الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها قوله في حال سكره لواردة تواردت عليه الأحوال. في مسجد الخيف خاليا عن الخلق، وسائر الأشغال، في ساعة أؤمل من الله الكريم أن أنال فضلها إما جاء سيل الفضل غسل الأوساخ كلها، فنسأل الله الكريم أن يحقق لما ما ذكر من الغسل بسيل الفضل، وأن يحيي بغيث رحمته ما بقلوبنا من موات المحل، وإلى قوله المذكور أشرت في بعض القصائد حيث أقول:
أؤمل من ذي الفضل ما هو أهله
…
وإن لم أكن أهلاً لما منه أطلب
عسى سيل فضل منه يغسل كل ما
…
بأوساخه كم قد تلطخ مذنب
كما قال نور الدين شيخي وسيدي
…
وقد مال من حال به الراح يشرب
إذا جاء سيل الفضل يغسل كل ما
…
يلاقي من الأوساخ في الحال يذهب
إلهي بجاه المصطفى سيد الورى
…
وملجأهم من كل ما منه يهرب
وتاج العلي بدر الهدى معدن الندى
…
طراز جمال الكون أبهج مذهب
أنلني منائي منك يا غاية المنى
…
لا ضحى ولي شغل بحبك مذهب
وحقق أرجائي يا جواعاً ومنعماً
…
كريماً تعالى للرجال تخيب
ومنها ما في مكاتبته لي من دعوات صالحات، ووصف بصفات جميلات، أسأل الله الكريم المنان المالك، أن يحقق بمنه جميع ذلك، وهذه صورة ما ذكرت من مكاتبة شيخنا العارف بالله القدوة الدليل، مرشد السالكن السيد الجليل، ولفظه بحروفه، والله على ما نقول وكيل.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين، الفقير إلى عفو ربه، وإحسانه، خويدم الفقراء علي بن عبد الله سلام الله ورحمته وبركاته. وتحياته على المولى الشيخ الفقيه العالم، العامل الورع الزاهد عبد الله بن أسعد اليافعي زاده الله حكماً وعلماً ومعرفة وفهماً، ورفع في العلم لدرجته، وأظهر على الخصم حجته، ونشر أعلام ولايته، وكلأه بحسن كلايته، وجعله موفقاً للصواب، في كل سؤال وجواب، وتصنيف للكتاب، وجعله داعياً إليه، ودالاً للسالكين عليه، ثم أوصله به إليه، وبعد فقد ورد الكتاب الكريم، والخبر المبارك المحتوى على الدر النظيم، فنظر فيه المملوك، واستحسنه غاية الإستحسان، وأعجبه ما أودع فيه من الفوائد الإيضاح والبيان، وما طرزه به من الحكم والمعارف، ما يشهد له بصحته كل عارف، فزاده الله من كل فضيلة، وأحله لديه المنزلة الرفيعة الجليلة لكن لو أخلي الكتاب عن ذكر المملوك، وأطلق بعد ذكر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أرباب السلوك لكان يتنم حسنه وجماله، ويبقى عليه
رونقه وكماله، ولكن كان ذلك في الكتاب مسطوراً، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، جزى الله المولى عن المملوك. وعن الإسلام والمسلمين خيراً، ودفع به عنهم في الدين ضيراً، وختم للجميع بخير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وعنها قوله لي في مسجد الخيف في بعض ليالي التشريق: حصلت لي إشارة قصيدتك الفلانية، وقد أمرت ولدي أبا بكر أن يحفظها، وذلك أني رأيت كأني أقرأها في صلاة الصبح يوم الجمعة. قلت: في ذلك إشارة إلى ما اشتملت عليه من تحقيق التوحيد، وصحة العقائد، وغير ذلك مما تضمنته من جمل المقاصد ومدح جمال الوجود سيد ولد آدم صلى الله عليه وآله وسلم وهذه عشر أيضاً من البشارات، المشتملات على الإشارات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنزل البركات، أعني إشارات شيخنا المذكور لي.
