المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌جوانب من توحيد الألوهية ‌ ‌أولًا: شهادة أن لا إله إلا الله ‌ ‌مدخل … جوانب - مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية

[عثمان ضميرية]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمات:

- ‌تقاريظ وكلمات:

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد عام:

- ‌خلافة وهداية:

- ‌طريقان للهداية:

- ‌حاجة البشرية إلى الرسالة:

- ‌الرسالة الخاتمة:

- ‌العقيدة والشريعة:

- ‌الصحابة يتلقون الدين منهجا كاملا:

- ‌علم العقيدة وعلم الشريعة:

- ‌الصلة بين العقيدة والشريعة:

- ‌ضرورة ومحاذير:

- ‌أهمية العقيدة وأثرها:

- ‌علم العقيدة

- ‌مدخل

- ‌أولًا: نشأة علم العقيدة

- ‌العوامل الداخلية

- ‌العوامل الخارجية:

- ‌ثانيًا: التطور التاريخي لتدوين العقيدة

- ‌مدخل

- ‌ الفقه الأكبر:

- ‌ الإيمان:

- ‌تعريف الإيمان في اللغة:

- ‌تعريف الإيمان في الاصطلاح الشرعي:

- ‌المؤلفات في الإيمان:

- ‌ السنة:

- ‌تعريف السنة في اللغة:

- ‌تعريف السنة في الاصطلاح الشرعي:

- ‌ علم التوحيد:

- ‌تعريف التوحيد في اللغة:

- ‌المعنى الاصطلاحي للتوحيد:

- ‌دلالة كلمة التوحيد على العقيدة:

- ‌تطور استعمال كلمة التوحيد:

- ‌مؤلفات في علم التوحيد:

- ‌ الشريعة:

- ‌تعريف الشريعة في اللغة:

- ‌إطلاقات كلمة الشريعة اصطلاحيًا

- ‌مؤلفات فلي الشريعة

- ‌ العقيدة:

- ‌ أصول الدين:

- ‌ التصور الإسلامي:

- ‌مصطلحات وتعريفات

- ‌أولًا: أهل السنة والجماعة

- ‌مدخل

- ‌عناصر في تعريف الجماعة:

- ‌معنى جماعة المسلمين:

- ‌تسمية أهل السنة والجماعة:

- ‌ثانيا: السلف

- ‌ثالثا: أهل الحديث

- ‌الحديث في اللغة:

- ‌تعريف أهل الحديث:

- ‌إطلاق خاص:

- ‌وسطية أهل السنة والجماعة:

- ‌مصادر العقيدة

- ‌مدخل

- ‌أولا: القرآن الكريم

- ‌ثانيا: السنة النبوية

- ‌دور العقل ومكانته:

- ‌التزام العقيدة، والنهي عن البدع:

- ‌التوحيد

- ‌مدخل

- ‌توحيد الربوبية:

- ‌توحيد الألوهية:

- ‌توحيد الأسماء والصفات:

- ‌جوانب من توحيد الألوهية

- ‌أولًا: شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌مدخل

- ‌شروط كلمة التوحيد:

- ‌نواقض لا إله إلا الله:

- ‌ثانيا: العبادة وانواعها

- ‌مفهوم العبادة وأنواعها:

- ‌أنواع العبادة:

- ‌أركان العبادة وأصولها:

- ‌دعوة الرسل إلى توحيد العبادة

- ‌الانحراف عن التوحيد:

- ‌عقيدة الولاء والبراء

- ‌مدخل

- ‌الولاء والبراء في النصوص الشرعية:

- ‌مفهوم الولاء والبراء:

- ‌مفهوم الولاء في الشرع:

- ‌البراء في اللغة:

- ‌مفهوم البراء في الشرع:

- ‌الفرق بين التسامح والبر وبين المودة للكفار:

- ‌موقف الكفار من الإسلام والمسلمين:

- ‌من مظاهر الولاء للكفار:

- ‌خصائص العقيدة الإسلامية

- ‌التوفيقية

- ‌ الغيبية:

- ‌ الشمول:

- ‌ التكامل:

- ‌ التوازن:

- ‌المراجع والمصادر:

- ‌باب: الفهارس

- ‌فهرس الأحاديث النبوية:

- ‌فهرس الأبحاث:

الفصل: ‌ ‌جوانب من توحيد الألوهية ‌ ‌أولًا: شهادة أن لا إله إلا الله ‌ ‌مدخل … جوانب

‌جوانب من توحيد الألوهية

‌أولًا: شهادة أن لا إله إلا الله

‌مدخل

جوانب من توحيد الألوهية:

اولًا: معنى شهادة أن لا إله إلا الله

الإسلام يقوم على عقيدة التوحيد:

يقوم الإسلام على عقيدة التوحيد النقية الصافية، التي تمثلها هذه الشهادة، التي شهد الله تعالى بها لنفسه، كما شهد له بها الملائكة وأولو العلم:

{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] .

