الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 -
اعتماد خبر المذياع في دخول الشهر وخروجه
أولى وأقرب إلى الأدلة الشرعية من اعتماد البرقية
(1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
لقد تكرر السؤال من كثير من الناس عن حكم من سمع خبر دخول شهر رمضان أو خروجه من طريق الإذاعة السعودية بواسطة (المذياع) وهو (الراديو) في القرى التي ليس فيها برقيات هل يعملون بذلك ويعتمدونه أو لا؟
والجواب: لا شك أن الله سبحانه أوجب على المسلمين صيام الشهر برؤية الهلال أو إكمال عدة شعبان، وإفطار الشهر برؤية الهلال أو إكمال عدة رمضان ثلاثين يوما، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة (2) » . وقال عليه الصلاة والسلام: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون (3) » . أخرجه الترمذي بإسناد
(1) فتوى صدرت لسماحته عندما كان نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
(2)
رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته برقم (1081) ، والنسائي في (الصيام) باب ذكر الاختلاف على عمر بن دينار برقم (2124) واللفظ له.
(3)
رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون برقم (697) .
حسن. وأخرج الترمذي عن عائشة بإسناد حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس (1) » .
والأدلة في هذا المعنى كثيرة. ولا ريب أن الحكومة إذا ثبت عندها دخول الشهر أو خروجه من طريق المحكمة الشرعية أخبرت الناس من طريق الإذاعة وصامت أو أفطرت بذلك، وبذلك يجب على كل من سمع الخبر من الرعية التابعة للحكومة السعودية أن يعتمد خبر الإذاعة إذا سمعه ثقة أو أكثر في الدخول، وثقتان أو أكثر في الخروج، فيصوم بذلك ويفطر تبعا لإمامه وإخوانه المسلمين، واعتماد المذياع في ذلك أولى وأقرب إلى الأدلة الشرعية من اعتماد البرقية، فإذا صام الناس وأفطروا بخبر (البرق) كما هو الواقع- ولا بأس بذلك بحمد الله- فصيامهم وإفطارهم بسماع الإذاعة السعودية المعلومة بواسطة الثقات أولى وأحرى بالاعتماد. والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
نائب رئيس الجامعة
الإسلامية بالمدينة المنورة
(1) رواه ابن ماجه في (الصيام) باب ما جاء في شهري العيد برقم (1650) ، والدارقطني في (الحج) باب الفطر يوم يفطر الناس برقم (2408)
س: ما قولكم- أثابكم الله- بخبر الإذاعة هل يعتمد في الصيام والإفطار؟ وما الذي بينهما وبين السير فيه؟ وإن قلتم بالتصديق فهل يشترط معرفة المحطة المذيعة للخبر أم لا؟ وهل تشترط ثقة المذيع أم يكتفى بصدورها من قبل الحكومة؟
ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد، فالجواب أن يقال: لا مانع من اعتماد ما يذاع في الإذاعة من إثبات دخول شهر رمضان وشهر ذي الحجة وشوال إذا كان السامع لذلك ثقة فأكثر في دخول رمضان، وثقتين فأكثر في إثبات شهر شوال، وذي الحجة، وسائر الشهور، إلحاقا لسماع الخبر من الإذاعة برؤية الهلال، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب العمل برؤية العدل الواحد لهلال رمضان والعدلين فأكثر فيما سواه، ولا ريب أن العمل بخبر الإذاعة أولى من البرق؛ لأن المخبر في الإذاعة يسمع كلامه ويفهم بخلاف البرقية فإنه لا يفهمها إلا خواص الناس الذين لهم معرفة بحروفها، فإذا جاز الاعتماد عليها والحال ما ذكر فجوازه في خبر الإذاعة أولى، لما تقدم، ولا
يشترط عدالة المذيع؛ لأن الاعتماد على صدور ذلك من الحكومة المسلمة المحكمة للشرع، إذا كان المعروف من الإذاعة والبرقية عدم الجرأة على الكذب، ومعلوم أن الحكومة سوف تعتمد ما تذيعه إلى الناس وتبرقه إلى القضاة والأمراء في سائر أنحاء المملكة، وتصوم وتفطر بذلك، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس (1) » . أخرجه الترمذي عن عائشة بإسناد حسن، وخرج الترمذي أيضا بإسناد جيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون (2) » . وإذا جاز لأهل البلد أن يعتمدوا على أصوات المدافع ونحوها في الصوم والفطر؛ لكون ذلك قد جعل علامة على دخول الشهر وخروجه، فالاعتماد على خبر الإذاعة والبرق الصادر عن مصدر شرعي قد عرف بالصدق أولى، وأولى من الاعتماد على صوت المدافع ونحوه. والله أعلم.
