المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌توحيد الأسماء والصفات: - مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية

[عثمان ضميرية]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمات:

- ‌تقاريظ وكلمات:

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد عام:

- ‌خلافة وهداية:

- ‌طريقان للهداية:

- ‌حاجة البشرية إلى الرسالة:

- ‌الرسالة الخاتمة:

- ‌العقيدة والشريعة:

- ‌الصحابة يتلقون الدين منهجا كاملا:

- ‌علم العقيدة وعلم الشريعة:

- ‌الصلة بين العقيدة والشريعة:

- ‌ضرورة ومحاذير:

- ‌أهمية العقيدة وأثرها:

- ‌علم العقيدة

- ‌مدخل

- ‌أولًا: نشأة علم العقيدة

- ‌العوامل الداخلية

- ‌العوامل الخارجية:

- ‌ثانيًا: التطور التاريخي لتدوين العقيدة

- ‌مدخل

- ‌ الفقه الأكبر:

- ‌ الإيمان:

- ‌تعريف الإيمان في اللغة:

- ‌تعريف الإيمان في الاصطلاح الشرعي:

- ‌المؤلفات في الإيمان:

- ‌ السنة:

- ‌تعريف السنة في اللغة:

- ‌تعريف السنة في الاصطلاح الشرعي:

- ‌ علم التوحيد:

- ‌تعريف التوحيد في اللغة:

- ‌المعنى الاصطلاحي للتوحيد:

- ‌دلالة كلمة التوحيد على العقيدة:

- ‌تطور استعمال كلمة التوحيد:

- ‌مؤلفات في علم التوحيد:

- ‌ الشريعة:

- ‌تعريف الشريعة في اللغة:

- ‌إطلاقات كلمة الشريعة اصطلاحيًا

- ‌مؤلفات فلي الشريعة

- ‌ العقيدة:

- ‌ أصول الدين:

- ‌ التصور الإسلامي:

- ‌مصطلحات وتعريفات

- ‌أولًا: أهل السنة والجماعة

- ‌مدخل

- ‌عناصر في تعريف الجماعة:

- ‌معنى جماعة المسلمين:

- ‌تسمية أهل السنة والجماعة:

- ‌ثانيا: السلف

- ‌ثالثا: أهل الحديث

- ‌الحديث في اللغة:

- ‌تعريف أهل الحديث:

- ‌إطلاق خاص:

- ‌وسطية أهل السنة والجماعة:

- ‌مصادر العقيدة

- ‌مدخل

- ‌أولا: القرآن الكريم

- ‌ثانيا: السنة النبوية

- ‌دور العقل ومكانته:

- ‌التزام العقيدة، والنهي عن البدع:

- ‌التوحيد

- ‌مدخل

- ‌توحيد الربوبية:

- ‌توحيد الألوهية:

- ‌توحيد الأسماء والصفات:

- ‌جوانب من توحيد الألوهية

- ‌أولًا: شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌مدخل

- ‌شروط كلمة التوحيد:

- ‌نواقض لا إله إلا الله:

- ‌ثانيا: العبادة وانواعها

- ‌مفهوم العبادة وأنواعها:

- ‌أنواع العبادة:

- ‌أركان العبادة وأصولها:

- ‌دعوة الرسل إلى توحيد العبادة

- ‌الانحراف عن التوحيد:

- ‌عقيدة الولاء والبراء

- ‌مدخل

- ‌الولاء والبراء في النصوص الشرعية:

- ‌مفهوم الولاء والبراء:

- ‌مفهوم الولاء في الشرع:

- ‌البراء في اللغة:

- ‌مفهوم البراء في الشرع:

- ‌الفرق بين التسامح والبر وبين المودة للكفار:

- ‌موقف الكفار من الإسلام والمسلمين:

- ‌من مظاهر الولاء للكفار:

- ‌خصائص العقيدة الإسلامية

- ‌التوفيقية

- ‌ الغيبية:

- ‌ الشمول:

- ‌ التكامل:

- ‌ التوازن:

- ‌المراجع والمصادر:

- ‌باب: الفهارس

- ‌فهرس الأحاديث النبوية:

- ‌فهرس الأبحاث:

الفصل: ‌توحيد الأسماء والصفات:

‌توحيد الأسماء والصفات:

عجيب أمر هذا الإنسان!

