المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة اثنتين وثلاثين وست مائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ٤

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌سنة اثنتين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وست مائة

- ‌سنة أربع وست مائة

- ‌سنة خمس وست مائة

- ‌سنة ست وست مائة

- ‌سنة سبع وست مائة

- ‌سنة ثمان وست مائة

- ‌سنة تسع وست مائة

- ‌سنة عشر وست مائة

- ‌سنة احدى عشرة وست مائة

- ‌سنة اثنتي عشر وست ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وست مائة

- ‌سنة أربع عشرة وست مائة

- ‌سنة خمس عشرة وست مائة

- ‌سنة ست عشرة وست مائة

- ‌سنة سبع عشرة وست مائة

- ‌سنة ثمان عشرة وست مائة

- ‌سنة تسع عشرة وست مائة

- ‌سنة عشرين وست مائة

- ‌سنة احدى وعشرين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وست مائة

- ‌سنة أربع وعشرين وست مائة

- ‌سنة خمس وعشرين وست مائة

- ‌سنة ست وعشرين وست مائة

- ‌سنة سبع وعشرين وست مائة

- ‌سنةثمان وعشرين وست مائة

- ‌سنة تسع وعشرين وست مائة

- ‌سنة ثلاثين وست مائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وست مائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وست مائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وست مائة

- ‌سنة ست وثلاثين وست مائة

- ‌سنة سبع وثلائين وست مائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وست مائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وست مائة

- ‌سنة أربعين وست مائة

- ‌سنة إحدى وأربعين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين وست مائة

- ‌سنة أربع وأربعين وست مائة

- ‌سنة خمس وأربعين وست مائة

- ‌سنة ست وأربعين وست مائة

- ‌سنة سبع وأربعين وست مائة

- ‌سنة ثمان وأربعين وست مائة

- ‌سنة تسع وأربعين وست مائة

- ‌سنة خمسين وست مائة

- ‌سنة إحدى وخمسين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين وست مائة

- ‌وقول المجنون:

- ‌سنة أربع وخمسين وست مائة

- ‌سنةخمس وخمسين وست مائة

- ‌سنةست وخمسين وست مائة

- ‌سنة سبع وخمسين وست مائة

- ‌سنة ثمان وخمسين وست مائة

- ‌سنةتسع وخمسين وست مائة

- ‌سنة ستين وست مائة

- ‌سنة احدى وستين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وستين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وستين وست مائة

- ‌سنة أربع وستين وست مائة

- ‌سنة خمس وستين وست مائة

- ‌سنة ست وستين وست مائة

- ‌سنة سبع وستين وست مائة

- ‌سنة ثمان وستين وست مائة

- ‌سنه تسع وستين وست مائة

- ‌سنة سبعين وست مائة

- ‌سنة إحدى وسبعين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين وست مائة

- ‌سنة أربع وسبعين وست مائة

- ‌سنة خمس وسبعين وست مائة

- ‌سنة ست وسبعين وست مائة

- ‌سنة سبع وسبعين وست مائة

- ‌سنة ثمان وسبعين وست مائة

- ‌سنة تسع وسبعين وست مائة

- ‌سنة ثمانين وست مائة

- ‌سنة إحدى وثمانين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وست مائة

- ‌سنة أربع وثمانين وست مائة

- ‌سنة خمس وثمانين وست مائة

- ‌سنة ست وثمانين وست مائة

- ‌سنة سبع وثمانين وست مائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وست مائة

- ‌سنة تسع وثمانين وست مائة

- ‌سنة تسعين وست مائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وست مائة

- ‌سنة أربع وتسعين وست مائة

- ‌سنة خمس وتسعين وست مائة

- ‌سنة ست وتسعين وست مائة

- ‌سنة سبع وتسعين وست مائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وست مائة

- ‌سنة تسع وتسعين وست مائة

- ‌سنة سبع مائة

- ‌سنة إحدى وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وسبع مائة

- ‌سنة أربع وسبع مائة

- ‌سنة خمس وسبع مائة

- ‌سنه ست وسبع مائة

- ‌سنة سبع وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وسبع مائة

- ‌سنة تسع وسبع مائة

- ‌سنة عشر وسبع مائة

- ‌سنة إحدى عشرة وسبع مائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وسبع مائة