(1) رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء في الفطر والأضحى برقم (802) .
(2)
رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون برقم (697) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد (1) :
فقد سألني كثير من الإخوان عن حكم الاعتماد على الإذاعة في الصوم والإفطار، وهل هذا يوافق الحديث الصحيح «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته (2) » . الحديث. وهل إذا ثبتت الرؤية بشهادة عدل في دولة مسلمة يجب على الدولة المجاورة لها الأخذ بذلك؛ وإذا قلنا بذلك فما دليله؟ وهل يعتبر اختلاف المطالع؟
والجواب عن هذه الأسئلة أن يقال: قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة أنه قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين (3) » . وفي لفظ آخر: «فأكملوا العدة ثلاثين يوما (4) » . وفي رواية أخرى: «فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما (5) » .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقدموا
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) العدد الثاني لشهر شوال عام 1394 هـ.
(2)
رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته برقم (1081) ، والنسائي في (الصيام) باب ذكر الاختلاف على عمر بن دينار برقم (2124) واللفظ له.
(3)
رواه البخاري في (الصوم) باب هل يقال: رمضان أو شهر رمضان برقم (1767) ، ومسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم (1799) .
(4)
رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته برقم (1081) ، والنسائي في (الصيام) باب ذكر الاختلاف على عمر بن دينار برقم (2124) واللفظ له.
(5)
رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ''إذا رأيتم الهلال فصوموا'' برقم (1909) .
الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة (1) » . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل على أن المعتبر في ذلك هو الرؤية أوإكمال العدة، أما الحساب فلا يعول عليه، وهذا هو الحق، وهو إجماع من أهل العلم المعتد بهم. وليس المراد من الأحاديث أن يرى كل واحد الهلال بنفسه، وإنما المراد ثبوت ذلك بشهادة البينة العادلة، وقد خرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بالصيام (2) » . وخرج أحمد وأهل السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن أعرابيا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ فقال: نعم. قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا (3) » . وعن
(1) رواه أحمد في (مسند الكوفيين) حديث رجل برقم (18071) ، والنسائي في (الصيام) باب ذكر الاختلاف على منصور برقم (2097) .
(2)
رواه أبو داود في (الصوم) باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان برقم (2342) ، والدارمي في (الصوم) باب الشهادة على رؤية هلال رمضان برقم (1691) .
(3)
رواه ابن ماجه في (الصيام) باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال برقم (1652) .
عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي يشك فيه فقال: «ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم، وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا (1) » . رواه أحمد، ورواه النسائي ولم يقل فيه مسلمان.
وعن أمير مكة الحارث بن حاطب قال: «عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما (2) » . رواه أبو داود والدارقطني، وقال: هذا إسناد متصل صحيح. فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أنه يكتفى برؤية هلال رمضان بالشاهد الواحد العدل، أما في الخروج من الصيام، وفي بقية الشهور فلا بد من شاهدين عدلين، جمعا بين الأحاديث الواردة في ذلك، وبهذا قال أكثر أهل العلم، وهو الحق لظهور أدلته.
ومن هذا يتضح أن المراد بالرؤية هو ثبوتها بطريقها الشرعي، وليس المراد أن يرى الهلال كل أحد، فإذا أذاعت الدولة المسلمة المحكمة لشريعة الله كالمملكة العربية السعودية أنه ثبت لديها رؤية هلال رمضان أو هلال شوال أو هلال ذي
(1) رواه أحمد في (مسند الكوفيين) حديث أصحاب رسول الله برقم (18416) ، والنسائي في (الصيام) باب قبول شهادة الرجل الواحد على شهر رمضان برقم (2116) .
