المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ثمان وأربعين وسبع مائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ٤

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌سنة اثنتين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وست مائة

- ‌سنة أربع وست مائة

- ‌سنة خمس وست مائة

- ‌سنة ست وست مائة

- ‌سنة سبع وست مائة

- ‌سنة ثمان وست مائة

- ‌سنة تسع وست مائة

- ‌سنة عشر وست مائة

- ‌سنة احدى عشرة وست مائة

- ‌سنة اثنتي عشر وست ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وست مائة

- ‌سنة أربع عشرة وست مائة

- ‌سنة خمس عشرة وست مائة

- ‌سنة ست عشرة وست مائة

- ‌سنة سبع عشرة وست مائة

- ‌سنة ثمان عشرة وست مائة

- ‌سنة تسع عشرة وست مائة

- ‌سنة عشرين وست مائة

- ‌سنة احدى وعشرين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وست مائة

- ‌سنة أربع وعشرين وست مائة

- ‌سنة خمس وعشرين وست مائة

- ‌سنة ست وعشرين وست مائة

- ‌سنة سبع وعشرين وست مائة

- ‌سنةثمان وعشرين وست مائة

- ‌سنة تسع وعشرين وست مائة

- ‌سنة ثلاثين وست مائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وست مائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وست مائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وست مائة

- ‌سنة ست وثلاثين وست مائة

- ‌سنة سبع وثلائين وست مائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وست مائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وست مائة

- ‌سنة أربعين وست مائة

- ‌سنة إحدى وأربعين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين وست مائة

- ‌سنة أربع وأربعين وست مائة

- ‌سنة خمس وأربعين وست مائة

- ‌سنة ست وأربعين وست مائة

- ‌سنة سبع وأربعين وست مائة

- ‌سنة ثمان وأربعين وست مائة

- ‌سنة تسع وأربعين وست مائة

- ‌سنة خمسين وست مائة

- ‌سنة إحدى وخمسين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين وست مائة

- ‌وقول المجنون:

- ‌سنة أربع وخمسين وست مائة

- ‌سنةخمس وخمسين وست مائة

- ‌سنةست وخمسين وست مائة

- ‌سنة سبع وخمسين وست مائة

- ‌سنة ثمان وخمسين وست مائة

- ‌سنةتسع وخمسين وست مائة

- ‌سنة ستين وست مائة

- ‌سنة احدى وستين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وستين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وستين وست مائة

- ‌سنة أربع وستين وست مائة

- ‌سنة خمس وستين وست مائة

- ‌سنة ست وستين وست مائة

- ‌سنة سبع وستين وست مائة

- ‌سنة ثمان وستين وست مائة

- ‌سنه تسع وستين وست مائة

- ‌سنة سبعين وست مائة

- ‌سنة إحدى وسبعين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين وست مائة

- ‌سنة أربع وسبعين وست مائة

- ‌سنة خمس وسبعين وست مائة

- ‌سنة ست وسبعين وست مائة

- ‌سنة سبع وسبعين وست مائة

- ‌سنة ثمان وسبعين وست مائة

- ‌سنة تسع وسبعين وست مائة

- ‌سنة ثمانين وست مائة

- ‌سنة إحدى وثمانين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وست مائة

- ‌سنة أربع وثمانين وست مائة

- ‌سنة خمس وثمانين وست مائة

- ‌سنة ست وثمانين وست مائة

- ‌سنة سبع وثمانين وست مائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وست مائة

- ‌سنة تسع وثمانين وست مائة

- ‌سنة تسعين وست مائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وست مائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين وست مائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وست مائة

- ‌سنة أربع وتسعين وست مائة

- ‌سنة خمس وتسعين وست مائة

- ‌سنة ست وتسعين وست مائة

- ‌سنة سبع وتسعين وست مائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وست مائة

- ‌سنة تسع وتسعين وست مائة

- ‌سنة سبع مائة

- ‌سنة إحدى وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وسبع مائة

- ‌سنة أربع وسبع مائة

- ‌سنة خمس وسبع مائة

- ‌سنه ست وسبع مائة

- ‌سنة سبع وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وسبع مائة

- ‌سنة تسع وسبع مائة

- ‌سنة عشر وسبع مائة

- ‌سنة إحدى عشرة وسبع مائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وسبع مائة

- ‌سنة أربع عشرة وسبع مائة

- ‌سنة خمس عشرة وسبع مائة

- ‌سنة ست عشرة وسبع مائة

- ‌سنة سبع عشرة وسبع مائة

- ‌سنة ثمان عشرة وسبع مائة

- ‌سنة تسع عشرة وسبع مائة

- ‌سنة عشرين وسبع مائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة أربع وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة خمس وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ست وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة سبع وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة تسع وعشرين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة ست وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة سبع ثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وسبع مائة

- ‌سنة أربعين وسبع مائة

- ‌سنة إحدى وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة أربع وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة خمس وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة ست وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة سبع وأربعين وسبع مائة

- ‌سنة ثمان وأربعين وسبع مائة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنه تسع وأربعين وسبع مائة منال

- ‌سنة خمسين وسبع مائة

- ‌تنبيه

- ‌ذكر جماعةمن مشاهيراليمن

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل: ‌سنة ثمان وأربعين وسبع مائة

ودرس بالشامية البرانية، وانتفع به المسلمون وأسند وعمر.

؟

‌سنة ست وأربعين وسبع مائة

فيها توفي العلامة الهمام أحد أئمة الأعلام، المقتدي بهم شيوخ الإسلام، المفيدين للطلبة، المفتين للأنام، البارعين في المعقول والمنقول، الجامعين لفنون العلم، الكثيم المحصول فخر الدين أبو المكارم أحمد بن حسن نزيل تبريز الفقيه الشافعي، صاحب المصنفات البديعة، والمؤلفات المفيدة.

منها الحواشي على الكشاف في عشر مجلدات، وشرح المنهاج للبيضاوي في أصول فقه الشافعية، وشرح البزدوي وشرح الهداية للحنفية، وشرح التصريف لابن الحاجب.

‌سنة سبع وأربعين وسبع مائة

فيها توفي الفقيه القدوة المدرس المفتي، شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن الصاحب، الفقيه الزاهد زين الدين أحمد ابن الصاحب، الفقيه فخر الدين بن الصاحب الكبير الشهير الوزير في المحاسن المشكورة، والمكارم المشهورة، بهاء الدين علي ابن محمد المعروف بابن حنا. توفي شرف الدين المذكور ليلة الجمعة ثامن شهر رمضان من السنة المذكورة، وكان مع فضله في العلم صاحب محاسن. متواضعاً حسن الاعتقاد في أهل الخير، حريصاً على لقاء الصالحين ومجالستهم، وقد قدمت في ترجمة الشيخ محمد المرشدي سنة سبع وثلاثين اجتماعه هو وأولاده بي في زاويته، وما صدر منه من حسن الاعتقاد والتواضع والوداد، وكتابتهم عني قصيدتي الموسومة " بالحلاب الحالي في مدح الحاوي " والتماسهم مني الإقامة عندهم، وإقراء الكتاب المذكور لهم، وأن أكتب خطي في بعض الفتاوى، فأجبت لفظاً، واعتذرت عن الخط والإقامة، وما عاينت من الشيخ محمد في ذلك من الكرامة.

‌سنة ثمان وأربعين وسبع مائة

فيها توفي السيدان الجليلان الإمامان الحفيلان، بركتا الزمن، وزينا اليمن أحدهما شيخنا وسيدنا وبركتنا الشيخ الفقيه الإمام مفتي المسلمين، رفيع المقام، العالم العامل، الورع الزاهد، العابد ذو المحاسن والمحامد والمواهب الجزيلة، والمنزلة الجليلة، والأوصاف الجميلة، والدرجة الرفيعة العلية، والشمائل الحسنة الرضية. المدرس المفيد ذو

ص: 231

الفضل العديد، والكرامات الكثيرة، والمناقب الشهيرة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهيبي بضم الذال المعجمة والموحدة بين المثناتين من تحت مجموع المحاسن المفضال المشهور بالبصال. صحب الشيخ الكبير الولي الشهير، صاحب السيرة الحميدة، والكرامات العديدة. مطلع الأنوار، منبع الأسرار الشيخ عمر المعروف بابن الصفار في مدينة عدن. وانتفع به، وحصل له نصيب وافر، وسكن في قلبه مذ صحبه، وأقرأ، وهذا الشيخ عمر المذكور رأيته في حياته، ودعا لي بعد وفاته في المنام بعد أن سألته، وقلت له: يا سيدي أما مت أنت؟ فقال: العجب أن يقال أني مت.

قلت: وهذا يؤيد ما ذكره بعض مشائخ الصوفية في قوله: الصوفي لا يموت، ثم دعا إلي الشيخ عمر المذكور المشكور في المنام المذكور بعد أن مسح على صدري، وقال: أصلحك الله صلاحاً لا فساد له نسأل الله الكريم أن يحقق ذلك.

وقد قدمت في ترجمة الشيخ محيي الدين النواوي أنه دعا لي في المنام أيضاً، فقال: وفقك الله، وزادك فضلاً، وثبتك بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة. اللهم اقبل ذلك لي، ولسائر أحبائي، والمحبين آمين.

وجالس ذا الأنفاس الصادقة، والكرامات الخارقة، والمواهب السنية، والمقامات العلية شيخنا المشكور الولي المشهور مسعود الجاوي أحد كبار أصحاب الشيخ الفقيه، في المناقب الشهيرة، والكرامات الكبيرة، صاحب موزع المتقدم ذكره في ترجمة الفقيه الإمام في الكرامات العظام العلي المقام محمد بن إسماعيل الحضرمي.

