الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الولاء والبراء في النصوص الشرعية:
لقد قرر الله تعالى مبدأ الولاية بين المؤمنين، وجعل بعضهم أولياء بعض، يتناصرون ويتعاضدون ويتحابون، فقال سبحانه:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] .
وذلك لأن طبيعة المؤمن هي طبيعة الأمة المؤمنة، وتجمّع المسلمين شيء طبيعي في مواجهة التجمع الذي يقوم على أساس معارضة الإسلام، ومحاربة المسلمين.
والخروج على هذا التجمع الإسلامي يعتبر ثغرة في الإيمان ونقصا ينبغي تداركه، هذا إذا كان الخروج بمعنى عدم الاستجابة للتعاون مع المؤمنين، أما إذا وصل الخروج على التجمع الإسلامي إلى موالاة الأعداء، فذلك خروج على قانون الإسلام، أو ارتداد عن الإسلام.
ولذلك تنزلت النصوص القرآنية الكريمة، وتواردت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تحذر المسلمين أشد التحذير من موالاة أعداء الله الكافرين، وتوجب الموالاة للمؤمنين والبراءة من الكافرين، وقد أبدأ القرآن الكريم في ذلك وأعاد في مواضع كثيرة ومناسبات شتى، فأنت لا تجد موضوعا نال من الاهتمام -بعد
1 عن صلة الولاء والبراء بكلمة التوحيد، وهل هي من مقتضياتها ولوازمها أو من معناها؟ انظر:"مجموعة التوحيد" ص50، 51، "الإيمان" محمد نعيم ياسين ص221، "الولاء والبراء" ص40-45، "الموالاة والمعاداة": 1/ 131-138.
العناية بالتوحيد- كما تجد في هذه القاعدة الكبيرة، والأصل العظيم:"الولاء والبراء".
وسنجتزئ هنا ببعض هذه النصوص، وهي بوضوحها ونصاعتها تبين هذه الحقيقة الكبرى وتجعلها أوضح من الشمس في رابعة النهار؛ ولذلك ينبغي الوقوف عندها والنظر في مدلولاتها ومراميها1:
فمن الآيات القرآنية:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ
1 يحسن مراجعة تفسير الآيات في "تفسير الطبري"، و"تفسير ابن كثير"، و"في ظلال القرآن".
بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ، إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة: 1، 2] .
وما كانت صلة النسب والقرابة -مهما كانت قريبة- سببا للمودة بين المؤمنين والكفار، ولا سبيلا للولاء لهم:
ولذلك تبرأ إبراهيم عليه السلام من أبيه وقومه:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26، 27] .
ومن ثَمَّ جعل الله تعالى فيه أسوة حسنة، ينبغي أن نتأسى بها؛ ولاء للمؤمنين وبراءة من الكافرين وبغضا لما يعبدون من دون الله:
ولهذا المعنى نفسه قطع الله تعالى الصلة بين نوح عليه السلام وبين ابنه الكافر: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 45، 46] .
وكذلك قطع الصلة بين نوح وزوجته، وبين لوط وزوجته
…
إلخ.
ومن الأحاديث النبوية:
وأما الأحاديث النبوية التي تقرر هذا المبدأ وما يقتضيه ويستلزمه، فمنها:
"أوثق عرا الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله عز وجل"1.
"من أحب في الله، وأبغض في الله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان"2.
"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"3.
"الشرك أخفى من دبيب الذَّرِّ على الصَّفَا في الليلة الظلماء. وأدناه أن تحب على شيء من الجور، وتبغض على شيء من العدل. وهل الدين إلا الحب في الله البغض في الله؟ قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} "1.
وغيرها من الأحاديث والآثار في هذا المعنى كثير، حسبنا منها تلك الجملة ففيها القناعة والكفاية2، لنعرض بعدها مفهوم الولاء والبراء أخذا من هذه النصوص الشرعية، واستنادا إلى معانيها عند علماء اللغة.
1 حديث صحيح أخرجه أبو داود الطيالسي، والحاكم، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط". انظر:"صحيح الجامع الصغير" برقم "2539"، "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم "1728".
2 أخرجه أبو داود: 7/ 15، والإمام أحمد: 3/ 440، والبغوي في "شرح السنة": 13/ 54، وصححه الحاكم: 2/ 64.
3 أخرجه البخاري 1/ 72، ومسلم: 1/ 66 في كتاب الإيمان.