- ‌سنة أربع عشرة وسبع مائة

- ‌سنة خمس عشرة وسبع مائة

- ‌سنة ست عشرة وسبع مائة

- ‌سنة سبع عشرة وسبع مائة

- ‌سنة ثمان عشرة وسبع مائة

- ‌سنة تسع عشرة وسبع مائة

- ‌سنة عشرين وسبع مائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة أربع وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة خمس وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ست وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة سبع وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة تسع وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة ست وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة سبع ثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة أربعين وسبع مائة

- ‌سنة إحدى وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة أربع وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة خمس وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة ست وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة سبع وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وأربعين وسبع مائة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنه تسع وأربعين وسبع مائة منال

- ‌سنة خمسين وسبع مائة

- ‌تنبيه

- ‌ذكر جماعةمن مشاهيراليمن

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل: ‌سنة اثنتين وثلاثين وست مائة

وصنف في أصول الفقه، والدين والمنطق، والحكمة، والخلاف، فكل تصانيفه مفيدة، فمن ذلك كتاب أبكار الأفكار في علم الكلام، واختصره في كتاب مناهج القرائح ورموز الكنوز، وله دقائق الحقائق، وكتاب الألباب، ومنتهى السؤل في علم الأصول، وله طريقة في الخلاف، ومختصر في الخلاف أيضًا، وشرح جدل الشريف، وغير ذلك وجملة تصانيفه مقدار عشرين تصنيفًا، وانتقل إلى دمشق، ودرس بالمدينة العزيزية، وأقام بها زمانًا، ثم عزل عنها بسبب، وأقام بطالاً في بيته، وتوفي على تلك الحال، ودفن بسفح جبل قاسيون، وعمره ثمانون سنة، والآمدي بالهمزة الممدودة والميم المكسورة وبعدها دال مهملة، نسبة إلى آمد وهي مدينة كبيرة في بلاد بكر مجاورة لبلاد الروم.

وفيها توفي الإمام أبو عبد الله القرطبي محمد بن عمر المقري المالكي، كان متفننًا في عدة علوم كالفقه والقراءات والعربية والتفسير زاهداً صالحًا، سمع من عبد المنعم بن الفراوي، وطائفة، وقرأ القراءات على الإمام الشاطبي وتوفي بالمدينة.

وفيها توفي الشيخ القدوة عبد الله بن يونس الأرموني صاحب الزاوية بجبل قاسيون، صالحًا متواضعًا مطرحًا للتكليف يمشي وحده، ويشتري الحاجة، وله أحوال مجاهدات، وقدم في الفقر.

وفيها توفي قاضي القضاة ابن فضلان أبو عبد الله محمد بن يحيى البغدادي الشافعي، ودرس المستنصرية تفقه على والده العلامة أبي القاسم، وبرع في المذهب والأصول والخلاف والنظر، ولاه الناصر، وعزله الظاهر بعد شهرين من خلافته.

‌سنة اثنتين وثلاثين وست مائة

فيها ضربت ببغداد دراهم، وفرقت في البلد، وتعاملوا بها وإنما كانوا يتعاملون بقراضة الذهب والقيراط والحبة، ونحو ذلك.

وفيها توفي الملك الزاهد داود بن صلاح الدين وصواب الخادم شمس الدين العادلي مقدم جيش الكامل، وكان يضرب به المثل في الشجاعة، وكان له من جملة المماليك مائة خادم فيهم جماعة أمراء.

وفيها توفي الشيخ العارف عمر بن علي، الحموي الأصل، المصري المولد، والدار والوفاة، شرف الدين المعروف بابن الفارض صاحب الديوان المشتمل على اللطائف،