وانتفع الشيخ مسعود المذكور وهو والشيخ عمر بن الصفار بابن الخطيب المذكور انتفاعاً عظيماً، ونالا منه منالاً كريماً، والشيخ مسعود هو أول من ألبسني الخرقة. جاءني وأنا منعزل في مكان، وقال لي: وقع الليلة إشارة أني ألبسك الخرقة وألبسنيها، وكان يجتمع هو وشيخنا جمال اللين المذكور، ونحن وجماعة من أصحابهما معهما في أوقات مباركات في عدن، وفي ساحل البحر في بعض الساعات أعني ساحل ضراس بضم الضاد المعجمة، وفي آخره سين مهملة، وقبل الألف راء الذي خلف ساحل حقات، وحقات بضم الحاء المهملة وتشد يد القاف، وفي آخره مثناة من فوق.

وتفقه شيخنا جمال الدين المذكور بالفقيه الفاضل، في المحاسن، والفضائل، والتصوف، والصلاح، والأوصاف الجميلات الملاح، شيخنا في الفرائض في الذوق والوجدان، عبد الرحمن، المعروف بابن سفيان، من ذرية الشيخ الكبير، العارف بالله الشهير، ذي المقامات العالة، والكرامات الغالية، والمناقب الجميلة، والمواهب الجزيلة،

ص: 232

الفقيه سفيان الحضرمي اليمني قرأ شيخنا جمال الدين المذكور على ابن سفيان المذكور كتاب التنبيه، وحقق وبحث ودقق، ثم جمع شيخنا جمال الدين المذكور كتاباً ينتفع به الفقيه بعضه. يتعلق بشرح النبيه، ذا فوائد عديدة، ونكت مفيدة، رأيته يطالعه وقت ما كنت إليه أتردد ولا يظهره في ذلك الوقت لأحد، وفاق في معرفته شيخه وغيره من الفقهاء النجباء، والفضلاء الأدباء، ودرس وكل من طلبته به انتفع، وعرض عليه قضاء عدن، فامتنع، وكان له صوت في قراءة القرآن يهيج من الخليين الأشجان، وألفاظ تعجب من وعاها، وتطرب من رآها، وعبارة تلين القلب القاسي، وخلوات ترغب في مجالسته الناسي، وزهد يسلي من الدنيا كل حريص، ويغلي به في الآخرة كل رخيص، قرأت عليه القرآن الكريم، وصليت به في رمضان إماماً خمس سنين، وقرأت عليه كتاب التنبيه فأولم عند ذلك وليمة كبيرة، وذبح كبشين، وأطعم جماعة كثيرة، وهو أول من انتفعت به، ورأيت بركته من الشيوخ الذين صحبتهم قدس الله أرواحهم، ونور ضريحهم، ورضي عنهم.

والثاني من للشيخين المذكورين شيخنا، وقدوتنا، وسيدنا، وبركتنا الشيخ الكبير، العارف بالله الخبير، خزانة الأسرار، ومطلع الأنوار، الفقيه الناسك، المجذوب السالك، ذو السيرة الجميلة، والمناقب الجليلة، والمحاسن الغالية والمقامات العالية، والأحوال الباهرة، والمكاشفات الظاهرة، والكرامات الخارقة، والأنفاس الصادقة، والمعارف والعلوم الملدتيات، والآداب والأخلاق الرضيات، والتربية في سلوك الطريقة، والجمع بين الشريعة والحقيقة، ذو التخصيص والتمكين، أبو الحسن نور الدين، علي بن عبد الله اليمني الطواشي، نسباً، الشافعي الصوفي مذهباً، قدس الله روحه ونور ضريحه اشتغل رضي الله تعالى عنه بفنون من العلوم حتى في علم الطب، وأكثر اشتغاله بالفقه، وكان الغالب عليه التنسك، وحب الخلوات والانعزال عن المخالطات، وكان يسافر مع أبيه وأخوته، فإذا دخلوا السوق للتجارات، دخل المسجد للعبادات، ملازماً للتلاوة والإذكار وزيارة الأولياء الأخيار، حتى حصل له من بعضهم تعليم الاسم الأعظم، الذي من عرفه يقرب ويكرم، وحصل له مع السلوك جذبة من جذبات الحق، وهيبة جلالية حتى هابته الملوك ذو أحوال عظيمة، وظهور كرامات كريمة، وأفاض عليه الحق من فيض فضله، وملأ قلبه من أنوار. قدسه، وهذبه، وزكاه، وطهره من صفات نفسه، وملأ قلبه وقالبه من أنوار قدسه، وهذبه وزكاه وقربه وأدناه، وبالحياة الطيبة أحياه، وكشف له حجاب الجمال والجلال، وأطلعه على مكنون المعارف والأسرار، وغير ذلك مما لا يعرفه الأعارف بالله مجذوب سالك هو بمكان من المقام العالي، والحال الخطير، والناس يبصرونه ضعيف الجسم متواضعاً في زي فقير، ويحسبونه من جملة الفقراء المشاركين، ولا يدرون ما عنده من جليل الولاية، وعلو المنزلة والتمكين، وفي هذا قلت:

ص: 233

يرون جسماً براه الحب بالتلف

وليس يدرون دراً داخل الصدف

حاكى شيوخاً أجلا سادة سلفوا

أكرم بمن في المعالي لاحق السلف

كنت أعهده رضي الله تعالى عنه منذ سنين عديدة يأتي للحج والزيارة متحلياً بحلية حميدة، وكثيراً ما يأتي لذلك، ويسافر وفلاح الصلاح عليه قد لاح وهو ظاهر، وربما أتاني في بعض الأوقات تفضلاً منه في مكة شرفها الله تعالى يقال: عندما يأتي للحج، وهو حينئذ من الصالحين، ثم جاءه بعد ذلك نصيب وافر مما أشار إليه الحق سبحانه بقوله تعالى " أتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً " وبقوله عز وجل:" ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " وبقوله تعالى " يجتبي إليه من يشاء " وغير ذلك، ثم لزم منزله، وصار لا يحدث شيئاً من الحركات ألا بأمر وإشارات كل هذا، وما عندي علم حتى سافرت إلى اليمن السفرة الأولى، فتلقاني إلى الساحل في جمع كثير من فقرائه وجيرانه، وإذا الرجل غير الرجل، والوصف غير الوصف ظاهره قد كسي بملابس الأنوار، وباطنه خزانة المعرف والأسرار، يفوح فيه طيب الوصف بالغدو والآصال. ويصدق فيه قول الذي قال:

إلا إن وادي الجزع أضحى ترابه

من المس كافوراً وأعواده رندا

وما ذاك إلا أن هنداً عشية

تمشت وجرت في وجوانبه بردا

وفي انتقاله من حالة البعد والعنا إلى حالة القرب والهنا قلت:

عهدتكم قدماً على غير حالة

بها اليوم أنتم ساده وملوك

أتاكم من الرحمن جذب عناية

فهان عليكم للوصول سلوك

وفي مشيه إلى عندي قلت مستعير البيت الثاني:

لقد حق لي يا هند أنشد في الهوى

ولاق بحالي حين جاء سيدي عندي

خليلي هل أبصرتما أو سمعتما

بأكرم من مولى تمشى إلى عبد

ثم سافرت السفرة الأخيرة، فرأيت ما أدهش عقلي، وحير فكري من الأحوال والمعارف والأسرار والمكاشفات، والأنوار والكرامات، وغير ذلك مما شاهدته منه في حال خلوته في أوقات كثيرة عند ورود أحوال عظيمة تجري على لسانه فيها من عجائب الغيوب ما يحيي القلوب، وفي ذلك قلت على جهة النيابة على لسان حاله:

وما قلت قولاً غير أني أعرتها

لساني فأومت للهوى يتكلم

فأسرارها منها علمت، وعندما

سكرت جليسي سرها منه يعلم

ص: 234

أعني يعلم الجليس السر المودع في القول الجاري على لسان الغائب بواسطة الهوى المشار إليه بالكلام، فالضمير في منه يعود إلى الهوى، والمعنى أن الله تعالى يجري على لسانه كلاماً في حال غيبته بما يريده الله تعالى يسمعه الجليس ليس باختيار من الشخص المذكور.

ومن ذلك قول أبي القاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه لما سئل أن يملي كلامه: لو كنت أجريه كنت أمليه، وأما في حال الصحو، فهو في نهاية المحو ينكر ذلك، ولا يظهر منه شيئاً أصلاً لا قولاً ولا فعلاً ولا علماً ولا حالاً. متحقق بقول القائل:

ومستخبر عن سر ليلى رددته

فأصبح في ليلى بغير يقين

يقولون أخبرنا فأنت أمينها

وما أنا إن أخبرتهم بأمين

اللهم ألا مجالس تكلم معي فيها في حال الصحو، فكشف الخمار عن وجه كثير من مليحات المعارف والأسرار، ولكن نادر، وأطال البسط معي في ثلاثة مجالس. المجلس الأول مجلس إيناس وتأليف، والمجلس الثاني مجلس تأديب وتخويف، والمجلس الثالث مجلس تبشير وتعريف على ما سبق به القضاء من التقدير والتصريف، وهذا المجلس الثالث هو الذي أشرت إليه في القصيدة بقولي:

ولا سيما يوماً أغر مباركاً

به اليمن والبشرى بتبليغ منيتي

ولعل أكثر الناس أو كثيراً منهم له معه مجالسة كثيرة، ولا يظهر لهم منه صغيرة ولا كبيرة، ويعرض عليه أشياء كثيرة قبل أوقاتها. من ذلك قولي في قصيدة مدحته بها:

وطفت ببيت الرب قلب مطهر

من الجس من كل الصفات الدنية

ومفتتح القصيدة المذكورة قولي:

تخلفت يوم البين عنه بجثتي

وراحوا بقلبي يوم بانوا أحبتي

وناديت والركب اليماني راحل

وعندي مقيم في الحشا حر لوعتي

خليلي سيرا بلغا لي تحيتي

إلى عند سكان الربوع البهية

إذا جئتما حلي ابن يعقوب بمنا

قليلاً إلى حيث العادات حلت

وبثا غرامي في الربوع وقبلا

رباه وصبا دمعة بعد دمعة

ومنها عند ذكر شيخنا المذكور:

له أسفرت بيض الغلى عن محاسن

وقالت له: بشراك بشرى برويتي

فمديت طرفي كي أراها فأسبلت

خمار الهادوني، فمت بحسرتي

ص: 235

فإن أسعدت يوماً برفع خمارها

على الوجه أحيتني بأول نظرة

سقى الله أياماً خلوت بسيد

بها هل تراها سامحات بعودة

فكنا بها في طيب جمع بها الهنا

وعيش صفا من قبل تكدير فرقة

ولا سيما يوماً أغر مباركاً

به اليمن والبشرى بتبليغ منيتي

فشاهدت من أحواله وعلومه وأنواره

ما تحته كل تحفة

وألبسني عن أمر مولاه خرقة

كسيت بها فخراً لأمر بيقظة

مولى من الموالي أجل ولاية

يسل عليها سيف سطوة عزة

به كل جبار من الخلق خاضع

إلى عزة يأتي مطيعاً بذلة

له في معالي المجد منزل سؤدد

به طربت بيض المعالي وغنت

مع أبيات أخرى في بعضها استعارات، يطرق إليها إنكار من بعض من لا يفهم معاني الاستعارات والمجاز والإشارات، والعجب أن المنكرين هم من أهل السنة مع استحسان إمام الزيدية العلامة الفاضل يحيى بن حمزة للقصيدة المذكورة، فيما أخبرني به بعض حملة كتاب الله من المخبرين المباركين. قال: رأيته في حراز من بلاد اليمن، وقد أتي غازياً الإسماعيلية في جيش كثير قال: فلما - علم أني قاصد الحج: قال: لعلك تأتيني، أو قال: عسى أن تأتيني بشيء من كلام فلان، فقد وقفت له على قصيدتين أعجبتاني إحداهما في مدح شيخه قلت: والعجب كل العجب ممن ينكر ما تضمنته من ذكر الاستعارات، وعلو المقامات مما يستحسنه المخالفون المنكرون للمقامات، فنسأل الله الكريم الوهاب القادر أن يعافينا من عمي البصائر قد وعمني شيخنا المذكور بالجائزة للقصيدة المذكورة، وقال: هي تأتيك، ولو بعد حين، فلا تيئس منها، وإن طال الزمان، ونزل من مقامه العالي في التواضع وغيره، وأنزلني منزلة ليست لي بمكان، وفي ذلك قلت:

وأهلني المولى لما لست أهله

وأنزلني منه الندا فوق منزلي

وأنزلته في مدحتي دون منزل

له في العلى في كل ناد ومحفل

قلت: ومن تواضعه المذكور أني رجعت ذات يوم من صلاة الجمعة في حلى، فوافيته خارج القرية يريد الرجوع إلى منزله، وقد أتى بمركوب يركب عليه لحدوث ضعف فيه مع ضعف مزاجه، وضعفه برياضته وعلاجه، فلما راني قال: اركب فامتنعت من ذلك، فألح علي حتى ركبت، وصار هو يمشي بعدي.

ومن ذلك أيضاً أنه حصل لي تأديب في وقت هو فيه غائب لحال ورد عليه، فلما أفاق قال لي: قد يؤدب الفاضل على يد المفضول. يعني أنه حصل لموسى عليه السلام أدب على يد الخضر عليه السلام.

ص: 236

وله من المحاسن والسيرة الرضية، والكرامات والمناقب العلية، والتواضع والآداب. ما يضيق عن ذكره كتاب، فالله تعالى يزيده من فضله، ويجزل له الأجر والثواب، وينفعنا والمسلمين به وبالصالحين آمين.

وقد ذكرت في بعض كتبي شيئاً من كراماته المشتملة على بشاراته لي بما أرجو حصوله من فضل الله الكريم، وها أنا أذكر هنا بعض ذلك.

ذكر شيء من كرامات شيخنا نور الدين قدس الله روحه على وجه الاختصار.

فمنها ما أخبرني بعض أصحابه وأولاده، واستفاض في جهته وبلاده أنه قال لأمراء زمانه الطاغين في مكانه: إن لم تنتهوا عن كذا وكذا من المظالم والمعاصي جاءتكم النار، فقيل له في ذلك الحال: متى تجيء النار؟ قال: ليلة الجمعة، فلما كان سحر ليلة الجمعة طلع مؤذن الجامع المنارة ليذكر، فرأى ناراً مقبلة في الجو مثل المنارة تدنو منهم قليلاً قليلاً، فصاح ألا جاءكم ما أوعدكم به الشيخ علي، فخرج الأميران في ذلك الوقت قاصدين الشيخ، وكان خارج البلد نازلاً في بيت وحده، وأظهر له التوبة، وبكيا وتضرعا ومرغا خدودهما على الرماد بين يديه، وإذا بالنار قد انقسمت نصفين، فذهب أحدهما في جهة، والنصف الآخر في جهة راجعين عن البلد، والحمد لله الرحمن الجواد.

ومنها ما سمعته أيضاً غير مرة من غير واحد من تلامذته، واشتهر شهرة عظيمة في بلدته أن إنساناً يقال له: ثابت من بعض البلدان البعيدة ممن أعرفه، وأقام عندنا بمكة أشهراً عديدة، ثم سافر إلى بلاد حلي ابن يعقوب يحبسه العوام من الصالحين المنال. عندهم المطلوب، فأقام زماناً طويلاً في القرية، فلما كان يوم الجمعة من جميع ذلك الزمان جاء شيخنا المذكور إلى الجامع ليصلي الجمعة، وإذا بثابت المذكور جالس في طريقه، فلما مر عليه الشيخ أطلق ثابت لسانه فيه وسبه، وهم بعض من هو مع الشيخ بالبطش فيه، فقال الشيخ: دعوه معه ما يكفيه، فاشتغل في الحال ناراً فأخذ من حضر ماء، فجعلوا يصبونه على تلك النار لكي تنطفئ، فأحرقت ما شاء الله من جسمه ولحيته، والحمد لله على نعمه وإكرامه لأهل طاعته.

ومنها ما أخبرني بعض الصالحين ممن أعرفه وأعتقده، أن بعض ذرية الفقيه الكبير الولي الشهير، السيد الجليل، أحمد بن موسى بن عجيل - قدس الله روحه - أتى بقافلة اليمن، فلما وصل بلاد الشيخ أرسل بعض الفقهاء من أصحابه إلى الشيخ يسأله عن الأصلح في سفر البر أو البحر خوفاً من العربان القطاع أولي الفساد والأطماع، فلما أتاه الرسول وجد الشيخ مقبوضاً، فلما لم ير عنده شيئاً من البسط والإيناس. قال في نفسه: ليت الفقيه فلاناً

ص: 237

استشار فلاناً رجلاً صالحاً في القافلة سماه. خطر له ذلك قبل أن يبلغ الرسالة، ولا ذكرها بعد ذلك، فلما خطر له هذا الخاطر قال له الشيخ في الوقت الحاضر: قل للفقيه إن شاء مسافر براً أو بحراً، فما عليهم إلا السلامة، واعلم أن المشهورين في بركة المستورين.

ومنها ما أخبرني بعض شيوخ اليمن المشهورين بالصلاح، والاتصاف بالأوصاف الملاح، في شهر رمضان المبارك في الحرم الشريف، وهو متوجه للإحرام بالعمرة. أنه رأى شيخاً المذكور بعد صلاة الصبح منصرفاً من حول الكعبة إلى جهة بلاده، وأنه مر عليه، وتبسم في وجهه، وأشار مع السلام بإصبعه إليه، وذكر أنه كان يتعبد معه في بعض السواحل في أيام البداية، وأنه كان يأتي إلى شيخنا كل ليلة ثلاثة أنفس أحدهم الخضر فيتحدثون معه ما شاء الله تعالى من الليل، وأنه كان يتنحى عنهم في ذلك الاجتماع، ويقول لشيخنا: ما جاؤوا إلا إليك اللهم أنفعنا بعبادك الصالحين بحرمتهم عليك.

ومنها ما أخبرني بعض الفقهاء المتقنين المباركين المتنسكين أنه أذن له شيخنا المذكور في الخلوة، فدخل فيها، وكان في بعض الأوقات يتصور له بعض الشياطين يوسوس عليه يراه بعينه ظاهراً، فشكا ذلك إلى الشيخ، فقال له: إذا رأيت شيئاً من ذلك ناد باسمي، قال: فلما كان فات ليلة تصور لي الشيطان، فقلت: يا سيدي الشيخ علي فما تم مقالتي إلا والشيخ واقف بباب الخلوة مع بعد منزله عن ذلك المكان، فسبحان الكريم المنان الذي طوى لهم المكان والزمان، وأطلعهم على ما شاء من الغيب حتى شاهدوه بالعيان.

ومنها أنا لما بلغنا في سفر البحر إلى مرسى حلي قال لي أصحابي: تنزل إلى الساحل. قلت: لا، فنزلوا وبقيت في المركب وحدي، ونويت أني إذا بلغت اليمن لزيارة جماعة من الصالحين، ورجعت زرت الشيخ نور الدين المذكور في حلي، فلما كان ضحوة اليوم الثاني من نزول أصحابي حدث عندي داعٍ إلى النزول إلى الساحل، وإذا بزورق، وهو المعروف بالسنبوق في اصطلاح بعض الناس فيه بعض البحارين جاء إلى بعض المراكب المرساة لقضاء حاجة، فأشرت إليه أن يدنو مني، فأتاني، فركبت معه في الزورق إلى الساحل، فلما صرت في البر تمشيت فيه قليلاً، وإذا بالشيخ علي المذكور مقبلاً إلي في جمع كثير ركبان ورجالة من أصحابه وجيرانه، فسلم علي، وألبسني الخرقة، فعلمت أن الداعي الذي أزعجني إلى النزول في ذلك الوقت بعد أن لم يكن لي فيه نية إنما هو بخاطر الشيخ إذ كان الاجتماع الذي وقع بيننا مقدوراً له النزول سبب، والحمد لله على ذلك السبب الذي قدر لي به أني أصحب، وعلى جميع ما أنعم ووهب.

ومنها أني خرجت في بعض الأيام إلى خارج البلد، واخترت موضعاً بعيداً عن الناس، فخلوت فيه تحت شجرة خفية بين أشجار البرية بحيث لا يهتدي مكاني أحد، فما شعرت إلا

ص: 238

والشيخ معي، فجلس معي قليلاً، فسررت بذلك سروراً كثيراً، وحسبت أنه يطيل الجلوس عندي فأتملأ به، واسأله عن كل ما أريد، فورد عليه حال، فقام بعد أن ظهر فيه مبادي السكر، فحصل في باطني عند ذلك تألم واحتراق لعدم حصول ما أملت، فقلت له: عند ذلك ما كان لي بمجيئك حاجة، فقال: ولم قلت؟ لأني فرحت بمجيئك، ثم تألمت بقيامك، فأتى إلي ووضع إصبعه على قلبي، وقال: هذا موضع الألم، فسكن ذلك الألم، وبردت تلك الحرقة كما تبرد النار إذا صبت عليها الماء، وازددت عند ذلك في اعتقاد فضله علماً، والحمد لله على المعرفة لهم والصحبة، وعلى ما خلق بيننا وبينهم من المحبة.

ومن هذا الإسكار الذي يفارق به الأغيار، ولا يرضى فيه إلا بمجالسة الملك القهار أني مررت بجنبه في بعض الأحيان، وهو جالس على بعض الكثبان، فناداني إليه، فجلست معه قليلاً، وهو منشرح منبسط معي، ثم ورد عليه وارد أخرجه عن ذلك الحال إلى حال آخر ظهر عليه في مبادي السكر، فقبض نفسه فيه، وتنمر ونظر إلي نظرة النشاوي في سكرهم، وقال: من جالس الملوك لم يرض مجالسة غيرهم، فقمت عنه هارباً، ورجعت في طريقي التي كنت فيها ذاهباً، وكان هذا ضحوة النهار، ثم رجعت من وجهي الذي توجهت فيه بعد العصر، فإذا به قد تغير عن ذلك الأسلوب، ورجع إلى الأسلوب الانبساط المحبوب، وقد أتى بمركوب يركبه فأقسم علي أن أركب ذلك المركوب، فركبته، ومشى هو مع جلالته وضعفه، وتباين ما بين طرفي نهاره في هيبته ولطفه متحققاً بقول قائلهم:

إذا كنا به تهنا دلالاً

على كل الموالي والعبيد

ولكنا إذا عدنا إلينا

يعطل دلنا ذل اليهود

ومنها أني حكيت له مرة أني قصدت في أيام الحج رجلاً من الصالحين في منى، فطلبته في منزله، فلم أجده، فطلعت بعض جبال منى، وانعزلت بعيداً من الناس تحت بعض الأحجار، فبينا أنا كذلك، لماذا بذلك الرجل الصالح الذي كنت أطلبه معي، فوقف عندي ما شاء الله، فلما حكيت لشيخنا المذكور هذه الحكاية تعجيباً له بذلك في ظني قال لي: عسى كان اجتماعكم في المكان الفلاني، وأشار إلى ذلك المكان بعينه مع عدم تميزه عن غيره تميزاً يهتدي به إليه، فلما سمعت منه ذلك تعجبت، وقلت له: الفرسان يمرون علينا، ولا يسلمون، فقال: يسلمون بالقلوب، ثم جمعت بينه وبين الصالح المذكور، وهو الولي الحبيب خالد بن صالح بن شبيب في المسجد الحرام ليلاً، فحصل للشيخ خالد بذلك سرور، فلما افترقا قال لي الشيخ علي: هذا من غزة، ولم يكن لهما قبل ذلك اجتماع بل بمعرفة القلوب والكشف والاطلاع رضي الله تعالى عنهم، ونفعنا بهم.

ومنها أنه خطر لي في وقت خلوة من أفضل هو أو شخص آخر،

ص: 239

فقال لي: عند خطور هذا الخاطر، ما الفرق بين الرسول والنبي؟ فأردت أن أذكر ما بينهما من الفرق بحسب ما يخطر لي من العبارة، فسبقني وعبر في الفرق بينهما بعبارة حسنة مشتملة على ألفاظ وجيزة جامعة، ومعانٍ حسنة، حاصلها أن الرسول هو الذي يوحي إليه، ويرسل إلى الخلق، ويؤيد بالمعجزات التي تدل على الحق، والنبي غير متصف بهذه الصفات، وكذلك الأولياء منهم من يؤمر بإرشاد المريدين، ويؤيد بالكرامات والبراهين. ومنهم من له فضل في نفسه، وليس له شيء من هذه المذكورات، ففهمت من ذلك أن الفرق بينه وبين ذلك الشخص نسبته نسبة الفرق بين الرسول والنبي على حسب ما بين النبوة والولاية من التفاوت، فهو في أعلى درجات الولاية كما أن الرسول في أعلى درجات النبوة، وذلك الشخص في أسفل درجات الولاية، كما أن النبي في أسفل درجات النبوة، ومفهوم كلامه أنه أفضل من ذلك الشخص، فقلت له في ذلك الحال: هل يتصور أن يصير النبي رسولاً. ومرادي أن ذلك الشخص، هل يصير في مرتبة التربية والتأييد بالكرامة، وإرشاد السالك؟ فأشار إلي أنه قد يتصور ذلك، نسأل الله الكريم من فضله العظيم لنا ولأحبابنا والمحبين.

