المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهمية العقيدة وأثرها: - مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية

[عثمان ضميرية]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمات:

- ‌تقاريظ وكلمات:

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد عام:

- ‌خلافة وهداية:

- ‌طريقان للهداية:

- ‌حاجة البشرية إلى الرسالة:

- ‌الرسالة الخاتمة:

- ‌العقيدة والشريعة:

- ‌الصحابة يتلقون الدين منهجا كاملا:

- ‌علم العقيدة وعلم الشريعة:

- ‌الصلة بين العقيدة والشريعة:

- ‌ضرورة ومحاذير:

- ‌أهمية العقيدة وأثرها:

- ‌علم العقيدة

- ‌مدخل

- ‌أولًا: نشأة علم العقيدة

- ‌العوامل الداخلية

- ‌العوامل الخارجية:

- ‌ثانيًا: التطور التاريخي لتدوين العقيدة

- ‌مدخل

- ‌ الفقه الأكبر:

- ‌ الإيمان:

- ‌تعريف الإيمان في اللغة:

- ‌تعريف الإيمان في الاصطلاح الشرعي:

- ‌المؤلفات في الإيمان:

- ‌ السنة:

- ‌تعريف السنة في اللغة:

- ‌تعريف السنة في الاصطلاح الشرعي:

- ‌ علم التوحيد:

- ‌تعريف التوحيد في اللغة:

- ‌المعنى الاصطلاحي للتوحيد:

- ‌دلالة كلمة التوحيد على العقيدة:

- ‌تطور استعمال كلمة التوحيد:

- ‌مؤلفات في علم التوحيد:

- ‌ الشريعة:

- ‌تعريف الشريعة في اللغة:

- ‌إطلاقات كلمة الشريعة اصطلاحيًا

- ‌مؤلفات فلي الشريعة

- ‌ العقيدة:

- ‌ أصول الدين:

- ‌ التصور الإسلامي:

- ‌مصطلحات وتعريفات

- ‌أولًا: أهل السنة والجماعة

- ‌مدخل

- ‌عناصر في تعريف الجماعة:

- ‌معنى جماعة المسلمين:

- ‌تسمية أهل السنة والجماعة:

- ‌ثانيا: السلف

- ‌ثالثا: أهل الحديث

- ‌الحديث في اللغة:

- ‌تعريف أهل الحديث:

- ‌إطلاق خاص:

- ‌وسطية أهل السنة والجماعة:

- ‌مصادر العقيدة

- ‌مدخل

- ‌أولا: القرآن الكريم

- ‌ثانيا: السنة النبوية

- ‌دور العقل ومكانته:

- ‌التزام العقيدة، والنهي عن البدع:

- ‌التوحيد

- ‌مدخل

- ‌توحيد الربوبية:

- ‌توحيد الألوهية:

- ‌توحيد الأسماء والصفات:

- ‌جوانب من توحيد الألوهية

- ‌أولًا: شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌مدخل

- ‌شروط كلمة التوحيد:

- ‌نواقض لا إله إلا الله:

- ‌ثانيا: العبادة وانواعها

- ‌مفهوم العبادة وأنواعها:

- ‌أنواع العبادة:

- ‌أركان العبادة وأصولها:

- ‌دعوة الرسل إلى توحيد العبادة

- ‌الانحراف عن التوحيد:

- ‌عقيدة الولاء والبراء

- ‌مدخل

- ‌الولاء والبراء في النصوص الشرعية:

- ‌مفهوم الولاء والبراء:

- ‌مفهوم الولاء في الشرع:

- ‌البراء في اللغة:

- ‌مفهوم البراء في الشرع:

- ‌الفرق بين التسامح والبر وبين المودة للكفار:

- ‌موقف الكفار من الإسلام والمسلمين:

- ‌من مظاهر الولاء للكفار:

- ‌خصائص العقيدة الإسلامية

- ‌التوفيقية

- ‌ الغيبية:

- ‌ الشمول:

- ‌ التكامل:

- ‌ التوازن:

- ‌المراجع والمصادر:

- ‌باب: الفهارس

- ‌فهرس الأحاديث النبوية:

- ‌فهرس الأبحاث:

الفصل: ‌أهمية العقيدة وأثرها:

‌أهمية العقيدة وأثرها:

أما لماذا كان هذا الاهتمام بجانب العقيدة؟ ولماذا كانت هي الأصل الذي ينبثق عنه النظام؟ ولماذا ربطت بها سائر الأحكام؟

فهذا ما يجب أن نقف عنده وقفة نستجلي فيها الإجابة.

بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بعد فترة من الرسل، وبعد أن انحرفت البشرية عن دين الله تعالى ومنهجه، فضربت في بيداء التيه والضلال، وتجرّعت مرارة الضياع، وعبدت الشجر والحجر، والنجوم والدواب، واستعبدتْها الأهواء والشهوات، كما استعبدها الطغاة من الملأ، في كل مرة تمردت فيها على عبوديتها لله سبحانه وتعالى.

فكانت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم حياة ونورا، لا غنى للبشرية عنهما:

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122] .

ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدع بكلمة الحق ويهتف بها في الناس قائلا: "أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا".

وظل القرآن الكريم في مكة المكرمة يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاما كاملة، يحدثه فيها عن قضية واحدة لا تتغير

لقد كان يعالج القضية الأولى، والقضية الكبرى، والقضية الأساسية في هذا الدين

قضية العقيدة والتوحيد، ممثلة في قاعدتها الرئيسية وأسّها الأول: الألوهية والعبودية، وما بينهما من علاقة.

وهذه القضية الكبرى، هي قضية كل إنسان؛ لأنها تفسر له سر وجوده في هذا الكون، وغايته التي يسعى من أجلها، وتفسر له نشأته، وتحدد له مصيره ونهايته،

ص: 37

وتجيبه على الأسئلة التي يتوقف على الإجابة عليها تحديد كل ما من شأنه أن يرسم له المنهاج المستقيم لحياته في الدنيا والآخرة:

من أنت أيها الإنسان؟

ومن الذي أوجدك؟

ولماذا أوجدك في هذه الحياة؟

وما المصير والنهاية التي تنتهي إليها بعد هذه الحياة؟

ما هي علاقتك بهذا الكون الذي تعيش فيه؟ وما علاقتك بخالق هذا الكون، سبحانه وتعالى؟

وهذه هي الأسئلة التي تشغل بال الإنسان منذ أن أوجده الله تعالى في هذا الكون.

ولا يذهبَنَّ الظن بأحد من الناس ليقول: إنها كلمة سهلة، لا تحتاج إلى كل هذا الجهد والعناء، وإلى كل هذا الزمن المديد، الذي أنفقه الرسول صلى الله عليه وسلم، من أجل تثبيتها في نفوس الناس وفي حياتهم!

لقد وجدنا كفار قريش، وكل الكفار من غير قريش، يُناصبون النبي صلى الله عليه وسلم العداء؛ من أجل هذه الكلمة، ومن أجل هذه العقيدة، التي تزلزل كيانهم، وتجعل الأرض تميد تحت أقدامهم، ويشعرون أن السلطان الذي يستعبدون الناس باسمه سوف يُنزع من أيديهم ليُرَد إلى صاحبه الحقيقي، وهو الله سبحانه وتعالى.

فقد كانت عقيدة التوحيد هذه من أشد الأفكار غرابة على عقول الجاهليين وحسهم وشعورهم:

{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ

ص: 38

أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 4، 5] .

وبعد أن غرس النبي صلى الله عليه وسلم تلك العقيدة في نفوس أصحابه، ورباهم عليها، وعرّفهم بربهم سبحانه وتعالى، وأن شأنهم هو شأن العبد مع الإله الخالق الرازق المشرِّع، وأنه لا إله إلا هو، وعرفهم تكاليف هذه العقيدة وأعباءها، وصبروا على الطريق الطويل الشاق، وخلصت نفوسهم لله

عندئذ جاءت العناية بكل جوانب البناء الضخم لهذه الشريعة الخالدة، من عبادة وأخلاق وتشريع

فالعقيدة هي الأساس، الذي يقوم عليه البناء، وما لم يقم العمل على هذه العقيدة فإنه سيكون هباء منثورا، لا ينفع صاحبه:

{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] .

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39] .

وقضت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يقوم هذا الدين على قاعدة "الألوهية الواحدة" ".. كل تنظيماته، وكل تشريعاته، تنبثق من هذا الأصل الكبير

وكما أن الشجرة الضخمة الباسقة، الوارفة، المديدة الظلال، المتشابكة الأغصان، الضاربة في الهواء.. لا بد لها من أن تضرب بجذورها في التربة على أعماق بعيدة، وفي مساحات واسعة تناسب ضخامتها وامتدادها في الهواء.. فكذلك هذا الدين".

"إن نظام هذا الدين يتناول الحياة كلها، ويتولى شئون البشرية، كبيرها وصغيرها، وينظم حياة الإنسان، لا في الحياة الدنيا وحدها، ولكن كذلك في الدار الآخرة، ولا في عالم الشهادة وحده، ولكن كذلك في عالم الغيب، ولا في المعاملات المادية الظاهرة وحدها، ولكن كذلك في أعماق الضمير ودنيا السرائر والنوايا، فلا بد إذن من جذور وأعماق بهذه السعة والضخامة

ص: 39

والعمق والانتشار أيضا.

ومتى استقرت عقيدة "لا إله إلا الله" في أعماقها الغائرة البعيدة، استقر معها في الوقت نفسه النظام الذي تتمثل فيه:"لا إله إلا الله"، وتعين أنه النظام الوحيد، الذي ترتضيه النفوس التي استقرت فيها العقيدة، واستسلمت هذه النفوس ابتداء لهذا النظام"1.

