الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن تقبلوا عذري فأهلاً ومرحبًا
…
وإن لم تجيبوا فالمحب حمول
سأصبر لا عنكم ولكن عليكم
…
عسى لي إلى ذاك الجناب وصول
توفي في شهر ذي الحجة، وهو صائم، وقد نيف على الثمانين.
قلت: ما أطنب الذهبي في كتابه العبر في مدح أحد من الشيوخ أرباب الأحوال العارفين بالله الرجال سوى في مدح الشيخ المذكور.
وفيها توفي شيخ الشيوخ أبو الحسن محمد ابن شيخ الشيوخ عمر بن علي الجويني، برع في مذهب الشافعي، ودرس وأفتى وسمع من يحيى الثقفي وأجاز له أبو الوقت وجماعة، وكان كبير القدر، ثم ولي بمصر تدريس الشافعي ومشهد الحسين، وبعثه الكامل رسولاً يستنجد بالخليفة وجيشه على الفرنج، فأدركه الموت بالموصل.
وفيها توفي مسند خراسان المؤيد بن محمد رضي الدين أبو الحسن الطوسي المقري انتهى إليه علو الإسناد بنيسابور، ورحل إليه من الأقطار، وخوارزم شاه محمد ابن السلطان الكبير علاء الدين، كان ملكًا جليلاً أصيلاً، عالي الهمة، واسع الممالك، كثير الحروب، ذا ظلم وجبروت وعز ودهاء.
سنة ثمان عشرة وست مائة
فيها سار الملك الأشرف ينجد أخاه الكامل، وسار معه عسكر الشام، وخرجت الفرنج من دمياط بالفارس والراجل أيام زيادة النيل، فنزلوا على ترعة، فتوثق المسلمون عليها النيل، فلم يبق لهم وصول إلى دمياط وجاء الأسطول، فأخذوا مراكب الفرنج، وكانوا مائة كند بالنون والدال المهملة المركب، وثمان مائة فارس فيهم صاحب عكا، وخلق من الرجالة، فلما رأوا الغلبة بعثوا يطلبون الصلح، ويسلمون دمياط إلى الكامل، فأجابهم، ثم جاء أخواه بالعساكر في رجب، وعمل سماطًا عظيمًا، وأحضر ملوك الفرنج، فأنعم عليهم، ووقف في خدمته الملك المعظم والأشرف، وكان يومًا مشهوراً، وقام راجح الحلي، فأنشده قصيدة منها:
ونادى لسان الكون في الأرض رافعًا
…
عقيرته في الخافقين ومنشدا
أعباد عيسى إن عيسى وحزبه
…
وموسى جميعأ ينصران محمدا
اشارة إلى الإخوة الثلاثة قلت: وما ألطف هذه الإشارة، وأظرف هذه العبارة: وحسن سهولة هذا النظم وعذوبته، وأشار بعيسى إلى الملك المعظم، وبموسى إلى الملك الأشرف، وبمحمد إلى الملك الكامل وحسن مطابقة الحال أن عيسى وموسى المذكورين كانا في خدمة محمد، ومتابعة طاعته، وتبجيله، واحترامه كذلك موسى وعيسى صلوات الله على نبينا وعليهما لم يزالا في تبجيل محمد صلى الله عليه وآله وسلم واحترامه، فلو كانا حيين ما وسعهما إلا متابعته كما ورد في الحديث وجاءت في هذه المطابقة أعظم تبكيت للفرنج الحاضرين بل لليهود والنصارى أجمعين، فلما أحسن هذا الاتفاق العجيب والمعنى الغريب.
