المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة تسعين وست مائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ٤

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌سنة اثنتين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وست مائة

- ‌سنة أربع وست مائة

- ‌سنة خمس وست مائة

- ‌سنة ست وست مائة

- ‌سنة سبع وست مائة

- ‌سنة ثمان وست مائة

- ‌سنة تسع وست مائة

- ‌سنة عشر وست مائة

- ‌سنة احدى عشرة وست مائة

- ‌سنة اثنتي عشر وست ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وست مائة

- ‌سنة أربع عشرة وست مائة

- ‌سنة خمس عشرة وست مائة

- ‌سنة ست عشرة وست مائة

- ‌سنة سبع عشرة وست مائة

- ‌سنة ثمان عشرة وست مائة

- ‌سنة تسع عشرة وست مائة

- ‌سنة عشرين وست مائة

- ‌سنة احدى وعشرين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وست مائة

- ‌سنة أربع وعشرين وست مائة

- ‌سنة خمس وعشرين وست مائة

- ‌سنة ست وعشرين وست مائة

- ‌سنة سبع وعشرين وست مائة

- ‌سنةثمان وعشرين وست مائة

- ‌سنة تسع وعشرين وست مائة

- ‌سنة ثلاثين وست مائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وست مائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وست مائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وست مائة

- ‌سنة ست وثلاثين وست مائة

- ‌سنة سبع وثلائين وست مائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وست مائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وست مائة

- ‌سنة أربعين وست مائة

- ‌سنة إحدى وأربعين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين وست مائة

- ‌سنة أربع وأربعين وست مائة

- ‌سنة خمس وأربعين وست مائة

- ‌سنة ست وأربعين وست مائة

- ‌سنة سبع وأربعين وست مائة

- ‌سنة ثمان وأربعين وست مائة

- ‌سنة تسع وأربعين وست مائة

- ‌سنة خمسين وست مائة

- ‌سنة إحدى وخمسين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين وست مائة

- ‌وقول المجنون:

- ‌سنة أربع وخمسين وست مائة

- ‌سنةخمس وخمسين وست مائة

- ‌سنةست وخمسين وست مائة

- ‌سنة سبع وخمسين وست مائة

- ‌سنة ثمان وخمسين وست مائة

- ‌سنةتسع وخمسين وست مائة

- ‌سنة ستين وست مائة

- ‌سنة احدى وستين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وستين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وستين وست مائة

- ‌سنة أربع وستين وست مائة

- ‌سنة خمس وستين وست مائة

- ‌سنة ست وستين وست مائة

- ‌سنة سبع وستين وست مائة

- ‌سنة ثمان وستين وست مائة

- ‌سنه تسع وستين وست مائة

- ‌سنة سبعين وست مائة

- ‌سنة إحدى وسبعين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين وست مائة

- ‌سنة أربع وسبعين وست مائة

- ‌سنة خمس وسبعين وست مائة

- ‌سنة ست وسبعين وست مائة

- ‌سنة سبع وسبعين وست مائة

- ‌سنة ثمان وسبعين وست مائة

- ‌سنة تسع وسبعين وست مائة

- ‌سنة ثمانين وست مائة

- ‌سنة إحدى وثمانين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وست مائة

- ‌سنة أربع وثمانين وست مائة

- ‌سنة خمس وثمانين وست مائة

- ‌سنة ست وثمانين وست مائة

- ‌سنة سبع وثمانين وست مائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وست مائة

- ‌سنة تسع وثمانين وست مائة

- ‌سنة تسعين وست مائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وست مائة

- ‌سنة أربع وتسعين وست مائة

- ‌سنة خمس وتسعين وست مائة

- ‌سنة ست وتسعين وست مائة

- ‌سنة سبع وتسعين وست مائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وست مائة

- ‌سنة تسع وتسعين وست مائة

- ‌سنة سبع مائة

- ‌سنة إحدى وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وسبع مائة

- ‌سنة أربع وسبع مائة

- ‌سنة خمس وسبع مائة

- ‌سنه ست وسبع مائة

- ‌سنة سبع وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وسبع مائة

- ‌سنة تسع وسبع مائة

- ‌سنة عشر وسبع مائة

- ‌سنة إحدى عشرة وسبع مائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وسبع مائة

