الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصح وتذكير لمن لم
يخرج الزكاة على الوجه المشروع
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن الباعث لكتابة هذه الرسالة هو النصح والتذكير بفريضة الزكاة التي تساهل بها الكثير من المسلمين، فلم يخرجوها على الوجه المشروع مع عظم شأنها، وكونها أحد أركان الإسلام الخمسة التي لا يستقيم بناؤه إلا عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت (1) » .
(1) رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم (8) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16) ، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء بني الإسلام على خمس برقم (2609) واللفظ له
وفرض الزكاة على المسلمين من أظهر محاسن الإسلام ورعايته لشئون معتنقيه؛ لكثرة فوائدها، ومسيس حاجة فقراء المسلمين إليها.
فمن فوائدها: تثبيت أواصر المودة بين الغني والفقير لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.
ومنها: تطهير النفس وتزكيتها، والبعد بها عن خلق الشح والبخل، كما أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (1)
ومنها: تعويد المسلم صفة الجود والكرم والعطف على ذي الحاجة.
ومنها: استجلاب البركة والزيادة والخلف من الله، كما قال تعالى:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: يقول الله عز وجل: «يا ابن آدم أنفق ننفق عليك (3) » إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها، أو قصر في إخراجها، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (4){يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (5)
(1) سورة التوبة الآية 103
(2)
سورة سبأ الآية 39
(3)
صحيح البخاري النفقات (5352) ، صحيح مسلم الزكاة (993) .
(4)
سورة التوبة الآية 34
(5)
سورة التوبة الآية 35
فكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة، كما دل على ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار (1) »
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها، وأخبر أنه يعذب بها يوم القيامة.
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (3) »
(1) رواه مسلم في (الزكاة) باب إثم مانع الزكاة برقم (987) .
(2)
رواه البخاري في (الزكاة) باب إثم مانع الزكاة برقم (1403)
(3)
سورة آل عمران الآية 180 (2){وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
والزكاة تجب في أربعة أصناف: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، والسائمة من بهيمة الأنعام، والذهب والفضة، وعروض التجارة.
ولكل من الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه.
فنصاب الحبوب والثمار: خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون مقدار النصاب بصاع النبي صلى الله عليه وسلم من التمر والزبيب والحنطة والأرز والشعير ونحوها: ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أربع حفنات بيدي الرجل المعتدل الخلقة إذا كانت يداه مملوءتين.
والواجب في ذلك العشر إذا كانت النخيل والزروع تسقى بلا كلفة؛ كالأمطار، والأنهار، والعيون الجارية، ونحو ذلك.
أما إذا كانت تسقى بمئونة وكلفة؛ كالسواني، والمكائن الرافعة للماء، ونحو ذلك، فإن الواجب فيها نصف العشر، كما صح الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما نصاب السائمة من الإبل والبقر والغنم: ففيه تفصيل مبين في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي استطاعة الراغب في معرفته سؤال أهل العلم عن ذلك، ولولا قصد الإيجاز لذكرناه لتمام الفائدة.
وأما نصاب الفضة: فمائة وأربعون مثقالا، ومقداره بالدراهم العربية السعودية: ستة وخمسون ريالا.
ونصاب الذهب:
أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله (1) » أخرجه أبو داود، والنسائي، بسند حسن.
وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها «أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز (2) » مع أحاديث أخرى في هذا المعنى.
أما العروض: وهي السلع المعدة للبيع، فإنها تقوم في آخر العام، ويخرج ربع عشر قيمتها، سواء كانت قيمتها مثل ثمنها أو أكثر أو أقل، لحديث سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع (3) » رواه أبو داود.
ويدخل في ذلك: الأراضي المعدة للبيع، والعمارات، والسيارات، والمكائن الرافعة للماء، وغير ذلك من أصناف السلع المعدة للبيع.
أما العمارات المعدة للإيجار لا للبيع، فالزكاة في أجورها إذا حال عليها الحول، أما ذاتها فليس فيها زكاة؛ لكونها لم تعد للبيع.
