الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وست مائة
فيها نزلت الكرج بالراء الجيم على خلاط، فلما كادوا أن يأخذوها، زحف ملكهم في جيشه، فوصل إلى باب البلد. وفيها توفي الأوحد بن العادل، فبرز إليه عسكر المسلمين، فظفر به فرسه فأحاط المسلمون، وأسروه، وهرب جيشه.
وفيها سار خوارزم شاه صاحب خراسان في جيوشه، وقطع النهر، فالتقى الخطا وكانت ملحمة عظيمة انكسر فيها، وقتل منهم خلق كثير، واستولى خوارزم شاه على ما وراء النهر، وكان كشلوخان بالشين والخاء المعجمتين وعسكره، وقد أخرجتهم الخطا من أرضهم، ونزلوا بلاد الترك، وجرت لهم حروب مع الخطا، فلما عرفوا أن خوارزم شاه كسرهم قصدوهم، فكاتب ملك الخطا في الحال خوارزم شاه يقول: إما ما كان منك من بلادنا، وقتل رجالنا، فمغفور فقد أتانا عدو لا قبل لنا به، وقد انتصروا علينا وأخذونا لم يبق لهم دافع عنك والمصلحة أن تسير إلينا وتجيرنا، فكاتب خوارزم شاه كشلوخان، إنا معك، وكاتب ملك الخطأ كذلك، وسار بجيوشه إلى أن نزل بقرب مكان المصاف، فتوهم كلا الفريقين أنه معهم، وأنه مكين لهم، فالتقوا، فانهزمت الخطا فمال حينئذ مع كشلوخان، ورأى رأيًا نحسًا، وهو إن أمر أهل بلاد الترك بالجلاء إلى بخارى وسمرقند، ثم خربهما جميعًا وشتت الناس.
وفيها توفي أسعد بن المنجا بن أبي البركات القاضي أبو المعالي التنوخي المغربي، ثم الدمشقي روي عن القاضي الأرموي وتفقه على الشيخ عبد القادر وغيره.
وفيها توفيت أم هاني عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الأصبهانية، وهي آخر من روى عن عبد الواحد صاحب أبي نعيم، ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة، وسمعت المعجمين الصغير والكبير للطبراني من فاطمة الجوزدانية.
وفيها توفي الإمام الكبير العلامة التحرير الأصولي المتكلم المناظر المفسر صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق الحظية سوق الإفادة بالاتفاق فخر الدين الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين القرشي التيمي البكري الملقب بالإمام عند علماء الأصول المقرر
لشبه مذاهب الفرق المخالفين والمبطل لها بإقامة البراهين الطبرستاني الأصل الرازي المولد المعروف الشافعي المذهب فريد عصره، ونسيج وحد الذي قال فيه بعض العلماء.
خصه الله برأي هو للغيب طليعة
…
فيرى الحق بعين دونها حد الطبيعة
ومدحه الإمام سراج الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد السكاكي الخوارزمي بقوله:
أعلمهن علمًا يقينًا إن رب العالمينا
…
لو قضى في عالميهم خدمة للأعلمينا
أخدم الرازي فخر أخدمة العبد بن سينا
فاق أهل زمانه الأصلين والمعقولات، وعلم الأوائل، صنف التصانيف المفيدة في
فنون عديدة. منها تفسير القران الكريم جمع فيه من الغرائب والعجائب ما يطرب كل طالب، وهو كبير جدًا لكنه لم يكمله وشرح سورة الفاتحة في مجلد، ومنها في علم الكلام المطالب العالية ونهاية العقول وكتاب الأربعين والمحصل وكتاب البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان وكتاب المباحث المشرقية، وكتاب المباحث المعادية في مطالب المعادية وكتاب تهذيب الدلائل وعيون المسائل وكتاب إرشاد النظار إلى لطائف الأسرار وكتاب أجوبة المسائل النجارية وكتاب تحصيل الحق وكتاب الزيدة والمعالم وغير ذلك، وفي أصول الفقه والمحصول والمعالم في الحكمة الملخص وشرح الملخص لابن سينا وشرح الإشارات لابن سينا وشرح عيون الحكمة وغير ذلك، وفي الطلسمات السر المكتوم وشرح أسماء الله الحسنى ويقال: إن له شرح المفصل في النحو للزمخشري وشرح الوجيز في الفقه للغزالي. وشرح سقط الزند للمعري. وله مختصر في الإعجاز ومؤاخذات جيدة على النحاة وله طريقة في الخلاف، وله في الطب شرح الكليات للقانون، وصنف في علم الفراسة، وله مصنف في مناقب الشافعي، وكل كتبه مفيدة، وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة بين العباد، فإن الناس اشتغلوا