وهذه الشهادة ذات شقين عظيمين1؛ يمثل أولهما الخضوع لله تعالى والعبودية له، ويمثل الثاني هذا الخضوع، ويرسم المنهج الذي يسلكه المؤمن في عبادته لله سبحانه وتعالى، باتباع ما أنزل الله تعالى على رسوله

هذه الشهادة هي: شهادة "أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وهي عنوان دخول لمرء في دين الإسلام، وهي -بمقتضياتها وتوابعها ومستلزماتها- مفتاح الجنة في الآخرة، وهي عصمة لدم المرء وعِرْضه وماله في الدنيا.

أهمية الشهادتين، وفضلهما:

هذه الكلمة التي تنطلق بها ملايين الألسنة في كل صباح ومساء، تعلن الخضوع لله تعالى، وتعلن -على رءوس الأشهاد- الوفاء بالعهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم، مذ كانوا ذرية في ظهور آبائهم.

1 نقول: "الشهادتان"؛ لأن كلمة التوحيد تتضمن الشهادة لله بالوحدانية، والشهادة لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة. ونقول:"الشهادة" بالإفراد؛ لأن شهادة أن لا إله إلا الله لا تتم إلا بشهادة أن محمدا رسول الله، والمعنى على كليهما واحد.

ص: 247

هذه الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات، وخُلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله تعالى رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه، ولأجلها نُصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام بها سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار، فهي منشأ الخلق والأمر، والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خُلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب، وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة السلام، وعنها يُسأل الأولون والآخرون، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين:

ماذا كنتم تعبدون؟

وماذا أجبتم المرسلين؟

فجواب الأولى: بتحقيق "لا إله إلا الله" معرفة وإقرارا وعملا.

وجواب الثانية: بتحقيق "أن محمدا رسول الله" معرفة وإقرارا وانقيادا وطاعة1.

ولما كانت هذه الشهادة، وهذه الكلمة، بهذه المثابة والمكانة، فمن الواجب أن نقف عندها لنتعرف على مدلولها الحقيقي، كما ترشد إليه الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وعلى مقتضياتها وشروطها ونواقضها.

وسنفرد -إن شاء الله تعالى- على كل جانب من هذه الجوانب كلمة موجزة، تنبئ عن الفكرة الرئيسة فيها، وتقف معلما على طريق التوحيد الذي تدل عليه وترشد إليه

1 انظر: "زاد المعاد": 1/ 34.

ص: 250

شهادة أن لا إله إلا الله:

تمثل شهادة "أن لا إله إلا الله" الشق الأول من القاعدة التي يقوم عليها بناء هذا الدين، وقد أبدأ القرآن الكريم وأعاد في بيان حقيقة الألوهية، التي يجب أن يفرد الله تعالى بها، على لسان كل رسول من الرسل، عليهم الصلاة والسلام:

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] .

{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .

{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} [الزمر: 11، 12] .

فالإله هو الذي تسكن إليه النفوس، وتستجير به، وتتّجه إليه لشدة شوقها، فتعبده وتخضع له.

فالذي يتخذ كائنا ما وليا نصيرا وكاشفا عن السوء، وقاضيا لحاجته، ومستجيبا لدعائه، وقادرا على أن ينفعه ويضره، كل ذلك -بالمعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية التي أوجدها الله سبحانه- يكون السبب لاعتقاده ذلك: ظنه أن له نوعا من أنواع السلطة على نظام هذا العالم.

وكذلك: كل من يخاف أحدا ويتقيه، ويرى أن سخطه يجر عليه الضرر، ومرضاته تجلب له المنفعة، لا يكون مصدر اعتقاده ذلك وعمله إلا ما يكون في ذهنه

ص: 251

من تصور أن له نوعا من السلطة على هذا الكون.

ثم إن الذي يدعو غير الله، ويفزع إليه في حاجاته، بعد إيمانه بالله العلي الأعلى، لا يبعثه على ذلك إلا اعتقاده فيه أن له شركا في ناحية من نواحي السلطة "حكم الله" والألوهية.

