الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعوة الرسل إلى توحيد العبادة
…
دعوة الرسل عليهم السلام إلى توحيد العبادة:
بعث الله تعالى جميع الرسل -عليهم الصلاة والسلام- يدعون العباد إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، فلم يبعثهم للدعوة إلى مجرد الإيمان بالله وأنه خالقهم، إذ هم مقرّون بذلك تناسقا مع الفطرة التي فطرهم الله تعالى عليها. ولم تكن قضية وجود الله في يوم من الأيام هي القضية التي يقف الناس عندها، إلا في فترات قليلة ولظروف خاصة عند بعض الأوروبيين الذين عُرف عنهم الإلحاد، وحاولوا أن يجدوا له فلسفة خاصة؛ تبريرا لانحرافهم وفساد فطرتهم.
ولذلك حكى الله تعالى عن الأقوام السابقين تعجّبهم من دعوة الأنبياء إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وحده:
{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الأعراف: 70] .
أي: لنفرده بالعبادة ونخصه بها من دون آلهتنا؟ فلم ينكروا إلا طلب الرسل منهم إفراد العبادة لله، ولم ينكروا الله تعالى، ولا قالوا: إنه لا يُعبد، بل أقروا بأنه يُعبد، وأنكروا كونه يفرد بالعبادة، فعبدوا مع الله غيره وأشركوا معه سواه واتخذوا معه أندادا، كما قال تعالى:
{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] .
وكانوا يقولون في تلبيتهم للحج: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمعهم عند قولهم: "لا شريك لك" ويقول:
"قد أفردوه جل جلاله، لو تركوا قولهم: إلا شريكا هو لك"1. فنفس شركهم بالله تعالى إقرار به. قال تعالى:
{أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 22] .
{وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} [القصص: 64] .
{قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ} [الأعراف: 195] .
فنفس اتخاذ الشركاء إقرار بالله تعالى، ولم يعبدوا الأنداد بالخضوع لهم والتقرب بالنذور لهم إلا لاعتقادهم أنها تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم.
فأرسل الله الرسل تأمر بترك عبادة كل ما سواه، وتبين أن هذا الاعتقاد الذي يعتقدونه في الأنداد باطل، وأن التقرب إليهم باطل، وأن ذلك لا يكون إلا لله وحده. وهذا هو توحيد العبادة؛ وقد كانوا مقرّين بتوحيد الربوبية، وهو أن الله هو الخالق وحده والرازق وحده.
ومن هنا نعرف أن التوحيد الذي دعت إليه الرسل -عليهم الصلاة والسلام- هو توحيد العبادة؛ ولذا تقول لهم الرسل: {أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} ، {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}
…
وأمر الله عباده أن يقولوا: "إياك نعبد"، ولا يصدق قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله تعالى، وإلا كان كاذبا، منهيا عن أن يقول هذه الكلمة؛ إذ معناها: نخصك بالعبادة ونفردك بها دون كل أحد، وهو معنى قوله:{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}
1 انظر: صحيح مسلم: 2/ 843.
و {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} كما عرف من لغة العرب أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، أي: لا تعبدوا إلا الله، ولا تعبدوا غيره، ولا تتقوا غيره. فإفراد الله تعالى بالعبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له. والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده، والاستعانة بالله وحده، وجميع أنواع العبادات لا تكون إلا لله تعالى وحده1.
1 "تطهير الاعتقاد" للصنعاني ص26-28 بتصرف يسير. وانظر: "العبودية" لابن تيمية ص39، 40، 82-84، "مدارج السالكين" لابن القيم: 1/ 101-104، "تيسير العزيز الحميد" ص39 وما بعدها، "معارج القبول" للشيخ حافظ حكمي: 2/ 393-407، "مقومات التصور الإسلامي"، لسيد قطب ص86-98، "مفاهيم ينبغي أن تصحح" للأستاذ محمد قطب ص23-32.