(2)
رواه أبو داود في (الصوم) باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال برقم (2338) .
الحجة فإن على جميع رعيتها أن يتبعوها في ذلك.
وعلى غيرها أن يأخذ بذلك عند جمع كثير من أهل العلم؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين (1) » . رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم بلفظ:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم فاقدروا له ثلاثين (2) » . وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين (3) » . وأخرجه مسلم بهذا اللفظ لكن قال: «فإن أغمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين (4) » . فإن ظاهر هذه الأحاديث وما جاء في معناها يعم جميع الأمة.
ونقل النووي رحمه الله في شرح المهذب عن الإمام ابن المنذر رحمه الله: أن هذا هو قول الليث بن سعد والإمام
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال، برقم (1907) .
(2)
رواه البخاري في (الصوم) باب هل يقال: رمضان أو شهر رمضان برقم (1767) ، ومسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم (1799) .
(3)
رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ''إذا رأيتم الهلال فصوموا''. برقم (1909) .
(4)
رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم (1081)
الشافعي والإمام أحمد رحمة الله عليهم، قال يعني ابن المنذر: ولا أعلمه إلا قول المدني والكوفي، يعني مالكا وأبا حنيفة رحمهم الله. انتهى. قال جمع من العلماء: إنما يعم حكم الرؤية إذا اتحدت المطالع، أما إذا اختلفت فلكل أهل مطلع رؤيتهم.
وحكاه الإمام الترمذي رحمه الله عن أهل العلم، واحتجوا على ذلك بما خرجه مسلم في صحيحه «عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن كريبا قدم عليه في المدينة من الشام في آخر رمضان، فأخبره أن الهلال رؤي في الشام ليلة الجمعة، وأن معاوية والناس صاموا بذلك، فقال ابن عباس: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نراه أو نكمل العدة، فقال له كريب: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) » . قالوا: فهذا يدل على أن ابن عباس يرى أن الرؤية لا تعم، وأن لكل أهل بلد رؤيتهم إذا اختلفت المطالع، وقالوا: إن المطالع في منطقة المدينة غير متحدة مع المطالع في الشام، وقال آخرون: لعله لم يعمل
(1) رواه أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن العباس برقم (2785) ، ومسلم في (الصيام) باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم برقم (1087) ، والترمذي في (الصوم) باب ما جاء لكل بلد رؤيتهم برقم (693) .
برؤية أهل الشام؛ لأنه لم يشهد بها عنده إلا كريب وحده، والشاهد الواحد لا يعمل بشهادته في الخروج، وإنما يعمل بها في الدخول.
وقد عرضت هذه المسألة على هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في الدورة الثانية المنعقدة في شعبان عام 1392 هـ، فاتفق رأيهم على أن الأرجح في هذه المسألة التوسعة في هذا الأمر، وذلك بجواز الأخذ بأحد القولين على حسب ما يراه علماء البلاد.
قلت: وهذا قول وسط، وفيه جمع بين الأدلة وأقوال أهل العلم. إذا علم ذلك، فإن الواجب على أهل العلم في كل بلاد أن يعنوا بهذه المسألة عند دخول الشهر وخروجه، وأن يتفقوا على ما هو الأقرب إلى الحق في اجتهادهم، ثم يعملوا بذلك ويبلغوه الناس، وعلى ولاة الأمر لديهم وعامة المسلمين متابعتهم في ذلك، ولا ينبغي أن يختلفوا في هذا الأمر؛ لأن ذلك يسبب انقسام الناس وكثرة القيل والقال، إذا كانت الدولة غير إسلامية.
أما الدول الإسلامية فإن الواجب عليها اعتماد ما قاله أهل العلم، وإلزام الناس به من صوم أو فطر، عملا بالأحاديث المذكورة وأداء للواجب، ومنعا للرعية مما حرم الله عليها.
ومعلوم أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأسأل الله أن
يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه، والحذر مما يخالفه، إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة