الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهم ويقول: أجعتني وأجعت عيالي وأعريتني وأعريت عيالي، فبأي وسيلة توسلت بها إليك حتى تفعل هذا بي، وإنَّما تفعل هذا بأوليائك وأحسابك، فهل أنا منهم حتى أفرح، وعريت ابنة له فقِيلَ لَهُ: لو طلبت من أحد أن يكسوها؟ فَقَالَ: أدَعُها حتى يرى الله عريها وصبري عَلَى ذلك.
وجيء إِلَى عبد الصمد الزاهد بمال، فأبى أن يقبله فقالوا له: تصدق به.
فَقَالَ لأصحابه: من كانت له حاجة إلي شيء فليأخذ، فَتَورَّعَهُ أصحابُهُ بقدر حاجاتهم فجاء إِلَيْهِ بني له صغير يبكي فَقَالَ: أنا جائع. فَقَالَ: اذهب فخذ عليَّ من البقال ربع رطل تمر.
إخواني، الطبع إِلَى التوسع في الدُّنْيَا يحن، والولد يطلب ما يشتهي، والزوجة تطلب سعة النفقة، والورع يمنع من التوسع {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (1) فإن كان الإمام أحمد قد امتنع أن يأخذ من الخليفة شيئًا من مال بيت المال، واقتنع بِكَري حوانيت له، كانت تغل في الشهر عشرين درهمًا أو أقل، فأخذ أولاده من الخليفة، فهجرهم لذلك. وكانت أم ولده تعاتبه وتقول له: أنا معك في ضيق وأولادك يأكلون ويفعلون ويفعلون. ليقول لها: قولي خيرًا. فخرج إِلَيْهِ صبي له صغير يبكي فَقَالَ: أي شيء تريد؟ قال: زيت. قال: اذهب فخذ من البقال بحبة.
[شعر]
كم أحمل في هواك كلاًّ وعنَّا
…
كم أصبر فيك تحت (سقم)(2) وضنًّا
لا تطردني فليس لي عنك غنى
…
هذا حالي فإن رحمتم فأنا
(1) الأحزاب: 11.
(2)
كتب الناسخ فوقها "ضر".
غيره:
من أجل هواكمُ هجرت الخلقا
…
لم يُبق حقكمُ لنفسي حقًّا
في حبكم يهون ما قد ألقى
…
ما يسعد بالنعيم من لا يشقى
وأيضًا فكثرة العيال مما يوجب تعلق القلب بهم، فيشغل ذلك عن محبته وخدمته لله، وقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (1).
قال أبو حازم: كل ما شغلك عن الله من مال أو ولد فهو عليك شؤم.
وقد روى أبو نعيم (2) بإسناد ضعيف من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "إذا أَحَبّ الله عبدًا اقتناه لنفسه، ولم يشغله بزوجة ولا ولد".
ومن كلام الشيخ عبد القادر: وكم تقول: كل من أحبه لا يدوم لي، بل يحال بيني وبينه بموت أو غيره، فيقال لك: يا محبوب الحق! المعني به المنطورُ إِلَيْهِ المغَارُ عليه، أما علمت أن الله غيور، خلقك له وتروم أن تكون لغيره، أما سمعت قوله عز وجل:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (3) وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أَحَبّ الله عبدًا ابتلاه
(1) المنافقون: 9.
(2)
في "الحلية"(1/ 25) من طريق عبد الملك بن يزيد، ثنا أبو عوانة عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود. فذكره. وأورد الخبر الذهبي في "الميزان"(4/ 418 - علمية) وابن حجر في اللسان (4/ 73) في ترجمة عبد الملك بن يزيد، وقال الذهبي: عبد الملك بن يزيد، عن أبى عوانة بخبر باطل في ترك التزويج، لا يُدرى من هو؟ ثم ساق الخبر بإسناد أبي نعيم وقال: رواه ابن الجوري في "الموضوعات". وعزاه العجلوني في "كشف الخفا"(1/ 465) للخطيب وغيره.
(3)
المائدة: 54.
(4)
الذاريات: 56.