المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فضائل شهر رمضان - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ١٥

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ لا أعلم شيئا معينا لاستقبال رمضان

- ‌ فضل صيام رمضان وقيامهمع بيان أحكام مهمة قد تخفى على بعض الناس

- ‌ فضائل شهر رمضان

- ‌ فوائد الصيام وحكمه العظيمة

- ‌ كلمة بمناسبة دخول شهر رمضان

- ‌ نصيحة بمناسبة استقبال شهر رمضان

- ‌ ثبوت الشهر برؤية الهلال أو إكمال العدةوالعدد المطلوب في الشهود وحكم شهادة المرأة

- ‌ المحاكم الشرعيةفي المملكة العربية السعودية تعمل بالرؤية

- ‌ على المسلمين التعاون بترائيالهلال وبإبلاغ الجهات المسئولة برؤيته

- ‌ حكم صوم وفطر من ردتشهادته ومن لم يتمكن من الإخبار

- ‌ اجتماع المسلمين في الصوموالفطر مطلب شرعي وبيان كيفية ذلك

- ‌ لا شك في اختلاف المطالع في نفسها ولا أثر على الصحيح لذلك الاختلاف في الحكم

- ‌ الجواب على البلبلة التي تحصل باختلاف البلاد الإسلامية في دخول شهر رمضان

- ‌ الأمة كلها مخاطبة بقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته

- ‌ اعتماد خبر المذياع في دخول الشهر وخروجهأولى وأقرب إلى الأدلة الشرعية من اعتماد البرقية

- ‌ على المسئولين في الدول اعتماد خبر الدولة المسلمة التي تعتمد على الرؤية أما الأفراد فتبع لقادتهم

- ‌ كل إنسان يقيم في بلد يلزمه الصوم والإفطار مع أهلها

- ‌ لا حرج على من كان في بلد غيرإسلامي أن يصوم برؤية بلد يحكم الشريعة

- ‌ حكم الاعتماد على الحساب الفلكي

- ‌ لا يجوز الاعتماد في دخولشهر رمضان على المفكرة والتقاويم

- ‌ الأحاديث الصحيحة تدل على وجوب اعتماد الرؤية أو إكمال العدد وعدم اعتبار الحساب

- ‌ليس لأحد أن يحتج لإبطال الرؤية لقول أصحاب المراصد أو يشترط لصحتها موافقة أصحاب المراصد

- ‌ من اعتبر الحساب الفلكي شرطالصحة الرؤية فقد استدرك على اللهورسوله

- ‌ الحسابون لا يعمل بقولهمولا ينبغي لهم أن يشوشوا على الناس

- ‌ الحساب لا يعولعليه والشاهد الواحد كاففي إثبات دخول شهر رمضان

- ‌ متى ثبتت رؤية الهلالثبوتا شرعيا وجب العمل بهاولم يجز أن تعارض بكسوف ولا غيره

- ‌ لا اعتبار في الشرع المطهر لانخفاضالمنازل وارتفاعها أو كبر الأهلة وصغرها

- ‌ لا اعتبار باكتمال جمادى الآخرة ورجب في نقصان شعبان

- ‌ توحيد التقاويم بالحساب

- ‌ حكم صوم من أصبحشهره واحدا وثلاثين يوما

- ‌ حكم صيام رمضانثمانية وعشرين يوما

- ‌ هل يجوز صيام 28 يوما فقط من شهر رمضان

- ‌ حكم من يصوم رمضان ثلاثين يوما دائما

- ‌من يجب عليه الصوموالأعذار المبيحة للفطر

- ‌ تفسير قوله عز وجل: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌ صيام رمضان يجب بالبلوغ والبلوغ له علامات

- ‌ من لا يجب عليه الصوم

- ‌ حكم صيام وعبادة من لا يصلي

- ‌ النصيحة لمن يتكاسلعن الصلاة ويحافظ على الصيام

- ‌ حكم أصر الصبي المميز بالصيام

- ‌ حكم صيام الحائض والنفساء

- ‌ الحائض تقضي ما عليها من صيام

- ‌ من صامت في حيضتها جاهلة بالحكم

- ‌ حكم صيام الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر

- ‌ حكم صيام المرأة إذا حاضت بعد غروب الشمس

- ‌ الحائض إذا طهرت فيأثناء النهار وجب عليها الإمساك

- ‌ حكم المادة التي تخرج من المرأة قبل حلول الدورة

- ‌ حكم صيام المستحاضة

- ‌ حكم صيام النفساء إذا طهرت قبل الأربعين

- ‌ حكم صوم النفساء إذا طهرت ثم عاد إليها الدم وهي في الأربعين

- ‌ حكم استعمال المرأة الحبوب التي تقطع الدم في أيام الحيض والنفاس

- ‌ حكم الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يستطيعان الصوم

- ‌ من عجز عن الصيام دائما وجب عليه الإطعام

- ‌ التكاليف الشرعية تسقط باختلال الشعور

- ‌ حكم صيام من يفقد وعيه

- ‌ للمريض الإفطار إذا شق عليه الصيام

- ‌ المريض يقضي ما أفطر بعد الشفاء

- ‌ الفرق بين المرض الذي يرجى برؤه والذي لا يرجى برؤه

- ‌ الحامل والمرضع لهما الفطر إذا شق عليهما الصوم وتقضيان

- ‌ القول بسقوط القضاء عن الحامل والمرضع قول مرجوح

- ‌ يستحب الفطر في السفر وإن لم يشق الصوم

- ‌ حكم الفطر في السفر بوسائل النقل المريحة

- ‌ الأحوط للمسافر إذا أجمع على الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام الصوم والإتمام