وفيها توفى الشيخ الكبير السيد الشهير ذو المعارف والأسرار واللطائف والأنوار والمقامات العليات، والأحوال السنيات، والأنفاس الصادقات والكرامات الخارقات والقدر الجليل، والعطاء الجزيل، المحقق، المحدث قدوة المحدثين، وإمام السالكين ناصر السنه نجم الدين البكري، رحل إلى الأقطار وتنقل في الأمصار، ورأى المشائخ الجلة الكرام، وحج بيت الله الحرام راكبًا وماشيًا، وفضله لا يزال يسمو في الأيام فاشيًا. سمع الحديث والأخبار والتفاسير والاثار عمن لا يحصى كثرة، ولبس خرقة الأصل من يد الشيخ العارف أبي الحسن إسماعيل القصري، عن محمد بن مانكيل، عن داؤد بن محمد المعروف بخادم الفقراء، عن العباس بن إبن إدريس، عن أبي القاسم بن رمضان، عن أبي يعقوب الطبري، عن عبد الله بن عثمان، عن أبي يعقوب النهرجورفي، عن أبي يعقوب السوسي، عن عبد الواحد بن زيد، عن كميل بن زياد، عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولبس خرقة البترك من الشيخ أبي ياسر عمار بن ياسر التدليسي، عن الشيخ أبي النجيب عبد القاهر بن عبد الله السهروردي، عن أبيه، عن عمه عمر بن محمد، عن أبيه محمد بن عمويه، عن أحمد بن سبا، عن ممشاد الدينوري، عن أبي القاسم الجنيد، عن خاله السري السقطي، عن معروف الكرخي، عن داؤد الطائي، عن الحبيب العجمي، عن الحسن البصري، عن علي رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واختلف في تسمية الشيخ نجم الدين الكبري فقال بعضهم: هو الكبرى مقصور وقال آخرون هو ممدود مفتوح الموحدة أي هو نجم الكبرى جمع تكسير الكبير قالوا والصحيح هو الأول ووجه صحته على ما ذكروا أنه كان أيام صباه شديد الذكاء فطنًا لم يلق مؤدبه إلى أقرانه في المكتب شيئًا من المشكلات إلا سبقهم بثاقب ذهنه، فلقبوه الطامة الكبرى، ثم غلب عليه ذلك اللقب، فحذفوا الطامة ولقبوه بالكبرى وهو وجه صحيح
نقله جماعة من أصحابه ممن يوثق بهم، واستشهد رضي الله تعالى عنه بظاهر خوارزم في الوقعة العامة، والفتنة التتارية في السنة المذكورة، قال الراوي الشيخ الجليل كمال الدين العارف بالله السالك الحفيل المعروف بالسفناقي بالسين المهملة والفاء والنون، وقبل ياء النسبة قاف من أصحاب الشيخ نجم الدين المذكور قال: لما وصل التتار إلى خوارزم سنة سبع عشرة وست مائة، وحصروها جمع الشيخ أصحابه وهم أكثر من ستين، وقد هرب السلطان محمد وهم يظنون أنه بها، ودخلوا البلد، وكان في أصحاب الشيخ المذكور الشيخ سعد الدين الحموي، والشيخ علي لالا، وابن أخيه علي بن محمد مع جماعة من العارفين، فطلبهم الشيخ، وقال لهم: قوموا وارتحلوا وارجعوا إلى بلادكم، فإنه خرجت نار من المشرق وتحرق إلى قريب المغرب، وهي فتنة عظيمة ما وقع في هذه الأمة مثلها فقال بعضهم: لو دعوت الله أن يرفع هذه الفتنة عن بلاد المسلمين، فقال: هذا قضاء من الله تعالى حكم لا يرده ولا ينفع فيه الدعاء، فقالوا: يا مولانا معنا دواب تركب معنا وتخرج الساعة، فقال أني: أقتل هاهنا ولم يأذن الله لي أن أخرج منها فاستعدوا لخروجكم إلى خراسان، فخرجوا، ولما دخل الكفار إلى البلد نادى الشيخ في أصحابه الذين لم يأمرهم بالخروج للصلاة جامعة، ثم قال: قوموا على اسم الله تقاتل في سبيل الله، ودخل البيت، ولبس خرقة شيخه، وشد وسطه وكانت فرجية وجعل الحجارة في جانبيها، وأخذ العنزة، وخرج، ولما واجههم أخذ يرميهم بالحجارة حتى فرغ جميع ما معه، ورموه بالنبل، فجرحوه، وأخذ يدور ويرقص، فجاءه سهم في صدره، فنزعه ورمى به نحو السماء، وفاز الدم من صدره، فأخذ ينشد شعرًا بالعجمي من جملة معناه إن أردت فاقتلني بالوصال، أو بالفراق فأنا فارغ عنهما محبتك تكفيني، وما أنا حل إن قلت أغثني، ثم توفي ودفن في رباطة رحمة الله تعالى، ومما رثاه المؤيد بن يوسف الصلاحي، فقال في أثناء مرثيته:
زال جهد في مرضاة خالقه
…
وما أعد له الرحمن ما كسبا
من ذا رأى بحر علم في بحار دم
…
يجري إذا ما طفت أنواره سببا
يهوى النجوم الدراري من يكون لها
…
يومًا نسيبًا تداتيه إذا انتسبا
يا يوم وقعة خوارزم التي اتصفت
…
فجعتنا وفقدنا الدين والحسبا
أبح يا أله الخلق نيل رضى
…
لا يدرك الكنه منه حاسب حسبا
وفيها توفي أبو نصر موسى بن شيخ محمود قطب الوجود مغدن الفضائل والمفاخر محيي الدين عبد القادر، روى عن أبيه وسعيد بن البناء، وابن ناصر، وأبي الوقت، وسكن دمشق رحمه الله تعالى.
وفيها توفي أبو الدر ياقوت بن عبد الله الموصلي الكاتب أخذ النحو عن الدهان، وقرأ