ص: 60

والسلوك، والمحبة، والمعارف، والشوق، والوصل، وغير ذلك من الاصلاحات في العلوم الحقيقة المعروفة في كتب المشائخ الصوفية، بلغني أنه دخل في أيام بدايته مدرسة في ديار مصر، فوجد فيها شيخاً بقالاً يتوضأ من بركة فيها بغير ترتيب، فقال له: يا شيخ أنت في هذا السن وفي هذا البلد، وما تعرف تتوضأ؟ فقال له: يا عمر أنت ما يفتح عليك بمصر، فجاء إليه وجلس بين يديه وقال له: يا سيدي، ففي أقي مكان يفتح علي. فقال: في مكة، فقال يا سيدي، وابن مكة مني، فقال: هذه مكة، وأشار بيده نحوها، وكشف له عنها، فأمره الشيخ الذهاب إليها في ذلك الوقت، فوصل إليها في الحال، وأقام بها اثنتي عشرة سنة، ففتح عليه، ونظم فيها ديوانه المشهور، ثم بعد المدة المذكورة سمع الشيخ المذكور ويقول له: يا عمر تعال أحضر موتي، فجاء إليه، فقال له الشيخ: خذ هذا الدينار، فجهز لي به ثم احملني، فضعني في هذا المكان، وانتظر ما يكون من أمري، وأشار إلى مكان في القرافة تحت الفارض، وهو الموضع الذي دفن فيه ابن الفارض، قال: فكشف لي عن ذلك المكان، فحملته ووضعت فيه، فنزل رجل من الهوى، فصلينا عليه، ثم وقفنا ننتظر ما يكون من أمره، فإذا الجو قد امتلأ بطيور خضر، فجاء طائر كبير، فابتلعه، ثم طار، قال: فتعجبت من ذلك، فقال لي ذلك الرجل: لا تعجب من هذا فإن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر ترعى في الجنة، كما جاء في الحديث أولئك شهداء السيوف، وأما شهداء المحبة، فأجسادهم أرواح رضي الله عن الجميع.

قلت: وإلى هذا المعنى أشرت في هذه الأبيات من قصيدتي الموسومة بلباب اللب في مدح شهيد الحب حيث قلت:

قتيل الهوى في مذهب الحب والفقر

بلا عوض حاشاه من طلب الأجر

سوى روية المحبوب في حالة اللقا

إذا ما قيتل السيف عوض في الحشر

فشتان ما بين المقامين في العلى

وبين شهيد الحب والسيف في القدر

فما طالب المولى له طال شوقه

وفي حبه قد مات خال عن الصبر

كطالب مطعوم الجنان وشربها

وملبوسها والخيل والحور والقصر

إذا كنت حظي والأيام حظوظهم

أياديك ما نالوا نعيمي، ولا فخر

كفى شرفًا موت المحب صبابة

لمولى وفضلاً جل قدراً عن الحصر

ويكفيك خمس من فضائله بها

بلوغ المنى عيشًا ومجدًا على الدهر

قتيل جمال قد ودوه بروية

ووصل وقرب والتنادم والسرر

تميز عن غير بهذي وغيرها

وشاركه فيما له نال من أجر

لئن كان روح من شهيد سيوفهم

بجنات خلد جوف طير بها خضر

ص: 61

فروح شهيد الحب أيضًا وجسمه

باجوافها قد نعما ليس في القبر

كذاك روينا عن رجال له رأوا

بأبصارهم جوف القرافة من مصر

وممن رأى ذاك الإمام الذي جلا

لنا من مليحات المعارف من بكر

ونحو أخمارًا كاشفًا عن محاسن

بها هام كم صب وكم حام من فكر

بحور معانيها جلا در نظمه

سقى مشربًا بالشعر لم يسق في شعر

غريم الهوى حلف الغرام ابن فارض

لدي عارض قد شاهد السابق الذكر

ومن المشهور أنه وقع للشيخ شهاب الدين السهروردي رضي الله عنه قبض في بعض حجابة، فخطر بقلبه. ترى هل ذكرت في هذا الموسم؟ فسمع قائلاً يقول له من فوره في سوق الغزل، فأتى إليه الشيخ ابن الفارض المذكور، فأنشده قبل أن الشيخ شهاب الدين استنشده من قريضه، فأنشده قصيدة مفتتحها:

ما بين معترك الأحداق والمهج

أنا القتيل بلا ذنب ولا حرج

ثم استمر في إنشادها إلى أن قال:

أهلا بما لم أكن أهلا لموقعه

قول المبشر بعد اليأس بالفرج

لك البشارة فاخلع ما عليك فقد

ذكرت ثم على ما فيك من عوج

فقام الشيخ شهاب الدين، فتواجدوا من عنده من شيوخ الوقت الحاضرين، وكان المجلس عامراً بشيوخ أجلاء، وسادة أولياء، فخلع عليه هو والحاضرون قيل: أربع مائة خلعة، ومن نظمه الفائق المعري كل عاشق:

فإن شئت أن تحيي سعيدًا فمت به

شهيدًا وإلا، فالغرام له أهل

فمن لم يمت في حبه لم يعش به

ودون اجتناء النخل ما جنت النخل

وما أحسن قوله:

نصحتك علمًا بالهوى والذي أرى

مخالفتي، فاختر لنفسك ما يحلو

بعد قوله:

هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل

وأما قول ابن خلكان في ترجمته: وله ديوان شعر لطيف، وأسلوبه فيه ظريف ينحو منحى طريقة الفقراء، فلم يوفه بعض ما يليق بمشربه وذوقه وارتياحه وشوقه لكنه قد أحسن

ص: 62

في مخالفته للطاعنين فيه، لم ينزله بالمنزلة اللائقة به فى قوله وسمعت أنه كان رجلاً صالحاً كثير الخير، على قدم التجرد حسن الصجة، محمود العشيرة، وأنه ترنم يوماً في خلوته بقول الحريري صاحب المقامات:

من ذا الذي ما ساء قط

ومن له الحسنى فقط

فسمع قائلا يقول لا يرى شخصه:

محمد الهادي الذي

عليه جبريل هبط

وكان يقول: علمت في النوم بيتين، وهما:

وحياة أشواقي إليك

وحرمة الصبر الجميل

لا أبصرت عيني وسواك

ولا صبوت إلى خليل

قلت: ولقد أحسن في وصفه راح المحبة في ديوانه المذكور، ومن ذلك وصفه لها في هذا البيت المشهور:

هنيئًا لأهل الدهر كم سكروا بها

وما شربوا منها، ولكنهم هموا

على نفسه، فليبك من ضاع عمره

وليس له منها نصيب ولا سهم

توفي رحمه الله تعالى في جمادى الأولى، ودفن في العارض بسفح جبل المعظم والفارض بالفاء والراء وبين الألف والضاد المعجمة راء، وهو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال.

وفيها توفي الشيخ الجليل، السيد الحفيل، أستاذ زمانة، وفريد أوانه، مطلع الأنوار، ومنبع الأسرار، دليل الطريقة، وترجمان الحقيقة، أستاذ الشيوخ الأكابر، الجامع بين علمي الباطن والظاهر، قدوة العارفين، وعمدة السالكين، العالم الرباني شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد التيمي البكري الصوفي السهروردي مصنف كتاب العوارف، المشتمل على مكنونات المعارف، ومصؤنات المحاسن، واللطائف، وغير ذلك من التصانيف الحسنة الجامعة، من بلاغة الملاحة، وبراعة الفصاحة، وحلاوة العبارة، المشتملة على درر المعارف، ويواقيت الحكم، وطلاوة الإشارة، المحتوية على حياة القلوب وشفائها مر السقم وعقيدته معروفة مشهورة، موصوفة مشكورة، رويتها عن غير واحد من شيوخنا بسندهم العالي الذي بينهم وبين مصنفه، وأخذ صنفها مكة المشرفة، وكان إذا أشكل عليه شيء منها يرجع فيه إلى الله سبحانه وتعالى، ويستخيره حول بيته، وبتضرع إليه في التوفيق

ص: 63

لإصابة الحق والتحقيق، وقد ذكرت بعض عقيدته في كتاب المحاسن، والمرهم، وكان فقيهاً شافعي المذهب، كثير الاجتهاد في العبادة والرياضة، وتخرج عليه خلق كثير من الصوفية في المجاهدة والخلوة، ولم يكن في آخر عمره مثله، صحب عمه الشيخ الإمام أبا النجيب، وعنه أخذ التصوف والوعظ.

وذكر بعضهم أنه صحب أيضاً قطب الأولياء، وقدوة الأصفياء الشيخ عبد القادر الجبيلي رضي الله عنهما، ثم انحدر إلى البصرة إلى الشيخ أبي محمد بن عبد، ورأى غيره من الشيوخ، وحصل طرفًا صالحًا الفقه والخلاف، وقرأ الأدب، وعقد مجلس الوعظ سنين، وكان شيخ الشيوخ ببغداد، وكان له مجلس وعظ، عليه قبول كثير وله نفس مبارك. وذكر بعضهم أنه أنشد يومًا على الكرسي.

لا تسقني وحدي فما عودتني

أني أشح بها على جلاسي

أنت الكريم وهل يليق تكرمًا

أن تمنع الندماء دون الكاس

فتواجد الناس لذلك، وقطعت شعور كثيرة، وتاب جمع كثير.

قال ابن خلكان: ورأيت جماعة ممن حضروا مجلسه وقعدوا في خلوته، وكانوا يحكون غرائب مما يطرأ عليهم فيها من الأحوال الخارقة، قال: وكان قد وصل إلى إربل رسولاً من جهة الديوان العزيز، وعقد بها مجلس الوعظ، ولم يتفق لي رؤيته لصغر السن. وكان كثير الحج، وكان أرباب الطريق من مشائخ عصره يكتبون إليه من البلاد صورة فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم.

سمعت أن بعضهم كتب إليه يا سيدي إن تركت العمل أخلدت إلى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيتهما أولى؟ فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله من العجب. وقال ابن نقطة: كان شيخ العراق في وقته صاحب مجاهدة وإيثار وطريقة حميدة، ومروة تامة، وأوراد على كبر سنه.

وقال ابن النجار: كان شيخ وقته في علم الحقيقة، وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين، ودعا الخلق إلى الله تعالى، قرأ الفقه والخلاف والعربية، وسمع الحديث، ثم انقطع ولازم بيته، ودوام الصوم والذكر والعبادة إلى أن ظهر وعلا شأنه، وتكلم على الناس، وعقد مجلس الوعظ في مدرسة عمه على دجلة، فحضر عنده خلق عظيم، وظهر له قبول

ص: 64

من الخاص والعام، واشتهر اسمه، وقصد من الأقطار، وظهرت بركات أنفاسه في توبة العصاة، ورأى من الجاه والحرمة عند الملوك ما لم يره أحد.

وقال غيره: نشأ في حجر عمه أبي النجيب عبد القاهر، وأخذ عنه التصوف، والوعظ وعلم الحديث، والفقه، وصحب أيضًا الشيخ عبد القادر، والشيخ أبا محمد بن عبد البصري كما تقدم، وسمع الحديث أيضًا من أبي زرعة وآخرين، وسماهم، وروى عنه جماعة ذكر منهم الحافظ ابن النجار وغيره، وبعث رسولاً إلى عدة جهات، يعني نفده الخليفة في عصره، ولم يخلف بعده مثله على ما نقل غير واحد.

قلت: ويؤيد ذلك ما ذكرت في مناقب الشيخ عبد القادر أنه قال له: أنت آخر المشهورين بالعراق، ففتح عليه بعلوم المعارف والأنوار الزاهرة، ووردت عليه الأحوال وحصلت له المواهب الوافرة، وفاق الأقران بعلو شأنه، وصار شيخ زمانه بلا منازع. قلت: وإليه يرجع بعض شيوخنا في لبس الخرقة، وبعضهم يرجع إلى الشيخ عبد القادر، وبيني وبينه اثنتان في كتابه العوارف كما تقدمت الاشارة في سند شيوخنا، وكذا في لبس الخرقة، ورأيته في المنام كأنه أعطاني سجادة في ليلة كنت فيها قريبًا من قبر سيدنا عم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أسفل جبل أحد المبارك المعظم، وله كلام نفيس فاخر مسطور عنه في الدفاتر ذكرت شيئًا منه في الشاش المعلم، قدس الله روحه. وفيها توفي الشيخ الجليل غانم بن علي المقدسي النابلسي أحد عباد الله الأصفياء والسادة الأولياء.

وفيها توفي قاضي القضاة ابن شداد أبو العز يوسف بن رافع الأسدي، الحلبي الشافعي، قرأ القراءات والعربية، وسمع الحديث، وبرع في الفقه والعلوم ساد أهل زمانه، ونال رياسة الدين والدنيا، وصنف التصانيف منها كتاب سماه ملجأ الحكام عن التباس الأحكام، ومنها دلائل الأحكام، وكتاب الموجز الباهر في الفروع، وكتاب سيرة صلاح الدين، ودخل دمشق بعد رجوعه من الحج، فاستدعى به السلطان صلاح الدين وقابله بالإكرام التام، وسأله عن مشائخ العلم والعمل، وقر أعليه جزءاً من الإذكار، كان قد جمعه، ثم ولاه قضاء العسكر والحكم بالقدس الشريف، وعرض عليه الملك الظاهر الحكم بحلب، فامتنع، ثم قبل بعد ذلك.

قال ابن خلكان: كان بين والدي، رحمة الله عليه، وبين القاضي أبي المحاسن

ص: 65