الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها مات الوزير المعظم غياث الدين محمد بن فضل الله الهمداني، وكان وزيراً عادلاً عالماً محباً في العلم والخير وأهلهما. متصفاً بالإنصاف، له مآثر وصدقات ومعروف.
وفيها توفي الصاحب الأمجد عماد الدين إسماعيل بن محمد ابن الصاحب فتح الدين ابن القيسراني، وكان منشياً بليغاً رئيساً ديناً صيتاً نزهاً، روى عن غير واحد.
سنة سبع ثلاثين وسبع مائة
فيها توفي الشيخ الكبير الولي الشهير، ذو العجائب العظيمة، والكرامات الكريمة، والهمم العالية، والشمائل الرضية، والمكاشفات الجلية، والآيات الباهرة، والأنوار الزاهرة أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن المجد المرشدي في رمضان بقرية مرشد كهلان. كان له عجائب تحير العقول، وغرائب ذكرها يطول. كان لو اجتمع عنده أكثر عسكر في الورى لعجل إليه في الحال ما أحب من القرى يخرج ذلك من خزانة له صغيرة ليس فيها شيء يرى شاهد منه تلك الكرامات الباهرات خلائق لا يحصون.
قلت: حكي لي ذلك من الثقات، وسمعت ذلك عنه من خلائق أدركتهم أخياراً وفضلاء أعياناً، بل رأيت ذلك منه مشاهدة عياناً، وذلك أني لما وردت عليه زائراً، ولم أكن رأيته قبل ذلك دخلت زاويته، فلم أجده فيها، ثم بعد ساعة يسيرة جاءني، فتسالمنا وقال لي: ما أراها إلا غزالية، ثم أخذ بيدي، وأدخلني خلوة له، فكان يحدثني فيها ساعة، ثم يخرج ويتلقى من يزوره ساعة، وكنت صائماً، فلم يقرب لي طعاماً إلى أن كان بعد صلاة المغرب، وإذا به قد مد عندي سماطاً يكفي جماعة كثيرة من الأضياف، من الأطعمة ما يكثر عده من الأنواع والأصناف، وكان في نفسي شهوة طعام مخصوص ما كنت ذقته في جميع عمري أحضره في ذلك السماط، ثم أذن لي في تناول الطعام، فأكلت منه ما اشتهيت، وإذا به قد جاءني، واستأذنني في إدخال جماعة مخصوصين علي ليطعموا معي كأنهم التمسوا ذلك، وهم الفقيه الإمام شرف الدين ابن الصاحب، وأولاده من نسل الوزير الشهير المعروف بابن حنا، وإذا بهم قد أظهروا لي من حسن الاعتقاد، ما يقل مثله في المعتقدين من العباد حتى أخذوا الماء الذي غسلت به يلي فشربوه، ثم لما أصبحت عزمت على السفر هاربا من لقاء من يأتيه من سائر البلدان لما قد اعتادوا عنده ليلة النصف من شعبان، فمنعني
عن السمر، وقال: تخرج معنا إلى كوم قرح مكان يجتمع فيه عنده خلائق لا يحصون! غ الليلة المذكورة، ويطعمهم جميعا من الأطعمة الطيبة المشكورة، فكرهت الإقامة الاجتماع بالخلق، واعتذرت إليه في ذلك، فقال: إذا كان لا بد من السفر، فأقم عندنا إلى العشاء فوافقته في ذلك، ثم حدثتني نفسي حينئذٍ، وقالت لي: إذا أقمت تصوم أو تفطر، فنازعتني في الإفطار، فقال لي: في الحال تصالحها، ثم قال لخادم عنده: هات الطعام، فتباطأ قليلاً فشد الشيخ وسطه وجاءني بمائدة عليها الطعام، فأكلت، ثم قال لي: هل لك في مجلس علم؟ اذهب إلى الموضع الفلاني، فذهبت إلى ذلك الموضع، فمكثت فيه يسيراً، وإذ بفتوى قد جاءت من بعض القرى، وحضر عندي حينئذٍ جماعة من الفقهاء، منهم ابن الصاحب المذكور وغيره فقالوا لي: اكتب عليها، فقلت لهم: أنا تركت ذلك في موضع إقامتي، فكيف أكتب ذلك في بلاد الغربة. فقالوا: لا بد من ذلك، فقلت: إن كان ولا بد. فليحضر صاحبها، فأذكر له ما عندي في ذلك من الجواب، ولا حاجة إلى رقم ذلك في كتاب، فجاء صاحبها، فذكرت له ما ظهر لي من الجواب، ثم وقالوا لي: تقيم عندنا مدة حتى نشتغل عليك في كتاب الحاوي، فاعتذرت من ذلك، وعجبت من إشارة الشيخ فيما وقع من البحث في العلم هنالك، وشاهدت منه هذه الكرامات المذكورات. أعني الطعام الذي اشتهيته، ومصالحة النفس في الفطر، والبحث في العلم.