بها، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه، وأتي فيها بما لم يسبق إليه، وله في الوعظ اليد البيضاء ويعظ باللسانين العربي والعجمي، وكان يلحقه الوجد حال الوعظ، ويكثر البكاء، وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات، ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن الأجوبة، المجادلات على اختلاف أصنافهم ومذاهبم ويجيء إلى مجلسه الأكابر والأمراء والملوك، وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك وثروة، وبزة حسنة، وهيئة جميلة، إذا ركب مشى معه نحو ثلاث مائة مشتغل على اختلاف مطالبهم في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب
وغير ذلك، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة كان يلقب بهراة شيخ الإسلام، وكان مبدأ اشتغاله على والده إلى أن مات، ثم قصد الكمال السمناني بالسين المهملة والنون مكررة قبل الألف وبعدها، واشتغل عليه مدة، ثم عاد إلى الري، واشتغل على المجد الجيلي صاحب محمد بن يحيى الفقيه أحد تلامذة الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، ولما طلب المجد إلى مراغة ليدرس بها صحبه وقرأ عليه مدة طويلة علم الكلام والحكمة، ويقال: إنه كان يحفظ الشامل لإمام الحرمين في أصول الدين والمستصفى في أصول الفقه للغزالي وكذا المعتمد لأبي الحسين البصري، ثم قصد خوارزم وقد تمهر في العلوم فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى المذهب والاعتقاد، فأخرج من البلد، فقصد ما وراء النهر، فجرى له أيضا هنالك كذلك، فعاد إلى الري، وكان بها طبيب حاذق له ثروة ونعمة، وكان للطبيب ابنتان، ولفخر الدين ابنان، فمرض الطبيب، وأيقن بالموت، فزوج ابنتيه لولدي فخر الدين، ومات الطبيب، فاستولى فخر الدين على جميع أمواله، كذا قاله ابن خلكان قلت: وعلى تقدير صحة ذلك يحمل على استيلاء شرعي من نحو وصاية أو وكالة قال: ولازم الأسفار، وعامل شهاب الدين الغوري صاحب غزنة بالغين المعجمة والزاي والنون في جملة من المال، ثم مضى إليه لاستيفائه منه، فبالغ في إكرامه والإنعام عليه، وحصل له من جهته مال طائل، وعاد إلى خراسان، واتصل بالسلطان محمد المعروف بخوارزم شاه، فحظي عنده، ونال أسمى المراتب، ولم يبلغ أحمد منزلته عنده، ولما قدم إلى هراة نال من الدولة إكرامًا عظيمًا، فاشتد ذلك على الكرامية، فاجتمع يومًا مع القاضي مجد الدين ابن القدوة، فتناظر ثم استطال فخر الدين علي ابن القدوة، ونال منه وأهانه فعظم ذلك على الكرامية، وثاروا من كل ناحية، فقامت بينهم فتنة فأمر السلطان الجند بتسكينها وذلك في سنة خمس وتسعين وخمس مائة ولم يزل بينه وبين الكرامية السيف الأحمر، فينال منهم وينالون منه سبًا وتكفيرًا حتى قيل إنهم سموه فمات من ذلك، وكان موته بهراة يوم الاثنين يوم عيد الفطر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
ومناقبه أكثر من أن تحصر به وتعد وفضائله لا تحصى ولا تحد.
وكان له مع ما جمع من العلوم شيء من الكلام المنظوم، ومن ذلك قوله:
نهاية إقدام العقول عقال
…
وأكثر سعي العالمين ضلال
فأرواحنا في وحشة من جسومنا
…
وحاصل دنيانا أذىً ووبال
ولم تستفد من بحثناطول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقال وكم من جبال قد علت شرفاته رجال فزالوا والجبال جبال
وكم قد رأينا من رجال ودولة
…
فبادوا جميعًا مسرعين وزالوا
وكان العلماء يقصدونه من البلاد، وتشد إليه الرحال من الأقطار.
وحكى شرف الدين بن عنين أنه حضر عرسه يومًا، وهو يلقي الدروس في مدرسته ودرسه حفل بالأفاضل واليوم شات وقد سقط ثلج كثير، فسقطت بالقرب منه حمامة، وقد طردها بعض الجوارح، فلما دفعت ما رجعت خوفًا من الحاضرين في المجلس، ولم تقدر الحمامة على الطيران من خوفها وشدة البرد، فلما قام فخر الدين من الدرس وقف عليها ورق لها وأخذها.
قلت: هكذا حكى والدي حكوا في علم المعاني والبيان أنها وقعت في حجر الإمام فخر الدين فأنشده بن عنين في الحال.
