الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم العقيدة
مدخل
…
علم العقيدة:
لم يكن الجيل الأول من الصحابة -رضوان الله عليهم- بحاجة إلى تدوين العلوم في العقيدة والشريعة وغيرهما، فقد كانوا يتلقون من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة كل ما يتعلق بأمر الدين والدنيا، والقرآن الكريم يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم حسب الحاجات والوقائع، كما نجد ذلك واضحا صريحا في الآيات والسور التي أنزلت بعد الغزوات أو الحوادث التي كان لها أثرها في بناء المجتمع، أو في أعقاب سؤال أو استفتاء عن قضية معينة لمعرفة حكم الله فيها، ينزل القرآن فيصقل النفوس ويزكيها، ويربي الأمة، ويعالج ما يطرأ من مشكلات، ويجيب على ما ينشأ من تساؤلات، ويحمل المؤمن على الالتزام بالأوامر الإلهية دون تردد أو تلكؤ؛ ليحققوا بذلك مقتضى إيمانهم، فيتم التفاعل الكامل مع النصوص الشرعية، قرآنا ناطقا، وسنة حادثة.
وكان الجيل الأول على عقيدة نقية صافية، ببركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وقرب العهد بزمانه، ولِمَا فُطروا عليه من سليقة تمكنهم من الفهم بعد التلقي، فالقرآن الكريم يتنزل بلغتهم التي يفهمونها وتجري على ألسنتهم كما يجري الدم في عروقهم، مما جعلهم جميعهم على عقيدة واحدة لا يختلفون فيها، رغم ما قد يقع من خلاف في أحكام فرعية تشريعية.
ويصف المقريزي رحمه الله حالهم في ذلك فيقول:
"إن الله تعالى لما بعث من العرب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى الناس جميعا، وصف لهم ربهم سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه الكريمة في كتابه العزيز، وبما أوحى إليه ربه تعالى، فلم يسأله صلى الله عليه وسلم أحد من العرب بأسرهم عن معنى شيء من ذلك، كما كانوا يسألونه عن أمر الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك مما لله سبحانه فيه أمر ونهي، وكما سألوه صلى الله عليه وسلم عن أحوال القيامة والجنة والنار، إذ لو سأله إنسان منهم عن شيء من الصفات الإلهية لنُقل كما نقلت الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في أحكام الحلال والحرام
…
ونحو ذلك مما تضمنته كتب الحديث.
ومن أمعن النظر في كتب الحديث النبوي ووقف على الآثار السلفية، علم أنه لم يرد قط، من طريق صحيح ولا سقيم، عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا فرّق أحد منهم بين كونها صفة ذات أو صفة فعل، وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية، من العلم والقدرة، والحياة والإرادة، والسمع والبصر والكلام، والجلال والإكرام، والجود والإنعام، والعز والعظمة. وهكذا أطلقوا ما أطلقه الله تعالى على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك، مع نفي مماثلة المخلوقين، فأثبتوا لله تعالى الصفات بلا تشبيه بخلقه، ونزّهوه عن صفات النقص من غير تعطيل وإنكار. ولم يتعرض أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا، ورأوا -بأجمعهم- إجراء الصفات كما وردت.
ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به على وحدانية الله تعالى، وعلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم سوى كتاب الله، فما عرف أحد منهم شيئا من الطرق الكلامية
ولا المناهج الفلسفية"1.
ففي الدليل على معرفة الخالق سبحانه وتعالى، يستدلون بمثل قول الله تعالى:
وقوله تعالى:
وأمثال ذلك من الآيات الكريمة الدالة على الخالق سبحانه وتعالى دلالات ظاهرة قريبة من الأفهام، تنفع النفوس وتغرس في القلوب الاعتقادات الجازمة.
أما الدليل على وحدانية الله تعالى ووجوب عبادته وحده، فيستدلون بقوله تعالى:
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] .
وبقوله تعالى:
{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا
1 "الخطط المقريزية": 3/ 309، 310 بتصرف يسير، وانظر:"إعلام الموقعين" لابن القيم 1/ 49، "شرح العقائد النسفية" للتفتازاني ص15، "مفتاح السعادة ومصباح السيادة" تأليف أحمد مصطفى الشهير بطاش كبرى زاده: 2/ 143، "التفكير الفلسفي في الإسلام" للدكتور عبد الحليم محمود ص119-126.
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] .
وبقوله تعالى:
{لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 42] .
أما صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيستدل عليه بقوله تعالى:
وأما اليوم الآخر والإيمان بالبعث، فيستدل عليه بقوله تعالى:
وبقوله تعالى:
وأمثال ذلك في القرآن الكريم كثيرة
…
لهذا كله لم يكن الصحابة والتابعون -رضوان الله عليهم- بحاجة إلى تدوين علم العقيدة أو أصول الدين، وإلى ترتيب مباحثه كتبا وأبوابا وفصولا، كما نجد اليوم مثلا.