وعلى غرار ذلك: من يتخذ حكم أحد من دون الله قانونا، ويتلقى أوامره ونواهيه شريعة متبعة، فإنه أيضا يعترف بسلطته القاهرة.

فخلاصة القول: إن أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة "حكم الله" سواء كان يعتقدها الناس من حيث إن حكمها على هذا العالم حكم مهيمن على قوانين الطبيعة، أو من حيث إن الإنسان في حياته الدنيا مطيع لأمرها، وتابع لإرشادها، وأن أمرها -في حد ذاته- واجب الطاعة والإذعان1.

دعوة إلى توحيد العبودية والألوهية:

ولئن كان الجاهليون في كل عصر من عصورهم -إلا في عصر فسدت فيه الفطرة فارتكست، وارتدت إلى أسفل سافلين- يشهدون لله تعالى بالهيمنة على شئون العالم في الخلق والملك والإحياء والإماتة، وفي الرزق، وفي تصريف أمور الكون وتدبير ما فيه.. على حد ما اعترف به كفار مكة الذين واجههم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين حكى الله عنهم ذلك فقال:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ، اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ

1 انظر: "المصطلحات الأربعة في القرآن" ص13-23.

ص: 252

بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 61-63] .

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84-89] .

لئن اعترف الجاهليون بذلك كله

إن الدعوة ينبغي أن توجه إليهم لإفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة؛ ليتحقق عندئذ التوحيد بأجلى معانيه، وعندئذ تكون البشرية على الدين الحق.

"ولذلك لم يَدْعُها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاعتقاد بوجود الله، ولكن دعاها إلى توحيد الله

دعاها إلى الاعتقاد بأن الله -وحده- هو الإله والرب والقيوم، دعاها إلى عبادة الله وحده والتقدم إليه بالشعائر، ودعاها إلى التحاكم إلى شريعة الله وحده والدينونة له بالعبودية، وكانت هذه الدعوة، بمضموناتها هذه كاملة، هي معنى شهادة أن لا إله إلا الله، التي هي الإسلام"1.

مقتضيات توحيد الألوهية:

ومن مقتضيات هذا التوحيد: إفراد الله سبحانه وتعالى بخصائص الألوهية في تصريف حياة البشر، كإفراده سبحانه بخصائص الألوهية في اعتقادهم وتصورهم، وفي ضمائرهم وشعائرهم على السواء:

1 "مقومات التصور الإسلامي" ص107.

ص: 253

أ- وكما أن المسلم يعتقد ألا إله إلا الله، وألا معبود بحق إلا الله، وألا خالق إلا الله، وألا رازق إلا الله، وألا نافع ولا ضار إلا الله، وألا متصرف في شأنه -وفي شأن الكون كله- إلا الله

فيتوجه لله وحده بالشعائر التعبدية، ويتوجه لله -وحده- بالطلب والرجاء، ويتوجه لله -وحده- بالخشية والتقوى

ب- كذلك يعتقد المسلم أن لا حاكم إلا الله، وأن لا مشرِّع إلا الله، وأن لا منظم لحياة البشر إلا الله، سواء في علاقاتهم وارتباطاتهم بالكون وبالأحياء وببني الإنسان. فيتلقى من الله -وحده- التوجيه والتشريع، ومنهج الحياة، ونظام المعيشة، وقواعد الارتباطات، وميزان القيم والاعتبارات.. سواء..

فالتوجه إلى الله تعالى -وحده- بالشعائر التعبدية، والطلب والرجاء والخشية، كالتلقي من الله وحده في التشريع والتوجيه

كلاهما من مقتضيات التوحيد، كما هو في التصور الإسلامي، وكلاهما يصور المساحة التي تشملها حقيقة التوحيد في ضمير المسلم، وفي حياته على السواء1.

شرك الطاعة والاتباع:

ومن هنا كانت عبادة غير الله تعالى، بتقديم الشعائر التعبدية لغير الله؛ شركا، وطاعة غير الله شركا، واتباع منهج غير منهج الله شركا، وكان التحليل والتحريم بغير إذن من الله شركا، حذر الله تعالى منه، وبين عاقبته، ثم دعا إلى التوحيد الخالص:

{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا

1 "خصائص التصور الإسلامي" ص223، 224. وانظر:"طريق الدعوة في ظلال القرآن" 2/ 77-199، "هل نحن مسلمون؟ ""مفاهيم ينبغي أن تصحح" ص147، 148، "دراسات قرآنية" ص61.

ص: 254

تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] .

{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل: 35، 36] .

