقت نفسي إِلَى الآخرة والعمل بالعدل؛ فأنا أرجو أن أنال ما تاقت إِلَيْهِ نفسي من أمرِ آخرتي، ولستُ بالذي أُهلكُ آخرتي بدُنياي.

وكان عمر يقول لجلسائه: من صحبني منكم فليصحبني بخمس خصال: يدلني من العدلِ ما لا أهتدي له، ويكونُ لي عَلَى الحق عونًا، ويبلغني حاجة من لا يستطيعُ إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحدًا، ويؤدي لي الأمانة التي حملها مني ومن الناس؛ فَإِذَا كان كذلك فأهلاً به وإلا فهو في حَرَجٍ من صُحبتي والدخول عليَّ.

وكتب عمر إِلَى عاملِهِ عَلَى فلسطين: أن اركب إِلَى البيت الَّذِي يقال له: المكس (1) فاهدمه ثُم احمله إِلَى البحر فانسفه في اليم نسفًا.

وشكا إِلَى عمر بن عبد العزيز بعضُ عمالِهِ فكتب إِلَيْهِ: اذكر طولَ سهرِ أهل النارِ في النار مع خلودٍ إِلَى الأبد، وإياكَ أن ينصرفَ بك من عند الله فيكون آخر العهد، وانقطاع الرجاء. فلما قرأ العامل الكتاب، طوى البلاد حتى قدم عَلَى عمر، قال: ما أقدمك؟! قال: خلعت قلبي بكتابك، والله لا أعود إِلَى ولايةٍ حتى ألقى الله عز وجل!

وكتب عمر إِلَى بعض مدن الشام كتابًا وكتب فيه:

أما بعد، فكم للترابِ في جسدِ ابن آدم من مأكلٍ، وكم للدودِ في جوفِهِ من طريق منخرقٍ، وإني أحذركم أيها الناس ونفسي العرضَ عَلَى الله عز وجل.

وكان عمر يجمع الفقهاء كل ليلة، فيتذاكرون الموت والقيامةَ، ثم يبكون كأن بين أيديهم جنازةً.

وكان عمر يومًا في بيتٍ فبكى، فبكت زوجته، فبكى أهل الدارِ لا يدري

(1) المكس: هو الجباية وهي الدارهم التي كانت تؤخذ من بائع السلع في الأسواق. "لسان العرب"(6/ 20).

ص: 503

هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما انجلت عنهم العبرةُ قالت له زوجتُهُ: يا أمير المؤمنين، مم بكيت؟ قال: ذكرت منصرف القومِ من بين يدي الله عز وجل فريق في الجنة وفريق في السعير. ثم صرخ وغشي عليه.

وكان آخر خطبة خطبها عَلَى المنبر رحمه الله أن حمد الله وأثنى عليه فقال فيها: إنكم لم تُخلقوا عبثاً، ولن تُتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزلُ اللهُ فيكم ليحكم بينكم، ويفصلَ بينكم، خابَ وخسرَ من خَرَجَ من رحمةِ الله، وحُرمَ جنَّةً عرضُها السماوات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذرَ الله اليومَ وخافه، وباعَ نافدًا بباقٍ، وقليلاً بكثير، وخوفاً بأمان. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيصيرون من بعدكم للباقين، وكذلك حتى نردَّ إِلَى خيرِ الوارثين، ثم إنكم تشيعونَ كل يومٍ غاديًا ورائحًا قد قضى نحبه، وانقضى أجله حتى تغيبوه في صدع من الأرض، وفي شق صدعٍ، ثم تتركونَهُ غير ممهَّد ولا موسَّدٍ، قد فارق الأحبابَ وباشرَ التُّرابَ وواجهَ الحسابَ، مرتهنٌ بما عمل، غنيٌّ عما تركَ، فقيرٌ إِلَى ما قدم، فاتقوا الله عز وجل قبل نزول الموت وحلولِهِ بكم، أما والله إني لأقول هذا، وما أعلم عند أحدٍ من الذنوب أكثرَ مما عندي، وأستغفرُ الله وأتوب إِلَيْهِ، وما منكم من أحدٍ {له} (1) حاجة، لا يتسع له ما عندنا إلا تمنيتُ الله أن يبدأ بي وبخاصّتي حتى يكون عيشُهُ وعيشنا واحدًا، إنه والله لو أردت غير هذا من غضارَةِ (2) العيش، لكان اللسان دلولاً وكنت بأسبابه عالمًا، ولكن سبق من الله كتاب ناطق وسنة عادلة، دلَّ فيها عَلَى طاعته ونهى فيها عن معصيته. ثم رَفعَ طرَفَ ردائه وبكى حتى شهق وأبكى من حوله، ثم نزل ولم يخطب بعدها حتى مات رحمه الله.