- ‌ حكم ترك أصحاب الأعمال الشاقة الصيام

- ‌ حكم الفطر من أجل الاختبارات

- ‌النية وأحكامها

- ‌ حكم تبييت النية في صيام الفرض والنفل

- ‌ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

- ‌ ينكر على من تعاطى شيئا من المفطرات في نهار رمضان ولو كان ناسيا

- ‌ حكم حقنة الوريد والعضل للصائم

- ‌ الإبر المغذية تفطر

- ‌ حكم إبرة التخدير (البنج) وتنظيف السن أو حشوه أو خلعه عند الطبيب

- ‌ حكم استعمال الكحل وأدوات التجميل في نهار رمضان

- ‌ حكم استعمال معجون الأسنان وقطرة الأذن والعين للصائم

- ‌ حكم استعمال البخاخ وقطرة العين للصائم

- ‌ حكم القيء للصائم

- ‌ حكم شم الصائم رائحة الطيب والعود

- ‌ حكم الاستمناء في نهار رمضان

- ‌ خروج المذي بشهوة لا يبطل الصوم

- ‌ حكم نظر الصائم للنساء

- ‌ حكم مصافحة الصائم للمرأة الأجنبية

- ‌ خروج الدم لا يفسد الصوم إلا بالحجامة

- ‌ حكم التبرع بالدم

- ‌ حكم سحب عينات الدم من الصائم للتحليل

- ‌ حكم تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم

- ‌ حكم تأخير الجنب والحائض والنفساء الغسل إلى بعد طلوع الفجر

- ‌ حكم صوم من دخل الماء إلى جوفه من غير اختياره

- ‌ بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما

- ‌ حكم الإمساكيات التي توزع في شهر رمضان

- ‌ حكم تناول السحور والمؤذن يؤذن

- ‌ إذا أكل بعد طلوع الفجر بطل صومه

- ‌ الواجب على المؤمن أن يمسك عن المفطرات إذا تبين له طلوع الفجر

- ‌ حكم من أفطر قبل غروب الشمس والجو غائم

- ‌ حكم من فعل مفطرا ظانا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر

- ‌ حكم من فعل مفطرا ناسيا

- ‌ كيفية إمساك وإفطار من يطول نهارهم

- ‌فصل في الجماع في نهار رمضان

- ‌ كفارة الجماع في نهار رمضان

- ‌ حكم من جامع زوجته في نهار رمضان عدة مرات جاهلا بالحكم

- ‌ حكم من أجبر زوجته على الجماع في نهار رمضان

- ‌ حكم جماع المسافر زوجته في نهار رمضان

- ‌ حكم الحيلة لإسقاط كفارة الجماع

- ‌ حكم من جامع زوجته وهي صائمة صوم قضاء

- ‌ما يكره وما يستحب في الصيام

- ‌ القبلة والمباشرة تكرهان ممن تتحرك شهوته

- ‌ حكم مشاهدة الأفلام والتلفاز ولعب الورق في نهار رمضان

- ‌ حكم ما يفعله بعض الصائمين من النوم نهارا والسهر ليلا

- ‌ الغيبة والنميمة والسب وغيرها من المعاصي تجرح الصوم وتضعف الأجر

- ‌ السحور ليس شرطا في صحة الصيام

- ‌ حكم من تسحر في بلد وأفطر في آخر

- ‌ لا تفطر حتى تغرب الشمس وأنت في الجو

- ‌ التبرع لإفطار الصائمين

- ‌ أفضلية ختم القرآن في رمضان

- ‌حكم القضاء

- ‌ حكم تارك الصوم تهاونا

- ‌ حكم القضاء على من ترك الصيام دون عذر شرعي

- ‌ حكم من ترك صوم رمضان جهلا بوجوبه

- ‌ كل من عليه أيام من رمضان يلزمه أن يقضيها قبل رمضان القادم

- ‌ حكم تأخير القضاء بلا عذر

- ‌ الفرق بين تأخير قضاء رمضان بعذر وبين تأخيره بلا عذر

- ‌ جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفتوا من أخر القضاء بالإطعام مع القضاء

- ‌ حكم الكفارة على من أخر القضاء لعدم القدرة

- ‌ لا كفارة على من أخر القضاء من أجل المرض

- ‌ لا يلزم التتابع في القضاء

- ‌ المريض لا يجب عليه قضاء حتى يشفى

- ‌ ليس على من نصحه الأطباء المسلمون بالإفطار لمرض مزمن ثم برئ قضاء

- ‌ حكم قطع صوم القضاء

- ‌ تارك الصلاة لا يقضى عنه الصيام

- ‌ لا قضاء على المرتد إذا تاب

- ‌ حكم القضاء عمن ترك الصلاة والصيام بسبب المرض

- ‌ يشرع لأقارب الميت القضاء عنه

- ‌ لا قضاء ولا إطعام عمن مات ولم يدرك وقت القضاء

- ‌ قضاء كفارة القتل عن المتوفى وكيفية ذلك

- ‌ من توفي في أثناء الشهر سقط عنه الوجوب

- ‌صوم التطوع

- ‌ حكم صيام الثالث عشر من ذي الحجة بنية أنه من الأيام البيض

- ‌ الشهر كله محل لصيام ثلاثة أيام وكونها في البيض أفضل

- ‌ الأيام البيض تصام على حسب التقويم وللمسلم جمعها وتفريقها

- ‌ يستحب صيام الأيام البيض ولو من شعبان

- ‌ الجمع بين حديث "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" وحديث: " أنه صلى الله عليه وسلم يصل شعبان برمضان

- ‌ من لم يكمل صيام الأيام البيض يحسب له أجر ما صام منها

- ‌ صيام الاثنين والخميس

- ‌ فضل صيام الاثنين والخميس على أيام البيض

- ‌ حكم قضاء الست بعد شوال

- ‌ القول ببدعية صوم الست قول باطل

- ‌ شهر شوال كله محل لصيام الست

- ‌ لا يشترط التتابع في صيام ست شوال

- ‌ المشروع تقديم القضاء على صوم الست

- ‌ لا يجوز تقديم صيام ست من شوال على صيام الكفارة

- ‌ حكم صيام التطوع لمن عليه قضاء

- ‌ صيام الست سنة وليس بواجب ومن لم يستطع إكمالها لعذر شرعي يرجى له أجرها

- ‌ لا حرج في وصل صوم القضاء بصوم الست من شوال

- ‌ الترغيب في صوم يوم عاشوراء

- ‌ حكم تحري ليلة عاشوراء

- ‌ حكم الاعتماد على التقويم في صيام عاشوراء

- ‌ صوم التاسع مع العاشر أفضل من صوم الحادي عشر مع العاشر

- ‌ حكم صوم من تبين له أن العاشر غير الذي صامه

- ‌ حكم صوم يوم عرفة للحاج وغيره

- ‌ حكم صوم يوم عرفة لمن عليه قضاء

- ‌ الأيام المنهي عن الصيام فيها

- ‌ لا يجوز صيام يوم الشك ولو كانت السماء غائمة

- ‌ مدى صحة حديث "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم

- ‌ حديث النهي عن صوم يوم السبت غير صحيح

- ‌ جواز صوم يوم السبت تطوعا

- ‌ حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌ حكم صيام محرم وشعبان وعشر ذي الحجة

- ‌ ما جاء في صيام عشر ذي الحجة من أحاديث والجمع بينها

- ‌ النوافل يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها

- ‌ حكم قطع صيام التطوع

- ‌ حكم من نوى الصيام ثم مرض

- ‌ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان

- ‌ علامة ليلة القدر

- ‌ قد ترى ليلة القدر بالعين

- ‌الاعتكاف

- ‌ حكم الاعتكاف وما يجب على المعتكف التزامه وحكم اشتراط الصيام له

- ‌ محل الاعتكاف ووقته وحكم قطعه

- ‌ يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌ حكم خروج المعتكف من معتكفه للإتيان بعمرة

- ‌ الذنوب تتضاعف في الزمان والمكان الفاضل كيفا لا كما

- ‌ مضاعفة الأعمال الصالحة بمكة

- ‌ حكم التفرغ للعبادة في رمضان

الفصل: ‌ فضائل شهر رمضان

4 -

‌ فضائل شهر رمضان

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين، وفقني الله وإياهم لاغتنام الخيرات، وجعلني وإياهم من المسارعين إلى الأعمال الصالحات، آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

أيها المسلمون، إنكم في شهر عظيم مبارك، ألا وهو شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع الدرجات، وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطايات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم

ص: 22

خيرها فقد حرم، فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والاجتهاد في حفظ صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات، والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والسيئات، واجتهدوا في التناصح بينكم، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى كل خير لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم.

وفي الصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة:

منها: تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة، كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه.

ومن فوائد الصوم: أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه، ويذكره بعظيم نعم الله عليه، ويذكره أيضا بحاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذلك شكر الله سبحانه، والاستعانة بنعمه على طاعته، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفوائد في قوله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) فأوضح سبحانه أنه

(1) سورة البقرة الآية 183

ص: 23

كتب علينا الصيام لنتقيه سبحانه، فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى، والتقوى هي: طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه عن إخلاص لله عز وجل، ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبه، فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى، وقربة إلى المولى عز وجل، ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شئون الدين والدنيا، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض فوائد الصوم في قوله صلى الله عليه وسلم:«يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (1) » .

فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الصوم وجاء للصائم، ووسيلة لطهارته وعفافه، وما ذاك إلا لإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري ويذكر بالله وعظمته، فيضعف سلطان الشيطان ويقوى سلطان الإيمان وتكثر بسببه الطاعات من المؤمنين، وتقل به المعاصي.

ومن فوائد الصوم أيضا: أنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة، ويكسبه صحة وقوة، اعترف بذلك الكثير من الأطباء

(1) رواه البخاري في (النكاح) باب من لم يستطع الباءة فليصم برقم (5066) ، ومسلم في (النكاح) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه برقم (1400) .

ص: 24

وعالجوا به كثيرا من الأمراض، وقد أخبر الله سبحانه في كتابه العزيز أنه كتب علينا الصيام كما كتبه على من قبلنا، وأوضح سبحانه أن المفروض علينا هو صيام شهر رمضان، وأخبر نبينا عليه الصلاة والسلام أن صيامه هو أحد أركان الإسلام الخمسة، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1){أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} (2) إلى أن قال عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (3)

وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (4) » .

أيها المسلمون، إن الصوم عمل صالح عظيم، وثوابه جزيل، ولا سيما صوم رمضان؛ فإنه الصوم الذي فرضه الله على

(1) سورة البقرة الآية 183

(2)

سورة البقرة الآية 184

(3)

سورة البقرة الآية 185

(4)

رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم (8) ، ومسلم في (الإيمان) باب أركان الإسلام برقم (16) .

ص: 25

عباده، وجعله من أسباب الفوز لديه، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك (1) » .

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين (2) » . وأخرج الترمذي وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة (3) » .

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا،

(1) رواه البخاري في (الصوم) باب هل يقول إني صائم إذا شتم برقم (1904) .

(2)

رواه البخاري في (الصوم) باب هل يقال: رمضان أو شهر رمضان برقم (1899) ، ومسلم في (الصيام) باب فضل شهر رمضان برقم (1079)

(3)

رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء في فضل شهر رمضان برقم، (682) ، وابن ماجه في (الصيام) باب ما جاء في فضل شهر رمضان برقم (1642) .

ص: 26

ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله (1) » . رواه الطبراني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، من صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (2) » . رواه النسائي.

وليس في قيام رمضان حد محدود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت لأمته في ذلك شيئا، وإنما حثهم على قيام رمضان ولم يحدد ذلك بركعات معدودة، ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن قيام الليل قال:«مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (3) » . أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، فدل ذلك على التوسعة في هذا الأمر، فمن أحب أن يصلي عشرين ويوتر بثلاث فلا بأس، ومن أحب أن يصلي عشر ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس، ومن أحب أن يصلي ثمان ركعات ويوتر

(1) عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (3: 142) إلى الطبراني في الكبير.

(2)

رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) حديث عبد الرحمن بن عوف برقم (1663) ، والنسائي في (الصيام) باب ذكر اختلاف يحيى بن كثير والنضر بن شيبان برقم (2210) .

(3)

رواه البخاري في (الجمعة) باب ما جاء في الوتر برقم (991) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب صلاة الليل مثنى مثنى برقم (749) .

ص: 27

بثلاث فلا بأس، ومن زاد على ذلك أو نقص عنه فلا حرج عليه، والأفضل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبا، وهو أن يقوم بثمان ركعات يسلم من كل ركعتين ويوتر بثلاث، مع الخشوع والطمأنينة وترتيل القراءة؛ لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:«ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا (1) » .

وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة (2) » .

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى أنه كان يتهجد في بعض الليالي بأقل من ذلك، وثبت عنه أيضا

(1) رواه البخاري في (الجمعة) باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره برقم (1147) ، وفي (صلاة التراويح) باب فضل من قام رمضان برقم (2013) ، وفي (المناقب) باب كان النبي تنام عينه ولا ينام قلبه برقم (3569) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب صلاة

(2)

رواه مسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب صلاة الليل وعدد الركعات برقم (1211) .

ص: 28

صلى الله عليه وسلم أنه في بعض الليالي يصلي ثلاث عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين، فدلت هذه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الأمر في صلاة الليل موسع فيه بحمد الله وليس فيها حد محدود لا يجوز غيره، وهو من فضل الله ورحمته وتيسيره على عباده حتى يفعل كل مسلم ما يستطيع من ذلك، وهذا يعم رمضان وغيره.