فالذين أشركوا، وأقروا على أنفسهم بذلك، إنما وقعوا في الشرك بأمرين: عبدوا آلهة من دون الله، وحرموا من دون الله ما لم يأذن به الله. وهنا نستطيع أن نصوغ المعادلة التالية أخذا من منطوق الآية الكريمة:

عبادة غير الله تعالى بتقديم الشعائر التعبدية = شرك.

التحليل والتحريم من دون الله، أو اتباع الأولياء من دون الله = شرك.

التحليل والتحريم من دون الله = عبادة لغير الله1.

وهكذا.

مفهوم شامل للتوحيد:

يقول الأستاذ سيد قطب، رحمه الله:

"وتوحيد الله

وبالتعبير الاصطلاحي الفقهي.. شهادة أن لا إله إلا الله، وهي التي يدخل بها الإنسان في الإسلام، ويكتسب بها هذه الصفة، ويعصم بها

1 راجع "الإيمان" لابن تيمية، ص64، وفيما سيأتي ص323-329.

ص: 255

دمه وماله في الإسلام، تعني هذه المعاني والمدلولات كلها مجتمعة -وقد سبق بيانها- ولا توجد شرعا إلا بعد توافر هذه المعاني والمدلولات مجتمعة.. تعني: إفراد الله سبحانه بالألوهية، وذلك بالاعتقاد في ألوهيته وحده، وبالتوجه إليه بالشعائر التعبدية وحده، وبالاعتراف له بحق الحاكمية في تنظيم الحياة البشرية بشريعته وحده..

وهذه المعاني والمدلولات كل منها كالآخر في إنشاء شهادة "أن لا إله إلا الله" وجعلها قائمة ابتداء، تدخل قائلها في الإسلام، وتعطيه صفة المسلم، وتعصم دمه وماله بالإسلام. فلا توجد هذه الشهادة ابتداء، ولا تعتبر قائمة شرعا، إلا حين يشهد الشاهد بهذه المدلولات والمعاني مجتمعة. فإن شهد ببعضها دون بعض، أو تصور أن شهادة أن لا إله إلا الله تعني بعضها دون بعض، فإن شهادة أن لا إله إلا الله، الصادرة منه، لا تعتبر قائمة؛ لأنها لا تقوم أصلا إلا باجتماع هذه المدلولات وقصدها من القائل في شهادته، والإقرار بها، والتعامل على أساسها

"1.

أمران يوضحان التوحيد:

وتتضح هذه المعاني بأمرين:

"الأول": أن تعرف أن الكفار، الذين قاتلهم رسول الله، وقتلهم، وأباح أموالهم، واستحل نساءهم، كانوا مقرين لله سبحانه بتوحيد الربوبية، وهو أنه: لا يخلق ولا يرزق، ولا يحيي ولا يميت، ولا يدبر الأمور إلا الله وحده، وهذه مسألة عظيمة مهمة، وهي: أن تعرف أن الكفار شاهدون بهذا كله ومقرّون به، ومع هذا

1 "مقومات التصور الإسلامي"، ص147. وانظر "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" 2/ 5، 120، "تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد" ص74 وما بعدها.

ص: 256

لم يُدخلهم ذلك في الإسلام، ولم يحرم دماءهم ولا أموالهم، وكانوا أيضا يتصدقون ويحجون ويعتمرون، ويتعبدون، ويتركون أشياء من المحرمات خوفا من الله عز وجل.

ولكن "الأمر الثاني" هو الذي كفَّرهم، وأحل دماءهم وأموالهم، وهو: أنهم لم يشهدوا لله تعالى بتوحيد الألوهية، وهو أنه: لا يدعى ولا يرجى إلا الله وحده لا شريك له، ولا يستغاث بغيره، ولا يذبح لغيره، لا لِمَلَك مقرب ولا نبي مرسل، فمن استغاث بغير الله فقد كفر، ومن ذبح لغيره فقد كفر، ومن نذر لغيره فقد كفر

وأشباه ذلك.

وتمام هذا: أن تعرف أن المشركين، الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون الصالحين مثل: عيسى وعزير والملائكة وغيرهم من الأولياء، فكفروا بهذا مع إقرارهم بأن الله هو الخالق الرازق، المحيي المميت، المدبر.

إذا عرفت هذا، عرفت معنى "لا إله إلا الله" وعرفت أن من دعا نبيا أو استغاث به أو بملك أو ولي من أولياء الله فقد خرج من الإسلام، وهذا هو الكفر الذي قاتلهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم1.