يتحدث عن الحكمة ويتشدَّق بها، ولكنه يبتعد عنها في واقعه وفكره، فقد قالوا: إن الحكمة هي وضع الأمور في مواضعها، وإن أول ما ينبغي أن يتبادر إلى الذهن في هذا المجال: أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى الإنسان ووهبه جملة من المواهب والملكات والإمكانيات، وزوّده بأدوات العلم والمعرفة؛ لتساعده على تحقيق وظيفته وغايته في هذه الحياة، كما أراد الله سبحانه وتعالى. وكل أداة أو وسيلة ينبغي أن تستخدم فيما أُعدت له، وإلا فإن من يفعل غير ذلك يكون قد سَفِهَ نفسه وعقله.

أرأيت إنسانا يستخدم عينه ليتعرف بها على رائحة شيء ما؟ أو يستخدم أنفه ليبصر ما أمامه من موجودات..؟

إنك لو رأيت من يفعل ذلك لحسبته مجنونا، وكذلك فإن لكل أداة من أدوات العلم والمعرفة مجالا تعمل فيه وطاقة محدودة لها تتناسب معها ومع قيمتها.

للعقل دور محدود:

ولذلك يخطئ كثير من الناس عندما يريدون أن يجعلوا عقولهم حَكَما في كل شيء، حتى فيما لا يستطيع العقل أن يعمل فيه أو يفكر؛ لأنه لو فعل ذلك لن يصل إلى شيء؛ لأنه لم يخلق لهذا الذي أقحمه صاحبه فيه، وما هو بقادر على أن يصل إلى ما يريد.

فلو راح الإنسان يتعرف على عالم الغيب؛ بحقيقته وموجوداته وطبيعته

فهل تراه يصل إلى شيء من العلم بعقله، مجردا عن الوحي؟

ص: 237

لو راح يفكر في ذات الله سبحانه وتعالى ليتعرف عليها أو يحيط بها، فهل يصل إلى الحق؟

إن العقل أعجز من أن يستطيع ذلك كله أو بعضه، وكل من حاول هذا ضرب في بيداء التيه والضياع، وضل عن سواء الطريق، ولم يعد إلا بالحيرة والخيبة والندم1.

وقد تكفل سبحانه وتعالى، فعرّفنا بأسمائه الحسنى وصفاته العظمى، عن طريق وحيه المنزل، ثم عن طريق رسله -عليهم الصلاة والسلام- لأنهم أعلم الخلق بالله سبحانه وتعالى؛ ولذلك قال الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] .

ويبقى دور العقل هنا أن يتلقى النصوص الشرعية من الوحي؛ ليفهم ما تتضمنه هذه النصوص من معاني أسماء الرب سبحانه وصفاته.

وبكلمة واحدة: "نحن قد نعرف الله عقلا، ولكننا لا نعرف صفاته إلا وحيا"2.

1 انظر فيما سبق 179-183.

2 انظر: "دراسات في الفكر الإسلامي" لأستاذنا الفاضل الدكتور عدنان محمد زرزور حفظه الله، ص119.

وينبغي أن نذكِّر بأن الكلام في هذا الموضع ينصبّ على المعرفة التفصيلية الدقيقة الصحيحة، وهذه لا تعرف إلا عن طريق الوحي. أما المعرفة الإجمالية العامة فيمكن أن يصل إليها الإنسان بعقله، فيعرف عقلا أن الله تعالى يتصف بصفات الكمال كالعلم والقدرة

إلخ، ونجد شواهد كثيرة على ذلك في تصورات الفلاسفة القدامى عن الربوبية وصفات الرب تبارك وتعالى وكيفية الخلق وتعلق إرادة الله تعالى بذلك

إلخ وكل من شدا شيئا من الفلسفة أو اطلع على مباحثها أيقن بذلك حق اليقين.

ص: 238

وإذا كان الرب سبحانه وتعالى أعلم بنفسه من خلقه وأصدق قيلا، ومنهجه أهدى سبيلا، وكان رسوله المبلغ عنه كذلك أعلم به، وبما يجب له، وبما يمتنع عليه، من كل أحد، وهو أقدر الناس على بيان ذلك، وأحرصهم على هداية الخلق إليه، فلا يجوز التعويل -إذن- في إثبات الصفات والأسماء لله سبحانه وتعالى، أو نفي ما يُنفى، على غير الكتاب والسنة.

فالأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته، هي: كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، فلا تثبت أسماء الله تعالى وصفاته بغيرهما.

الإيمان بالأسماء والصفات:

وعلى هذا، فما ورد إثباته لله تعالى من ذلك في الكتاب والسنة وجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما وجب نفيه مع إثبات كمال ضده. وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه، فلا يثبت ولا ينفى لعدم ورود الإثبات والنفي فيه.

وأما معناه، فيفصَّل فيه، فإن أريد به حق يليق بالله تعالى فهو مقبول، وأن أريد به باطل لا يليق بالله عز وجل وجب رده1.

فإن الله سبحانه وتعالى لم يكلفنا، ولم يتركنا في معرفة شيء من أسمائه الحسنى وصفاته العظمى إلى شيء وراء ما دل عليه الكتاب والسنة، فمن رجع في شيء من ذلك إلى قضية عقل أو استحسان برأي أو إلهام أو كشف، أو غير ذلك، فقد قال على الله تعالى بغير علم، وضل عن سواء السبيل.

1 انظر: "الرسالة التدمرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهي في مجموع الفتاوى: 3/ 1281. "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى"، ص29-33.

ص: 239

طريقة إثبات الأسماء والصفات:

ولذلك يؤمن المؤمن بكل ما أثبته الله تعالى لنفسه من الأسماء والصفات، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تأويل.

وقد بين الله تعالى أن له أسماء حسنى، فقال:

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] .

كما بين أن له صفات عليا، فقال:

{إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: 20] .

وكل ما ثبت عن الله تعالى من الأسماء والصفات، فإنه لا يماثل فيه شيئا من خلقه، ولا يماثله شيء، فقد قال الله سبحانه وتعالى:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .

وقال أيضا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الإخلاص] .

وقال سبحانه: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل: 74] .

اتفاق في الاسم، لا في المسمَّى:

وحتى لو اتفقت الصفات في أسمائها، فإن صفات الله تعالى تختلف عن صفات المخلوقين، فالاتفاق في الأسماء لا يقتضي الاتفاق في المسميات، فقد سمى الله تعالى نفسه حيا، عليما، قديرا، رءوفا، رحيما، عزيزا، حكيما، سميعا،

ص: 240

بصيرا، ملكا، مؤمنا، جبارا، متكبرا، وقد سمى بعض عباده بهذه الأسماء، كقوله تعالى:

{فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2] .

وكقوله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الأنعام: 95]

إلخ..

ومعلوم أنه لا يماثل السميعُ السميعَ، ولا الحيُّ الحيَّ.

وصفات الله تعالى هي على ما يليق بجلاله وعظمته، فليس لأحد أن ينفي صفة منها بحجة أنه ينزه الله تعالى؛ لأنه -بزعمه- لو أثبت هذه الصفة لكان مشبها له بالمخلوقين، مع أنه يثبت له صفة أخرى غيرها، ولا يقول: إن هذه الصفة لله سبحانه وتعالى تشبه صفة المخلوقين، فالله سبحانه أخبر عن نفسه بصفات مدح فيها نفسه، فقال:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] .

فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات، الدالة على الكمال والجلال؟

القول في الصفات كالقول في الذات:

فاذكر -أيها المسلم- أن القول في صفات الله تعالى كالقول في ذات الله سبحانه وتعالى، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات.

وإذا كانت نصوص الصفات في ظاهرها معلومة لنا باعتبار المعنى، فهي غير معلومة لنا باعتبار الكيفية التي هي عليها.

ص: 241

القول في بعض الصفات كالقول في بعض:

وإذا عرفنا ذلك، فإننا ينبغي أن نعرف أصلا آخر وهو أن: القول في بعض الصفات كالقول في بعضٍ، فكما أننا يجب أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى عليم، حكيم، حي، قادر.. إلخ وهذه كلها صفات حقيقية، كذلك نؤمن بمحبة الله ورضاه، وغضبه وكراهته، حقيقة لا مجازا، فكما أن حياة الله تعالى لا تشبه حياة المخلوقين، وكما أن علم الله سبحانه وتعالى لا يشبه علم المخلوقين، فكذلك غضب الله ورضاه

كل هذا لا يشبه غضب المخلوقين ورضاهم، فينبغي الإيمان بالصفات كلها على ما يليق بالله سبحانه وتعالى.

والمؤمن أعقل من أن يتورَّط فيما ليس من شأنه، وأن يتعمق في بحث الكيفية.

فينبغي أن يقطع الأمل في معرفة الكيفية. وما أصدق ما قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله حين سُئل عن الاستواء، فقال:

"الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"1!

الخلاصة:

فالوصية -أيها المسلم- أن تنزه الله تعالى عن مشابهة صفات المخلوقين، وأن تثبت لله تعالى من الأسماء ما سمى به نفسه، وأن تؤمن بما وصف به نفسه من الصفات، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تعلم أنك لن تحيط به سبحانه علما. قال الله تعالى:

{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] .

1 أخرجه البيهقي: "في الأسماء والصفات": 2/ 150، 151، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد: 2/ 398. وانظر: "فتح الباري": 13/ 406، 407.

ص: 242

إن لله تسعة وتسعين اسما:

وبعد هذه اللمحات الموجزة السريعة عن توحيد الأسماء والصفات، نشير إلى الحديث الذي يخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن عدد الأسماء الحسنى ويبشِّر من يحصيها بدخول الجنة، فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة"1.

والحديث يتضمن مسألتين:

أولاهما: أن لله تعالى أسماء حسنى، بلغت الغاية من الحسن والكمال، وأن من أحصى منها تسعة وتسعين اسما دخل الجنة. وليس المراد بالحديث حصر الأسماء الحسنى في هذا العدد، وليس فيه نفي ما عداها من الزيادة عليها، وإنما وقع التخصيص بالذكر لهذه الأسماء؛ لأنها أشهر الأسماء، وأبينها معاني وأظهرها، وذلك أن الصيغة ليست من صيغ الحصر والقصر، وجملة قوله عليه السلام:"إن لله تسعة وتسعين اسما" جملة واحدة، أو قضية واحدة لا قضيتان، ويكون تمام الكلام في خبر "إن" في قوله:"من أحصاها دخل الجنة"، فالمراد: الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء. فهو بمنزلة قولك: إن لفلان ألف درهم أعدها للصدقة. وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم، وإنما دلالته: أن الذي أعده فلان من الدراهم للصدقة ألف درهم.

1 أخرجه البخاري في التوحيد: 13/ 377، وفي الشروط والدعوات، ومسلم في الذكر والدعاء: 4/ 2062، وساق الترمذي في روايته للحديث عدة الأسماء، وكذلك ابن ماجه وابن حبان. وانظر:"فتح الباري" لابن حجر: 11/ 214-220، "تلخيص الحبير": 4/ 172-174.

قال البيهقي في "الأسماء والصفات""1/ 32": ويحتمل أن يكون التفسير -أي: سياق الأسماء التسعة والتسعين في الحديث عند الترمذي وغيره- وقع من بعض الرواة.

ص: 243

والذي يدل على صحة هذا الفهم لمعنى الحديث، أمور:

أ- حديث عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قال عبد قط إذا أصابه هم أو حزن: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك. أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه

" 1.

فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم، ولم ينزل به كتابه، وقسم أنزل به كتابه فعرفه عباده، وقسم استأثر به في علم غيبه، فلم يطلع عليه أحد من خلقه. وهذا يدل على عدم الحصر بالتسعة والتسعين.

وبهذا المعنى جاءت أحاديث أخرى كحديث الشفاعة: "فيفتح عليّ من محامده بما لا أحسنه الآن" 2 وحديث: "لا أُحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"3.

ب- أن الروايات التي جاء فيها إحصاء الأسماء التسعة والتسعين متعددة، وفي

1 أخرجه الإمام أحمد في "المسند": 1/ 391، 452، وصححه ابن حبان ص589 "من موارد الظمآن" والحاكم: 1/ 509 على شرط مسلم، وقال:"إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه.." وقال الذهبي: وأبو سلمة لا يدري من هو، ولا رواية له في الكتب الستة، وأخرجه أبو يعلى في "المسند" 5/ 136.