وينبغي أن يعلم أن المشروع للمسلم في قيام رمضان وفي سائر الصلوات هو الإقبال على صلاته، والخشوع فيها، والطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود، وترتيل التلاوة وعدم العجلة؛ لأن روح الصلاة هو الإقبال عليها بالقلب والقالب والخشوع فيها، وأداؤها كما شرع الله بإخلاص وصدق ورغبة ورهبة وحضور قلب؛ كما قال الله سبحانه:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1){الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة (3) » . وقال للذي أساء في صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن

(1) سورة المؤمنون الآية 1

(2)

سورة المؤمنون الآية 2

(3)

رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) في باقي مسند أنس برقم (13623) ، والنسائي في (عشرة النساء) باب حب النساء برقم (3940)

ص: 29

راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (1) » .

وكثير من الناس يصلي في قيام رمضان صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها، بل ينقرها نقرا، وذلك لا يجوز، بل هو منكر لا تصح معه الصلاة؛ لأن الطمأنينة ركن في الصلاة، لا بد منه كما دل عليه الحديث المذكور آنفا، فالواجب الحذر من ذلك، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته. قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها (2) » .

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر الذي نقر صلاته أن يعيدها، فيا معشر المسلمين عظموا الصلاة وأدوها كما شرع الله، واغتنموا هذا الشهر العظيم وعظموه - رحمكم الله - بأنواع العبادات والقربات،

(1) رواه البخاري في (الاستئذان) باب من رد فقال: عليكم السلام برقم (6251) ، ومسلم في (الصلاة) باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم (397)

(2)

رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث أبي قتادة برقم (22136) ، ومالك في الموطأ في (النداء للصلاة) باب العمل في جامع الصلاة برقم (403) ، والدارمي في (الصلاة) باب في الذي لا يتم الركوع والسجود برقم (1328) .

ص: 30

وسارعوا فيه إلى الطاعات فهو شهر عظيم، جعله الله ميدانا لعباده يتسابقون إليه فيه بالطاعات ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات. فأكثروا فيه - رحمكم الله - من الصلاة والصدقات وقراءة القرآن الكريم، بالتدبر والتعقل والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار، والإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فاقتدوا به رحمكم الله في مضاعفة الجود والإحسان في شهر رمضان، وأعينوا إخوانكم الفقراء على الصيام والقيام، واحتسبوا أجر ذلك عند الملك العلام، واحفظوا صيامكم عما حرمه الله عليكم من الأوزار والآثام؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه (1) » . وقال عليه الصلاة والسلام: «الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن امرؤ سابه أحد فليقل: إني امرؤ صائم (2) » .

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس الصيام عن الطعام والشراب، وإنما الصيام من اللغو والرفث (3) » .

(1) رواه البخاري في (الصوم) باب من لم يدع قول الزور برقم (1903) .

(2)

رواه البخاري في (الصوم) باب هل يقول: إني صائم إذا شتم برقم (1904) .

(3)

رواه الحاكم في المستدرك في (الصوم) باب من أفطر في رمضان ناسيا برقم (1604) ، وابن خزيمة في (الصيام) باب النهي عن اللغو في الصيام برقم (1995) .

ص: 31

وخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان وعرف حدوده، وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه، كفر ما قبله (1) » .

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء (2) » .

ومن أهم الأمور التي يجب على المسلم العناية بها والمحافظة عليها في رمضان وفي غيره الصلوات الخمس في أوقاتها؛ فإنها عمود الإسلام وأعظم الفرائض بعد الشهادتين، وقد عظم الله شأنها وأكثر من ذكرها في كتابه العظيم، فقال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (3) وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (4)

(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) مسند أبي سعيد الخدري برقم (11130) .

(2)

ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه في (الصيام) باب ما يؤمر به الصائم من قلة الكلام وتوقي الكذب برقم (8981) .

(3)

سورة البقرة الآية 238

(4)

سورة النور الآية 56

ص: 32

والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (1) » . وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (2) » .

ومن أهم واجباتها في حق الرجال أداؤها في الجماعة؛ كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (3) » «وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله، إني رجل شاسع الدار عن المسجد، وليس لي قائد يلائمني، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال:

(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) من حديث بريدة الأسلمي برقم (22428) ، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة) باب ما جاء فيمن ترك الصلاة برقم (1079) .