نفي وإثبات:

وكلمة التوحيد هذه، تقوم على قطبين اثنين: أحدهما موجب والآخر

1 "الجامع الفريد" ص261 الرسالة الثالثة، تفسير كلمة التوحيد، وانظر فيه أيضا:"كشف الشبهات" والرسالة الخامسة من رسائل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: ص356 وما بعدها. "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" 2/ 16-32، 81-82، 93، "فتح المجيد" ص45 وما بعدها.

ص: 257

سالب1، أي: هي نفي وإثبات، تنفي أربعة أمور، وتثبت أربعة أمور:

تنفي: الآلهة، والطواغيت، والأنداد، والأرباب.

وتثبت لله تعالى: القصد، والتعظيم، والمحبة، والخوف، والرجاء2.

شهادة أن محمدا رسول الله:

كانت تلكم بعض الإلماعات إلى الشطر الأول من كلمة التوحيد، وهنا لا بد من إلماعة أخرى إلى الشطر الثاني من هذه الكلمة العظيمة، التي يقوم عليها الإسلام، وهو "شهادة أن محمدا رسول الله".

إذ لا تتم شهادة "أن لا إله إلا الله" إلا بشهادة "أن محمدا رسول الله" إذ لا تتم محبة الله إلا بمحبة ما يحبه، وكراهة ما يكرهه، ولا طريق إلى معرفة ما يحبه ويكرهه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله ما يحبه ويكرهه، باتباع ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، فصارت محبة الله مستلزمة لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصديقه ومتابعته؛ ولهذا قرن الله تعالى بين محبته ومحبة رسوله في مواضع كثيرة3، كما في قوله تعالى:

{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ

1 قال الشاعر عبد الوهاب عزام:

إنما التوحيد إيجاب وسلب

فيهما للنفس عزم ومضاء

"لا" و"إلا" قوة قاهرة

فهما في القلب قطبا الكهرباء

2 "مجموعة الرسائل والمسائل": 4/ 99.

3 انظر: "كلمة الإخلاص" ص33، 34.

ص: 258

وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24] .

كما قرن طاعته بطاعة رسوله في مواضع كثيرة أيضا، كقوله تعالى:

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132] .

{أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20] .

وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار"1.

مفهوم شهادة "أن محمدا رسول الله":

فمفهوم شهادة "أن محمدا رسول الله": أنه هو الرسول المعتمد لتبليغ هذه الرسالة، وهو المبلغ عن ربه، الذي تنبغي طاعته مع طاعة الله.

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] .

وأنه صلى الله عليه وسلم هو التطبيق العملي الحي لرسالة الله، فهو القدوة في كل عمل وتصرف، وهو قائد الجماعة المسلمة ومربّيها وأستاذها ومعلمها، والنور الذي تستضيء به في الظلمات2.

منهج حياة:

ونختم هذه الكلمة الموجزة عن معنى "لا إله إلا الله" ومكانتها ومقتضياتها بما

1 أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان: 1/ 60، ومسلم في الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان: 1/ 66.

2 انظر: "هل نحن مسلمون؟ " ص11، 12.

ص: 259

قاله الأستاذ سيد قطب رحمه الله في "معالم في الطريق" بعنوان: "لا إله إلا الله منهج حياة".

العبودية لله وحده هي شطر الركن الأول في العقيدة الإسلامية المتمثل في شهادة "أن لا إله إلا الله"، والتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفية هذه العبودية هو شطرها الثاني، المتمثل في شهادة:"أن محمدا رسول الله".

والقلب المؤمن المسلم هو الذي تتمثل فيه هذه القاعدة بشطريها؛ لأن كل ما بعدهما من مقومات الإيمان، وأركان الإسلام، إنما هو مقتضى لها؛ فالإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وكذلك الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ثم الحدود والتعازير، والحل والحرمة، والمعاملات والتشريعات، والتوجيهات الإسلامية.. إنما تقوم كلها على قاعدة العبودية لله وحده، كما أن المرجع فيها كلها: هو ما بلغه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه.

والمجتمع المسلم هو الذي تتمثل فيه تلك القاعدة ومقتضياتها جميعا؛ لأنه بغير تمثّل تلك القاعدة ومقتضياتها فيه لا يكون مسلما.

ومن ثم تصبح شهادة "أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله" قاعدة لمنهج كامل تقوم عليه حياة الأمة المسلمة بحذافيرها، فلا تقوم هذه الحياة قبل أن تقوم هذه القاعدة، كما أنها لا تكون حياة إسلامية إذا قامت على غير هذه القاعدة، أو قامت على قاعدة أخرى معها، أو عدة قواعد أجنبية عنها:

{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: 40] .

{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] .

ص: 260