يا ابن الكرام المطمعين إذا استواى
…
في كل مسغبة وثلج خاشف
الغامضين إذ االنفوس تطايرت
…
بين الصوارم والوشيح الزاعف
من نبأ الورقاء أن
…
محلكم حرم وأنك ملجأ للخائف
مع أبيات أخرى منها قوله:
جاءت سليمان الزمان لشكوها
…
والموت تلمع من جناحي خاطف
وهذا البيت مع البيت الثالث هما اللذان المذكوران في علم المعاني والبيان من المبدعات إذا افتتحا بقوله جاءت سليمان الزمان حمامة إلى آخره، ثم أتبع بقوله: من نبأ الورقاء أن محلكم إلى آخره كانا من الموجز المبدع قوله: خاشف هو بالخاء والشين المعجمتين يقال: خشف الثلج إذا تحرك، ومنه قول الشاعر يصف البرده:
إذا كبد النجم السماء يشو
…
على حين هر الكلب والثلج خاشف
وقال أبو عبد الله الحسين الواسطي: سمعت فخر الدين بهراة ينشد على المنبر عقب كلام عاتب فيه أهل البلد:
المرء مادام حيًا يستهان به
…
ويعظم الرزء فيه حين يفتقد
وذكر فخر الدين في كتابه الموسوم بتحصيل الحق، أنه اشتغل في علم الأصول على والده ضياء الدين عمر، ووالده على أبي القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري، وهو على إمام الحرمين أبي المعالي، وهو على الأستاذ أبي الإسحاق الإسفرائيني وهو على الشيخ أبي الحسن الباهلي وهو على شيخ السنة أبي الحسن علي بن أبي إسماعيل الأشعري الناصر لمذهب أهل السنة والجماعة، وأما اشتغاله في فروع المذهب، فإنه اشتغل على والده المذكور، ووالده على أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، وهو على القاضي حسين المروزي، وهو على القفال المروزي، وهو على أبي زيد المروزى، وهو على أبي إسحاق المروزي، وهو على أبي العباس بن شريح، وهو على أبي القاسم الأنماطي، وهو على أبي إبراهيم المزني، وهو على الإمام الشافعي المطلبي رضي الله تعالى عنه.
وكانت ولادة فخر الدين في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وأربعين، قيل: ثلاث وأربعين وخمس مائة بالري وتوفي يوم الاثنين يوم عيد الفطر من السنة المذكورة، كما تقدم رحمه الله تعالى، وفيها توفي العلامة مجد الدين أبو السعادات المبارك بن أبي الكرم محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن الأثير الشيباني الجزري، ثم الموصلي الكاتب.
قال أبو البركات بن المستوفي في حقه: أشهر العلماء ذكر أو أكثر النبلاء قدرا وأوحد الأفاضل المشار إليهم، وفرد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم أخذ النحو عن شيخه أبي محمد إسماعيل بن المبارك، وسمع الحديث متأخرًا، ولم يتقدم له رواية، وله المصنفات البديعة والرسائل الوسيعة.
منها جامع الأصول في أحاديث الرسول جمع فيه بين الصحاح الستة، وهو على وضع كتاب رزين إلا أن فيه زيادات كثيرة، ومنها كتاب النهاية في غريب الحديث في خمس مجلدات
وكتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف في تفسير القرآن أخذه من
تفسير الثعلبي والزمخشري، وله كتاب المصطفى والمختار في الأدعية والأذكار، وكتاب لطيف في صنعة الكتابة، وكتاب البديع في شرح الفصول في النحو لابن الدهان، وديوان رسائل والكتاب الشافي في شرح مسند الإمام الشافعي وغير ذلك من التصانيف. وله ديوان الإنشاء لصاحب الموصل مسعود بن مودود ارسلان شاه وحظي عنده، وتوفرت حرمته لديه، وكتب له مدة، ثم عرض له مرض الفالج، فكف يده من الكتابة ورجليه من الحركة، وأقام في داره يغشاها الأكابر والعلماء وأنشأ رباطًا، ووقف أملاكه على رباطه المذكورة، وعلى داره التي سكنها.
قال ابن خلكان: وبلغني أنه صنف كتبه كلها في مدة تعطله، فإنه تفرغ لها وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الأخبار والكتابة، وله شعر يسير، ومن ذلك ما أنشده للأتابك صاحب الموصل، وقد زلت بغلته.
إن زلت البغلة من تحته
…
فإن في زلتها عذرا
حملها من علمه شاهقاً
…
ومن ندى راحته بحرا
وحكى أخوه أبو الحسن أنه جاءه رجل مغربي، فالتزم أن يداويه ويبرئه ما هو فيه، وأنه لا يأخذ أجرة إلا بعد برئه. قال: فملنا إلى قوله، وأخذ في معالجته بدهن، حتى لانت رجله، وأشرف على كمال البرء، فقال لي: أعط هذا المغربي شيئا يرضيه واصرفه، فقلت له: لم ذا وقد ظهر نجح معالجته. فقال: الأمر كما يكون ولكني في راحة مما كنت فيه من صحبة هؤلاء القوم والالتزام بإحضارهم، وقد سكنت روحي إلى الانقطاع والدعة، وقد كنت بالأمس وأنا معافى أذل نفسي بالسعي إليهم. وأنا الآن قاعد في منزلي، فإذا طرأت لهم أمور ضرورية جاؤوني بأنفسهم لأخذ رأيي، وبين هذا وذاك كثير، ولم يكن سبب هذا إلا هذا المرض، فما أرى زواله ولا معالجته، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعني أعيش باقيه حرًا سليمًا من الذل، فقد أخذت منه بأوفر حظ. قال: فقبلت منه قوله وصرفت الرجل بإحسان.
وفيها توفي أبو المكارم أسعد بن الخطير مهذب بن ميناء الكاتب الشاعر، كان ناظر الدواوين. بالديار المصرية، وفيه فضائل عديدة ونظم سيرة السلطان صلاح الدين، وله ديوان شعر ومن جملته قوله.