ومنها أنه قال لي بعض الأولياء الكبار ممن له بكثرة الكرامات في بلاد اليمن اشتهار: سلم لي على الشيخ علي يعني شيخنا المذكور، وذلك عقيب صحبتي للشيخ، وكنت في ذلك الوقت زائراً عشرة من الأولياء، فلم يذكر لي أحد منهم بالسلام ولا غيره غير الشيخ علي، فقال: يأخذ كل واحد منكما عن صاحبه تأخذ عنه نوراً، ويأخذ عنك علماً، فقلت في نفسي متعجباً: كيف يأخذ عني العلم، وهو ممن يفيد العلم وغيره. وأما أخذي عنه النور، فهو أهل لذلك، وأنا مفتقر إليه، فاسأل الله تعالى أن يحقق ذلك، وكان هذا الكلام سراً بيني وبينه لم يطلع عليه أحد غير الله.

فلما قدمت على سيدي الشيخ أخرج لي كتاباً من كتب الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، وقال: ما تقول في هذه المسألة؟ وأشار إلى كلام فيه لأبي حامد، فقلت: سبحان الله مثلك يسأل مثلي: فقال لي: إيش قال الشيخ فلان؟ مشيراً إلى ما ذكرت من قول ذلك الشيخ، ويأخذ عنك علماً، فلما قال لي ذلك تعجبت، وعلمت أن الرجل صاحب تمكين في الاطلاع على القلوب، وما شاء الله من علم الغيوب، وقوة التصرف النافذ فيما شاء الله من الوجود، بمن الملك المنان ذي الكرم والجود.

ومن قوة تصرفه أن بعض أصحابه كان قد منعه من الأسفار مع رغبته فيها، فقال صاحبه المذكور لشيخ من شيوخ اليمن الكبار: أشتهي منك، ومن فلان شيخ آخر من الكبار أيضاً أن تكفياني أمر الشيخ علي في منعه لي من السفر، وتضمنا لي ذلك، فقال له: لا والله

ص: 240

يا فلان لا أقدر وأنا وفلان على منع الشيخ علي مما أراد، فإن جنده سفهاء يعني أنه صاحب حال قوي، وتصرف نافذ لا يستطيع رده، ولو اجتمعنا على ذلك. كما أن الجند السفهاء يستطيع أحد مدافعتهم وردهم عما طلبوا.

رجعنا إلى ما كنا فيه من ذكر المسألة، فأخذت الكتاب، ونظرت فيه فإذا هي على غير ظاهر ألفاظها، فقال لي: تقول. قلت: نعم، وإذا به قد ورد عليه وارد غيبه عن الإحساس من واردات الأحوال التي ترد عليه في كثير من الأوقات، وعلى غيره من أرباب القلوب والرجال، فخفق برأسه في حجري، وكان جالساً إلى جنبي، فمكث قليلاً، ثم أفاق منشرحاً. فقال لي: وفقك الله، فعرفت أنه قد حصل له إطلاع في تلك الغيبة على أن ما ذكرت له من الجواب هو عين الصواب، والحمد لله على ذلك، وعلى جميع الأئمة، وأسأله أن يتقبل ما ذكرت من دعائه، وأن يغفر لنا جميع الذنوب، ويبلغنا من الخيرات كل مطلوب بجاه نبيه المصطفى المكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه عشر من كراماته الكبيرة يدل بعضها على فضله عنده من له بصيرة.

وأما ما له من الإشارات التي في ضمنها لي بشارات.

فمنها قوله رضي الله تعالى عنه لي: إني أرجو لك في آخر العمر بعد قولي له أرى فلاناً يبشرني، وأنت ما تبشرني.

ومنها قوله لي: لا تيئس من الجائزة فهي تأتيك، وإن طال الزمان يعني على القصيدة التي ذكرته فيها.

ومنها قوله لي: يا ما يخرج الله من هذا الصدر من الحكم مشيراً إلى صدري.

ومنها قوله لي: ما ظنك بعبد بن أشرف المولى عليهما أيردهما خائبين؟ وذلك بعد خلوتي معه في مجلس مبارك، ورد عليه فيه وارد شريف، فأضحكه بشراء بعدما أحزنه تخويفه وأبكاه.

ومنها قوله لي لما قدمت عليه زائراً: رأيتك منصرفاً من عندي، وعليك ثوب أبيض.

ومنها قوله لي: أشتهي لك سيفاً تضرب به، وفي قوله هذا إشارتان إحداهما أن ذلك الضرب كون فيه محقاً، والمضربون مبطلين، ولو لم يكن كذاك لما جاز أن يحب إلي السيف المذكور، والثانية أن تكون لي أعداء كثيرون، نسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين حرباً لأعدائه المعتدين، وسلما لأوليائه المهتدين آمين اللهم آمين.

ومنها قوله لي بعد ورود حال عليه مقامك عالٍ حقق الله تعالى ذلك بمنه وكرمه.

ص: 241