- ‌سنة أربع عشرة وسبع مائة

- ‌سنة خمس عشرة وسبع مائة

- ‌سنة ست عشرة وسبع مائة

- ‌سنة سبع عشرة وسبع مائة

- ‌سنة ثمان عشرة وسبع مائة

- ‌سنة تسع عشرة وسبع مائة

- ‌سنة عشرين وسبع مائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة أربع وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة خمس وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ست وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة سبع وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة تسع وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة ست وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة سبع ثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة أربعين وسبع مائة

- ‌سنة إحدى وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة أربع وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة خمس وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة ست وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة سبع وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وأربعين وسبع مائة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنه تسع وأربعين وسبع مائة منال

- ‌سنة خمسين وسبع مائة

- ‌تنبيه

- ‌ذكر جماعةمن مشاهيراليمن

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل: ‌سنة تسعين وست مائة

جماعة، وكان من العلماء الصالحين العاملين.

وفيها توفي شمس الدين الأصفهاني الأصولي المتكلم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمود نزيل مصر. صاحب التصانيف، له كتاب القواعد في العلوم الأربعة الأصلين والخلاف والمنطق وكتاب غاية المطلب في المنطق، وله يد طولى، في العربية. درس في مشهد الشافعي، ومشهد الحسين، وتخرج والمصريون، وتوفي في رجب منيفاً على السبعين.

‌سنة تسع وثمانين وست مائة

فيها توفي السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو المعالي، وفيها توفي أبو الفتوح قلاوون التركي الصالحي النجمي، كان من أكابر الأمراء زمن الظاهر، وتملك في رجب سنة ثمان وسبعين، وكسر التتار على الحمص، وغزا الفرنج غير مرة، وتوفي في سادس ذي القعدة بالمخيم بظاهر القاهرة، وقد عزم على الغزاة، ثم دفن بتربته بين القصرين.

وفيها توفي خطيب دمشق عبد الكافي بن عبد الملك الدمشقي الشافعي المفتي، سمع من ابن صباح، وابن الزبيدي وجماعة، وناب في القضاء مدة، وكان ديناً حسن السمت للناس فيه عقيدة كبيرة.

وفيها توفي الرشيد الفارقي أبو حفص عمر بن إسماعيل بن مسعود الشافعي الأديب. سمع من الفخر، وابن الزبيدي وغيرهما، وكان أديباً بارعاً منشئاً بليغاً شاعراً مفلقاً لغوياً محققاً. درس بالناصرية مدة، ثم بالظاهرية، وتصدر للإفادة، وخنق في بيته بالظاهرية، وأخذ ماله ودرس بعده علاء الدين ابن بنت الأغر.

‌سنة تسعين وست مائة

دخلت والسلطان هو الملك الأشرف ابن المنصور، وقد فوض الوزارة إلى شمس الدين بن سعلوس، ونيابة الملك إلى بدر الدين بيدراً، فسار بالجيوش إلى الشام، ونزل إلى عكا في رابع ربيع الآخر، وجد المسلمون في حصارها، واجتمع عليها أمم لا يحصون، فلما استحكمت النقوب، وتهيأت أسباب الفتح أخذ أهلها في الهزيمة في البحر، فافتتحت بالسيف بكرة الجمعة سابع عشر جمادى الأولى، وصير المسلمون سماءها أرضاً، وطولها عرضاً، وأخذ المسلمون بعد يومين مدينة صور بلا قتال لكون أهلها هربوا في البحر لما علموا بأخذ عكا، وسلمها الرعية بالأمان، وأخربت أيضاً، ثم افتتح الشجاعي صيدا في

ص: 157

رجب وأخربت، ثم افتتح بيروت بعد أيام وهدمها، فلما رأى أهل حصن عثليث بالمثلثة بعد العين المهملة مكررة في آخره خلو الساحل من عباد الصليب. أحرقوا حواصلهم، فهربوا في البحر، فهدمه المسلمون، وكذلك فعل بأهل طرسوس، فتسلمها الطباخي، ولم يبق للنصارى بأرض الشام معقل ولا متحصن.

