الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توحيد الألوهية:
ألا له الخلق والأمر:
{هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52] .
ما أعظم قدرة الله سبحانه وتعالى! وما أجلى حكمته في هذا الخلق!
إن هذا الوجود كله، اتجهت إليه إرادة الله تعالى فأوجدته، وأودعه الله سبحانه قوانينه التي بها يتحرك، والتي تتناسق حركة أجزائه فيما بينها كما تتناسق حركته الكلية سواء بسواء:
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] .
وإذا كان الخلق كله لله سبحانه وتعالى، فينبغي -بداهة- أن يكون الأمر كله لله أيضا، فإن الذي يخلق هو الذي يأمر:
وبهذا يترتب توحيد الألوهية على توحيد الربوبية، كما أن توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية1.
وقد ألمحنا -فيما سبق- لمحات حول توحيد الربوبية، فلْنتابع -على بركة الله تعالى وبتوفيق منه سبحانه- حديثا حول توحيد الألوهية، ويقال له أيضا: توحيد العبودية، وتوحيد الإرادة، وتوحيد القصد والطلب، وتوحيد العمل أيضا،
1 راجع فيما سبق ص226، 227 عن التلازم بين أنواع التوحيد.
أو يقال: هو توحيد الله بأفعال المكلفين.
تعريف توحيد الألوهية "العبودية":
وتوحيد العبودية هو: إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، بمعنى: أن يُعبَد الله سبحانه وتعالى وحده، ولا يُشرَك معه في عبادته أحد من خلقه؛ لأنه وحده المستحق لأن يعبد، وهو مبني على إخلاص العمل كله والتوجه به لله سبحانه وتعالى وحده دون سواه، سواء كان هذا العمل من أعمال القلوب أو من أعمال الجوارح.
دعوة القرآن إليه:
وهذا النوع من التوحيد هو الذي تضمنه قوله تعالى:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، وقوله تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123] .
وأساس ذلك أن تعلم أن هناك ألوهية وعبودية، فالله سبحانه وتعالى هو الرب القوي القادر، الغني الواسع، العزيز الحكيم، الرازق المحيي المميت.. المتفرد بكل صفات الكمال، وهو الإله الحاكم المشرِّع، الذي ينبغي أن يتوجه إليه جميع الخلق بالعبادة، وأما الإنسان، فهو مخلوق لله سبحانه، وهو عاجز ضعيف، رغم كل ما منحه الله تعالى من المواهب والمَلَكات، وهو خاضع عابد بطبعه، إن لم يكن عابدا لله تعالى فإنه سيعبد غير الله، ويقع في عبودية غير الله تعالى، فهو إن لم يكن عبدا لله كان عبدا لغير الله. فالصلة بين العبد وربه تبارك وتعالى هي صلة العبودية بالربوبية، وتحقيق ذلك يكون بالتوجه إلى الله تعالى وحده بالأعمال والقصد، وهو توحيد الألوهية كما سبق بيانه1.
1 انظر: "العبودية" لشيخ الإسلام ابن تيمية، "مقومات التصور الإسلامي" للأستاذ سيد قطب، فصل: ألوهية وعبودية.
أهمية هذا التوحيد، ودعوة الرسل إليه:
وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره، وباطنه وظاهره، وهو أول دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وآخرها، وهو معنى قول: لا إله إلا الله، وجميع رسل الله تعالى -عليهم الصلاة والسلام- جاءوا إلى أممهم بالدعوة إلى هذا التوحيد1.
فقال الله تعالى، مخبرا عن نوح عليه السلام:
وقال عن هود عليه السلام:
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65] .
وتكررت هذه الكلمة، وهذه الدعوة، على لسان صالح وشعيب وسائر الأنبياء، والرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم ذكره الله تعالى قاعدة عامة في دعوة كل الرسل، فقال سبحانه وتعالى:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] .
1 انظر: "تطهير الاعتقاد"، للصنعاني، ص20، 21، ص26-28، وفيما سيأتي ص 305-307، "الإسلام وعلاقته بالشرائع الأخرى" عثمان ضميرية، ص11-21.
ثم أمر الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا، فقال:
{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} [الزمر: 11، 12] .
وقال سبحانه وتعالى:
{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر: 14] .
وعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن قال له: "إنك تأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله"، وفي رواية:"أن يوحِّدوا الله"1.
ولأهمية هذا النوع من التوحيد، ولأنه هو لبّ دعوة الرسل، ولأن نزاع المشركين إنما كان في هذا النوع؛ لهذا كله كانت العناية به في القرآن الكريم، فما من سورة من سوره إلا وقد جاء فيها الحديث عن هذا التوحيد، نصا أو دلالة.
منهج القرآن:
وقد سلك القرآن الكريم في بيان حقيقة هذا التوحيد ولوازمه ومقتضياته مسالك شتى:
فهو قد أمر به مباشرة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وكما سيأتي أيضا.
ثم ناقش شُبُهات المشركين وردّ عليهم ما ادعوه من الأسباب التي أوقعتهم في الشرك، وبيّن حقيقة الشرك الذي وقع فيه المشركون، وأنه هو شرك العبادة أو شرك الطاعة والاتباع، والتحليل والتحريم من دون الله تعالى
…
ومن خلال هذه
1 أخرجه البخاري في الزكاة: 3/ 357، ومسلم في الإيمان: 1/ 50.
المناقشات رسم القرآن الكريم الصورة الصحيحة الصادقة للتوحيد.
ثم ذكر الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين طريق العبادة الصحيحة، التي ينبغي أن يكون المسلم عليها أو يقوم بها، ووجّه نظره إلى التفكر فيما بثّه سبحانه من آيات، ودلائل تقوده إلى الخضوع لله سبحانه.
ثم ذكر سبحانه وتعالى في كتابه ما أعدّه لعباده المؤمنين من صور النعيم والثواب في الجنة لمن يحقق هذا التوحيد، وبالمقابل رسم صورة قاتمة للعذاب المهين الأليم لكل من يخالف هذا التوحيد.
ولعلنا لا نستطيع في هذا المقام أكثر من الإشارة إلى هذا الذي ألمحنا إليه عن طريقة القرآن الكريم في بيان هذا التوحيد، وللتفصيل مكان آخر غير هذا.
تحقيق هذا التوحيد:
وأما تحقيق هذا التوحيد، فإنه يكون بالتوجه لله تعالى وحده، وإفراده بكل أنواع العبادة، والبراءة من كل ما يعبد من دون الله، فينبغي أن يتجه بالعبادة كلها له وحده سبحانه، سواء كانت عبادة اعتقادية أو قلبية أو بدنية أو مالية، وأن تُخلَص كلها لله سبحانه وتعالى. وسيأتي الكلام على هذه الأنواع عند التفصيلات عن توحيد الألوهية، بمشيئة الله تعالى.