(2)

رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (6540) ، والدارمي في (الرقاق) باب في المحافظة على الصلاة برقم (2721) .

(3)

رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة برقم (793) .

ص: 33

فأجب (1) » . . خرجه مسلم في صحيحه.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق (2) » . (3) . فاتقوا الله عباد الله في صلاتكم وحافظوا عليها في الجماعة، وتواصوا بذلك في رمضان وغيره تفوزوا بالمغفرة ومضاعفة الأجر، وتسلموا من غضب الله وعقابه ومشابهة أعدائه من المنافقين.

وأهم الأمور بعد الصلاة الزكاة: فهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظموها كما عظمها الله، وسارعوا إلى إخراجها وقت وجوبها وصرفها إلى مستحقيها عن إخلاص لله عز وجل وطيب نفس وشكر للمنعم سبحانه.

واعلموا أنها زكاة وطهرة لكم ولأموالكم، وشكر للذي أنعم عليكم بالمال، ومواساة لإخوانكم الفقراء، كما قال الله عز وجل:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (4) وقال

(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المساجد على من سمع النداء برقم (653) ، والنسائي في (الإمامة) باب المحافظة على الصلوات برقم (850) .

(2)

صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (654) ، سنن أبو داود الصلاة (550) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (777) ، مسند أحمد بن حنبل (1/415) .

(3)

رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب صلاة الجماعة من سنن الهدى برقم (654)

(4)

سورة التوبة الآية 103

ص: 34

سبحانه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه لليمن: «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب (2) » . متفق على صحته.

وينبغي للمسلم في هذا الشهر الكريم التوسع في النفقة والعناية بالفقراء والمتعففين، وإعانتهم على الصيام والقيام؛ تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبا لمرضاة الله سبحانه، وشكرا لإنعامه، وقد وعد الله سبحانه عباده المنفقين بالأجر العظيم، والخلف الجزيل، فقال سبحانه:{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (3) وقال تعالى:

(1) سورة سبأ الآية 13

(2)

رواه البخاري في (الزكاة) باب أخذ الصدقة من الأغنياء برقم (1496) ، ومسلم في (الإيمان) باب الدعاء إلى الشهادتين برقم (19) ، والنسائي في (الزكاة) باب إخراج الزكاة برقم (2522)

(3)

سورة المزمل الآية 20

ص: 35

{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1) واحذروا رحمكم الله كل ما يجرح الصوم، وينقص الأجر، ويغضب الرب عز وجل، من سائر المعاصي، كالربا، والزنا، والسرقة، وقتل النفس بغير حق، وأكل أموال اليتامى، وأنواع الظلم في النفس والمال والعرض، والغش في المعاملات، والخيانة للأمانات، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والشحناء، والتهاجر في غير حق الله سبحانه، وشرب المسكرات وأنواع المخدرات كالقات والدخان، والغيبة والنميمة، والكذب، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان الكاذبة، وحلق اللحى، وتقصيرها، وإطالة الشوارب، والتكبر، وإسبال الملابس، واستماع الأغاني وآلات الملاهي، وتبرج النساء، وعدم تسترهن من الرجال، والتشبه بنساء الكفرة في لبس الثياب القصيرة، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وهذه المعاصي التي ذكرنا محرمة في كل زمان ومكان، ولكنها في رمضان أشد تحريما، وأعظم إثما لفضل الزمان وحرمته. فاتقوا الله أيها المسلمون، واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله، واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره، وتواصوا بذلك، وتعاونوا عليه، وتآمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر؛ لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة

(1) سورة سبأ الآية 39

ص: 36

في الدنيا والآخرة، والله المسئول أن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من أسباب غضبه، وأن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين، وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه، وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء، إنه على كل شيء قدير.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرئيس العام لإدارات البحوث

العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

ص: 37