الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو قول أكثر الفقهاء؛ لأنّ التحريم فيها لا يعود إِلَى شرط فيها ولا ركن ولا واجب.
وحكي عن أبي بكر عبد العزيز ما يقتضي بطلانها، وهو قول طائفة من أهل الظاهر كابن حزم وغيره، نظرًا إِلَى فعل الصلاة عَلَى وجه منهي عنه في الجملة.
فصل [في عد الآي والركعات في الصلاة بالخاتم]
ومن ذلك عد الآي والركعات في الصلاة بالخاتم، روى الفضل بن شاذان الرازي المقري في كتاب "عد الآي والركعات في الصلاة" من طريق عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه، عن عائشة "أنها كانت إذا صلت المكتوبة عدت صلاتها بخاتمها، تحوله في يديها حتى تفرغ من صلاته وتحفظ به".
وعن أبي معشر عن إبراهيم قال: لا بأس أن يحفظ الرجل صلاته بخاتمه.
فصل [فيما إذا مات الرجل وفي يده خاتم هل ينزع]
ومن ذلك أن الميت إذا كان في يده خاتم نزع عنه، ولم يترك معه، فإن لم يخرج بُرِد وأُزيل عنه. ذكره الأصحاب؛ لأنّ في تركه إضاعة للمال بغير غرض صحيح.
وقد تقدم في ذكر خاتم الذهب أن أبا أسيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم نزعوا عنه خاتمه بعد موته.
وقد روى ابن أبي الدُّنْيَا في "كتاب القبور" بإسناده عن عنبسة بن سعيد - وكان عالمًا- قال: وجد أبو موسى مع دانيال مصحفًا وجرة فيها ودك ودراهم وخاتمه، فكتب أبو موسى بذلك إِلَى عمر، فكتب إليه: أما المصحف فابعث به إلينا، وأما الودك فابعث إلينا منه، ومُرْ من قبلك من المسلمين يستبقون به، وأقسم الدراهم بينهم، فأما الخاتم فقد نفلناكه.
ثم روى من حديث ابن وهب، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: رأيت في يد أبي بردة -يعني: ابن (أبي)(1) موسى الأشعري خاتمًا نقش فصه أسَدان، بينهما رَجُلٌ يلحسان ذلك الرجل، فَقَالَ أبو بردة: هذا الخاتم خاتم ذلك الرجل الميت الَّذِي زعم أهل ذلك البلد أنَّه دانيال، أخذه أبو موسى يوم دفنه، فسأل أبو موسى: علماء تلك القرية عن نقش ذلك الخاتم فَقَالَ: إِنَّ الملك الَّذِي كان دانيال في سلطانه جاءه المنجمون وأصحاب العِلْم فقالوا: إنه يولد ليلة كذا وكذا غلام يعوق ملكك ويفسده. فَقَالَ الملك: والله لا يبقى غلام يولد تلك الليلة إلا قتل، إلا أنهم أخذوا دانيال فألقوه في أجمة الأسد، فبات الأسد ولبوته يلحسانه، فجاءت أمه فوجدتهما يلحسانه، فنجاه الله تعالى بذلك حتى بلغ ما بلغ. قال أبو بردة: قال أبو موسى: قال علماء تلك القرية فنقش دانيال صورته، وصورة الأسدين يلحسانه في خاتمه، لئلا ينسى نعمة الله عز وجل في ذلك.
قلت: كان التصوير لحاجة مباحًا في غير هذه الملة كما أخبر الله عن سليمان أن الجن يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، وقد رُوي في حديث أسلفناه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قُبض والخاتم في يمينه". فلو ثبت لدل عَلَى هذا الحكم، فإن خاتمه لم يدفن معه، بل بقي عند أبي بكر مدة خلافته، ثم عند عمر وعثمان إِلَى أن سقط في بئر أويس، وقد كان بعض الناس يوصي بترك خاتمه معه إذا دفن، كما روى ابن أبي الدُّنْيَا في كتاب "المحتضرين" عن أبي إسحاق الرياحي عن مرجا بن وداع قال: كان شاب به رهق فاحتضر فقالت له أمه: يا بني أوص بشيء، قال: نعم. خاتمي لا تسلبينه فإن فيه ذكر الله لعل الله عز وجل أن يرحمني، فمات فرؤي في النوم، فَقَالَ: أخبروا أمي أن الكلمة قد نفعتني، وأن الله قد غفر لي.
(1) سقطت من الناسخ.
ولكن لم يثبت ذلك عمن نعتد بقوله، وليس في هذا عرض صحيح، فإن دفن ما فيه ذكر الله مع الميت، وإن كان قد نقل عن كثير بن العباس أنَّه أوصى أن يكتب معه عَلَى أكفانه، وينبغي أن تتأكد كراهة ترك خاتم الحديد مع الميت، لما ورد من أنَّه حلية أهل النار، ومتى دفن معه فهو كما لو وقع ماله قيمة يجوز نبشه لأخذه.
وأما الشهيد فإن الأصحاب ذكروا أنَّه ينزع عنه صلاحه وآلات القتال خاصة ويدفن في بقية ثيابه؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أمر أن ينحى عنهم الجلود والحديد وهما آلات القتال، فهل يقال: يلحق الخاتم بالثياب الملبوسة؛ لأنّه لباس أيضاً؟ وإن كان زينة فهو كثياب الجمال الَّذِي عليه؟ ويقال: يلحق بالنفقة التي معه، فتؤخذ منه؟ هذا فيه تردد، والأشبه تخريجه عَلَى وجهين من مسألة إلحاق الحلي في سلب الكافر المقتول بثيابه، فيكون لقاتله عَلَى المذهب المشهور، وعلى وجه يلحق بالنفقة الموجردة معه، فيكون غنيمة. والأقرب ترك الخاتم ونزع غيره من الحلي عنه؛ لأنّه قد يكون كثيرًا كما إذا قتلت المرأة في المعركة وعليها حلي كثير، فترك مثل هذا معها إضاعة للمال بغير فائدة.
وقد نص أحمد في رواية صالح عَلَى نزع المنطقة عن الشهيد.
وقد أورد ابن أبي الدُّنْيَا في كتاب "القبور" من طريق ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنَّه حدَّث أن رجلاً من أهل نجران في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته، فوجد عبد الله بن الثامر تحت دفن منها قاعدًا واضعًا يديه عَلَى ضربة في رأسه، ممسك عليها يده، فإذا أخرت يده عنها ثغبت دمًا، فإن أرسلت يده ردها عليه فأمسك دمها، وفي يده خاتم مكتوب فيه "ربي الله"، فكتب فيه إِلَى عمر يخبره بأمره، فكتب إِلَيْهِ عمر أن أقروه عليَّ حاله، وردوا عليه الدفن الَّذِي كان عليه. ففعلوا.