الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذا كل مال أصله من مهاوش
…
فعما قليل في نهابر يعدم
وما هو إلا كافر طال عمره
…
فجاءته لما استبطأته جهنم
والبيت الثاني مأخوذ من قوله عليه السلام: " من أصاب مالا من مهاوش أذهبه الله في نهابر والمهاوش: الحرام، والنهابر: المهالك.
فيها توفي مسند العراق الحافظ أبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة البغدادي الصوفي، سمع الحديث، وقرأ القراءات، وقرأ الفقه والخلاف والنحو.
وقال ابن النجار: هو شيخ العراق في الحديث والزهد والسمت وموافقة السنة، كانت أوقاته محفوظة لا يمضي له ساعة إلا في تلاوة، أو ذكر، أو تهجد أو اسماع، وكان يديم الصيام غالبآ ويستعمل السنة في أموره، قال: وما رأيت أكمل منه ولا أكثر عبادة ولا أحسن سمتًا.
وفيها توفي الشيخ أبو عمر المقدسي الزاهد محمد بن أحمد المعروف بابن قدامة سمع من جماعة، وكتب الكثير بخطه، وحفظ القرآن والحديث والفقه، وكان إمامًا فاضلأ مقريًا زاهدأ عابدًا قانتاً لله خائفًا من الله منيبًا إلى الله، كثير النفع لخلق الله، ذا أوراد وتهجد واجتهاد وأوقات مقسمة على الطاعات من الصلاة والصيام والذكر، وتعليم العلم، والفتوة والمروة والخدمة والتواضع، وكان عديم النظير في زمانه حطب بجامع الجبل إلى أن توفي في رحمه الله تعالى.
سنة ثمان وست مائة
فيها قدم بغداد رسول جلال الدجين حسن صاحب الألموت بدخول قومه في الإسلام، وأنهم قد تبرؤوا من الباطنية، وبنوا المساجد والجوامع، وصاموا رمضان، فسر الخليفة بذلك.
وفيها وثب قتادة الشريف الحسني أمير مكة على الركب العراقي بمنىً فنهبهم، وقتل جماعة قيل: راح للباس في ذلك ما قيمته ألف ألف دينار.
وفيها توفي أبو العباس العاقولي أحمد بن الحسن أبي البقاء المقرىء، قرأ القراءات، وسمع الحديث والروايات المتعددات.
وفيها توفي العلامة ابن نوح الغافقي محمد بن أيوب الأندلسي، قرأ القراءات، وسمع الحديث، وتفقه وبرع في مذهب ملك، ولم يبق له في وقته نظير في شرق الأندلس تفننًا واستيخارًا، كان رأسًا في القراءات والفقه والعربية، وعقد المشروطة قال: الإبار: تلوت عليه وهو أغزر من لقيت علمًا وأبعدهم صيتًا.
وفيها توفي الإمام العلامة محمد بن يونس الملقب عماد الدين الفقيه الشافعي، كان إمام وقته في الأصول والخلاف والجدل، وكان له صيت عظيم في زمانه، وقصده الفقهاء من البلاد الشاسعة للاشتغال، وتخرج عليه خلق كثير صاروا كلهم أئمة مدرسين يشار إليهم، وكان مبدأ اشتغاله على أبيه، ثم توجه إلى بغداد وتفقه بالمدرسة النظامية على السديد محمد السلماسي، وكان معيدًا بها، والمدرس يومئذ الشريف يوسف بن بندار الدمشقي، وسمع بها الحديث من أبي عبد الرحمن بن محمد الكشميهني، ومن أبي حامد محمد بن أبي الربيع الغرناطي، وعاد إلى الموصل، ودرس بها في عدة مدارس، وصنف كتبًا في المذهب منها كتاب المحيط في الجمع بين المهذب والوسيط وشرح الوجيز للغزالي، وصنف جدلاً وعقيدة، وتعليقه في الخلاف، لكنه لم يتمها، وكانت إليه الخطابة في الجامع المجاهدي مع التدريس في المدرسة النورية والغربية والزنكية والنفسية والعلانية، وتقدم في دولة نور الدين ارسلان شاه صاحب الموصل تقدمًا كثيرًا، وتوجه رسولاً إلى بغداد من غير مرة، وإلى الملك العادل، وناظر في ديوان الخلافة، واستقل في مسألة شراء الكافر للعبد المسلم، وتولى القضاء بالموصل، ثم انفصل عنه بأبي الفضائل القاسم بن يحيى الشهرزوري الملقب ضياء الدين، وانتهت إليه رياسة أصحاب الشافعي بالموصل.
وكان شديد الورع والتقشف لا يلبس الثوب الجديد حتى يغسله، ولا يمس القلم للكتابة إلا ويغسل يده، وكان دمث الأخلاق يعني سهلها، لطيف الخلوة ملاطفا بحكايات وأشعار، وكان كثير المباطنة لنور الدين صاحب الموصل، يرجع إليه في الفتاوى، ويشاوره في الأمور، وله صنف العقيدة المذكورة، ولم يزد معه، أو قال: يبحث معه حتى
انتقل عن مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنهما، ولمم يوجد في بيت أتابك مع كثرتهم شافعي سواه.
ولما توفي نور الدين توجه إلى بغداد في الرسالة بسبب تقرير ولده الملك القاهر مسعود، فعاد وقد قضى الشغل ومعه الخلعة والتقليد، وتوفرت حرمته عند القاهر أكثر مما كانت عند أبيه، وكان مكمل الآداب، غير أنه لم يرزق سعادة في تصانيفه فإنها ليست على قدر فضائله.
وكان الملك المعظم صاحب إربل يقول: رأيت الشيخ عماد الدين في المنام بعد موته، فقلت له: أما مت؟! فقال: بلى، ولكني محترم رحمه الله تعالى.
وفيها توفي القاضي السعيد أبو القاسم هبة الله بن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد السعدي، الشاعر المشهور، المصرفي صاحب ديوان الشعر البديع، ونظم رائق الحسن الرفيع أحد الفضلاء الرؤساء النبلاء، أخذ الحديث عن أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني، وكان كثير التخصيص والنعم، وافر السعادة من الدنيا، حميد الشيم اختصر كتاب الحيوان للجاحظ وسمي المختصر روح الحيوان، وله ديوان جميعه موشحات سماء دار الطراز وجمع شيئًا من الرسائل الدائرة بينه وبين القاضي الفاضل، ومن محاسن شعره قوله في غزل قصيدة مدح بها القاضي الفاضل:
ولو أبصر النظام جوهر ثغرها
…
لما شك فيه أنه الجوهر الفرد
ومن قال: إن الخيرزانة قدها
…
فقولوا له: إياك أن يسمع القد
وكان بمصر شاعر يقال له: أبو المكارم هبة الله بن وزير، فبلغ القاضي الملقب بالسعيد المذكور أنه هجاه، فأحضره إليه وأد به وشتمه، فكتب إليه أبو الحسن المعروف بابن المنجم الشاعر المشهور:
قل للسعيد أدام الله نعمته
…
صديق ابن وزير كيف تظلمه
صفعته إذا غدا يهجوك منتقمًا
…
وكيف من بعد هذا ظلت تشتمه
هجو يهجو، وهذا الصفع فيه ربًا
…
والشرع ما يقتضيه، بل يحرمه
فإن تقل ما بهجو عنده ألم
…
فالصفع والله أيضًا ليس يؤلمه