وأما قوله: ما أراها إلا غزالية، فاسأل الله الكريم أن يمن علي بما كان عليه الإمام أبو حامد الغزالي من السيرة الحميدة في العلوم، والأعمال الصالحات والانعزال عن الخلق، والأنس في الخلوات.
وأخبرني أنه صحب سبعين من الشيوخ. ذكر منهم الشيخ الكبير العارف بالله أبو العباس المرسي، والولي الكبير الفقيه الإمام أحمد بن موسى بن عجيل، وكان قد حفظ القرآن عليه، وقرأ كتاب التنبيه، ثم انقطع في زاوية، ومع هذا، فالناس مختلفون فيه فأكثر الناس يعتقدونه لكثرة ما سمعوا ورأوا من كراماته في مد السماطات العظيمة من غير وجود لأسبابها في الظاهر، والمكاشفات الكثيرة، والتكلم على الباطن، ولا خادم يخدمه، ولا معاون حتى قيل: إنه أطعم في ثلاث ليال متوالية ما قيمته ألف دينار، ولم يزل يتوارد عليه الأمراء والوزراء، وأبناء الدنيا، وأهل المناصب الكبار.
ومع ذلك يقريهم في الحال بما يدهش عقولهم من الأطعمة التي ليس للسلطان على إحضارها في الحال اقتدار، بعض الناس لا يعتقدونه، ويحمل ما يسمعه منه على تأويلات باطلة كما نقل عن ابن تيمية أنه قال: هو مخدوم لما اشتهر عنده، واستفاض كثرة خوارقه للموائد لم يمكنه جحدها، فحملها على هذا الظن الكاذب، والتأويل الفاسد فيه، فإن الجان
ليس له اطلاع على بواطن العباد، وما يخطر في بواطنهم، نعوذ بالله من سوء الاعتقاد ومنهم من تشكك فيه.
وبلغني عن الشيخ الكبير الولي الشهير الشيخ عبد الهادي المغربي أنه لما ذكر عنده قال: لا أشك أنه حصل له نصيب من أحوال الفقراء إلا أن الفقراء لا يرضون بشهرة هذه الكرامات التي تظهر منه.
وكذلك بلغني عن سيد الكبير الولي الشهير الشيخ حسين الحاكي أنه قال: لو كنت يظهر على يدي مثل هذا الذي يظهر على يديه لدخلت في سرب تحت الأرض.
وكذلك بلغني عن السيد الجليل الإمام الحفيل، الشيخ خليفة الشاذلي الإسكندراني أنه لما ذكر عنده قال كلاماً معناه ترى متى يتفرغ هذا الرجل لذكر الله لشغل أوقاته بمن يأتيه من الأمراء والوزراء وغيرهم من أهل الدنيا.
قال الراوي: فلما سمعنا منه هذا الكلام أتينا الشيخ محمداً نزوره، فقال لنا: قولوا للفقيه خليفة، والله ما شغلوني عن الله طرفة عين، أو قال: والله لو شغلوني عن الله طرفة عين ما سلمت عليهم، أو قال: ما قرأتهم السلام، أو كما قال من الكلام.
قلت: والذي أراه أنه لا ينبغي أن ينكر عليه شيء مما ينسب، فإنه إن كان يتعاطى ذلك بإذن فليس علي من إقامة الحق في مقام. وصرفه فيه تصريف الحكام لأحد معه كلام، ولا اعتراض ولا ملام، ولا يصح أن يكون صدور ذلك منه بغير إذن، فإن الأولياء لا يتعاطون الأشياء بهوى نفوسهم إذ لو فعلوا ذلك ما كانوا أولياء الله، وما كانت تواتيهم الأشياء، ولو أتاهم شيء في وقت بغير ولاية بل بكهانة، أو سحراً وغواية، لظهر ذلك عليهم، وافتضحوا في العواقب، والمرشدي المذكور لم يزل مستوراً مشكوراً، فظهر، والله أعلم. أن ذلك من تخصيص المواهب.
وفيها توفي الملك المعمر أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن السلطان الملك المعظم، روى السيرة، وأجزاء عن خطيب بردى، وتفرد وكان ممتعاً بحواسه، مليح الشكل، ما تزوج ولا يسرى.
وفيها قتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى، وكان سني السيرة. قتل أباه، وكان قتله له رحمة للمسلمين لما انطوى عليه من خبث السريرة، وكان بطلاً شجاعاً تملك نيفاً وعشرين سنة. حاصره سلطان المغرب أبو الحسن المريني