الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضرورة ومحاذير:
ولعله من نافلة القول، أن يأتي التأكيد -مرة أخرى- على أن هذه التقسيمات السالفة للدين إلى عقيدة وشريعة
…
إنما هي تقسيمات فنية اصطلاحية من أجل الدراسة والمعرفة، اقتضتها ضرورة التأليف والتصنيف بعد نشأة العلوم واستقلالها بالتدوين.
وهذه الضرورة تنبه لها المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ سيد قطب رحمه الله وبيّن آثارها بعد ذلك، عند حديثه عن خاصية "الشمول" في التصور الإسلامي وأثرها في التوحيد بين الاعتقاد والتنظيم في الحياة، فقال:
"إن تقسيم النشاط الإنساني إلى "عبادات" و"معاملات" مسألة جاءت متأخرة عند التأليف في مادة "الفقه". ومع أنه كان المقصود به -في أول الأمر- مجرد التقسيم "الفني"، الذي هو طابع التأليف العلمي، إلا أنه -مع الأسف- أنشأ فيما بعد آثارا سيئة في التصور، تبعته -بعد فترة- آثار سيئة في الحياة الإسلامية كلها، إذ جعل يترسب في تصورات الناس أن صفة "العبادة" إنما هي خاصة بالنوع
1 عن "دراسات في الفكر الإسلامي"، لأستاذنا الدكتور عدنان محمد زرزور حفظه الله، ص53، 54.
الأول من النشاط الذي يتناوله "فقه العبادات" بينما أخذت هذه الصفة تبهت بالقياس إلى النوع الثاني من النشاط الذي يتناوله "فقه المعاملات"! وهو انحراف بالتصور الإسلامي لا شك فيه. فلا جرم يتبعه انحراف في الحياة كلها في المجتمع الإسلامي
…
"1.
وإذا كان تقسيم الإسلام إلى عقيدة وعبادة وشريعة وأخلاق مسألة فنية كذلك جاءت متأخرة عند التأليف في هذه العلوم، اقتضتها ضرورة البحث الفني والاختصاص، فإنها تركت آثارا في حس بعض الناس جعلتهم يظنون أنه يكفيهم أن يكونوا على عقيدة نظرية تستقر في قلوبهم دون أن يكون لذلك أثر في حياتهم، أو دون العمل بمقتضيات هذه العقيدة، ويحسبون أنهم متمسكون بهذا الدين حتى ولو كانوا يستمدون تشريعاتهم في جوانب الحياة الأخرى من مصادر بشرية أو مذاهب وأفكار أخرى لم يأذن بها الله، والله سبحانه وتعالى يقول:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] .
وما كانت هذه الآثار نابعة عن التقسيم بحد ذاته، وإنما جاءت بعد أن بهت الدين في نفوس الناس والتبست عليهم الأمور واختلفت المفاهيم2.
1 "خصائص التصور الإسلامي" ص13، وانظر:"مفاهيم ينبغي أن تصحح" للأستاذ محمد قطب، فصل:"لا إله إلا الله" وفصل: "العبادة"، وانظر فيما سيأتي ص291-295.
2 ولذلك كان من الغلو والإجحاف أن يجعل بعض الكاتبين هذا التقسيم مخالفا لحقيقة الدين حيث يقول: "إن ثنائية تقسيم الدين إلى عقيدة وشريعة من أخطر الأمور التي جرّت آثارا سيئة على ديننا الحنيف؛ وذلك لأن هذا التقسيم مخالف لحقيقة الدين التي تقوم على أمر واحد وهو تأليه الله عز وجل وحده
…
" انظر: "في مجال العقيدة، نقد وعرض" تأليف غازي التوبة، ص27، 28.