وأما ما بشرني به غيره من المشائخ والإخوان مما وقع لهم في اليقظة، أو في المنام، من جهة النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، ومن جهة الأولياء الكرام، فليس هاهنا موضع لذلك الكلام، فلنثن العنان، ولنعد إلى ما نحن بصدده من البيان، لأوصاف شيخنا الجميلات الحسان، وما من علينا بصحبته الحنان المنان.
وله رضي الله عنه تصنيف في الحقيقة محاه، لغرض قبل أن نقف عليه ونراه ليله خشية إني لا يفهم الناس معناه، وله نظم رائق، ونثر فائق، فمن نظمه رضي الله تعالى عنه قوله:
أسفي من هجر سكان الحمى
…
تركوني من هواهم في عمي
كلما قدمت يوماً قدماً
…
نحوهم أخرت عنهم قدماً
صرت مما فاتني من وصلهم
…
أقرع السن عليهم ندماً
ليتهم إذ هجروا لم يتلفوا
…
بالضنا صبا معنى مغرماً
فعسى الدهر يوصل منهم
…
يسعف الصب ويشفى السقما
قد جعلت الدمع مني شافعاً
…
ورجائي وإنكساري سلما
ومن نثره رحمه الله تعالى قوله: ينبغي للفقير الصادق أن يكون كثير الفضائل، الشمائل، ما في يده لا يرد عنه سائل، ولا يخيب منه آمل، أخلاقه ألطف من نسيم السحر، وأوصافه كالمسك إذا فاح وانتشر، طلق الوجه عند لقاء الأخوان، بسام الثغر عند وجود الحدثان، قلبه من الغش والحسد مكنوس، قد طهر ونقى من آفات النفوس، حرفته في الزهادة، وحانوته فيها العبادة، إذا جن عليه الليل فهو قائم، وإذا أصبح النار فهو كثير التلاوة للقرآن، بدمع منحدر كالجمان، دائم الفكرة متواصل الأحزان.
ومنه أيضاً: يا هذا لو أخذت كبريت الإخلاص وطبخته بماء الصدق، ثم أطفأته
فتسق الصبر، ثم دهن لوز الزهد، ثم دهن بيض القناعة، ثم سحقته على صلابة التقوى بقهر طاعة الموالي، ثم ألقيت منه جزءاً على مائة جزء من نحاس نحو سك صار ذاهباً منفى، والله الموفق.
وأما ما ذكرته في لبس الخرقة المذكورة في القصيدة من اكتساء الفخر، فهو من أجل إنه أمر بذلك في اليقظة في حال حال ورد عليه على ساحل البحر، وهو قولي في القصيدة:
وألبسني عن أمر مولاه خرقة
…
كسيت بها فخر الأمر بيقظة
وقد ألبسني إياها جماعة أيضاً من القوم بعضهم بإشارة أيضاً، ولكن ربما وقعت له في اليقظة، وربما وقعت في النوم، ولم أشاهد في أحد منهم من حسن سلوك الطريقة، والجمع بين الشريعة والحقيقة، والجد والاجتهاد، وعلو الهمة، ومواصلة الأوراد، والحرص على متابعة السنة والتورع، والمبالغة في المحو والأدب والتواضع، وكثرة المعارف والمكاشفات، والمحاسن والكرامات، ما شاهدته في الشيخ المذكور، وفى ذلك أنشد وأقول:
وكم عاذل في حب سلمى ومدحها
…
يقولون قد أكثرت في الشعر وصفها
يلومونني يا أم عمر وما دروا
…
بما أبصرت عيني من الحسن والبها
وأهوى سوا هارب خود خريدة
…
ولكن ما شاهدت في الحسن مثلها
والجماعة المذكورون في إلباسهم لي الخرقة، بعضهم أدرك الشيخ أبا الغيث، وبعضهم ينتسب إلى الشيخ محمد بن أبي بكر الحكمي للنسبة من بعض ذريته وبعضهم ينتسب إلى الشيخين الإمامين الحضرميين أعني الفقيه إسماعيل، والشيخ أبا عباد، وبعضهم هو الشيخ محمد بن عمر النهاري، وبعضهم قال لي: هذه يدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني أصحب بها عنه، فاصحب بها أنت عني. كل هؤلاء المذكورين يمانيون، ومهم من ينتسب إلى الشيخ أبي مدين شيخ بلاد المغرب رضي الله تعالى عنه، ومنهم من ينتسب إلى الشيخ شهاب الدين السهروردي رضي الله تعالى عنه وعنهم.
