الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأدب والطب.
وفيها توفي الشيخ الجليل ذو العطاء الجزيل، والأحوال السنيات، والجدو المجاهدات عمر بن عبد الملك الدينوري نزيل قاسيون.
وفيها توفي الحافظ الرحال محمد بن عبد الغني، المعروف بابن نقطة الحنبلي كان من أهل الحديث المكثرين من سماعه وكتابته، والراحلين في تحصيله. لقي المشايخ وأخذ عنهم، واستفاد منهم، وكتب الكثير، وعلق التعاليق النافعة، وذيل على الإكمال كتاب الأمير ابن مأكولا ما أقصر فيه، وجاء في مجلدين. وله كتاب آخر لطيف في الأنساب وكتاب التقييد المعروفة رواة السنن والمسانيد، وذكره أبو البركات ابن المستوفي في تاريخه، فأثنى عليه، وقال: أنشد لأبي علي محمد بن الحسين بن أبي الشبل أحد شعراء العراق المجيدين.
لا تظهرن لعادل ولغادر حاليك في الضراء والسراء
فلرحمة المتوجعين مرارة
…
في القلب مثل شماتة الأعداء
سنة ثلاثين وست مائة
وفيها حاصر الملك الكامل آمد وأخذ من صاحبها المسعود بن المودود ابن الملك الصالح الأتابكي، وكان ممدود فاسقًا يأخذ الحرام غصبًا، وسلم الملك الكامل آمد إلى والده الصالح نجم الدين أيوب.
وفيها جاء صاحب الروم، وحاصر حران والرقة، واستولى على الجزيرة، وفعل الروم مع إسلامهم ما يفعلون مع كفرهم. وفيها توفي القاضي بهاء الدين إبراهيم بن شاكر التنوخي الشافعي الكاتب البليغ، والدتقي الدين إسماعيل روى بالإجازة عن شهدة، وولي قضاء المعرة في صباه خمس سنين فقال:
وليت الحكم خمسًاهن خمس
…
لعمري، والصبا في عنفوان
فلم تضع الأعادي قدر شأني
…
ولا قالوا فلان قد رشاني
قلت: وقد أحسن في صنعة هذين البيتين، وقوله: هن خمس هو بضم الخاء أي
خمس عشر مشير إلى أن عمره في ذلك الوقت خمس وعشرون سنة، وقوله: قد رشاني في الأول منهما أضاف قدر إلى شأني، وهو منصوب بتضع، والثاني مركب من قد مع رشاني من الرشوة، والكل مفهوم وإنما أوضحته لمن لا يفهم وعنفوان الشيء أوله.
وفيها توفي إدريس ابن السلطان يعقوب بن يوسف، بايعوه بالأندلس، ثم جاء إلى مراكش وملكها، وعظم سلطانه، وكان بطلاً شجاعاً ذا هيبة شديدة، وسفك للدماء، قطع ذكر ابن تومرت بالخطبة.
وفيها توفي الملك العزيز عثمان ابن العادل أخو المعظم لأبويه، اتفق موته بالناعمة، وهو بستان له في عاشر شهر رمضان.
وفيها توفي الإمام الحافظ ابن الأثير أبو الحسن علي بن محمد الجزري صاحب التاريخ، ومعرفة الصحابة، وغير ذلك، كان صدرًا معظمًا، كثير الفضائل، كان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل، وحافظًا للتواريخ، وخبيراً بأنساب العرب وأخبارهم وأيامهم ووقائعهم، صنف في التاريخ كتابًا كبيرًا، واختصر كتاب الأنساب لابن السمعاني، واستدرك عليه في مواضع ونبه على أغلاط، وزاد شيئًا أهملها، وهو مفيد جيدًا في ثلاث مجلدات، والأصل في ثمان.
قال ابن خلكان: والموجود اليوم في أيدي الناس هو هذا المختصر وله كتاب أخبار الصحابة في ست مجلدات كبار، وكان قد تنقل في بلدان كثيرة سمع بها من الشيوخ منها الموصل، وبغداد، والشام، والقدس، والجزري نسبة إلى جزبرة ابن عمر رجل من أهل برقعيد من أعمال الموصل، وهو عبد العزيز بن عمر.
وفيها توفي الحافظ الرحال ابن الحاجب عمر بن محمد الدمشقي رحمه الله، خرج لنفسه معجمًا في بضع وستين جزءًا. وفيها توفي مظفر الدين صاحب إربل أبو سعيد تركما ني.
وفيها توفي أبو المحاسن محمد بن نصر الشاعر الملقب بشرف الدين المعروف بابن عنين، قال ابن خلكان: كان خاتمة الشعراء: لم يأت بعده مثله، ولا كان في أواخر عصره من يقاس به، ولم يكن شعره مع جودته مقصوراً على أسلوب، بل تفنن فيه، وكان غزير المادة من الأدب مطلعًا على معظم أشعار العرب، قال: وبلغني أنه كان يستحضر كتاب الجمهرة في اللغة لابن دريد، وكان مولعًا بالهجاء، وله قصيدة طويلة جمع فيها خلقًا من رؤساء دمشق، سماها مقراض الإعراض. وكان السلطان صلاح الدين، قد نفاه من دمشق بسبب وقوعه في الناس، فلما خرج منها قال:
فعلام أبعدتم أخا ثقة
…
لم يحترم ذنبًا ولا سرقا؟
أنفوا المؤذن من بلادكم
…
إن كان ينفى كل من صدقا
وطاف بلاد من الشام والعراق والجزيرة وأذربيجان وخراسان وغزنة وخوارزم وما وراء النهر، ثم دخل الهند واليمن وملكها يومئذ سيف الإسلام أخو صلاح الدين، وأقام بها مدة، ثم رجع إلى طريق الحجاز والديار المصرية، وعاد إلى دمشق، وكان يتردد منها إلى البلاد، ويعود إليها، قال: ولقد رأيته بمدينة إربل، وقد وصل إليها رسولاً عن الملك المعظم شرف الدين عيسى ابن الملك صاحب دمشق، وأقام بها قليلاً، ثم سافر وكتب من بلاد الهند إلى أخيه بدمشق هذين البيتين، والثاني منهما لأبي العلاء المعري، استعمله مضمنًا، وكان أحق به وهما:
سامحت كتبك في العطيفة عالمًا
…
إن الصحيفة لم تجد من حامل
وعذرت طيفك في الخفاء لأنه
…
يسري ويصبح دوننا بمراحل
قال ابن خلكان: لله دره، فما أحسن من وقع له هذا التضمين، ولما مات السلطان صلاح الدين وملك الملك العادل دمشق كان غائبًا منفيًا عنها، فسار متوجها إليها، وكتب إلى الملك قصيدة يصفه فيها ويستأذنه في الدخول، ويذكر ما قاساه في الغربة، وأحسن في كل الاحسان في المعاني اللطائف، واستعطفه أبلغ الاستعطاف أولها.
ماذا على طيف الأحبة لو سرى
…
وعليهم لو ساعدوني بالكرى
ولما فرغ من وصفها قال مشيراً إلى نفيه منها:
فارقتها لاعن رضًا وهجرتها
…
ل اعن قلىً، ورحلت لا متحيرًا
أسعى لرزق في البلاد مشتت
…
ومن العجائب أن يكون مقترا
وأصون وجه مدائحي متقنعًا
…
واكف ذيل مطامعي مقترا
ومنها يشكو الغربة، وما قاساه فيها:
أشكو إليك نوىً تمادى عمرها
…
حتى حسبت اليوم منها أشهرا
إلا عيشتي يصفو ولا رسم الهوى
…
يعفو، ولا جفني يصافحه الكري
أضحي عن الأخرى المرتع ممحلاً
…
وأبيت عن ورد النمير منفرا
ومن العجائب أن يقبل ظلكم
…
كل الورى، ونبذت وحدي بالعرا
قوله: النمير قال في ديوان الأدب: هو الماء الجاري الزاكي في الماشية عذبا كان أو غير عذب، وهو بفتح النون وكسر الميم وسكون المثناة من تحت في آخره راء.
قال ابن خلكان: هذه القصيدة من أحسن الشعر. قال: فهي عندي خير من قصيدة ابن عمار الأندلسي، وهي على وزنها التي أولها أدب الزجاجة، فالنسيم قد انبرى، فلما وقف عليها الملك الأعدل أذن في الدخول إلى دمشق، فلما دخلها، قال:
هجوت الأكابر في جلق
…
ورعت الوضيع بسب الرفيع
أخرجت منها، ولكنني
…
رجعت على رغم أنف الجميع
ويعني بجلق بكسر الجيم واللام وتشديدها وبعدها قاف اسم مكان في الشام، وربما قيل: إنه لقب لدمشق، والله أعلم، قال: وكان له في عمل الألغاز وحلها اليد الطولى، ولم يكن له غرض في جمع شعره وتدوينه، وقد جمع له بعض أهل دمشق ديوانًا صغيراً لا يبلغ عشر نظمه، وفيه أشياء ليست له، وكان من أطرف الناس، وله بيت عجيب من قصيدة يذكر بها أسفاره وتوجهه إلى جهة الشرق وهو:
أشقق قلب الشرق حتى كأنني
…
أفتش عن سودائه عن سنا الفجر
قال: وقد رأيته في المنام ينشد أبياتا. وأعجبني منها بيت، فرددته في النوم واستيقظت، وقد علق بخاطري وهو:
البيت لا يحسن إنشاده
…
إلا إذا أحسن من شاده
وهذا البيت غير موجود في شعره، وكان وافر الحرمة عند الملوك، وتولى الوزارة بدمشق في آخر دولة الملك المعظم، وانفصل منها لما تملكها الملك الأشرف وأقام في بيته، ولم يباشر بعدها خدمة.
. وكانت ولادته بدمشق يوم الاثنين، ووفاته فيها يوم الاثنين، وعاش نحواً من ثمانين