ومن الأمثلة الكثيرة الرائعة، التي تدل على هذه الحقيقة، ما حدث عند نزول النهي عن الخمر، في مجلس شرب، ولم تكن الخمر قد حُرمت قبل ذلك، أي: في صدر الإسلام.

فعن ابن بريدة عن أبيه قال: بينما نحن قعود على شراب لنا، ونحن نشرب الخمر حِلًّا، إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلّم عليه وقد نزل تحريم الخمر:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91] .

فجئت إلى أصحابي، فقرأتها عليهم إلى قوله تعالى:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} وبعض القوم شَرْبَتُه في يده، شرب منها بعضا وبقي بعض في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام، ثم صبوا ما في باطيتهم، فقالوا: انتهينا يا ربنا! انتهينا يا ربنا! 2.

1 معالم في الطريق، ص31، 32، طبعة دار الشروق، 1399هـ.

2 تفسير الطبري: 10/ 572، تحقيق الشيخ محمود شاكر.

وقوله: "فقال بالإناء

" يعني: أماله ثم نزعه، كما ينزع الحجام كأس الحجامة. و"الباطية": إناء عظيم من زجاج يملأ من الشراب، يغرفون منها ويشربون.

ص: 40

"ولم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم يربِّيهم تربية دقيقة عميقة، ولم يزل القرآن الكريم يسمو بنفوسهم ويذكي جمرة قلوبهم، ولم تزل مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم تزيدهم رسوخا في الدين، وعزوفا عن الشهوات، وتفانيا في سبيل المرضاة، وحنينا إلى الجنة، وحرصا على العلم، وفقها في الدين، ومحاسبة للنفس، يطيعون الرسول في المنشط والمكره، وينفرون في سبيل الله خفافا وثقالا

ونزلت الآيات بكثير مما لم يألفوه ولم يتعودوه، وبكل ما يشق على النفس إتيانه، فنشطوا وخفوا لامتثال أمرها.

وانحلت العقدة الكبرى -عقدة الشرك والكفر- فانحلت العقد كلها، وجاهدهم الرسول صلى الله عليه وسلم جهاده الأول، فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر ونهي. وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى، فكان النصر حليفه في كل معركة.

رأينا كيف نزل تحريم الخمر، والكئوس المتدفقة على راحاتهم، فحال أمر الله بينها وبين الشفاه المتلمِّظة والأكباد المتَّقدة، كسرت دنان الخمر فسالت في سكك المدينة"1.

إن القلوب يجب أن تخلص أولا لدين الله تعالى، وتعلن عبوديتها له وحده، بقبول شرعه وحده، ورفض كل شرع آخر غيره، فإن نظام الله خير في ذاته؛ لأنه من شرع الله، ولن يكون شرع العبد يوما كشرع الله:

{أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: 140] .

وما يزعم مسلم أبدا أن شرع العبد وحكم العبد كشرع الله وحكم الله، وإلا فهو الكفر:

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] .

1 "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ " لأبي الحسن الندوي، ص98، 99.

ص: 41

إن الاستسلام لله هو مقتضى الإيمان بالله وتوحيده؛ ولذلك تلقت تلك النفوس المؤمنة التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام الإسلام وتشريعاته بالرضى والقبول، لا تعترض على شيء منه فور صدورها إليها، ولا تتلكأ في تنفيذه بمجرد تلقيها له، وهكذا أبطلت الخمر.. وأبطل الربا.. وأبطل الميسر.. وأبطلت العادات الجاهلية كلها.. أبطلت بآيات من القرآن الكريم أو كلمات من الرسول، صلى الله عليه وسلم.

بينما النظم الوضعية تجهد في هذا كله بقوانينها وتشريعاتها، ونظمها وأوضاعها، وجندها وسلطاتها، ودعايتها وإعلامها، فلا تبلغ إلا أن تضبط الظاهر من المخالفات، بينما المجتمع يعجّ بالمنهيات والمنكرات1.

ولعل في فشل دولة من أكبر الدول الغربية الجاهلية في منع الخمر، بعد أن سخّرت كل أجهزتها ووسائلها المتنوعة لتبشيعها وبيان أضرارها

لعل في ذلك دليلا قاطعا وشاهدا صادقا على هذا.

هذا قانون البشر، وحكم البشر، وذاك حكم الله، وشريعة الله العليم الخبير:

{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] .

1 يراجع كيف حرّم الله تعالى الخمر، في الجزء الخامس من كتاب "في ظلال القرآن"، ص663-667، طبعة دار الشروق، وكيف عجزت أمريكا عن ذلك، في كتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ " للسيد أبي الحسن الندوي، منقولا عن كتاب "تنقيحات" للسيد أبي الأعلى المودودي.

ص: 42