الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفهوم البراء في الشرع:
وهذه المعاني اللغوية كلها ملحوظة في المعنى الشرعي للبراء، الذي هو البعد عن الكفار ومودتهم، والتخلص من قبائحهم وباطلهم، والإنذار لهم، ومقاطعتهم وبغضهم قلبيا، وبغض ما هم عليه من الكفر والقبائح.
فمن يتبرأ من الكفار والمشركين إنما يتبرأ من القبيح والباطل والمكروه ويبتعد عنه، وبذلك يبرأ من تهمة الكفر التي تحصل بإلقاء المودة لهم، وفي ذلك إنذار لهم وإعذار، فما كانت البراءة والعداوة إلا بعد هذا الإنذار والإعذار.
مقتضيات البراءة من الكفار:
وهذا البراء من الكفار، وما هم عليه يقتضي أن نتنبه إلى جملة أمور حتى تتم مجانبة دين الكفار والبراءة منهم1:
1-
ترك اتباع أهوائهم ومتابعتهم في أي أمر من أمورهم، فإن هذه المتابعة لهم إنما تكون بترك الشريعة أو بعضها، وإنه لكفر بالشريعة أن نتركها متابعة لهوى المشركين والكفار، بأي حجة وتحت أي عنوان، وهم لا يرضون من المؤمن إلا أن
1 "بيان النجاة والفكاك"، ص268-272 ضمن "مجموعة التوحيد"، "تيسير العزيز الحميد" ص446-483.
يتبع ملتهم ودينهم وذلك ردة ينبغي الحذر منها؛ ولهذا جاءت الآيات القرآنية تحذر أشد التحذير من هذا الاتباع:
{وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49] .
{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} [الرعد: 37] .
2-
النهي عن التلقي عن الكفار في الرأي والمشورة، وطاعتهم فيما قد يشيرون به أو يأمرون، فإن الله تعالى نهى عن طاعة الكافرين، فقال:
فإن طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم، واقتباس مناهجهم وأوضاعهم، تحمل ابتداء معاني الهزيمة الداخلية، والتخلي عن دور القيادة الذي من أجله أُنشئت الأمة المسلمة، كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها صعدا في طريق النماء. وهذا بذاته دبيب الكفر في النفس، وهي لا تشعر به ولا ترى خطره القريب.
هذا من جانب المسلمين؛ فأما من الجانب الآخر، فأهل الكتاب لا يحرصون على شيء حرصهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها. فهذه العقيدة هي سبيل النجاة وخط الدفاع ومصدر القوة الدافعة للأمة المسلمة. والأعداء يعرفون هذا جيدا، يعرفونه قديما وحديثا، ويبذلون في سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما في وسعهم من مكر وحيلة، ومن قوة كذلك وعُدَّة. وحين يعجزهم أن يحاربوا هذه العقيدة ظاهرين يدسّون لها ماكرين، وحين يعييهم أن يحاربوها بأنفسهم وحدهم، يجندون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام أو ممن ينتسبون -زورا- للإسلام جنودا مجندة لتنخر في جسم هذه العقيدة من الداخل، ولتصد الناس عنها، ولتزيِّن لهم مناهج غير منهجها، وأوضاعا غير أوضاعها، وقيادة غير قيادتها.
فحين يجد أهل الكتاب من بعض المسلمين طواعية واستماعا واتباعا، فهم -ولا شك- سيستخدمون هذا كله في سبيل الغاية التي تؤرّقهم، وسيقودونهم ويقودون الجماعة كلها من ورائهم إلى الكفر والضلال1.
ومن ثم جاءت التحذيرات الحاسمة كهذه التحذيرات:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران: 149] .
{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] .
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الأحزاب: 1] .
1 "في ظلال القرآن": 1/ 438، 439.
3-
ترك الركون إلى الكفرة والظالمين، فقد نهى الله تعالى تعالى عن ذلك فقال:
فإن الركون إلى الكفرة والظالمين والطواغيت، والاطمئنان إليهم والاستناد إليهم يعني إقرارهم على المنكر الأكبر الذي يزاولونه فيقهرون العباد ويعبدونهم لغير الله.. ويعني مشاركتهم في هذا المنكر الكبير. ولذلك استحق هذا الجزاء وهذا التخويف.
ولذلك كان من فضل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين من بعد -أن ثبته على الحق والدعوة، لئلا يركن إلى الظالمين ومحاولاتهم في الإغراء والمساومة والمداهنة:
{وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} . [الإسراء: 74، 75]
4-
ترك مودة أعداء الله ومحبتهم، ومفاصلتهم مفاصلة كاملة، حتى ولو كانوا من أقرب الناس نسبا وقرابة؛ فلا يجتمع في قلب مؤمن: إيمان بالله ومودة لأعدائه: