الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمور خرج عليه بسببها مماليك أبيه، فقتلوه وقدموا على عسكر عز الدين التركماني الصالحي، وساقوا إلى القاهرة بعد أن استردوا دمياط، وذلك أن حسام الدين بن أبي علي أطلق ملك الفرنج على أن يسلم دمياط وعلى بذل خمس مائة ألف دينار للمسلمين، فركب بغلة، وساق معه الجيش إلى دمياط، فما وصلوا إلا وأوابل المسلمين قد ركبوا أسوارها، فاصفر لون ملك الفرنج، فقال حسام الدين: هذه دمياط قد ملكناها، والرأي أن لا يطلق هذا لأنه قد اطلع على عوزتنا، فقال عز الدين التركماني: لا أرى الغدر فأطلقه.
وأما دمشق، فقصدها الملك الناصر صاحب حلب، واستولى عليها ثم بعد أشهر قصد الديار المصرية ليتملكها، فالتقى هو والمصريون بالعباسية، فانهزم المصريون، ودخل أوائل الشاميين القاهرة، وخطب بها الناصر فالتف على عز الدين والفارس قطايا نحو ثلاث مائة من الصالحية، وهربوا نحو الشام، فصادفوا فرقة من الشاميين، فحملوه عليهم وهزموهم وأسروا نائب الملك الناصر، وهو شمس الدين لؤلؤ، فذبحوه وحملوا على طبل الناصر، وكسروه ونهبوا خزائنه، وساقوا إلى غرة، ودخلت الناصرية الصالحية بأعلام الناصر منكسة، وبالأسارى، وهم ولد السلطان الكبير صلاح الدين ولذلك الأشرف موسى ابن صاحب حمص، والملك الصالح إسماعيل ابن العادل وطائفة، وقتل عدة أمراء.
وفيها توفي الملك الصالح عماد الدين أبوالحسن إسماعيل ابن العادل، كان من جملة أسارى الصالحية المذكورين، فأخذوه في الليل وأعدموه.
وفيها توفي الملك المعظم غياث الدين ابن الصالح، وتوفي أبوه، فحلف له الأمراء وتعدوا وراءه، وجرى من كسر الفرنج ما جرى، ثم صدرت منه أمور ضربه بسببها مملوك بسيف فتلقاه بيده، ثم هرب إلى برج خشب، فرموه بالسفط، فرمى بنفسه وهرب إلى النيل فأتلفوه، وبقي ملقى على الأرض ثلاثة أيام حتى انتفخ، ثم واروه، وخطب بعده على منابر الإسلام ليتخبر الدرام خليل خطبة والده وزوجته وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكرها.
سنة تسع وأربعين وست مائة
أقامت عساكر الشام على غرة نحوًا من سنتين خوفًا من المصريين، وترددت الرسل بين الناصر والمعز.
وفيها تملك المغيث ابن الملك العادل ابن الكامل الكرك والشويك سلمها إليه متوليها الطواشي صواب.
وفيها توفي العلامة أبو الحسن علي بن هبة الله اللخمي المصري الشافعي المقرىء
الخطيب، المعروف بابن الحميري سمع بدمشق من الحافظ ابن عساكر، وببغداد من شهدة وجماعة، وقرأ القراءات على أبي الحسن البطايحي، وقرأ كتاب المهذب على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون، والقاضي أبو سعد علي القاضي أبي علي الفارقي عن مؤلفه الشيخ الإمام أبي إسحاق، وسمع بالاسكندرية من السلفي، وتفرد من زمانه، ورحل إليه الطلبة، ودرس وأفتى، وانتهت إليه مشيخة العلم بالديار المصرية والأمير الصاحب جمال الدين ابن مطروح أبو الحسن يحيى بن عيسى المقرىء اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح ابن الملك الكامل ابن الملك العادل ابن أيوب، فلما اتسع ملكه ولاه نائبًا عنه، ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده إلى أن ملك دمشق، فرتب لها نوابًا، وصار ابن مطروح في صورة وزيرها، ثم سيره مع عسكر وجهه إلى حمص لاستنقادها من ثواب الملك الناصر الملك العزيز، ثم بلغه أن الفرنج اجتمعوا بجزيرة قبرص على عزم الديار المصرية، فسير إلى العسكر المذكور يعودون لحفظ الديار المصرية، فعادوا وابن مطروح في خدمة الملك الصالح، والملك الصالح متغير عليه الأمور نقمها عليه، فواظب على الخدمة مع الإعراض عنه، ولما مات الملك الصالح وصل ابن مطروح إلى مصر، وأقام بها في داره، ولم يزل ابن مطروح مطروحًا من الولايات إلى أن مات، هذه نبذة مختصرة من أحواله على الإجمال وكانت أوقاته جميلة، وحالاته حميدة، جمع بين الفضل والمروءة والأخلاق الرضية، وله ديوان شعر من جملته قوله في بعض قصائده:
يا صاحبي ولي بجرعاء الحمى
…
قلب أسير ماله من فادي
سلبته مني يوم باتوا مقلة
…
مكحولة أجفانها بسواد
وله بيتان ضمنهما بيت المتنبي، وأحسن فيهما، وهما:
إذا ما سقاني ريقه، وهو باسم
…
تذكرت ما بين العذيب وبارق
ويذكرني من قده ومدامعي
…
مجرى عوالينا ومجرى السوابق
وهذا البيت للمتنبي في قصيدة له بديعة، وهو:
تذكرت ما بين العذيب وبارق
…
مجرى عوالينا ومجرى السوابق
قال ابن خلكان: وبلغني أنه كتب رقعة يتضمن شفاعته في قضاء شغل بعض أصحابه إلى بعض الرؤساء، وكتب فيهم لولا المشقة فلما وقف عليها ذلك الرئيس قضى شغله وفهم قصده، وهو قول المتنبي: