الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وتسعين وست مائة
فيها قتل الملك المنصور صاحب مصر والشام حسام الدين لاجين المنصوري السيفي هجم عليه سبعة أنفس، وهو يلعب بعد العشاء بالشطرنج ما عنده إلا قاضي القضاة حسام الدين الحنفي، والأمير عبد الله ويزيد البدوي، وإمامة ابن العسال، قال القاضي حسام الدين الحنفي: رفعت رأسي، فإذا سبعة أسياف تنزل عليه، ثم قبضوا على نائبه، فذبحوه من الغد، ونودي للملك الناصر، وأحضروه من الكرك، فاستناب في المملكة سلار، ثم ركب بخلعة الخليفة وتقليده، وكانت سلطنة لاجين بسنتين، وكان فيه دين وعدل.
وفيها توفي صاحب حماة الملك المظفر تقي الدين محمود ابن الملك الممنصور آخر ملوك حماة.
وفيها توفي الملك الأوحد يوسف بن الناصر صاحب الكرك ابن المعظم توفي بالقدس، - وسمع وروى عنه الديماطي في معجمه.
وفيها توفي ابن النحاس العلامة حجة العرب أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الحلبي، شيخ العربية بالديار المصرية.
سنة تسع وتسعين وست مائة
في أوائلها قصد التتار للشام، فوصل السلطان الملك الناصر إلى دمشق، وانحفل الناس من كل وجه، وهجموا على وجوههم، وسار الجيش، وتضرع الخلق إلى الله تعالى، والتقى الجمعان بين حمص وسلمية، فاستظهر المسلمون، وقتل من التتار نحو عشرة آلاف وثبت ملكهم غازان، ثم حصل تخاذل، وولت الميمنة بعد العصر، وقاتلت الحاصكية أشد قتال إلى الغروب، وكان السلطان آخر من انصرف بحاشيته نحو بعلبك، وتفرق الجيش، وقد ذهبت أمتعتهم ونهبت أموالهم، ولكن قل من قتل منهم، وجاء الخبر إلى دمشق من غد، فحار الناس وأبلسوا وأخذوا يتسلون بإسلام التتار، ويرجون اللطف، فتجمع أكابر البلد، وساروا إلى خدمة غازان، فرأى لهم ذلك، وفرح بهم، وقال: نحن قد بعثنا - بالأمان قبل أن تأتون.
ثم انتشرت جيوش التتار بالشام طولاً وعرضاً، وذهب للناس من الأهل والمال والمواشي ما لا يحصى، وحمى الله دمشق من النهب والسبي والقتل، ولكن صودروا
مصادرة عظيمة، ونهب ما حول القلعة لأجل حصارها، وثبت متوليها علم الدين ثباتاً كلياً لا مزيد عليه، حتى هابه التتار، ودام الحصار أياما عديدة، وأخذت الدواب جميعها، واشتد العذاب، في المصادرة مع الغلاء والجوع وأنواع الهم والفزع، لكنهم بالنسبة إلى ما جرى بجبل الصالحية من السبي والقتل أحسن حالاً، فقيل: إن الذي وصل إلى ديوان غازان من البلد ثلاثة آلاف ألف وست مائة سوى ما أخذ في الرسيم والبرطيل ولبس المسوح، وكان إذا ألزم التاجر بألف درهم ألزمه عليها فوق المائين ترسيماً يأخذه التتار، ثم أعان الله، فرحل غازان في ثاني عشر جمادى الأولى، وكان قدومه ومحاربته في أواخر ربيع الأول، ثم ترحل بقية التتار بعد ترحله بعشرة أيام، ودخلت جيوش المسلمين القاهرة في غاية الضعف، ففتحت بيوت المال، وأنفق عليهم نفقة لم يسمع بمثلها، ومدة انقطاع خطبة الناصر من خوف التتار مائة يوم.
وفيها توفي من شيوخ الحديث بدمشق والجبل أكثر من مائة نفس، وقتل بالجبل، ومات برداً وجوعاً نحو أربع مائة نفس، وأسر نحو أربعة آلاف منهم سبعون من قرية الشيخ أبي عمرو.
وفيها توفي الإمام المحدث الحافظ أحمد بن فرج الإشبيلي، تفقه على الإمام عز الدين بن عبد السلام، وحدث عن ابن عبد الدائم وطبقته، وكان ذا ورع وعبادة وصدق له حلقة اشتغال لجامع دمشق.
وفيها توفي العلامة نجم الدين أحمد بن مكي، كان أحد أذكياء الرجال وفضلائهم في الفقه، والأصول، والطب، والفلسفة، والعربية، والمناظرة.
وفيها توفيت خديجة بنت يوسف، وخديجة بنت المفتي محمد بن محمود أم محمد، روت عن ابن الزبيدي، وتكنى أمة العز روت عن طائفة، وقرأت غير مقدمة في النحو، وجودت الخط على جماعة، وحجت وتوفيت في رجب، وكانت عالمة فاضلة - رحمها الله تعالى -.
وفيها توفيت صفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفرا المنادي، روت في الخامسة عن الشيخ الموفق، وعدمت بالجبل.
وفيها توفي ابن الزكي قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة محيي
الدين بن محمد القرشي درس في العزيزية، وقد ولي نظر الجامع وغير ذلك، ومات كهلاً. وفيها توفي إمام الدين قاضي القضاة أبو القاسم عمر بن عبد الرحمن القزويني الشافعي كان مجموع الفضائل، تام الشكل توفي بالقاهرة.
وفيها توفي ابن غانم الإمام شمس الدين محمد بن سليمان المقدسي الشافعي المواقع، سبط الشيخ غانم، وفيها حمل الأمير سيف الدين نائب السلطنة بطرابلس مرات، وقتل جماعة، ثم قتل، وكان ذا دين وخبرة وشجاعة.
وفيها توفيت هدية بنت عبد الحميد المقدسية الصالحية، روت الصحيح عن ابن الزبيدي، وتوفيت بالجبل.
وفيها توفي أبو محمد المرجاني الشيخ الكبير، الولي الشهير، القدوة العارف معدن الأسرار؛ والمعارف والمواهب واللطائف، علم الوعاظ، المعلم المنطق بالمعارف والحكم عبد الله بن محمد المرجاني المغربي أحد المشائخ الإسلام، وأكابر الصوفية السادات الكرام. توفي بتونس كان مفتوحاً عليه في العلوم الربانية والأسرار الإلهية.
ومما بلغني عنه أنه قيل له: قال فلان: رأيت عمود نور ممتداً من السماء إلى فم الشيخ أبي محمد المرجاني في حال كلامه، فلما سكت ارتفع ذلك العمود، فتبسم الشيخ، وقال: ما عرف يعثر بل لما ارتفع العمود سكت.
قلت يعني رضي الله تعالى عنه أنه كان يتكلم بالأسرار عن مدد من الأنوار، فلما انقطع المدد بالنور الممدود انقع النطق بالكلام المحمود.
ومما بلغني من كراماته أنه حضر مجلسه بعض المنكرين بنية الاعتراض عليه في كلامه، وكان ذلك الشخص المنكر أعور، فقال الشيخ أبو محمد المذكور في أثناء كلامه: قبل أن يضيء النهار الله أكبر، حتى العوران جاؤوا للاعتراض والإنكار، أو كما قال من الكلام الصادر عن النور في وقت الظلام، وكان من عادته أنه لا يقوم من مجلسه حتى يرتفع النهار، فبقي ذلك الأعور في حياء وخجل وحزن ووجل خوفاً من أن يقوم ويخرج، فيعلم الحاضرون أنه المراد، ويقعد فيعرف إذا طلع النهار أنه المنكر السيئ الاعتقاد، فبينا هو متحير بين هاتين الفضيحتين إذ أطفأ الشيخ القنديل، وانقض المجلس، ولم يعلم الأعور من صاحب العينين الصحيحتين، وكان قصر المجلس في ذلك الوقت على خلاف العادة ستراً