وفيها توفي عن اثنتين وثمانين سنة الإمام الجليل السيد الجليل ذو المجد الأثيل بركة الزمن، وفقيه اليمن المعروف، بابن عجيل الولي الكبير العارف بالله الشهير ذو السيرة الحميدة، والمناقب العديدة، والبركات الظاهرة، والكرامات الباهرة أبو العباس أحمد بن موسى بن علي بن عمر الذوالي بالذال المعجمة؛ كان أبوه عالماً بأصول الفقه وفروعه، وانتهت إليه رياسة الفقه والفتوى، حتى كان يقول شيخه الكرماني في إجازته علامة اليمن، وأعجوبة الزمن، وكان عمه محمد فقيها في الفرائض والحساب، وكان عمه وشيخه إبراهيم عالماً بالحديث والعربية والفقه وأصوله، وكان أبوه موسى المذكور يصحب الشيخ والفقيه، وكان إذا زارهما يقولان له أو أحدهما: أرحب يا أبا أحمد، ويبشرانه أنه يولد له ولد يكون له شأن عظيم.

قلت: وبلغني أن الشيخ الحكمي قال له: يكون أحمد شمس زمانه لا كشموسنا، وبلغني أيضاً أنهما أتيا يوم السابع عن ولادة الفقيه أحمد المذكور، وأسرا إليه كلاماً في أذنه لم يدر الحاضرون ما هو، حتى سئل الفقيه أحمد عنه بعدما كبر. ما هو؟ فقال: أوصياني بذريتهما، وكان رضي الله تعالى عنه قد نشأ نشوءاً عجيباً، وظهرت فيه النجابة، ولاح عليه الفلاح، واستفاض في الناس أنه ما لعب ولا صبا، ولم يعرف له سوى الورع والزهد والعبادة، والاشتغال بالعلم، والاستفادة والإفادة. اشتغل على عمه إبراهيم ولازمه اثنتي عشرة سنة يقرأ فيها الفنون التي قد أتقنها مع خلو البال، والاعتزال لا يبطل الاشتغال في يوم جمعة ولا غيره، فبرع في العلوم خصوصاً الفقه، وله شيوخ غير عمه أخذ عنهم في مكة وهم جماعة.

منهم الإمام محمد بن يوسف بن مسدي بفتح الميم وسكون السين وكسر الدال المهملتين المهلبي، والإمام سليمان بن خليل العسقلاني، والإمام إسحاق بن أبي بكر طبري وفي اليمن الفقيه الإمام محمد بن إبراهيم الفشلي، كل هؤلاء المذكورين خطوطهم في كتبه مسطورة.

وأخذ عنه خلائق منهم الفقيه العلامة السيد الكبير الولي الشهير ذو المناقب الجليلة، المواهب الجزيلة، والكرامات الباهرة، والمحاسن الزاهرة أبو الحسن علي بن إبراهيم البجلي اليمني الساكن في شجينة بضم الشين المعجمة، وفتح الجيم، والنون وبينهما مثناة

ص: 158

من تحت ساكنه قرية من تهامة اليمن، كان يحج بقوافل اليمن بعد شيخه ابن عجيل المذكور أدركته وحججت معه، ولعلي المذكور كرامات يطول ذكرها، وفضائل يجل قدرها.

قيل خرج من تحت يده نيف وثمانون مدرساً، وكان فقه كتاب المهذب على ذهنه، وله ولد اسمه إبراهيم أعني التلميذ المذكور، كان في العلم والصلاح والكرامات بمكان رفيع وفضل وسيع.

ومن كراماته ما بلغني أنه زار مع أبيه مساجد الفتح غربي المدينة الشريفة، فنبحهم كلب هناك، فالتفت إليه إبراهيم المذكور، فتفل في وجهه، فمات الكلب، فغضب عليه أبوه لإظهاره مثل هذه الكرامة العظيمة من غير ضرورة دعت إلى ذلك.

ومن كرامات والده الفقيه علي المذكور الداعية إليها الضرورة أن بعض الناس أودع امرأة وديعة، فماتت الامرأة، ولم يعلم بها أحد أين تركت الوديعة، فجاء صاحب الوديعة، فطلبها، فلم يجد من يعلمه بها، فجاؤوا إلى الفقيه علي المذكور، وذكروا له الحال، فقال: أروني قبرها، فذهبوا به إلى القبر، فوقف عليه ساعة واحدة، ثم سأل هل في بيتها شجرة حناء. قيل: نعم قال: احفروا تحت الشجرة، فالوديعة هناك.