وكتب عمر إِلَى عاملِهِ عَلَى البصرة:

(1) ليست بالأصل، وأثبتها لتناسب السياق.

(2)

الغضارة: النعمة والسعة في العيش. "لسان العرب" مادة: (غضر).

ص: 504

أما بعد، فإني أذكرك بليلةٍ تمخض (1) بالساعة، فصباحها القيامة، يا لها من ليلةٍ ويا له من صباحٍ كان عَلَى الكافرين عسيرًا.

وبكى عمرُ ذات ليلة فاشتد بكاؤه، فلما أصبح قال لغلامه: يا بني، ليس الخير أن يُسمع لك ويُطاع، وإنما الخير أن تعقل عن ربك ثم تطيعه، يا بُني لا تأذن اليوم لأحدٍ عليَّ حتى يرتفع النهار؛ فإني أخاف أن لا أعقل عن الناس ولا يفهموا عني. فَقَالَ الغلام: بأبي أنت يا أميرَ المؤمنين، رأيتك الليلة بكيتَ بكاءً ما بكيتَ مثله. قال: فبكى ثم قال: يا بني، إني والله ذكرتُ الوقوفَ بين يدي الله عز وجل قال: ثم غمي عليه فلم يُفق حتى علا النهار. قال: فما رأيتُهُ بعد ذلك مبتسمًا حتى ماتَ رحمه الله.

وجاء أعرابي يومًا إِلَى عمر بن عبد العزيز، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، جاءت بي الحاجَةُ وانتهت الغايةُ، والله سائلك عني يوم القيامة. قال: ويحك! أعدْ عليَّ. فأعاد عليه؛ فنكَّسَ عمر رأسه وأرسل دموعَهُ حتى ابتلَّت الأرض، ثم رفع رأسه فَقَالَ: ويحك كم عيالك وكم أنتم؟ قال: أنا وثلاثُ بنات. ففرض له عَلَى ثلاثماثة وفرض لبناتِهِ عَلَى مائة وأعطاه مائة درهم وقال: هذا من مالي وليس من أموال المسلمين، اذهب فاستنفقها حتى تخرجَ أعطياتُ المسلمين وتأخذَ معهم.

وأتاه رجل من أهل أذربيجان فقام بين يديه فَقَالَ: يا أمير المومنين، اذكُر بمقامي هذا بين يديك مقامًا لا يشغل اللهَ عز وجل عنه كثرةُ من يتخاصم من الخلائق، يوم تلقاهُ بلا ثقةٍ من العمل، ولا براءةٍ من الذنب. فبكى عمر بكاءً شديدًا ثم قال: ويحك، اردد عليَّ كلامَكَ هذا. فجعل يردِّدُه وعمر يبكي وينتحب، ثم قال: حاجَتَك؟ قال: إِن عامل أذربيجان عدا عليَّ وأخذ

(1) يقال: تمخضت الليلة عن يوم سوء إذا كان صباحها صباح سوء. "لسان العرب" مادة: (مخض).

ص: 505

مني اثني عشر ألف درهم، فجعلها في بيت مال المسلمين فَقَالَ عمر اكتبوا له الساعة إِلَى عاملها حتى يردَّ عليه.

ووعظه رجل من الصالحين يومًا فَقَالَ له يا أمير المؤمنين، ما {من} أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا هو خصمٌ لك. فبكى عمر حتى تمنى ذلك الرجل أنه لم يكن قال شيئًا.

وقال عمر بن عبد العزيز يومًا لخالد بن صفوان: عظني وأوْجز. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، إِنَّ أقوامًا غرهم ستر الله تعالى عليهم، وفتنهم حسن الثناء، فلا يغلبن جهلُ غيركَ بك معرفتَكَ بنفسك. أعاذني الله وإياك أن نكون بالسترِ مغرورين، وبثناء الناس مفتونين، وعما افترض علينا متخلفين، وإلى الهوى مائلين. فبكى عمر ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتّباع الهوى.

وقال خالد بن صفوان يومًا لعمر: إِنَّ الله لم يَرضَ أن يكون أحد فوقك فلا ترض أن يكون أحدٌ (فوقي)(1)، فوالله لأخافنه خوفًا، ولأحذرنه حذرًا، ولأرجونه رجاءً، ولأحبَّنَّهُ محبةً، ولأشكرنَّه شكرًا، ولأحمدنه حمدًا، يكون ذلك كله طاقتي، ولأجتهدنَّ في العدلِ والنِّصفَةِ والزُّهْد في الدُّنْيَا لزوالها، والرغبة في بقاءِ الآخرة ودوامها حتى ألقى الله عز وجل؛ فلعلي أنجو مع الناجين، وأفوز مع الفائزين. وبكى حتى غشي عليه، وقام خالد وتركه عَلَى حاله.

وقرأ عمر بن عبد العزيز يومًا هذه الآية: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} (2) فبكى عمر بكاءً شديدًا حتى سمعه أهلُ الدارِ، فجاءت زوجته، فجعلت تبكي لبكائه، وبكى أهل الدار لبكائهما، فجاء ابنه عبد الملك فدخل عليهم وهم عَلَى تلك الحال فَقَالَ: يا أبه ما يبكيك؟! قال: خير يا بني، ودَّ أبوك أنه لم يعرف الدُّنْيَا

(1) كذا! ولعلها: "فوقه قال: ".

(2)

يونس: 61.

ص: 506

ولم تعرفه، يا بني لقد خشيتُ أن أهلك، يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار.

ودخل يومًا سابق البربري الشاعرُ عَلَى عمر بن عبد العزيز، فَقَالَ له عمر: عظني يا سابق وأوْجز. قال: نعم، وأبلغ يا أمير المؤمنين إن شاء الله. قال: هات. فأنشده:

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التُّقَى

وَوَافَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا

نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لا تَكُونَ شركتهُ

وَأَرْصَدْتَ قَبْلَ المَوْتِ مَا كَانَ أَرْصَدَا

فَبَكَى عُمَرُ حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.

وأنشد يومئذ قصيدةً حسنة، مشتملة عَلَى حكم ومواعظ، أنشدها لعمر بن عبد العزيز ونحن نذكرها ونختم بها الكتاب.

قال متمثلاً:

بسم الَّذِي أُنْزِلت من عندِهِ السُّور

والحمد للهِ أما بعدُ يا عمرُ

إِن كنتَ تعلمُ ما تأتِى وما تذر

فكُن عَلَى حَذَرٍ قد ينفَعُ الحذرُ

واصبرْ عَلَى القَدَر المقدورِ وارضَ به

وإن أتاك بما لا تشتهي القَدرُ

فما صفا لامرئ عيشٌ يُسرُّ به

إِلا وأعْقَبَ يومًا صفوَهُ كَدَرُ

قد يرعوي المرء يومًا بعد هفوته

وتحكم الجاهلَ الأيامُ والغيرُ

ص: 507

إِنَّ التقى خيرُ زادٍ أنتَ حاملُهُ

والبرّ أفضَلُ ما تأتي وما تذَرُ

من يطلُبِ الجورَ لا يَظْفَر بحاجتِهِ

وطالبُ العدلِ قد يُهدى له الظَّفَرُ

وفي الهدى عِبرٌ تشفى القلوبُ بها

كالغيثِ تنضُرُ عن وسمِّيه (1) الشَّجَرُ

وليس ذو العِلْمِ بالتقوى كجاهلها

ولا البصيرُ كأعمى ما له بَصَرُ

لا تَشْبَعُ النفسُ حتى حين تحرزُهُ

ولا يزال لها فى غيرِه وَطَرُ

ولا تزالُ وإن كانَتْ لها سعَةٌ

لها إِلَى الشيءِ لم تظفرْ به نَظَرُ

والذكرُ فيهِ حياةٌ للقلوبِ كما

يُحيي البلادَ إذا ما ماتَت المطرُ

والعلمُ يجلو العمى عن قلْبِ صاحبِهِ

كما يجلي سوادَ الظُّلمَةِ القمرُ

لا ينفعُ الذكرُ قلبًا قاسيًا أبدًا

وهل يَلينُ لقولِ الواعِظِ الحجَرُ

ما يلبثُ المرءُ أن يبلى إذا اختَلفَتْ

يومًا عَلَى نفسِهِ الدَّوحاتُ (2) والغِيَرُ (3)

والمرءُ يَصْعَدُ ريعانُ الشباب به

وكلُّ مُصعدَةِ يومًا ستنحَدِرُ

(1) وسميه: الوسمي هو مطر أول الربيع. "لسان العرب" مادة (وسم).

(2)

الدوائح: العظائم. "لسان العرب" مادة: (دوح).

(3)

الغير: تغير الدهر من حال إِلَى حال. انظر "لسان العرب" مادة: (غير).

ص: 508

بينا نرى الغُصْنَ لدْنًا في أرومتِهِ (1)

ريانَ صارَ حُطامًا جوفُهُ نَخِرُ

وكل بيتٍ خرابٌ بعد جدَّتِهِ

ومن وراءِ الشبابِ الموتُ والكبرُ

والموتُ جسرٌ لمن يمشي عَلَى قَدَمٍ

إِلَى الأمورِ التي تُخشَى وتُنتَظَرُ

فهم يمرّون إليها وتجمَعُهُم

دارٌ إليها يصيرُ البدوُ والحَضَرُ

فكم جميعٍ أشتت الدهرُ شملهُمُ

وكلُّ شَمْلٍ جميعٍ سوف ينتشرُ

ورُبَّ أصيدَ سامي الطرفِ متعصبٍ

بالتاجِ نيرانُهُ للحربِ تستَعِرُ

يظل مفترشَ الديباجِ محتجبًا

عليه تُبنى قباب الملكِ والحُجَرُ

قد غادرتْهُ المنايا وهو مُستَلبٌ

مجدَّلٌ تربُ الخدينِ مُنعفرُ

أبعْدَ آدمَ ترجون البقاءَ وهل

تبقى فروع لأصلِ حين ينعقِرُ

لهم بيوتٌ بمستن السيوفِ وهل

يبقى عَلَى الماء بيتٌ أسُّهُ مَدَرٌ

إِلَى الفناءِ وإن طَالَتْ سلامتُهُم

مصيرُ كل بنى أنثى وإن كثروا

إِنَّ الأمور إذا استقبلتها اشتَبَهتْ

وفي تدبُّرها التبيانُ والعِيَرُ

(1) أرومته: أصله. "لسان العرب" مادة: (روم).

ص: 509

والمرءُ ما عاش فى الدُّنْيَا له أملٌ

إذا انقضى سفرٌ منها أتى سَفَرُ

لها حلاوةُ عيشٍ غيرُ دائمةٍ

وفي العواقبِ منها المُرُّ والصَّبرُ

إذا انقضت زمرٌ آجالُها نزلتْ

عَلَى منازلها من بعدِها زُمَرُ

وليس يزجرُكم ما توعظون به

والبُهم يزجرُها الراعي فتنزجر

أصبحتم جُزُرًا للموت يقبضكم

كما البهائمُ في الدُّنْيَا لها جزُرُ

لا تبطروا واهجروا الدُّنْيَا فإن لها

غبًّا وخيمًا وكفرُ النعمةِ البَطرُ

ثم اقتدوا بالألى كانوا لكُمْ غررًا

وليس من أمةٍ إلا لها غُرَرُ

حتى تكونوا عَلَى منهاجِ أوّلكُمْ

وتصبروا عن هوى الدُّنْيَا كما صبروا

ما لي أرى الناس والدنيا مُوَلّيةٌ

وكل حبل عليها سوف يَنبَتِرُ

لا يشعرون بما في دينهم نقصوا

جهلاً وإن نقصت دُنياهُمُ شعروا

***

ص: 510

تفسير سورة النصر

ص: 511

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الأجلُّ عبد الرحمن بن رجب رحمه الله وعفا عنه بمنه وكرمه آمين-: "الكلام عَلَى سورة النَّصر".

جاء في حديث أنها: "تعدل ربع القرآن"(1).

وهي مدنية بالاتفاق، بمعنى: أنها نزلت بعد الهجرة إِلَى المدينة، وهي من أواخر ما نزل.

وفي "صحيح مسلم"(2) عن ابن عباس قال: "آخر سورة نزلت من القرآن جميعًا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (3) ".

واختلف في وقت نزولها، فقيل: نزلت في السنة التي تُوفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي "مسند الإمام أحمد"(4) عن محمد بن فُضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:"لما نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نُعيت إليَّ نفسي {بأنه} (5) مقبوض في تلك السنة".

عطاء هو ابن السائب اختلط بأخرة.

ويشهد له ما أخرجه البزار في "مسنده"(6) والبيهقي (7) من حديث موسى ابن عبيدة، عن عبد الله بن دينار وصدقة بن يسار (8) عن ابن عمر قال:

(1) أخرجه الترمذي (2895)، وأحمد (3/ 146 - 147، 221) من حديث أنس بن مالك، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وضعفه ابن حجر في الفتح (9/ 62).

(2)

برقم (3024).

(3)

النصر: 1.

(4)

(1/ 217).

(5)

بياض بالأصول والمثبت من المسند.

(6)

في "كشف الأستار"(1141).

(7)

في "السنن الكبير"(5/ 152).

(8)

في جميع الأصول: بشار، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه.

ص: 513

"نزلت هذه السورة عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، وهو في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت له ثمَّ ركب، فوقف للناس بالعقبة، فحمد الله وأثنى عليه

" وذكر خطبة طويلة.

هذا إسناد ضعيف جدًّا، وموسى بن عبيدة قال أحمد: لا تحل عندي الرواية عنه.

وعن قتادة قال: "عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها سنتين".

وهذا يقتضي أنها نزلت قبل الفتح، وهذا هو الظاهر؛ لأنّ قوله:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} يدل دلالة ظاهرة عَلَى أن الفتح لم يكن قد جاء بعد، لأنّ "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان، هذا هو المعروف في استعمالها، وإن كان قد قيل إنها تجيء للماضي كما في قوله:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} (1).

وقوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} (2).

وقد أجيب عن ذلك بأنه أريد أن هذا شأنهم ودأبهم لم يرد به الماضي بخصوصه، وسنذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن" ومجيء أهل اليمن (كما قيل: في)(*) حجة الوداع. قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} .

أمَّا نصر الله فهو معونته عَلَى الأعداء حتى غلب النبي صلى الله عليه وسلم العرب كلهم، واستولى عليهم من قريش وهوازن وغيرهم. وذكر النقَّاش عن ابن عباس أن النصر هو صلح الحديبية.

(1) الجمعة: 11.

(2)

التوبة: 92.

(*)"كان قبل" نسخة.

ص: 514

وأمَّا الفتح فقيل: هو فتح مكة بخصوصها. قاله ابن عباس وغيره؛ لأنّ العرب كانت تنتظر بإسلامها ظهور النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى مكة.

وفي "صحيح البخاري"(1) عن عمرو بن سلمة قال: "لمَّا كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأحياء تَلوَّمُ (2) بإسلامها فتح مكة فيَقُولُونَ: دعوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي".

وعن الحسن قال: "لمَّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب: أما إذا ظفر محمد بأهل مكة، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان. فَدَخلوا في دين الله أفواجًا".

وقيل: إِنَّ الفتح يعم مكة وغيرها مما فُتح بعدها من الحصون والمدائن، كالطائف وغيرها من مدن الحجاز واليمن وغير ذلك، وهو الَّذِي ذكره ابن عطية.

وقوله: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} (3).

المراد بالناس العموم عَلَى قول الجمهور، وعن مقاتل: أنهم أهل اليمن.

وفي "مسند الإمام أحمد"(4) من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لمَّا نزلت هذه السورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها، فَقَالَ: "«النَّاسُ حَيِّزٌ وَأَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ» . وقال: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» وأن مروان كذَّبه فصدق رافع بن خديج وزيد بن ثابت أبا سعيد عَلَى ما قال.