2 قطعة من حديث الشفاعة، أخرجه البخاري في الأنبياء: 6/ 264، 265، ومسلم في الإيمان 1/ 184، 185.

3 قطعة من حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه مسلم في كتاب الصلاة: 1/ 352.

ص: 244

بعضها أسماء ليست في الأخرى، وعدتها تسعة وتسعون، فإذا ضمت الأسماء في كل رواية إلى ما زاد عليها في الروايات الأخرى، فإنها تزيد عن تسعة وتسعين اسما.

جـ- أن أكثر هذه الأسماء التي وردت في الروايات صفات لله تعالى، وصفات الله لا تتناهى.

والمسألة الثانية هي: إحصاء هذه الأسماء، وفي معنى الإحصاء المراد أوجه أربعة:

أحدها: أنه بمعنى العد، يريد: أنه يعدها ليستوفيها حفظا فيدعو بها ربه، كقوله سبحانه:{وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] .

والوجه الثاني: أن يكون الإحصاء بمعنى الطاقة، كقوله تعالى:{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] .

والوجه الثالث: أن يكون الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة، فيكون معناه أن من عرفها وعقل معانيها وآمن بها، دخل الجنة.

والوجه الرابع: أن يكون معنى الحديث: أن يقرأ القرآن حتى يختمه، فيستوفي هذه الأسماء كلها في أثناء التلاوة. فكأنه قال: من حفظ القرآن، وقرأه فقد استحق دخول الجنة.

ولعل هذه الوجوه كلها مجتمعة هي المرادة بالإحصاء، فكأنها مراتب؛ المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها، والمرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها، والمرتبة الثالثة: دعاؤه سبحانه وتعالى بها، كما قال:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وهو مرتبتان: إحدهما: دعاء ثناء وعبادة، والثانية: دعاء طلب ومسألة.

ص: 245

فلا يثنى عليه سبحانه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وكذلك لا يسأل إلا بها، فيسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسلا إليه سبحانه بذلك الاسم، ومتعبدا له به1.

وعندئذ يكون المؤمن قد تعرف على الله تعالى معرفة صادقة من خلال معرفته للأسماء والصفات التي أخبرنا الله تعالى بها؛ كي نؤمن بها وكي نتعرف على الله من خلالها، وندعوه بها، ليكون لها أثرها في السلوك الفردي والاجتماعي، فعندما نتعرف على الله الخالق والرازق، لا نطلب الرزق إلا منه، وعندما نتعرف على الله العليم الحكيم نسلِّم له الأمر كله، وعندما نعرف أنه متفرد بالخلق والأمر، فإننا نخضع لأمره وحكمه، وعندما نتعرف عليه سميعا بصيرا تمتلئ نفوسنا تقوى وخشية له سبحانه

وأما ما وراء ذلك من أبحاث الفلاسفة والمتكلمين عن الصفات وعلاقتها بالذات وكيفية قيامها بها

إلخ هذا كله مما لا طائل تحته ولا فائدة ترجى منه، بل هو مزلّة أقدام ومضلّة أفهام، نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العظمى أن يثبتنا على الحق والهداية.

1 انظر فيما سبق بالتفصيل: "شأن الدعاء" للخطابي ص24-30، "بدائع الفوائد" لابن القيم: 1/ 164-166، "درء تعارض العقل والنقل": 3/ 332، "فتح الباري": 11/ 214-228، "تلخيص الحبير" لابن حجر: 4/ 174، 175، "الأسماء والصفات" للبيهقي: 1/ 30-33، "شرح النووي على صحيح مسلم": 17/ 5، 6، "الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية" لابن علان: 3/ 199-203، "تحفة الأحوذي" للمباركفوري: 9/ 482-489، "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" لملا علي القاري: 5/ 72، 73، "لوامع الأنوار البهية" للسفاريني: 1/ 127، "تفسير ابن كثير" 3/ 516، 517، "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" تأليف عبد الله الغنيمان: 1/ 218-220.

ص: 246