وأما شيوخي من جهة العلم، فقد تقدم ذكر بعضهم، وقد ذكرت طريق الخرقة وشروطها وإنها خرقتان خرقة بركة واحترام، وخرقة تحكم والتزام، في كتاب " نشر الريحان في فضل المتحابين في الله من الأخوان "، وذكرت أن غالب شيوخ اليمن يرجعون في لبسها إلى شيخ الشيوخ في المجد والفاخر، الذي خضعت لقدمه رقاب الأكابر، الشيخ محيي الدين أبي محمد عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه، ونور ضريحه، وإلى ذلك أشرت في بعض القصيدات بقول هذه الأبيات:
وفي منهج الأشياخ إلباس خرقة
…
لهم سنة أصل روى ذلك عن أصل
ولبس اليمانيين يرجع غالباً
…
إلى سيد سام فخاراً على الكل
إمام الورى قطب الملا قائل على
…
رقاب جميع الأولياء قدمي أعلى
فطأطأ له كل بشرق ومغرب
…
رقاباً سوى فرد فعوقب بالعزل
الأبيات المقدمات في ترجمته في سنة إحدى وستين وخمس مائه.
وفي شيخي المذكورين رفيعي القدر والمحل، قلت هذه الأبيات مفتتحاً لها بالمرثية والغزل:
دعا ذكر هامي دمع طرف مسهد
…
بتذكار أطلال لمى ومعهد
وبثاغر أما من حشى مودع الشجى
…
غريم الجوى من لوعة الحب موقد
لفرقة أحباب لنا قطعت بهم
…
مطايا المنايا فدفداً بعد فدد
فأمسوا بدار لد نأت لا يزورها
…
سوى راكب حدباً إلى قعر ملحد
به روضة خضر البر موحد
…
وموقدة جمر الطاغ وملحد
ترى ساكنيه تحت أطباق مظلم
…
قد استنزلوا عن كل قصر مشيد
وكثرة غلمان وعز ورفعة
…
إلى ذي هوان في التراب الموسد
مقيمين حتى يرحل الركب كلهم
…
لدار نعيم أو عذاب مؤيد
وقد فارقوا للأهل والمال والهنا
…
وجاه وعيش والحبيب المودد
وقد لبسوا ثوب البلا بعد لبسهم
…
لثوب البقا الزاهي الجمال المحدد
ترى الدود في تلك الخدد ومقلة
…
تسيل على الخد الأسل المورد
وقد زال عنها ما زهاها وزانها
…
وما طال فيها من تغزل منشد
تغزل ولكن لا بإفك وباطل
…
وأنشد ولا تسمع ملام مفند
حمامة أيك في الحمى غردت ضحى
…
مطوقه ورقاء مخضوبة اليد
وريم طويل الجيد أدعج أهيف
…
أغن كحيل الطرف من غير إثمد
فتلك شجاني في الصبا طيب نغمها
…
وحسن الحل لكن حمامة مسجد
أحلت هوى لما شدت وترنمت
…
فؤاد خلي البال غير معود
فيا طيب عصر فيه طاب سماعها
…
لدى عدن يا ليته لي بمسعد
تريع لوصال بواو معوضاً
…
موحدة كم قد سبت ذا بعد
فأنشد حالي عندها متمثلاً
…
بمصراع صب في المحبة مبتدي
وما كنت أعري قبل حبك ما الهوى
…
كما لم من الغير الملاحة أشهد
وهذي سباني في الكهولة حسنها
…
وبهجتها لكن غزالة معبد