وهكذا السيارات الخصوصية والأجرة ليس فيها زكاة إذا كانت لم تعد للبيع، إنما اشتراها صاحبها للاستعمال.
وإذا اجتمع لصاحب سيارة
(1) رواه أبو داود في (الزكاة) باب الكنز ما هو وزكاة الحلي برقم (1563) .
(2)
رواه أبو داود في (الزكاة) باب الكنز ما هو وزكاة الحلي برقم (1564) .
(3)
رواه أبو داود في (الزكاة) باب العروض إذا كانت للتجارة برقم (1562) .
الأجرة أو غيره نقود تبلغ النصاب فعليه زكاتها، إذا حال عليها الحول، سواء كان أعدها للنفقة، أو للتزوج، أو لشراء عقار، أو لقضاء دين، أو غير ذلك من المقاصد؛ لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الزكاة في مثل هذا.
والصحيح من أقوال العلماء: أن الدين لا يمنع الزكاة؛ لما تقدم.
وهكذا أموال اليتامى والمجانين تجب فيها الزكاة عند جمهور العلماء إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول، ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول؛ لعموم الأدلة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ لما بعثه إلى أهل اليمن:«إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم (1) »
والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعا أو يدفع ضرا، ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة، بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها؛ لكونهم من أهلها، لا لغرض آخر، مع طيب النفس بها، والإخلاص لله في ذلك، حتى تبرأ ذمته ويستحق جزيل المثوبة والخلف.
وقد أوضح الله سبحانه في كتابه الكريم أصناف أهل الزكاة، قال
(1) رواه البخاري في (الزكاة) باب وجوب الزكاة برقم (1395) ، ومسلم في (الإيمان) باب الدعاء إلى الشهادتين برقم (19) .
وفي ختم هذه الآية الكريمة بهذين الاسمين العظيمين تنبيه من الله سبحانه لعباده على أنه سبحانه هو العليم بأحوال عباده؛ من يستحق منهم للصدقة ومن لا يستحق، وهو الحكيم في شرعه وقدره، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها، وإن خفي على بعض الناس بعض أسرار حكمته؛ ليطمئن العباد لشرعه، ويسلموا لحكمه.
والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين للفقه في دينه، والصدق في معاملته، والمسابقة إلى ما يرضيه، والعافية من موجبات غضبه، إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(1) سورة التوبة الآية 60
س: ما نصيحتكم لرجل لا يؤدي الزكاة، لعل قلبه يلين فيرجع إلى الحق؟ (1) .
ج: نصيحتي لمن بخل بها أن يتقي الله وأن يتذكر أن الذي أعطاه إياها قد ابتلاه بها، الذي أعطاه المال قد ابتلاه به، فإن شكر النعمة وأدى حقها أفلح وإن بخل بالزكاة، ولم يؤد حق هذه النعمة خسر وخاب وذاق عذاب ذلك وجزاء ذلك في قبره ويوم القيامة- نسأل الله العافية- فالمال زائل وأمره خطير وعواقبه وخيمة لمن بخل ولم يؤد زكاته، وسوف يدعه لمن بعده ويكون عليه حسابه ووزره، فالواجب على كل مسلم عنده مال أن يتقي الله ويتذكر الموقف بين يدي الله، وأنه سبحانه يجازي كل عامل بعمله وأن هذا المال بلية، كما قال عز وجل:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (2) وقال سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (3) فالمال ابتلاء وامتحان، فإن شكرت الله وأديت حقه وصرفته في وجوهه أفلحت كل الفلاح، وصار نعمة في حقك، ونعم الصاحب للمؤمن هذا المال، يصل به رحمه، ويؤدي به الحقوق التي عليه، ويساهم في
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته بعد محاضرته عن (الزكاة ومكانتها في الإسلام) في الجامع الكبير بالرياض.
(2)
سورة التغابن الآية 15
(3)
سورة الأنبياء الآية 35