الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طريقان للهداية:
الفطرة والوحي ومنذ أن أوجد الله تعالى البشر فَطَرهم على التوحيد والإيمان بالله تعالى، خالقهم ومعبودهم، وأخذ عليهم العهد والميثاق مذ كانوا ذرية في ظهور آبائهم:
ولذلك يأمرهم الله تعالى أن يقيموا وجوههم لله، وأن يخلصوا دينهم له، فإنه مقتضى الفطرة التي فطرهم عليها، وتحقيق للعهد والميثاق، وأداء لشهادة الحق التي أشهدهم عليها:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} "الآية"1.
1 أخرجه البخاري: 3/ 219، ومسلم: 4/ 2047، وانظر "تفسير البغوي": 6/ 296 مع المراجع المشار إليها، طبعة دار طيبة بالرياض، "معالم السنن" للخطابي: 7/ 83-88.
وعن عياض بن حمار المجاشعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته:
"ألا إن ربي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا؛ كل مال نحلتُه عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا
…
" 1.
وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار، وهو الحنيفية التي وقعت الخِلْقة عليها، وإن عبد غيره، قال تعالى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] .
فكل مولود يولد في مبدأ الخلقة على الفطرة، أي: على الجِبِلَّة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها؛ لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره، لآفة من آفات النشوء والتقليد، فلو سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره2.
وهكذا كانت البشرية الأولى أو ذرية آدم عليه السلام، قبل أن يقع الانحراف، كانت على التوحيد والإسلام، فقد كان الناس من وقت آدم إلى مبعث نوح -وكان بينهما عشرة قرون- كلهم على شريعة واحدة من الحق والهدى، ثم اختلفوا في زمن نوح، فبعث الله إليهم نوحا، فكان أول نبي بعث، ثم بعث بعده النبيين3.
1 أخرجه مسلم: 4/ 2197.
2 انظر: "تفسير البغوي": 6/ 270، والمراجع المشار إليها في الحاشية.
3 وهذا مرويّ عن قتادة وعكرمة. انظر: "تفسير البغوي": 1/ 243.
وعن أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله، أنبيا كان آدم؟ قال:"نعم"، قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: "عشرة قرون"1.
قال تعالى:
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس موقوفا قال: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام"2.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله: "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا"3 وكذلك كان يقرؤها أبي بن كعب رضي الله عنه4. وهذا متناسق مع قوله تعالى:
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ
1 أخرجه ابن حبان ص"509"، والطبراني في "الأوسط" 1/ 256، والحاكم: 2/ 262، والبيهقي في "الأسماء والصفات": 1/ 517. قال ابن كثير: وهو على شرط مسلم.
2 انظر: "البداية والنهاية" لابن كثير: 1/ 101.
3 أخرجه الطبري: 4/ 275، وصححه الحاكم في "المستدرك": 2/ 546، 547، ووافقه الذهبي. وعزاه السيوطي في "الدر""1/ 582" للبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم.
4 "تفسير ابن كثير": 1/ 364 "طبعة الشعب".
اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253] .
وأنزل الله تعالى كتبه هداية ورحمة وبيانا وإزالة للخلاف؛ ليفيء الناس جميعا إلى الحق والعدل:
يقول الأستاذ سيد قطب، رحمه الله:
"وهذه هي قصة الاختلاف بين الناس في التصورات والعقائد، والموازين والقيم
…
كان الناس أمة على نهج واحد وتصور واحد، وقد تكون هذه إشارة إلى حالة المجموعة البشرية الأولى الصغيرة من أسرة آدم وحواء وذراريهم قبل اختلاف التصورات والاعتقادات. فالقرآن يقرر أن الناس من أصل واحد، وهم أبناء الأسرة الأولى: أسرة آدم وحواء. وقد شاء الله أن يجعل البشر جميعا نتاج أسرة واحدة صغيرة؛ ليقرر مبدأ الأسرة في حياتهم، وليجعلها هي اللبنة الأولى. وقد غَبَر عليهم عهد كانوا فيه في مستوى واحد واتجاه واحد وتصور واحد في نطاق الأسرة الأولى، حتى نمت وتعددت وكثر أفرادها، وتفرقوا في المكان، وتطورت معايشهم، وبرزت فيهم الاستعدادات المكنونة المختلفة التي فطرهم عليها لحكمة يعلمها، ويعلم ما وراءها من خير للحياة في التنوع والاستعدادات والطاقات والاتجاهات.
عندئذ اختلفت التصورات، وتباينت وجهات النظر، وتعددت المناهج، وتنوعت المعتقدات
…
وعندئذ بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين"1.
1 "في ظلال القرآن": 1/ 216، وانظر فيما سيأتي ص219-224.