وكان رضي الله عنه يحج ويزور في شبابه على رجليه سنيناً كثيرة، وقدم في بعضها المدينة الشريفة وابن عجيل فيها، فخرج للقائه بأمر النبي عليه السلام له بذلك، فوجده عند المصلى سابع سبعة وقربته علي ظهره في قصة طويلة هذا مختصرها، وكانت له أيام زاهرة، وبركات ظاهرة، وإليه أشرت بقولي في ذكر شجينة قريته:

وكم شجن قد حل بي من شجينة

بحسن مليحات حوتها فواضل

وممن أخذ عن ابن عجيل أيضاً الفقيه الإمام العالم العلامة أبو الحسن علي بن أحمد، المعروف بابن الصريدح، كان فقيهاً فاضلاً صالحاً مفيداً منتفعاً به. مررت عليه عند زيارتي لقبر ابن عجيل المذكور، وكان قويباً منه، فوجدته يدرس جماعة من الطلبة، فألقيت عليهم ثلاث مسائل، فوقفوا عن جوابها، ثم استمررت في سفري إلى مكة، ثم إلى المدينة، ثم بعد سنين كثيرة قدم حاجاً بعض طلبته، وهو الفقيه الفاضل الصالح العالم العامل أبو بكر، المعروف بدعسين بفتح الدال والسين، وسكون العين بينهما مهملات، وسكون المثناة من تحت قيل: النون، وهو لا يعرفني ولا أعرفه، فقال: قدم علينا شاب، وسألنا عن ثلاث مسائل، فلم نعرف جوابها، وفتشنا الكتب، فوجدنا جواب واحدة منها، وواحدة وجدنا فيها وجهين، وواحدة لم نجد لها جواباً، فضحكت عند ذلك، فعرف حيئذٍ أني كنت ذلك السائل، وابن الصريدح المذكور من بني الصريدح.

ص: 159

ومنهم الفقيه عبد الله بن أحمد الصريدح. تفقه على جد ابن عجيل المذكور علي بن عمر بن عجيل رحمهم تعالى.

وممن أخذ عن ابن عجيل أيضاً الفقيه الإمام العلامة ذو الفهم الثاقب، والعلو والمناقب الفاضل البارع النجيب، قاضي القضاة رضي الدين الأديب اليمني اللخمي.

ومنهم الفقيه الأجل العالم البارع المتفنن أبو الحسن علي بن عبد الله الجبرتي المشهور بالفرضي البارع في علم الفرائض، كثير من الناس يسمونه الزيلعي ومنهم ولد ابن عجيل المذكور الفقيه القدوة الصالح إبراهيم بن أحمد، وقد أدركته، وزرته، ووجدته يقرئ بنية له صغيرة.

وممن روى عن ابن عجيل المذكور شيخنا الرواية إمام الحديث في زمانه رضي الدين إبراهيم بن محمد الطبري إمام المقام الشريف بمكة يروي عنه كتاب " المصابيح " في الحديث وهو يرويه عن عمه بسنده المثبت في الطباق، وكان يشير إلى شيخنا المذكور إذا طلب منه الدعاء بعض أهل مكة، ويقول: عندكم إبراهيم، وكان كثير التردد إلى الحج والزيارة.

وله كرامات عديدة، وسيرة حميدة، وزهد وورع دقيق، واتقان للعلوم، وتحقيق وقدر كبير، وصيت شهير صارت بفضله الركبان إلى شاسع البلدان، ولعله كان يزيد على الشيخ الإمام رفيع المقام محيي الدين النواوي في ورعه وأدبه، وزهده، وتقشفه، فمعيشته كانت من الذرة الحمراء، والقطيب والمخيض من اللبن على تعاقب الدهور، وطول الزمن.

وقد قال بعضهم في مثل أحمد بن موسى: في الأولياء كيحيى بن زكرياء في الأنبياء.

كأنه أشار إلى ما ورد ما منا إلا من عصي أو هم بمعصية إلا يحيى بن زكرياء، وكان رضي الله تعالى عنه فيه من المحاسن والآداب ما يحتاج ذكره إلى تصنيف كتاب.

ونقتصر من ذكر كراماته الكثيرة على واحدة منها شهيرة، وهي أنه جاءه بعض الناس يلتمس بركته، وفي يده سلعة، فقال له: يا سيدي هذه السلعة درت بها على الصالحين ليدعوا لي في ذهابها، فلم تذهب، وأنت إن لم تدع لي وتذهب بدعائك وإلا ما بقيت أحسن ظني بأحد من الصالحين، فقال له: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قرأ عليها، وقال: اربط عليها بخرقة، ولا تفتحها حتى تصل إلى بلادك، ففعل ما أمر به، ثم سافر إلى أن بلغ بعض الطريق، وحضر وقت الغداء، ومعه رفقة، فقالوا: تعالوا نتغذى في هذه القرية، فاشتروا خبزاً ولبناً، وفتوه وعادة أهل اليمن يكلون الخبز واللبن إذا كان مفتوتاً بالكف، ففتح الخرقة

ص: 160

وأكل بكفه ناسياً لما أوصاه به من ترك فتحها إلى بلاده، فلما فرغ من الأكل ذكر ما أوصاه به، ونظر إلى يده، فإذا السلعة التي كانت فيها قد ذهبت، ولم يزل رضي الله تعالى عنه مع ما هو متصف به من مشاهدات الأنوار والإطلاع على الأسرار يشغل الطلبة بالعلوم بالليل والنهار، حتى بمقامات الحريري على ما بلغني، وأصله من عرب يقال لهم: المعازبة بالعين المهملة قبل الألف، وبعدها زاي وموحدة قبل الهاء يسكنون قريباً من زبيد، وإلى انتسابه إليهم، وحسن سيرته وأدبه أشرت بقولي في بعض قصائدي عند الغزل لشيوخ اليمن وعادتي أجمعه مع الفقيه الإمام الولي الكبير الرفيع المقام إسماعيل بن محمد الحضرمي المتقدم ذكره في سنة ست وسبعين، حيث قلت مشيرا أيضاً إلى مسكن الحضرمي ودلاله وحلاله:

وجود في الضحى أضحت بحسن

زها تختال فاقت للغواني

كجود للمعازبة اعتراها

حصان في حيا حسن رزان

وكم من جوهر صادفته في

حقير من جناد صدف صان

وفي أخرى تشتمل على ذكر مائة شيخ من أكابر الأولياء المشهورين الأفراد في اليمن وغيره من أقطاب البلاد. تنيف على ثلاث مائة بيت في التعداد. قلت: أيضاً مشيراً إليهما:

أنا راسماً مجد المعالم والعلى

وصار أهدى للحائر المتردد

وليان كل كم له من كرامة

عليان كل في مقام مشيد

خليلان كل صادق في وداده

جليلان كل في ردا المجد مرتد

ذوا مجد أكرام الولاية معلماً

بنور الهدى يزهو به كل مسعد

هما الحضرمي نجل الولي محمد

إمام الهدى نجل الإمام الممجد

له خطب كم ذللت ثم عللت

عنايات فضل ليس تدرك باليد

مدل ومجوب وفي كلفة العنا

عظيم كرامات وجاه وسؤدد

ومن جاهه أومى إلى الشمس أن قفي

فلم تمشي حتى أنزلوه بمقصد

ونجل عجيل كم مواهب عجلت

له وسعادات ومجد مجدد

نحلي حلا يزهو الوجود بحسنها

ويرفل في ثوب الجمال المنجد

كان حلاه حلة الشمس معلم

بهاها على كم الزمان بعسجد

مشى سيرة محمودة لا يسيرها

سوى كل صديق بحفظ مؤيد

عظيم كرامات عزيز وجودها

بها شهرة كانت لذكر معدد

هو القمر الثاني البهي ليت نظرة

إلى بحر حسن في الدجى متهجد

وفي أخرى أيضاً موسومة بباهية المحيا في مدح الشيوخ الأصفياء، والرد على بعض

ص: 161

المنكرين الأغبياء بمعرفة الأصول والعربية، وطريق السالكين الأولياء أشرت إليهما في غزلها بقولي:

وجود الضحى شمس الضحى حضرمية

مدللة تزهو بعالي المنازل

وذات إليها الحسنا عجيليه زهت

بها سارت الركبان من كل راحل

وأشرت إليهما أيضاً، وإلى الشيخ الكبير اليمني الأصل والبلاد أبي العباس أحمد المعروف بالصياد فيها عند ذكر أسمائهم بالتصريح بعد الكناية بالغزل والتلويح فقلت:

وأكرم بإسماعيل شيخ شيوخنا

هو الحضري المشهور زين المحافل

ورين الزمان ابن العجيل شهيرهم

وصيادهم سامي العلا والفضائل

ومن محاسن أدب السيد المذكور ابن عجيل المشهور المذكور احترازه في جوابه المشكور وقد سئل عن سماع الصوفية أن أبحه، فلست من أهله، وإن أنكره، فقد سمعه من هو خير مني، وقد نقلت هذا الجواب في بعض كتبي، فلما قرئ ذلك الكتاب على ابن ابنه الفقيه العالم في الفضائل والمكارم أبي العباس أحمد بن أبي بكر في الحرم الشريف، ووقف على جواب جده المذكور. قال: هكذا هو عندنا مسطور، فزادني ذلك طمأنينة في العلم والتحقيق، وقد اقتصرت في ترجمته على هذه النبذة اليسيرة، وبالله التوفيق.

وفيها توفي السويدي الحكيم العلامة شيخ الأطباء أبو اسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري الدمشقي، سمع من طائفة، وأخذ الأدب عن ابن معطي، والطب عن المهذب، وبرع فيه، وصنف وفاق على الأقران، وكتب الكثير بخطه المليح، ونظر في التعليقات، وألف كتاب الباهر في الجواهر والتذكرة في الطب وعاش تسعين سنة.

وفيها توفي سلامش بالمهملة في أوله والمعجمة في آخره الملك العادل ابن الملك الظاهر بيبرس الصالحي الذي سلطنوه عند خلع الملك السعيد، ثم نزعوه بعد ثلاثة أشهر، فبقي خاملاً بمصر، فلما تسلطن الأشرف أخذه وأخاه الملك خضراً وأهلهم وجهزهم إلى بلاد الأسكري، فمات بها.

وفيها توفي التلمساني سليمان بن علي الأديب الشاعر الملقب بعفيف الدين.

ص: 162

قال الذهبي: أحد زنادقة الصوفية، وقد قيل له مرة: أنت نصيري قال: النصيري بعض مني.

قال: وأما شعره، ففي الذروة العليا من حيث البلاغة والبيان لا من حيث الإلحاد.

قلت: وهذا أيضاً مع ما تقدم يدل على سوء عقيدة الذهبي في الصوفية، أما كان يكفيه إن كان كما ذكر زنديقاً أن يقول: أحد الزنادقة، ولا يضيف إلى الصوفية الصفوة أهل الصدق والتصديق، والحق والتحقيق كل فاجر زنديق. وهل كل من كان متصفاً بالوصف المذكور أو غيره من وصف غير مشكور ينسب إلى الصوفية أهل الصفا والنور؟ وكأنه ما يصدق متى يصادف رخصة يتخذها فرصة في الطعن في الساعة الأحباب العارفين أولى الألباب، وليت هذا إذ حزم التوفيق في حسن الظن، ومشابهة الولي الإمام محي الدين النواوي الجليل المقدار، حيث ذكر في كتابه الحفيل الموسوم بالإذكار، إن الصوفية من صفوة هذه الأمة نعوذ بالله من حرمان التوفيق والعصمة، فلم يكن لهم معتقداً أمسك عنهم، ولم يكن فيهم منتقداً لكنه سارع إلى القدح فيهم ترا، والطعن فيهم مرة بعد أخرى، كأنه قد شرب من ما جيرانه المعروف بالوخم الطاعنين في الصوفية أولى الأحوال السنية، ومحاسن الأوصاف والشيم، والجد والاجتهاد وعوالي العزائم والهمم، ورفض ما سوى الله، والإقبال على الله في الفضل والجود والكرم، وما أحسن التوفيق للسكوت فيما لا يدريه الإنسان، كما تقدم من جواب السيد الجليل الكبير الشأن، ابن العجيل لما سئل عن السماع حيث تورع فبم الجواب، ولم ينسبه إلى الزيغ والابتداع، وكيف وضع نفسه عن مشابهة من سمعه مع رخصه الله به ورفعه، فقال: إن أبحه، فلست من أهله، وإن أنكره، فقد سمعه من هوي مني.

قلت: وقد نص الشيوخ العارفون بالله من الصوفية أولى المقامات العلية إن الفرق الخارجة عن سنن الهدى ليسوا من الصوفية، وإن ادعوا ذلك، ولبسوا في الرسوم والزخارف، وممن نص على ذلك شيخ عصره الإمام شهاب الدين في العوارف.

وفيها توفي الإمام فقيه الشام، وشيخ الإسلام المشهور بالفضل والخير والاتباع أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري الشافعي المعروف ابن صباغ تاج الدين الملقب بالفركاح لحنف في رجليه العلامة شيخ المذهب على الإطلاق في زمانه والد الشيخ الإمام

ص: 163