(1) برقم (4302).

(2)

التَّلوُّم: الانتظار والتلبث. "اللسان"(12/ 557).

(3)

النصر: 2.

(4)

(3/ 22).

ص: 515

وهذا يستدل به عَلَى أنَّ المراد بالفتح فتح مكة؛ فقد ثبت في "الصحيحين" من حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: «لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» (1).

وأيضًا فالفتح المطلق هو فتح مكة كما في قوله: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} (2) ولهذا قال: «النَّاسُ حَيِّزٌ، وَأَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ» .

وروى النسائي (3) من طريق هلال بن خَبّاب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "لمَّا نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إِلَى آخر السورة قال: نُعيتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسُهُ حين أُنزلت، فأخذَ بأشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:«جَاءَ الْفَتْحُ، وَجَاءَ نَصْرُ اللهِ وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا أَهْلُ الْيَمَنِ؟ قَالَ: قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ لَيِّنَةٌ {قُلُوبُهُمُ} (4) الْإِيمَانُ يَمَانٌ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالْفِقْهُ يَمَانٌ» .

وروى ابن جرير (5) من طريق الحسين بن عيسى الحنفي، عن معمر، عن الزهري، عن أبي حازم، عن ابن عباس قال:«بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال: الله أكبر الله أكبر، وَجَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ، جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا أَهْلُ الْيَمَنِ؟ قَالَ: قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ لَيِّنَةٌ طِبَاعُهُمُ، الْإِيمَانُ يَمَانٌ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانٌ، وَالْفِقْهُ يَمَانِيَةٌ» .

ورواه أيضاً من طريق عبد الأعلى، عن معمر، عن عكرمة مرسلاً، وكذا هو في "تفسير عبد الرزاق" عن معمر، أخبرني من سمع عكرمة

فأرسله.

(1) أخرجه البخاري (1834)، ومسلم (1353).

(2)

الحديد: 10.

(3)

في "السنن الكبرى"(11712).

(4)

في "الأصل": ألسنتهم. والمثبت من "أ" و"السنن الكبرى".

(5)

"تفسير الطبري"(30/ 215).

ص: 516

وهذا لا يدل عَلَى اختصاص أهل اليمن بالناس المذكورين في الآية، وإنما يدل عَلَى أنّهم داخلون في ذلك؛ فإن الناس أعم من أهل اليمن.

قال ابن عبد البر: لم يمت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل كافر بل دخل الكُلُّ في الإسلام بعد حُنين والطائف، منهم من قِدم، ومنهم قَدِم وفده ثُمّ كان بعدُ من الردةِ ما كان، ورجعوا كلهم إِلَى الدين.

قال ابن عطية: المراد -والله أعلم-: العرب عبدة الأوثان. وأمَّا النصارى بنو تغلب فما أراهم أسلموا قط في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن أعطوا الجزية.

والأفواج: الجماعةُ إثر الجماعة كما قال الله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} (1) وفي "المسند"(2) من طريق الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي جَارٌ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ:"قَدِمْتُ مِنْ سَفَرٍ فَجَاءَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يُسَلِّمُ عَلَيَّ، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ عَنْ افْتِرَاقِ النَّاسِ، وَمَا أَحْدَثُوا، فَجَعَلَ جَابِرٌ يَبْكِي، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ دَخَلُوا فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا وَسَيَخْرُجُونَ مِنْهُ أَفْوَاجًا".

وقوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (3).

فيه قولان: حكاهما ابن الجوزي:

أحدهما: أن المراد به الصلاة، نقله عن ابن عباس.

والثاني: التسبيح المعروف.

وفي "الباء" في {بحمد} قولان:

(1) الملك: 8.

(2)

(3/ 343).

(3)

النصر: 3.

ص: 517

أحدهما: أنها للمصاحبة، فالحمد مضاف إِلَى المفعول، أي: فسبحه حامدًا له، والمعنى: اجمع بين تسبيحه -وهو تنزيهه عما لا يليق به من النقائص- وبين تحميده، وهو إثبات ما يليق به من المحامد.

والثاني: أنها للاستعانة، والحمد مضاف إِلَى الفاعل، أي سبحه بما حَمِد به نفسه؛ إذ ليس كل تسبيح بمحمود، كما أن تسبيح العتزلة يقتضي تعطيل كثير من الصفات، كما كان بشر المريسي يقول: سبحان ربي الأسفل.

وقوله: {واستغفره} أي: اطلب مغفرته، والمغفرة: هي وقاية شر الذنب لا مجرد ستره.

والفرق بين العفو والمغفرة أن العفو محو أثر الذنب، وقد يكون بعد عقوبة عليه، بخلاف المغفرة، فإنها لا تكون مع العقوبة.

وقوله: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} إشارة إِلَى أنه سبحانه يقبل توبة المستغفرين المنيبين إِلَيْهِ، فهو ترغيب في الاستغفار، وحث عَلَى التوبة. وقد فهم طائفة من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمر بالتسبيح والتحميد والاستغفار عند مجيء نصر الله والفتح، شكرًا لله عَلَى هذه النعمة، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ثمان ركعات (1). وكذلك صلى سعد يوم فتح المدائن، وكانت تلك تسمى: صلاة الفتح.

وأما عمر وابن عباس فقالا: بل كان مجيء النَّصر والفتح علامة اقتراب أجله، وانقضاء عمره، فامر أن يختم عمله بذلك، ويتهيأ للقاء الله، والقدوم عليه عَلَى أحسن أحواله وأتمها، فإنه لمَّا جاء نصر الله والفتح بحيث صارت مكة دار إسلام، وكذلك جزيرة العرب كلها، ولم يبق بها كافر، ودخل الناس في دين الله أفواجًا.

(1) أخرجه البخاري (280)، ومسلم (336).

ص: 518

وقد بلَّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالات ربه، وعلَّم أمته مناسكهم وعباداتهم، وتركهم عَلَى البيضاء، ليلها كنهارها، ولم يبق له من الدُّنْيَا حاجة، فحينئذ تهيأ للنَّقلة إِلَى الآخرة؛ فإنها خير له من الأولى، ولهذا نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

} (1) بعرفة.

وعلَّم الأمة مناسكهم، وقال لهم:"لعلي لا أراكم بعد عامي هذا"(2).

وقال لهم: "هل بلغت؟ قالوا: نعم"، وأشهد الله عليهم بذلك وودَّع النَّاس، فقالوا: هذه حجة الوداع (3).

وقد خيَّر صلى الله عليه وسلم بين الدُّنْيَا وبين لقاء ربه، فكان آخر ما سُمع منه:"اللهم الرفيق الأعلى"(4).

ونظير هذا الفهم الَّذِي فهمه عمر من هذه السورة ما فهمه أبو بكر من قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: "إِنَّ عبدًا خير بين الدُّنْيَا وبين لقاء ربه، فاختار لقاء ربه"(5) وقد سبق من حديث ابن عباس ما يدل عَلَى ذلك.

وفي "صحيح البخاري"(6) من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟! فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ. فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ، فَمَا رأيتُ أَنَّهُ دَعَانِي فِيهِمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا جَاءَ نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لَا.

(1) المائدة: 3.

(2)

أخرجه مسلم (1297).

(3)

أخرجه البخاري (4406)، ومسلم (1679).

(4)

أخرجه البخاري (5674، 5743، 5750)، ومسلم (2191).

(5)

أخرجه البخاري (3904)، ومسلم (2382).

(6)

برقم (4970).

ص: 519

قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ لَهُ، قَالَ:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} فَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ» وقد رُويت هذه القصة عن ابن عباس من غير وجه.

وفي "المسند"(1) عن أبي رزين، عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد نعيت إِلَيْهِ نفسه".

وقد سبق من حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا نزلت هذه السورة أخَذَ في أشد ما كان اجتهادًا في أمرِ الآخرة".

وروى الخرائطي في كتاب "الشكر" من طريق {شاذ} (2) بن فياض، عن الحارث بن شبل، عن أم النُّعمان الكندية، عن عائشة قالت:"لما نزلت هذه الآية: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة، فقِيلَ لَهُ: يا رسول الله، ما هذا الاجتهاد؟ أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبكَ وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا". إسناده ضعيف.

وروى البيهقي (3) من طريق سعيد بن سليمان، عن عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«لَمَّا نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي. فَبَكَتْ ثُمَّ ضَحِكْتِ. وَقَالَتْ: أَخبرني أَنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي فَبَكَيْتُ، ثُمَّ أَخبرني: إِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لَاحِقًا بِي فَضَحِكْتُ» .

(1)(1/ 344).

(2)

في "الأصل": بشار. وفي "أ" بياض والصواب ما أثبتناه كما في "تهذيب الكمال"(12/ 339).

(3)

في "دلائل النبوة"(7/ 167).

ص: 520

وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من التسبيح والتحميد والاستغفار بعد نزول هذه السورة؛ ففي "الصحيحين"(1) عن مسروق، عن عائشة قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. يتأول القرآن".

وفي "المسند"(2) و"صحيح مسلم"(3) عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. وَقَالَ: إَنَّ رَبِّي كَانَ أَخْبَرَنِي أَنِّي سَأَرَى عَلَامَةً فِي أُمَّتِي، وَأَمَرَنِي إِذَا رَأَيْتُهَا أَنْ أُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِرَهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا، فَقَدْ رَأَيْتُهَا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}» السورة كلَّها.

وروى ابن جرير (4) من طريق حفص، ثنا عاصم (5) عن الشعبي، عن أم سلمة قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقومُ ولا يقعدُ ولا يذهبُ ولا يجيء إلا قال: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ. فقلت: يا رسول الله، إنك تُكثرُ من قول: سبحان الله وبحمده {لا تذهب ولا تجيء ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ} قال: إني أمرت بها. فَقَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إِلَى آخر السورة". غريب.

وفي "المسند"(6) عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} كَانَ يُكْثِرُ إِذَا قَرَأَهَا وَرَكَعَ (7) أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ثَلَاثًا".

(1) أخرجه البخاري (817)، ومسلم (484).

(2)

في (6/ 35، 184).

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 351) برقم (484/ 220).

(4)

في "تفسير"(30/ 216).

(5)

في "الأصل، أ": "حفص بن عاصم". وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من التفسير وانظر "تهذيب الكمال"(14/ 32، 13/ 486، 487).

(6)

(1/ 388، 392، 394، 410، 434، 455).

(7)

زاد في الأصل: "وسجد" وهي زيادة مقحمة.

ص: 521

واعلم أنَّ التسبيح والتحميد فيه إثبات صفات الكمال ونفي النقائص والعيوب، والاستغفارُ يتضمنُ وقايةَ شر الذنوب.

فذاك حق الله، وهذا حق عبده، ولهذا في خطبة الحاجة:"الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره"(1).

وكان رجل في زمن الحسن البصري معتزل النّاس، فسأله الحسن عن حاله، فَقَالَ: إني أُصبح بين نعمة وذنب فأحدثُ للنعمة حمدًا، وللذنب استغفارًا، فأنا مشغولٌ بذلك. فَقَالَ الحسن: الزم ما أنت عليه، فأنت عندي أفقه من الحسن.

والاستغفار: هو خاتمة الأعمال الصالحة، فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله خاتمة عُمرِهِ.

كما يُشرع لمصلي المكتوبة أن يستغفر عقبها ثلاثًا (2)، وكما يُشرع للمتهجد من الليل أن يستغفر بالأسحار، قال تعالى:{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (3) وقال: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (4) وكما يشرع الاستغفار عقيب الحج قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (5).

وكما يشرع ختمُ المجالس بالتسبيح والتحميد والاستغفار وهو كفارة المجلس (6)، وروي أنه يختم به الوضوء أيضًا (7).

(1) أخرجه مسلم (868).

(2)

أخرجه مسلم (591).

(3)

الذاريات: 18.

(4)

آل عمران: 17.

(5)

البقرة: 199.

(6)

أخرجه أبو داود (4858)، والترمذي (3433)، والنسائي فى "الكبرى"(10230)، وأحمد (2/ 369، 494).

(7)

أخرجه النسائي في "الكبرى"(9909).

ص: 522