الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما تحيي من تحيي بريقها
…
كأن مزاج الراح بالمسك في فيها
وما ذقت فيها غير أني رويته
…
عن الثقة المسواك، وهو موافيها
هذا المعنى قد سار في كثير من أشعار المتقدمين والمتأخرين، فمن ذلك قول بشار من جملة أبيات:
يا أطيب الناس ريقًا غير مختبر
…
إلا شهادة أطراف المساويك
وقول آخر:
وأخبرني أترابها أن ريقها
…
على ما حكى عودًا لأراك لذيذ
وكان مدرسًا ونائبًا في الحكم.
وفيها توفي الشيخ أبو الحسن بن أبي بكر الهروي، طاف البلاد وأكثر الزيارات حتى كاد يطبق الأرض بالدورات برًا وبحرًا وسهلاً ووعرًا، وكان له فضيلة ومعرفة بعلم السيمياء وبه تقدم عند الملك الطاهر عند السلطان صلاح الدين صاحب حلب، وكان كثير الرعاية له، وبنى مدرسة بظاهر حلب.
قال ابن خلكان: رأيت فيها بيتين مكتوبين بخط حسن كتابة رجل فاضل نزل هناك قاصدًا للديار المصرية. وهما.
رحم الله من دعا لأناس
…
نزلوا ههنا يريدون مصر
نزلوا والخدود بيض، فلما
…
أزف البين عدن بالدمع حمرا
وللهروي المذكور مصنفات منها كتاب الإشارات في معرفة الزيارات وكتاب الخطب الهروية وغير ذلك.
سنة اثنتي عشر وست ومائة
فيها سار الملك المسعود ابن السلطان الملك الكامل من الديار المصرية عندما بلغه موت صاحب البحرين سيف الإسلام، فاستولى على إقليم اليمن بغير حرب.
وفيها استولى خوارزم شاه على غزنة، وهرب ملكها إلى نهاوند، ثم جمع وحشد، والتقى صاحب غزنة.
وفها انهزم الذي غلب على همدان والري وأصبهان، ثم قتل.
وفيها توفي الحافظ عبد الله بن سلمان الأندلسي، وكان موصوفًا بالاتقان حافظًا لأسماء الرجال، صنف كتابًا في تسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي، ولم يكمله، وكان إمامًا في العربية والترسل والشعر، ولي قضاء إشبيلية وقرطبة، وأدب أولاد المنصور صاحب المغرب.
وفيها توفي الحافظ عبد القادر الرهاوي، كان مملوكًا لبعض أهل الموصل فأعتقه وحبب إليه فن الحديث، فسمع الكثير، وصنف وجمع، وله الأربعون المتباينة الإسناد والبلاد، وهو شيء ما سبقه إليه أحد ولا يرجوه بعده محدث لخراب البلاد، سمع، وهمدان، وهراة، ومرو، ونيسابور وسجستان، وبغداد ودمشق، ومصر.
وقال ابن خلكان: كان حافظًا ثبتًا، كثير التصاينف، ختم به الحديث وقال أبو أسامة: كان صالحًا مهيبًا زاهدًا خشن، العيش، ورعاء ناسكًا.
وفيها توفي الوجيه المعروف بابن الدهان المبارك بن المبارك النحوي الضرير الواسطي قرأ القراءات، واشتغل بالعلم، وسمع الحديث من أبي زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، وتفقه على مذهب أبي حنيفة بعد أن كان حنبليًا، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي لما شعر المجلس تدريس النحو بالنظامية، وشرط الواقف أن لا يفوض إلا إلى الشافعي المذهب، وفي ذلك يقول أبو البركات المؤيدين يزيد التكريتي:
من مبلغ عني الوجيه رسالة
…
وإن كان لا تجدي إليه الرسائل
تمذهب للنعمان بعد ابن حنبل
…
وذلك لما أعوزتك المآكل
وما اخترت رأي الشافعي تدينا
…
ولكنما يهوي الذي منه حاصل
وعما قليل أنت لا شك صائر
…
إلى ملك فأفطن لما أنت قائل
وللوجيه المذكور تصنيف في النحو، وله شعر ومنه قوله:
ولست أستفتح اقتضاك بالوعد
…
وإن كنت سيد الكرماء
فإله السماء قد ضمن الرزق
…
عليه ويقتضي بالدعاء
وفيها توفي الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله الخبير أبو الحسن علي بن حميد الصعيدي المعروف بابن الصباغ صاحب أحوال سنية ومقامات علية وأنفاس صادقة، وكرامات خارقة، وفضائل جليلة، ومواهب جزيلة صحب الشيخ الكبير عبد الرحيم القناوي، وتخرج به، وكان والده صباغًا، وكان يريد أن يكون ولده صباغًا مثله، ولا يرى بما هو عليه من الاشتغال بسلوك طريق الصوفية، حتى كان بعض الأيام، فاشتد غضبه عليه وخاصمه كما اقتضى الوقت، وهو مشتغل عن الصباغ والثياب على حالها لم يصبغها، وعنده أزيار متعددة فيها أصباغ مختلفة الألوان يصبغ كل ثوب في زير منها على حسب ما يطلب صاحبه من ألوان الصبغ، فأخذوا أبو الحسن مجموع الثياب، وطرحها في زيرواحد فصاح والده، وإنغاظ عليه غيظًا شديدًا، وقال: أتلفت ثياب الناس، فأدخل أبو الحسن يده في الزير، وأخرجها جميعها، وكل واحد منها مصبوغ باللون الذي أراد صاحبه، فعند ذلك اندهش عقل والده وهاله ما رأى من تلك الكرامة التي ظهرت عليه، وسلم له حاله، واعتقد ما هو مائل إليه من السلوك لطريق الصوفية، وخلاه من تلك الصنعة بالكلية، ولما انتهى حاله وصار من أجلاء المرادين التمس منه الصحبة خلايق من المريدين، وكان لا يصحب إلا من يراه مكتوباً في اللوح المحفوظ من أصحابه، فجاءه إنسان يطلب منه الصحبة وخدمة الفقراء في بعض الوظائف، فأطرق الشيخ ساعة ثم رفع رأسه، وقال: ما بقي عندنا وظيفة، فقال: يا سيدي لا بد أن تفكر لي في خدمة، فقال: ما عندنا خدمة إلا إن كنت تذهب وتأتي كل يوم بحزمة من الحلفاء، قال: نعم يا سيدي فصار كل يوم يأخذ المحش ويأتي بحزمة منها، فلما كان بعد مدة أوجعته يده فرمى بالمحش وترك الفقراء وذهب، فبينا هو في بعض الطريق رأى في منامه كأن القيامة قامت والناس يجوزون على الصراط فمنهم الناجي، ومنهم الواقع في النار نسأل الله السلامة، فلم يقدر يجوز، وبقي في خطر عظيم يكاد يقع فيها، فطلب شيئًا يستمسك، فلم يجد وبقي متحيرًا مشرفًا على الهلاك، وإذا حزمة من حزم الحلفاء تحته في النار مارة عليها، فرمى بنفسه فوقها، حتى أخرجته منها ناجيًا بلطف الله تعالى، فاستيقظ مرعوبًا من هول ما رأى، فرجع إلى الشيخ، فلما وقع بصر الشيخ